تنافس الممر «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير» في ظل قيادة سورية ناشئة

خالد المطلق*
تشهد منطقة الشرق الأوسط حراكاً إقليمياً ودولياً متزايداً. وتبرز سوريا كساحة جيوسياسية حيوية تتلاقى فيها مصالح وأجندات قوى متعددة. ففي وقت تتنافس القوى الإقليمية والدولية على بسط نفوذها، يضاف إلى هذا المشهد المعقد عامل داخلي بالغ الأهمية يتمثل في التحولات في هيكل السلطة السورية، والتي تعززت مؤخراً برفع العقوبات الأميركية. وفي هذا السياق، يكتسب صعود هيئة تحرير الشام، الفصيل السوري الذي نشأ من تنظيمات الإسلام الجهادي واستطاع بسط سيطرته على السلطة في سوريا، أهمية مركزية في تحليل مستقبل البلاد وتفاعلاتها الإقليمية والدولية في ظل هذا التطور الجديد.
لتأسيس فهم واضح للإطار الذي ستتناوله هذه المقالة، من الضروري تحديد المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها.
أولًا، يُقصد بمفهوم «الهندو-إبراهيمي» هنا إطار إستراتيجي قيد التشكل يضم تقارباً في المصالح والنفوذ بين دول مثل الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. يهدف هذا الإطار، في جملة أهدافه، إلى مواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي وتعزيز مسار التطبيع العربي الإسرائيلي وتأمين المصالح الاقتصادية المشتركة.
ثانياً، يشير مفهوم «طريق الحرير» إلى مبادرة «الحزام والطريق» الصينية الطموحة التي ترمي إلى تعزيز الترابط الاقتصادي والبنية التحتية عبر قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتحمل في طياتها تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق على موازين القوى الإقليمية والدولية.
ثالثاً، هيئة تحرير الشام، وهي فصيل مسلح سوري تطور من رحم تنظيم القاعدة ومن ثم جبهة النصرة ليصبح قوة مهيمنة استطاعت السيطرة على السلطة في سوريا. تهدف هذه المقالة إلى استكشاف التداعيات المحتملة لهذه الهيمنة، في ظل رفع العقوبات الأميركية، على التفاعلات الإقليمية والدولية.
تكمن الأهمية الأمنية والإستراتيجية لتحليل هذا التداخل بين «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير» في ظل هذا السيناريو الجديد للسلطة في سوريا، والذي طرأ عليه متغير رفع العقوبات الأميركية، في قدرته على إلقاء الضوء على ديناميات إقليمية ودولية معقدة وتأثيرها العميق على مستقبل البلاد. فكيف سيؤثر صعود هيئة تحرير الشام إلى رأس السلطة، في ظل هذا التطور الجديد، على تفاعلات هذه القوى المتنافسة على النفوذ في المنطقة وسوريا؟ وما هي التحديات والفرص الأمنية والإستراتيجية التي نشأت بعد هذا التحول في هيكل السلطة السورية وتغير البيئة الدولية تجاهها؟
تنطلق هذه المقالة من فكرة رئيسية مفادها أن صعود هيئة تحرير الشام إلى رأس السلطة في سوريا، وتزامن ذلك مع رفع العقوبات الأميركية، فرض واقعاً جديداً سيؤثر بشكل جوهري على تفاعلات «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير» في المنطقة وسوريا. هذا السيناريو سيولد تحديات أمنية وإستراتيجية فريدة، ولكنه قد يفتح أيضاً آفاقاً وفرصاً جديدة للتعامل مع الأزمة السورية وتحديد مستقبلها في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية المتغيرة. ستحاول هذه المقالة استكشاف هذه التحديات والفرص الأمنية والإستراتيجية الناجمة عن هذا التداخل في ظل هذا التحول الدراماتيكي للسلطة في سورية وتغير البيئة الدولية المحيطة بها.

أولاً: التحولات الأمنية والإستراتيجية في ظل صعود هيئة تحرير الشام ورفع العقوبات الأميركية

