وحدة الدراسات الإيرانية
فيما كانت تتواصل الضربات المتبادلة بين كل من إسرائيل وإيران منذ بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران الجاري، والذي أسفر عن مقتل قادة عسكريين كبار وتدمير جزء من الترسانة العسكرية الإيرانية والمفاعلات النووية، تتجه الأنظار إلى أوضاع القوميات في إيران، حيث التكهنات حول كيفية تعاملها مع آثار وتبعات الحرب الحالية وموقفها من السيناريوهات المحتملة التي قد تظهر فيما لو تواصلت الحرب وشهدت تصعيداً قد يسفر عن سقوط النظام الإيراني وتفكك الدولة الحالية. وتنشغل العديد من مراكز الأبحاث والدراسات بتحليل الخارطة القومية والجغرافية للدولة المترامية الأطراف التي تسمى إيران، حيث تظهر في التحليلات الأقاليم والمناطق التي تشكل فيها أقوام وإثنيات معينة الغالبية السكانية، مع عرض تاريخي لأوضاع هذه القوميات ولسياسات القمع والتهميش ونكران الحقوق والخصوصيات التي تعرضت لها طيلة عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تاريخ ونضال الكرد في شرق كردستان
لا يستثنى من المتابعة الجارية حالياً القومية الكردية وجغرافية وتاريخ شرق كردستان، وهي المناطق والمدن التي يشكل فيها الكرد الغالبية السكانية، وتعرف تاريخياً بإنها الجزء الشرقي من كردستان، والذي تم الحاقه بالجغرافيا الإيرانية بعد معركة جالديران بين السلطنة العثمانية والإمبراطورية الصفوية عام 1514. وتم تثبيت هذا التقسيم في معاهدة قصر شيرين التي وقعهّا الطرفان العثماني والصفوي عام 1639 لتنتهي بذلك مائة وخمسين عاماً من الحروب والمواجهات بين الطرفين. وتبلغ مساحة شرق كردستان 175000 كم مربع. وفي ظل غياب معلومات موثقة ورسمية، فإن التخمينات تقول بأن عدد السكان الكرد في كل محافظات إيران يربو على 15 مليون نسمة، أي نحو 17% من سكان إيران بالعموم. وتضم كردستان الشرقية خمس ولايات هي: أورمية، سنه، كرمانشان، إيلام وأراضي ليكنشين التابعة لولاية لورستان. لكن وفقاً للتقسيم الذي اعتمده النظام الإيراني، فإن ولاية سنه وعدد من المدن التابعة لها (سقز، بانه، مريوان، قروه، بيجار، كامياران وديوان دره) تم تأطيرها ضمن محافظة أنشئت وسميت بمحافظة كردستان. ومنذ القضاء على ثورة سمكويي شكاكي (1887-1930) تمّ تسمية ولاية أورمية بمحافظة آذربيجان الغربية، وحدث ذلك في عهد الشاه رضا بهلوي (1878-1944). وجرى كل هذا في الفترة التي كان الكرد يشكلون أكثر من 70% من تعداد سكان تلك الولاية (1).
كما أنشأ الكرد في شرق كردستان أول جمهورية كردية في التاريخ الحديث، وسميت بجمهورية كردستان في مهاباد بقيادة القاضي محمد عام 1946، والتي قضى عليها نظام الشاه باستخدام القوة العسكرية. واستمر النضال الكردي السياسي والمسلح منذ ذلك الوقت، وبشكل خاص بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة رجل الدين الشيعي الإمام الخميني عام 1979. وبرز الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران الذي قاد كفاحاً مسلحاً، حيث لجأت حكومة الثورة الإسلامية لأساليب عسكرية وأخرى استخباراتية للقضاء عليه وتصفية قادة الحركة الكردية المسلحة (اغتيال كل من عبد الرحمن قاسلمو، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران في العاصمة النمساوية فيينا عام 1989 وخلَفِه صادق شرفكندي في العاصمة الألمانية برلين في 1992).
في عام 2004، تأسس حزب الحياة الحرة الكردستاني، وبدأ في النضال ونشر الوعي القومي في مناطق وولايات شرق كردستان، حيث حقق شعبية كبيرة بشكل خاص بين فئات الشباب والمرأة. وانخرط الآلاف من الشابات والشباب الكردي ومن كل مناطق شرق كردستان في العمل المسلح ضمن الجناح العسكري للحزب. كما نشط الحزب في الخارج بين الجالية الكردية من أبناء شرق كردستان. ويطرح الحزب في برنامجه تحويل إيران إلى دولة ديمقراطية وتحقيق نظام اللامركزية لشرق كردستان ونزع الاعتراف بهوية وحقوق كل المكونات العرقية والمذهبية في إيران.
