الهجمات التركية على البنية التحتية في شمال شرق سوريا في برنامج حواري
قدم المركز الكردي للدراسات برنامجاً باللغة الكردية حول الهجمات التركية المستمرة على البنية التحتية في إقليم شمال وشرق سوريا (مشافي، ومحطات توليد كهرباء، ومحطات مياه، وحقول نفط ومحطات غاز ووقود، وطرق ومعامل ومشاغل ومدارس وصالات أعراس)، وتداعياتها على الأوضاع والتطورات في سوريا وتركيا وعموم المنطقة. واستضاف البرنامج الذي قدمه الزميل طارق حمو، كل من آمد دجلة الصحافي والإعلامي من شمال كردستان، والزميل نواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات.
وقدم الصحافي آمد دجلة في بداية البرنامج عرضاً لاستراتيجية الدولة التركية المعادية لوجود وهوية الشعب الكردي في تركيا وخارجها، موضحاً بأن هذه الاستراتيجية تقوم على محاربة كل حق ومكسب للكرد في أي مكان، وأن الدولة التركية وضعت كل مواردها وامكاناتها للنيل من الكرد ومكتسباتهم خاصة في كل من اقليم شمال شرق سوريا واقليم جنوب كردستان. وأشار إلى أن اجتماعاً عقد في 30 سبتمبر/أيلول عام 2014 شاركت فيه مجمل مؤسسات الدولة التركية وحمل عنوان «إركاع الكرد» هدف لرسم معالم استراتيجية عليا طويلة المدى لمحاربة الشعب الكردي وحركته السياسية والنيل من أي مكسب يستحصله الكرد بنضالهم وكفاحهم المستمر من أجل انتزاع حقوقهم والعيش بكرامة وحرية في مناطقهم.
وأوضح آمد دجلة بأن معالم ونقاط هذه الاستراتيجية/الخطة منشورة ومعروفة للعلن، وأن فيها بنوداً تقول صراحة بارتكاب مجازر، ان تطلب الأمر، بحق الشعب الكردي لمنع ظهور أي واقع قد يؤدي إلى تحرر الكرد وبروز مناطق واقاليم يعيش فيها بهويتهه القومية ويستحصل من خلالها على حقوقه. تقوم هذه الاستراتيجية على منع أي واقع فيه صبغة كردية أو تدل على منطقة جغرافية اسمها كردستان. ونتيجة لهذه الاستراتيجية، شنت الدولة التركية وأذرعها هجمات كبيرة على الشعب الكردي قتلت فيها الآلاف من خيرة أبناء الشعب الكردي واحتلت مناطقهم مثل عفرين وسري كانيه/رأس العين وغيرها، وعملت على تغيير معالمها الديمغرافية وتهجير الكرد منها ومصادرة املاكهم.
وربط آمد دجلة الهجمات الحالية التي تشنها آلة حرب الدولة التركية على البنية التحتية ومصادر الحياة في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا بالاستراتيجية التركية المعلنة في محاربة الشعب الكردي وتدمير مناطقه ودفع المواطنين الكرد إلى الهجرة وترك قراهم ومدنهم. ولأن الظروف الدولية لا تساعد على الاحتلال العسكري المباشر لمناطق جديدة من إقليم شمال وشرق سوريا، تلجأ إلى سياسة التدمير والأرض المحروقة عبر استهداف البنية التحتية ومصادر الحياة والعيش في شمال وشرق سوريا. إن الهجمات النوعيّة الأخيرة التي شنتها قوات حزب العمال الكردستاني على نقاط للجيش التركي في إقليم جنوب كردستان أظهرت مدى فشل سياسة تركيا في الحرب والرهان على القوة والحسم العسكري. وظهرت أصوات تقول علانيّة بأن الحرب الطويلة لم تأت بنتائج ملموسة في القضاء على القوة العسكرية للحركة الكردية، وإن هذه الحركة مازالت قادرة على الضرب بقوة وفي أماكن محصنة وفي أي وقت تشاء فيه. والهجمات التي تشنها آلة الحرب التركية الآن على إقليم شمال وشرق سوريا، وتستهدف فيها البنية التحتية، تأتي كانتقام للخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش التركي في إقليم جنوب كردستان، وتهدف لخلق انتصار وهمي من خلال الادعاء بأن تركيا نفذت ضربات على مواقع عسكرية في شمال وشرق سوريا، مع تقديم أرقام مهولة عن حجم الضحايا من العسكريين.
