المركز الكردي للدراسات
فتح مقتل زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، الباب أمام إعادة تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء المأساة المستمرة في غزة عبر تسوية سياسية تضمن الأمن للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتعيد الهدوء إلى شمال إسرائيل وجنوب لبنان.
من المتوقع أن يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى ضغوط جادة من قبل حلفائه الغربيين، باعتبار أنه حقق معظم أهدافه، والجزء المتبقي – وهو استعادة الرهائن – يمكن تحقيقه سلمياً وفق تلميحات صدرت من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وجد في مقتل السنوار فرصة لاستعادة زمام جهود التسوية، وإرضاء حتى قاعدته اليسارية الصغيرة والناخبين العرب في الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن مقتل زعيم حركة حماس فرصة لإسرائيل لإعلان النصر وإنهاء الحرب في قطاع غزة.
في الوقت الحالي، يبقي رئيس الوزراء الإسرائيلي خياراته مفتوحة.
أعلن نتانياهو في وقت متأخر من يوم الخميس في خطاب متلفز أن «الحرب لم تنته»، وهو ما يشير إلى أنه قد لا يكتفي بهذا النصر.
ومع ذلك، تضمن خطابه تلميحات إلى أنه قد يحول تركيز إسرائيل من القضاء على ما تبقى من «حماس» إلى إعادة 101 رهينة إسرائيلي ما زالوا محتجزين في غزة.
ويتعرض نتانياهو بالفعل لضغوط من الولايات المتحدة لمعاملة القضاء على السنوار باعتباره لحظة محورية وإحياء الجهود المتوقفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي يحرر الرهائن ــ وهو التفضيل الذي تتشاطره الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.
إن الطريقة التي ستتصرف بها إسرائيل بعد مقتل السنوار قد تحدد مصير الحرب الأوسع في الشرق الأوسط، والرهائن في غزة، والعلاقات المتوترة لإسرائيل ونتانياهو نفسه مع المجتمع الدولي.
وترى الصحيفة أن إسرائيل أمام خيارين:
إن مقتل السنوار هو الفوز الأهم لإسرائيل في عام من القتال في غزة. لقد قضت إسرائيل على جميع كبار قادة حركة حماس في غزة تقريباً، باستثناء شقيق السنوار، محمد، الذي يشرف على العمليات العسكرية اليومية للجماعة ويمكن أن يصبح رئيسها الآن. من ناحية أخرى، لا يزال العديد من مقاتلي الحركة على قيد الحياة وأعادوا تجميع صفوفهم وتجنيد أعضاء جدد في بعض مناطق غزة.
ذكرت المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية منذ أشهر أن القضاء التام على «حماس» أمر غير واقعي، وأن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإنقاذ الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة.
لقد قاوم السنوار طوال هذا العام وقف إطلاق النار بشروط يمكن لإسرائيل أن تقبل بها، كما قال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون. إن القيادة السياسية للحركة في الخارج أكثر براغماتية بشأن مثل هذه الشروط من السنوار – على حد وصف «وول ستريت جورنال» – وأكثر عرضة للضغوط من قطر ومصر، اللتين كانتا، إلى جانب الولايات المتحدة، تحاولان طوال العام التوسط في صفقة لإنهاء الحرب.
أشار كبار المسؤولين الأميركيين إلى وجهة نظرهم بأن مقتل السنوار يخلق فرصة لتأمين إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب.
وقال بايدن: «هناك الآن فرصة لليوم التالي في غزة بدون حماس في السلطة، ولتسوية سياسية توفر مستقبلاً أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء».
وقالت نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في ويسكونسن: «هذه اللحظة تمنحنا فرصة لإنهاء الحرب في غزة أخيراً».
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للصحافيين «نعتقد أن هذه فرصة متجددة نود اغتنامها».
رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، تامير هايمان، يرى أن هذا النصر فرصة إسرائيل لتقليص حربها متعددة الجبهات.
ومع ذلك، يعارض العديد من أنصار ائتلاف نتانياهو اليميني بشدة أي اتفاق لوقف إطلاق النار يسمح لحركة حماس بالبقاء.
وقال هايمان إن «الأمر يحتاج إلى شكل من أشكال القيادة والشجاعة من نتانياهو. وسوف يتعرض لانتقادات من قاعدته».
على مدار العام الماضي، أظهر نتانياهو أنه على استعداد لتحدي إدارة بايدن – على الرغم من اعتماد إسرائيل على الدعم العسكري الأميركي – ومقاومة الضغوط من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
ساعد الصراع في غزة نتانياهو على إعادة صياغة نفسه كزعيم عازم على هزيمة أعداء إسرائيل، وليس الرئيس الذي عانت إسرائيل في عهده من أسوأ كارثة أمنية على الإطلاق.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه ما زال من المرجح أن يخسر الانتخابات إذا عقدت اليوم، لكنه يتعافى بشكل مطرد مع الناخبين اليمينيين في إسرائيل، ويرجع ذلك جزئياً إلى سلسلة الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله.
وقال نتانياهو يوم الخميس إن مقتل السنوار برر قراره في وقت سابق من هذا العام، في مواجهة اعتراضات الولايات المتحدة، بغزو غزة حتى منطقة رفح الجنوبية، حيث قُتل زعيم حماس ليلة الأربعاء.
وقال: «الآن أصبح من الواضح للجميع، في إسرائيل والعالم، لماذا أصررنا على عدم إنهاء الحرب. لماذا أصررنا، ضد كل الضغوط، على الدخول إلى رفح، البؤرة المحصنة لحماس حيث اختبأ السنوار».
وقال ياكوف عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق في عهد نتانياهو وزميل المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي في واشنطن، إن مقتل السنوار حدث رمزي مهم، لكن هذا لا يعني أن إسرائيل قادرة على إنهاء الحرب الآن. بل إنه يظهر أن استراتيجية إسرائيل المتمثلة في الاستمرار في ممارسة الضغط العسكري في جميع أنحاء قطاع غزة ناجحة.
وقال عميدرور إن حركة حماس لا تزال قوية بما يكفي لمهاجمة أي حكومة بديلة في غزة. وأضاف: «يتعين علينا أن نستمر في تقويض قدراتها العسكرية، لجعل حماس عاجزة عن شن الهجمات، ليس فقط كتهديد لإسرائيل، بل لكل من قد يأتي كبديل لها».
وقال عميدرور إن إسرائيل استغرقت أربع سنوات لقمع الانتفاضة الثانية في جنين، وهي مدينة في الضفة الغربية المحتلة. وتوقع عاماً آخر على الأقل من القتال في غزة.
كما أن مقتل العديد من قادة «حماس» قد يجعل من الصعب العثور على أي شخص لديه السلطة للتفاوض والحفاظ على الاتفاق، وهي مشكلة تواجهها إسرائيل أيضاً مع حزب الله بعد اغتيال معظم قياداته القيادية.
ومع تحقيق الجيش الإسرائيلي انتصارات تكتيكية ضد «حماس» وحزب الله واستعداده لضرب إيران، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان نتانياهو يريد التوقف.