عزيز أوغور
الرئيس الأميركي باراك أوباما وعشية الذكرى الثالثة عشر لهجمات الحادي عشر من أيلول أوضح ملامح “السياسة الأميركية الجديدة لمقاومة إرهاب داعش”، وضمنّها طرق وأساليب أميركا لمقارعة هذا التنظيم.
في الحقيقة أن هذه “الاستراتيجية” هي خطة أشمل وأعم، وضعتها الولايات المتحدة للتعامل مع العالم والتطورات فيه وجعلت من “داعش” مناسبة لكشفه هذه “الخطة/الاستراتيجية” على الرأي العام.تقوم هذه “الاستراتيجية” على إرسال الخبراء ورجال الاستخبارات وتكثيف الهجمات الجوية على مقار “داعش” ولكن دون إرسال الجيوش الأميركية أو حشد جيوش الحلفاء وسوقهم إلى مناطق الحروب في الشرق الأوسط. الدعم سيتوقف على القصف الجوي وإرسال الأسلحة والدعمين السياسي والمالي للقوى التي تتحالف مع أميركا، والتي تريد لها أميركا أن تقارع “داعش” نيابة عنها. وعبر “حزمة” الدعم والإسناد هذه، تهدف أميركا لتثبيت أقدام حلفائها في وجه “داعش” ومن ثم إضعاف هذا التنظيم وتشتيت صفوفه، كمقدمة للقضاء عليه نهائيا وإخراجه من المعادية وعموم المشهد بشكل تام. وتضمنت “الاستراتيجية”، كذلك، تفصيلة أخرى وهي إمكانية ملاحقة “داعش” حتى داخل الأراضي السوري، إذما استدعت الحاجة لذلك. الهجمات الجوية داخل الأراضي العراقية سوف تتضاعف. لسان حال أوباما يقول: “في أي منطقة من العالم تصدر منها تهديد ضد بلادنا ومصالحنا، فسوف نعمد إلى قصفها”!.
الشيء الملفت في النظر هو أن “الاستراتيجية” الأميركية في مقارعة “داعش” تضمنت أيضا عبارة تقول “إن أميركا لم تتحقق من أي تهديد جدي ومباشر قد يشكله تنظيم “داعش” على أمنها الداخلي”، وهذا يوحي بأن الإدارة الأميركية إنما تضع هذه “الخطة” لضرب “داعش” إكراما لحلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين ولإنقاذهم من براثن “داعش” وتمدد مقاتليها في كل صوب. والمنطق هنا يقول: نحن سنقدم لكم المساعدة العسكرية واللوجستية وانتم عليكم أن تحاربوا “داعش” على أرض الميدان!. التقرير الأميركي يتحدث عن آلاف الجهاديين الذين غادروا أميركا وأوروبا للانضمام إلى صفوف “داعش” في سوريا والعراق، ويبدي تخوفه من إمكانية رجوع هؤلاء ليشكلوا خطرا حقيقيا على الأمن الداخلي للبلدان التي خرجوا منها.
ويطالب أوباما العراقيين بتصدر الحرب ضد “داعش” متعهدا لهم بالدعم العسكري والسياسي والمالي. في الفترة السابقة قاد الكرد الحرب ضد “داعش”. وحدات حماية الشعب(YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) كانت رأس الحربة ضد هذا التنظيم الإرهابي واستطاعت أن توقف زحفه وتلحق به ضربات كبيرة. لكن التحرك الأميركي ضد “داعش” لم يحدث إلا حين وصل هذا الأخير إلى أبواب أربيل. كان يٌراد أن يصل “داعش” إلى هناك لكي تتحرك أميركا ضده!
وفي “الاستراتيجية” الأميركية الجديدة ضد “داعش” ثمة مكان للكرد أيضا. التقرير يقول بان الكرد سيكونون جزء من هذا الحرب وسيحصلون على السلاح والتدريب والخبرة المناسبة، وسيكون لهم دور في مقاومة “داعش” ضمن الأراضي العراقية والسورية. وثمة في “الاستراتيجية” مكان ما لاحتواء إيران، وهنا أيضا يتم التلميح للدور الكردي المرتقب.
وأميركا حينما تتحدث عن الكرد فهي تعني بذلك الكرد في إقليم جنوب كردستان(كردستان العراق) ولا تعني حزب العمال الكردستاني، فهي حذرة في الاقتراب منه والاتصال به. لكن على كل حال، الكل يعلم إنه في أي تحرك في المنطقة وأثناء الحاجة للدعم الكردي فإنه لن تستقيم الأمور دون حزب العمال الكردستاني ودون قوات الدفاع الشعبي الكردستاني ووحدات حماية الشعب(YPG) ووحدات حماية المرأة. كل العالم يعلم بأن قوات العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب(YPG) هي من تصدت بقوة وفاعلية لمرتزقة “داعش” دون الحاجة للسلاح الأميركي والأوروبي، ودون مساعدة من أحد. طبعا لا أريد لأحد أن يفهم هنا بان تعاونا أميركيا مع حزب العمال الكردستاني في أمر محاربة “داعش” سيحدث لامحالة!
أميركا عمدت في السابق للتعاون مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني: فقد حددت عبر تقنيتها “الأهداف العسكرية” في مناطق الحماية المشروعة في جبال قنديل، وعمدت لخلق المؤامرات لشق صفوف حزب العمال الكردستاني الذي اختار الخيّار الثالث، لذلك من المستبعد أن تقوم صداقة بين القوتين. هجمات مرتزقة “داعش” على شنكال، مخمور، ربعية ومناطق أخرى دلت على أن قوات البيشمركة غير مؤهلة وقادرة على الدفاع عن الإقليم الكردستاني.
في الوقت نفسه رأى العالم كيف تصدى حزب العمال الكردستاني وقواته ووحدات حماية الشعب(YPG) لمرتزقة “داعش” أنقذوا مئات الآلاف من أهالي شنكال، وتصدوا للمرتزقة وأوقفوا في وجههم. هذه المقاومة فرضت على الجميع مراجعة حساباته. المقاومة التي حدثت في كوباني وربيعة وجزعة واندحار الإرهابيين أسفرت عن ظهور قوة كبيرة مدربة ولديها معنويات عالية وأيمان كبير بالنصر. وهذه القوة تعبر عن إرادة حرة مستقلة فرضت الكرد وفرضت كل الأحرار على القوى العالمية التي تفكر وتخطط وتضع “الإستراتيجيات” للتعامل مع “داعش”، لذلك استحق الاحترام والقبول من كل العالم الحر.
* معلق كردي. صحيفة (Azadiya Welat)