1- إعادة تقييم أهداف «الهندو-إبراهيمي» في ضوء المتغيرات الجديدة:
– مواجهة النفوذ الإيراني: 
مع رفع العقوبات، قد تظهر فرص جديدة لتعاون غير مباشر بين دول «الهندو-إبراهيمي» وهيئة تحرير الشام في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. قد تتجسد هذه الفرص في تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أوسع أو تنسيق محدود في بعض الملفات الإقليمية، خاصة إذا أبدت الهيئة استعداداً لتقديم تنازلات براغماتية في هذا الإطار. ومع ذلك، يبقى التصنيف الرسمي للهيئة كمنظمة إرهابية عاملاً مقيداً أمام أي تحالف علني أو دعم مباشر واسع النطاق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.
– مسار التطبيع مع إسرائيل: 
بعد تصريحات الرئيس المؤقت احمد الشرع حول الاتصالات غير المباشرة مع إسرائيل وتوارد أخبار مؤكدة عن لقاءات بين مسؤولين من الحكومتين السورية والإسرائيلية، بدا واضحاً النهج الذي يتبعه الشرع في تمكين نفسه وفريقه من الحكم في سوريا. لكن هذا الامر لن يستمر إلى النهاية وسيكون هناك صدام داخلي بين التيارات المتشددة والتيارات المعتدلة في حكومة الشرع نتيجة تغلب عقيدة الجماعة المتشددة على بعض الشخصيات المعتدلة حول الشرع على البراغماتية السياسية التي يحاول الشرع الولوج من خلالها لاستقرار حكمه وتقوية نفوذه.
– المصالح الاقتصادية: 
قد يشهد الوضع الاقتصادي في سوريا تحسناً نسبياً مع رفع العقوبات، مما قد يفتح الباب أمام بعض الفرص الاقتصادية لدول «الهندو-إبراهيمي». ومع ذلك، فإن استقرار هذه المصالح على المدى الطويل يبقى مرهوناً بقدرة الهيئة على توفير بيئة آمنة ومستقرة وجذب الاستثمارات، وهو ما لا يزال محل شك في ظل التحديات الداخلية والخارجية المحتملة.
2- الدور المتوقع لـ«الهندو-إبراهيمي» في التعامل مع سلطة هيئة تحرير الشام بعد رفع العقوبات

من المرجح أن تتبنى دول محور «الهندو-إبراهيمي» وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل سياسة حذر وترقب تجاه سلطة هيئة تحرير الشام. قد تظهر مقاربات أكثر براغماتية للتعامل مع الواقع الجديد بهدف تحقيق مصالح محددة أو احتواء أي تداعيات سلبية محتملة لرفع العقوبات. وقد تركز بعض الدول الإقليمية على بناء قنوات اتصال رسمية أو غير رسمية أو تقديم دعم مشروط في مجالات محددة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة. في المقابل، سيستمر التركيز على احتواء نفوذ الهيئة ومنع امتداده إقليمياً.

على المدى المنظور، يبقى التدخل العسكري المباشر مستبعداً، لكن العمليات الاستخباراتية السرية تظل خياراً مطروحاً. إن تبني سياسة عدائية بشكل كامل تجاه حكومة دمشق الجديدة قد يساهم في زعزعة استقرار المنطقة على المدى القصير والمتوسط، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي قد تواجهها الهيئة.
إن استقرار هيئة تحرير الشام في السلطة ورفع العقوبات الأميركية يمثل تحولاً كبيراً في التوازنات العسكرية والأمنية في المنطقة. من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات والصراعات الداخلية، مع احتمال استمرار التدخلات الخارجية وتصاعد نشاط الجماعات المتطرفة الأخرى التي قد تسعى لاستغلال الوضع الجديد.
3- التحديات والمخاطر الأمنية الجديدة
إن التحديات الأمنية المحتملة الناتجة عن وجود هيئة تحرير الشام في السلطة بالنسبة لدول «الهندو-إبراهيمي» ستشمل مخاوف أمنية حدودية نتيجة لعدم الاستقرار وتدفق اللاجئين المحتمل. وقد تقوم الهيئة بتقديم دعم محتمل لجماعات أخرى ذات أيديولوجيات مماثلة في المنطقة، مما يزيد من التهديدات الأمنية. فالأيديولوجيا المتضاربة للهيئة تشكل تهديداً لمصالح وقيم العديد من دول «الهندو-إبراهيمي».
باختصار، إن وجود هيئة تحرير الشام على رأس السلطة في سوريا خلق تحديات أمنية وإستراتيجية كبيرة ومعقدة لدول «الهندو-إبراهيمي»، وسيؤثر سلباً على أهدافها وتحالفاتها في المنطقة. ومن المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى مزيد من عدم الاستقرار والصراع في سوريا والمنطقة.