وقدم آمد دجلة شرحاً وتحليلاً للهجمات النوعيّة التي شنها حزب العمال الكردستاني على مواقع الجيش التركي في 22 ديسمبر/كانون الأول 2023 و 12 يناير/كانون الثاني 2024 وطالت مواقع ونقاط للجيش التركي في كل من مناطق متينا وزاب وآفاشين، والتي كانت قوات الجيش التركي أطلقت فيها حملة عسكرية كبيرة في أبريل/نيسان 2022 تحت مسمى «المخلب ـ القفل» وحاولت فيها الهجوم على منطقة تل آميدية التي تحيطها مناطق زاب وكاري ومتينا، وهي جغرافية مهمة للغاية في الحسابات الاستراتيجية والعسكرية. وفي البداية، وعلى مدار ثلاثة أيام، قصفت قوات الجيش التركي التلال هناك بالطيران والمدفعية الثقيلة. وبعد ذلك، عبرت إلى المنطقة عبر طريق معبد من زاخو وآميدية وبإشراف وتعاون من قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني، بغية فرض واقع احتلال دائم تستطيع فيه بناء مقار ومواقع عسكرية آمنة. والآن، وبعد ثلاث سنوات، نرى بأن هذه المناطق التي تمركزت فيها قوات الجيش التركي لم تصبح آمنة، بل تعرضت في 12 يناير/كانون الثاني الجاري إلى هجمات نوعيّة عالية التخطيط وبحرفية كبيرة من قبل قوات حزب العمال الكردستاني تمكنت فيها من تدمير مواقع الجيش التركي وقتل وجرح العشرات من الجنود الأتراك. ورغم اعتراف الدولة التركية بالهجوم، إلا أنها أخفت على الرأي العام حجم الخسائر وزعمت بأن العملية المباغتة أسفرت عن مقتل تسعة جنود فقط. ولكن حالة الارتباك والصدمة التي ظهرت واضحة في الإعلام الرسمي والاجتماعات المستمرة للحكومة وقيادات الجيش، أظهرت بأن حجم الخسائر أكبر من الأعداد المعلنة، بل وتصل إلى عشرات القتلى والجرحى، وهي الأرقام التي أعلن عنها حزب العمال الكردستاني في بيان عن حصيلة ونتائج العملية. والواضح أن هذه العمليات أحدثت هزّة كبيرة في تركيا ودفعت القيادات العسكرية والسياسية إلى مراجعة حساباتها، لا سيما أن حملة «المخلب ـ القفل» التي انطلقت في أبريل/نيسان 2022 كان مخططاً لها أن تحتل مناطق كاري وزاب والوصول إلى منطقة قنديل، في ظل إعلان الجيش التركي الدائم والمستمر عن تحقيق انتصارات وتقديم أرقام مهولة عن حجم الخسائر البشرية في صفوف قوات حزب العمال الكردستاني. ولوحظ ردود فعل غاضبة ومنددة بسياسة الحكومة في الحرب، وظهور أصوات من العسكريين السابقين وبعض الأحزاب السياسية، مثل حزب الشعب الجمهوري، طالبت الحكومة بمراجعة سياستها في الحرب والرهان على الحسم العسكري.