موقف الكرد من الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية
في ظل التساؤل حول موقف القوميات في إيران من الحرب بين إسرائيل والنظام الإسلامي في طهران، وترقب الموقف الكردي وتفاعل الحركات السياسية التي تناضل ضمن صفوف الكرد منذ سنوات طويلة، أصدرت العديد من الأحزاب الكردية بيانات ومواقف لشرح وجهة نظرها من الأحداث الجارية. وكان التحرك على أرضية تقديم فهم أشمل للتطورات وتحليل الأزمة بشكل بنيوي يعيد الجميع إلى أصل المشكلة، وهي أن النظام الشمولي الذي يحكم إيران منذ عقود خلق بسياساته الاقصائية واحتكاره للسلطة وتفرده بها انسداداً واضحاً في كل مجالات الحياة في البلاد. ولوحظ بأن حزب الحياة الحرة الكردستاني كان أول حزب كردي إيراني يقوم بتقييم شامل للأوضاع والتطورات ويقدم تصوراً متقدماً لإمكانية بروز حل داخلي، وبالتالي الخروج من الأزمة الداخلية العميقة ومن حالة المواجهة مع دول ومحاور إقليمية نتجت بالأصل كمحصلة لسياسات النظام الإيراني وتدخلاته في المنطقة واصراره على لعب أدوار خارجية متأتية من إيديولوجيا «تصدير الثورة الإسلامية» القديمة تلك، مع تشديد قبضته في الداخل ومضيه قدماً في قمع كل أشكال المعارضة ومطالب ورغبات الإصلاح والتغيير.
وأصدر حزب الحياة الحرة الكردستاني في 14 يونيو/حزيران الجاري بياناً حلل فيه حالة الحرب والضربات المتبادلة بين كل من إسرائيل وإيران، مشيراً إلى أن المطلوب الآن هو وحدة القوى والأحزاب والفعاليات الكردية في شرق كردستان والتنسيق لحماية الشعب الكردي والدفاع عنه في وجه كل الأخطار والتمسك باللامركزية وبالطريق الثالث، أي رفض التدخل الخارجي والأجندة المتأتية منه ورفض الخضوع للنظام الشمولي والدفاع عنه أو تثبيت حكمه. وتابع البيان أن ضربات الدولة العبرية تستهدف القدرات التي بناها النظام الإيراني، وإن رد هذا الأخير ضعيف ولا يجاري الاقتدار العسكري الإسرائيلي. وتابع الحزب أن ما يحدث هو نتيجة لسياسات النظام الإيراني في التدخل الخارجي وإصراره في الداخل على قمع المواطنين واضطهادهم ومواصلة حملات الاعدامات وملاحقة النشطاء ودعاة الديمقراطية ودولة القانون والحريات. وأشار الحزب في بيانه إلى أن سعادة الشعب الإيراني بإضعاف النظام وتشتيت صفوفه لا يعني الموافقة على الهجمات العسكرية ولا بالتغيير عبر القوة الممارسة من الخارج. وقال الحزب إنه يراهن على النضال الديمقراطي للشعوب الإيرانية ويرفض الحرب المفروضة من الخارج ضد مصالح هذه الشعوب، وإنه سيطور النضال الديمقراطي المنبثق من داخل الجماهير والذي تمثل في انتفاضة «المرأة، الحياة، الحرية». كما دعا الحزب شعب شرق كردستان وعموم الشعوب الإيرانية لتنظيم صفوفها بشكل ديمقراطي، متعهداً بالدفاع عن الكرد وحمايتهم في إطار حق الدفاع المشروع عن النفس وضرورة تشكيل لجان محلية لدعم المتضررين من الحرب ورعاية الجرحى وتهيئة بنى الإدارة المحلية الديمقراطية لخدمة المواطنين وفك القيود التي تفرضها السلطة عليهم (2).
وفي 16 يونيو/حزيران، صرحت بيمان فيان، الرئيسة المشاركة لحزب الحياة الحرة الكردستاني، أن الأزمة الحالية هي في الأصل نتيجة تمسك النظام الإيراني بعقلية الإقصاء والاستبداد ورفض الانفتاح على شعبه ومضيه قدماً في قمع كل تجليات الحرية والتعبير عن الرأي في البلاد، مشيرة إلى أن الشعب الكردي هو أكثر الشعوب تنظيماً في إيران، ويطالب بحقوقه والاعتراف بهويته بعيداً عن الانفصال مثلما يروج له النظام والدوائر التابعة له. وأوضحت أنهم بما يملكون من إرادة ووعي تنظيمي والتفاف جماهيري حول مطالبهم سيكونون قوة التغيير الأكبر في إيران (3).
من جهته، اعتبر سيامند معيني، عضو مجلس حزب الحياة الحرة الكردستاني، أن ما يحصل الآن من إضعاف للنظام الإيراني لهو فرصة للشعب الكردي وعموم الشعوب الإيرانية لتوسع نضالها الديمقراطي ولتتعاون فيما بينها بغية خلق أرضية التغيير الديمقراطي وفتح الباب أمام الحريات والمشاركة السياسية، موضحاً أن المطلوب من الأحزاب والقوى الكردية أن تتكتل معاً وتوحد مواقفها استعداداً لأي تغيير قد يطرأ بحيث تكون جاهزة وفي موقع تستطيع من خلاله حماية الشعب الكردي والدفاع عنه في وجه كل المخاطر التي تتهدده (4).