ثانياً: البعد الأمني الإستراتيجي لـ«طريق الحرير» وتأثير صعود هيئة تحرير الشام في ظل رفع العقوبات الأميركية

1- تأثير صعود الهيئة على أهداف «طريق الحرير»:
على الرغم من رفع العقوبات الأميركية، من المرجح أن يظل وجود الهيئة في السلطة يمثل تحدياً كبيراً أمام الاستثمارات الصينية الطموحة في سوريا ضمن مبادرة «طريق الحرير». فبينما قد يخفف رفع العقوبات بعض الضغوط الاقتصادية، فإن الصين لا تزال تولي أهمية قصوى للاستقرار السياسي والأمني كشرط أساسي لمشاركتها في أي دولة. وحكم الهيئة، الذي يواجه شكوكاً دولية وتحديات أمنية داخلية محتملة، قد لا يزال يُنظر إليه على أنه بيئة استثمارية عالية المخاطر. ومع ذلك قد يدفع رفع العقوبات الصين إلى إعادة تقييم دقيقة للفرص المتاحة. فبينما تظل المشاريع الكبرى محفوفة بالمخاطر، قد تظهر فرص استثمارية محدودة في مناطق تتمتع باستقرار نسبي تحت سيطرة الهيئة، خاصة إذا أبدت الأخيرة استعداداً لتقديم ضمانات أمنية واقتصادية. في المقابل، قد تستمر الصين في البحث عن مسارات بديلة أكثر أماناً أو التركيز على الدول الأكثر استقراراً في المنطقة لمبادرتها.
2- تأثير صعود هيئة تحرير الشام على البنية التحتية والأمن الإقليمي في سياق «طريق الحرير»:
من المرجح أن يظل حكم الهيئة يعيق تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى التي قد تربط سوريا بمبادرة «طريق الحرير». فبينما قد يسهل رفع العقوبات بعض الجوانب المتعلقة بالتمويل والتجارة، فإن حالة عدم الاستقرار والتحديات الأمنية وصعوبة الحصول على اعتراف دولي واسع النطاق قد تجعل تنفيذ مشاريع إستراتيجية كبرى أمراً صعباً. قد تركز الهيئة على مشاريع محلية أصغر لتلبية الاحتياجات الأساسية، لكن المشاريع ذات الأهمية الإقليمية الكبيرة قد تظل غير مرجحة على المدى القصير والمتوسط. ستبقى المخاطر الأمنية مرتفعة، حيث أن حالة عدم الاستقرار ووجود فصائل معارضة محتملة لحكم الهيئة، بالإضافة إلى خطر الهجمات الإرهابية، ستشكل تهديداً لأي مشاريع صينية في سوريا. قد تضطر بكين إلى تخصيص موارد كبيرة لتأمين مشاريعها، وهو ما قد يؤثر على جاذبية الاستثمار. ومع ذلك، قد يدفع رفع العقوبات الصين إلى الحفاظ على قنوات دبلوماسية واقتصادية محدودة مع نظام الهيئة لحماية مصالحها المستقبلية المحتملة في سوريا، وإن ظل نفوذها محدوداً بسبب المخاطر المستمرة.
3- موقع سوريا في مبادرة «طريق الحرير» تحت سلطة هيئة تحرير الشام بعد رفع العقوبات:
على الرغم من الأهمية الجيوسياسية لسوريا كموقع ربط محتمل، فإن وجود الهيئة في السلطة، حتى بعد رفع العقوبات، من المرجح أن يقلل من هذه الأهمية على المدى القصير والمتوسط بالنسبة لمبادرة «طريق الحرير». فالاستقرار السياسي والأمني يظلان أولوية قصوى للصين. وقد يكون حكم الهيئة غير قادر على توفيره بشكل كامل، ولربما سيكون تأثير رفع العقوبات على تعامل الصين مع نظام بقيادة الهيئة محدوداً. فبينما قد تخفف بعض المخاوف المتعلقة بالعقوبات المباشرة، فإن الصين حريصة على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الكبرى وقد تظل حذرة في الانخراط بشكل كبير مع نظام لا يحظى باعتراف دولي واسع النطاق.
4- التفاعلات مع القوى الإقليمية والدولية في سياق «طريق الحرير» وسلطة هيئة تحرير الشام بعد رفع العقوبات:
من المرجح أن يستمر وجود الهيئة في السلطة في تعقيد تفاعلات مبادرة «طريق الحرير» مع مصالح دول «الهندو-إبراهيمي». فبينما قد يتغير خطاب بعض هذه الدول بعد رفع العقوبات، من المرجح أن يستمر تحفظها الشديد تجاه أي دور كبير لنظام بقيادة هيئة تحرير الشام في المبادرة، مما قد يخلق توترات مستمرة بين الصين وهذه الدول.
أما بالنسبة لموقف روسيا وإيران، فمن غير المرجح أن يتغير بشكل كبير بعد رفع العقوبات الأميركية. فباعتبارهما حليفين للنظام السوري السابق ومعارضين للهيئة، من المرجح أن يستمر موقفهما السلبي تجاه مشاركة سوريا في «طريق الحرير» تحت حكم الهيئة، وقد يستمران في عرقلة أو تقليل دعم هذه المشاركة، مفضلين انتظار ظهور نظام أكثر قبولاً دولياً في السلطة.