وأشار آمد دجلة إلى اتفاق الأحزاب التركية الحاكمة (حزب العدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومية) والبعض في المعارضة على تكميم الأفواه ومنع المعلومات عن المواطنين، بالإضافة إلى قمع كل القوى السياسية والأصوات المطالبة بالسلام وإنهاء حملات الحرب والحسم العسكري. وعلى رأس تلك القوى، حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب. وينعكس التنافس على الأصوات في الانتخابات البلدية القادمة والمزمع أجراؤها في مارس/آذار المقبل على الأوضاع والمشهد العام في تركيا. والواضح بأن حزب العدالة والتنمية يناور بغية تحقيق الأغلبية المريحة للفوز برئاسة بلديتي اسطنبول وأنقرة. لذلك، يريد استمالة حزب الديمقرطية والمساواة للشعوب والحيلولة دون تعاونه مع حزب المعارضة الذي يسيطر الآن على بلديتي اسطنبول وأنقرة. والواضح الآن بأن القوة التي تمثل صوت السلام والحل السياسي في البلاد وترفض الاستمرار في الحرب والرهان عليها هي حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، وهو ما يمنح الحزب دفعاً جماهيراً واضحاً. لكن في الذهنية العامة، فإن التوجه الاستراتيجي للدولة التركية هو التمدد وفرض التواجد الاحتلالي التركي. ومن هنا، يأتي التشبث بالإبقاء على القواعد والنقاط العسكرية في إقليم جنوب كردستان بغية السيطرة على الإقليم في المستقبل واحتلاله ومنع تحقيق الكرد وقواهم السياسية والعسكرية (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) من تحقيق أي انجاز وترسيخ واقع قوة واستقلال للإقليم وللشعب الكردي هناك. إذن، فوجود القواعد العسكرية التركية يأتي ضمن اطار استراتيجية احتلال وسيطرة طويلة المدى، وهي تتعلق بذهنية الدولة التركية في احتلال مناطق واسعة من سوريا والعراق، ومن ضمنها إقليمي شمال شرق سوريا وجنوب كردستان، حالما اتاحت الظروف الاقليمية والدولية ذلك.
وأشار آمد دجلة إلى مخطط الدولة التركية في تهجير الشعب الكردي باتباع وسائل مختلفة، من أهمها الحملات العسكرية والهجمات التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية وتدمير المنازل وشن الاعتقالات، بالإضافة إلى أساليب مختلقة (مثل نشر آفات المخدرات والدعارة والتجسس) وكلها تندرج ضمن أعمال الدولة الخفية وأذرعها الاستخباراتية. وتعتقد الدولة التركية بأن تهجير الكرد وإخراجهم من مناطق كردستان في داخل وخارج تركيا يساهم في تصفية القضية الكردية وكسر إرادة المقاومة والنضال لدى الشعب الكردي. والواضح من هجمات آلة الحرب التركية على البنية التحتية ومرافق الحياة وسبل ومصادر العيش في شمال وشرق سوريا، الرغبة في تهجير الكرد، وهو ما لم يحدث، إذ أظهر الشعب الكردي وبقية المكونات عزيمة كبيرة في التمسك بأرضهم والبقاء رغم كل الهجمات والتهديدات وظروف الحياة الصعبة. ولم تحدث أي حركة هجرة. بل على العكس من ذلك، كان هناك إرادة قوية في البقاء وتحدي آلة الحرب التركية مع التمسك بخيار المقاومة المشروعة ورفض الهجرة وترك المناطق حتى في ظل التدمير الممنهج على يد آلة الحرب التركية المتوحشة والمنفلتة من كل الضوابط الانسانية والأخلاقية.
من جانبه، أوضح نواف خليل بأن الكرد، وإزاء حملات الحرب والتصفية التي تشنها الدولة التركية عليهم، لا يملكون إلا الدفاع عن أنفسهم والمقاومة والرد على الهجمات، وهو حق مشروع لهم في كل الأعراف والمواثيق الدولية، مشيراً إلى أن من يتابع مسيرة النضال التحرري الكردي منذ بداية الثمانينات سيرى الرهان الدائم على السلام والحل الديمقراطي. لكن في نفس الوقت، الإصرار الكبير على المقاومة والرد على حملات التصفية والقتل والتشبث بالحقوق والعيش الكريم. إن سياسة الدولة التركية قائمة ومنذ أكثر من مائة عام، أي منذ ما سمي بـ«إصلاحات الشرق»، على صهر الشعب الكردي وفرض التتريك عليه. ومن يرفض ذلك ويتمسك بالهوية الكردية، يعامل بالحديد والنار. والهجمات الأخيرة التي تشنها الدولة التركية على البنية التحتية ومصادر الحياة في إقليم شمال وشرق سوريا تهدف، وباعتراف أعلى القيادات التركية، إلى تدمير المنطقة ودفع أهلها إلى الهجرة. إنها سياسة أرض محروقة واضحة. عمليات عسكرية واستهدافات تأتي بغرض الابادة والتهجير.