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران، فاعتبر الهجوم الإسرائيلي نتيجة لسياسات التدخل والقمع للنظام الإيراني، منوهاً إلى أن الحل يكمن في التخلص من هذا النظام وكل تركته. ومن جهته، أكد حزب «كومله» الكردي أن التغيير ينهض من داخل المجتمع الإيراني ولا يفرض فرضاً من الخارج، وأن الشعوب والمكونات الإيرانية مطالبة بتنظيم صفوفها والتحرك معاً بغية إسقاط النظام الديكتاتوري وخلق البديل الديمقراطي التعددي الذي يتعرف بكل الهويات والخصوصيات في البلاد (5).
الخلاصة
يقوم الموقف الكردي (المستخلص من تصريحات وبيانات الأحزاب والقوى الكردية) من المواجهة المندلعة بين إسرائيل وإيران واحتمالية حدوث تغيير في البلاد، سواء من خلال إسقاط النظام أو ظهور حركة داخلية تطيح به، على عدة نقاط ومسلمات كردية وهي:
أولاً: اعتبار الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران قائمة على التصارع على النفوذ والسيطرة، وأنها جاءت نتيجة السياسات الخاطئة للنظام الإيراني وتدخله في الشؤون الداخلية للعديد من الدول في المنطقة وإحكام قبضته على الداخل الإيراني وتشديد إجراءات القمع والاقصاء وتوطيد حالة الانسداد السياسي التي تشجع القوى الخارجية وتغريها للتدخل والهجوم.
ثانياً: الخلاص لا يأتي بالتدخل الخارجي والحرب التي لا يتضرر منها سوى أبناء الشعب، بل من خلال التخلي عن سياسات الاستبداد والقمع وإجراء اصلاحات حقيقية والاعتراف بالقوميات وحقوقها وإشراك قواها السياسية في الإدارة وخلق الدولة التعددية اللامركزية الديمقراطية.
ثالثاً: على القوى والأحزاب الكردية أن تتحد بغية الدفاع عن الشعب الكردي في شرق كردستان والتعامل مع كل مستجد لحماية هذا الشعب في إطار اللامركزية والإدارة الذاتية لشرق كردستان، والتعاون مع القوى الديمقراطية في بقية مناطق إيران للحيلولة دون وقع مصادمات، وقيادة التحول السلمي الديمقراطي في البلاد.
رابعاً: التأكيد على أن الكرد هم محرك التغيير الديمقراطي الأكبر في عموم إيران، وأن ثورة «المرأة، الحياة، الحرية» التي انطلقت عقب قتل الفتاة الكردية جينا أميني عام 2022، بقيادة من الحراك الكردي الشعبي، يجب أن تكون منطلق وقاعدة أي تغيير في إيران، وأن يتم سد الطرق أمام كل المحاولات الرامية لخلق صدام عرقي أو مذهبي بين القوميات في إيران.
خامساً: حزب الحياة الحرة الكردستاني، بوصفه الحزب الطليعي الأكثر تنظيماً وانضباطاً بين القوى السياسية في شرق كردستان، أعلن الجهوزية الكاملة وطرح برنامجه في الإدارة الذاتية لشرق كردستان، ودعا أبناء الشعب للالتفاف حوله؟. كما دعا أعضاءه ومناصريه إلى تشكيل اللجان الشعبية وتقديم كل أنواع المساعدة والدعم والعون للمتضررين من الحرب وعدم منح النظام الإيراني فرصة للتغلغل في مجتمع شرق كردستان والعبث فيه.
إشارات:
1ـ كاك شار أورمار: شرق كردستان: الجغرافيا والسياسة والثورة الكامنة. المركز الكردي للدراسات 14 فبراير/ شباط 2020. الرابط: https://nlka.net/archives/5092
2- PJAK banga rêveberiya xweser û rêxistinkirinê kir. Mapera ANFê. 14.06.2025. Lînk: https://anfkurdi.com/kurdistan/-198509.
3- Hevseroka PJAKê: Shert û merc chi dibin bila bibin, emê ji bo mafên xwe têbikoshin. Malpera ANFê. 17.06.2025. Lînk: https://anfkurdi.com/rojane/-198576.
4- Mûînî: Di vê pêvajoya dîrokî de divê hêzên Kurd bi hev re tevbigerin. Malpera ANFê. 19.06.2025. Lînk: https://anfkurdi.com/rojane/muini-di-ve-pevajoya-diroki-de-dive-hezen-kurd-bi-hev-re-tevbigerin-198635.
5- Nick Brauns: Gegen Krieg und Diktatur: Viele Kurden im Iran lehnen Israels Angriffe trotz ihrer Gegnerschaft zur Islamischen Republik ab. Junge Welt von 19.06.2025. Link: https://www.jungewelt.de/artikel/502264.krieg-gegen-iran-gegen-krieg-und-diktatur.html.