وانتقد خليل صمت التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وعلى رأسه الولايات المتحدة وصمت روسيا أيضا حيال حملة الحرب والتدمير التركية، وهي القوى التي تسمي نفسها بـ«الضامنة». ويأتي هذه الصمت في إطار الحسابات السياسية بين هذه القوى والمقايضات على ملفات أخرى، وهو ما يكون على حساب المدنيين من أبناء شمال وشرق سوريا، على الرغم من أنه من مصلحة المجتمع الدولي التدخل لوقف الحرب التركية على منطقة تتسم بالاستقرار والأمن ولها الفضل في القضاء على تنظيم داعش وتدمير أوكاره التي كان يخطط فيها لعمليات هجومية وانتحارية ضد الحواضر في الغرب. على الدول الغربية أن تعلم بأن الهجمات التركية التي تطال البنية التحتية ومصادر الحياة في إقليم شمال وشرق سوريا تضر بمصالحها هي أيضا. فهذه الهجمات، إن لم تتوقف بضغط دولي، ستسفر عن حركة هجرة كبيرة إلى الدول المستقرة في الغرب، وكذلك ستمنح الفرصة لتنظيم داعش للظهور مرة اخرى والتخطيط لشن هجمات داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط. وأوضح نوافق خليل أنه من الهم كذلك توثيق كل جرائم الدولة التركية واستهدافاتها للبنية التحتية، بغية تقديم التقارير والملفات الموثقة للمجتمع الدولي والمنظمات والجمعيات الحقوقية وفضح جرائم الاحتلال التركي واطلاع شعوب العالم على لائحة الاهداف المدنية لآلة الحرب التركية.
وأشار نواف خليل إلى موقف المعارضة السورية المعادية لحقوق الشعب الكردي ولوجود إقليم شمال وشرق سوريا، موضحاً بأن العديد من قوى المعارضة، خاصة تلك المرتبطة بتركيا، تشعر بالتشفي والارتياح من هجمات الدولة التركية على البنية التحتية في مناطق شمال وشرق سوريا، وهي مواقف ناجمة عن الذهنية الشوفينية غير الوطنية والتبعية الواضحة للدولة التركية وقبول واقع الاحتلال والترويج له. ونوه إلى أنه لا يمكن الاعتماد على هذه القوى المعارضة بسبب ذهنيتها العنصرية وتبعيتها الواضحة لتركيا وعملها ضد مصلحة الوطن والشعب السوري. ولكن الرهان يبقى على الشعب السوري، خاصة المكون العربي في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، والذي أظهر وعياً وطنياً متقدماً في رفض كل هجمات الاحتلال التركي ومشاريع الفتنة وبث التفرقة ومحاولات خلق النزاع الأهلي، رغم حجم التحريض وبث الأكاذيب والافتراءات من جانب الاعلام السوري المعارض المرتبط بتركيا، وكذلك وسائل الاعلام الموجهة التي تمولها دول عربية مؤيدة للمشروع الاحتلالي التركي.
وفي ختام حديثه، أشار نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، إلى أهمية النضال السياسي للشعب الكردي في شمال كردستان وتركيا ووجوب الالتفاف حول حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، خاصة في مرحلة الانتخابات البلدية القادمة، والتي إن حقق فيها أهدافه سيقلب المعادلة والتوازنات السياسية داخل تركيا، ما سيدفع الحكومة والأحزاب التقليدية هناك إلى ترجيح خيار الحوار والحل السياسي على خيار الحرب والمضي قدماً في الحملات العسكرية الاحتلالية وعمليات قصف وتدمير البنية التحتية في المناطق الأهلة في مناطق شمال وشرق سوريا.