ثالثاً: تداخل وتنافس «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير» في سوريا

1- مجالات التنافس المحتملة في ظل حكم هيئة تحرير الشام بعد رفع العقوبات:
على الرغم من رفع العقوبات الأميركية، من المرجح أن يظل نطاق التنافس بين مساري «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير» في سوريا تحت حكم الهيئة محدوداً للغاية على المدى القصير والمتوسط. ففي حين قد تخفف دول «الهندو-إبراهيمي»، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، بعض الضغوط الاقتصادية، إلا أنه من المستبعد أن تنخرط في استثمارات أو مشاريع إستراتيجية كبرى مع نظام لا يزال يمثل تحديات أيديولوجية وأمنية جوهرية. ومع ذلك، قد يستمر التنافس الخفي على النفوذ من خلال دعم فصائل معارضة للهيئة أو محاولة التأثير غير المباشر على سياسات النظام الجديد. في المقابل، قد تُبدي الصين براغماتية أكبر في استكشاف فرص اقتصادية محدودة تخدم مصالحها ضمن مبادرة «طريق الحرير»، مستفيدة من تخفيف العقوبات. بيد أن الحذر سيظل سيد الموقف لديها بسبب المخاطر الأمنية والسياسية المستمرة. ومن المحتمل أن يتركز التنافس المستقبلي على تأمين عقود إعادة إعمار محتملة، ولكن بشروط ستفرضها الجهات الدولية المانحة. من جهته، من المرجح أن يولي نظام الهيئة الأولوية للتعاون مع الأطراف التي لا تفرض شروطًا قاسية أو التي تتلاقى معها في بعض الأهداف، وإن كانت هذه الأهداف محدودة. قد يسعى النظام لجذب استثمارات صينية لتخفيف الأعباء الاقتصادية المتزايدة، لكنه سيظل متوجساً بشأن أي تعاون أمني قد يتعارض مع أيديولوجيته الأساسية أو يقوض سلطته الناشئة. وعليه، فإن التعاون الأمني مع دول «الهندو-إبراهيمي» في مجالات حساسة مثل مكافحة الإرهاب سيظل أمراً بالغ الصعوبة نظراً للتصنيف الدولي للهيئة.
2- مجالات التعاون المحتملة:
في ظل الظروف المستجدة، قد نشهد تبادلاً محدوداً وغير رسمي للمعلومات الاستخباراتية بين الأطراف المنخرطة في كلا المسارين ونظام بقيادة الهيئة حول تهديدات مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك إذا رأت الأطراف المعنية مصلحة مشتركة في ذلك بعد تخفيف بعض القيود. أما فيما يتعلق بالاستقرار الإقليمي الهش، فقد يظهر تقاطع مصالح مؤقت حول منع تفاقم الفوضى. لكن هذا التعاون سيظل حذراً ومؤقتاً بطبيعته، حيث ستبقى دول «الهندو-إبراهيمي» مترددة في أي تعاون علني أو رسمي مع النظام الجديد.
3- تأثير هذا التداخل على مستقبل سوريا تحت حكم هيئة تحرير الشام بعد رفع العقوبات:
من المرجح أن يستمر التنافس الحذر وانعدام الثقة المتبادل في إدامة حالة عدم الاستقرار والصراع المزمن في سوريا، حتى بعد رفع بعض العقوبات. فعدم الاعتراف الدولي الكامل والعقبات السياسية المتعددة ستعيق أي جهود حقيقية لتحقيق الاستقرار المنشود. وأي تعاون محدود سيظل تكتيكياً ولن يفضي إلى حل شامل للصراع المعقد. وستظل جهود إعادة الإعمار محدودة النطاق وشروطها بالغة الصعوبة. فمن غير المرجح أن تساهم «الهندو-إبراهيمي» بشكل كبير في إعادة الإعمار تحت حكم نظام الهيئة. في المقابل، قد تقدم الصين بعض المساعدات أو الاستثمارات المحدودة، مستفيدة من تخفيف العقوبات، لكنها ستظل حذرة وستشترط ضمانات أمنية واقتصادية واضحة. وعليه، فإن إعادة الإعمار الشاملة ستتطلب اعترافاً دولياً واسع النطاق وحلاً سياسياً جامعاً يضم كافة مكونات الشعب السوري.
مع مرور الوقت، من المرجح أن يؤدي استمرار الهيئة في السلطة إلى ترسيخ نظام سياسي يواجه عزلة دولية متزايدة. ومن خلال تبني توجهات داخلية متشددة، سيسعى النظام إلى تعزيز قبضته على السلطة وقمع أي معارضة محتملة، وسيواجه صعوبات جمة في بناء علاقات طبيعية ومستدامة مع المجتمع الدولي. وعلى صعيد السياسة الخارجية، من المرجح أن تظل توجهاته محدودة وتركز بشكل أساسي على البقاء في السلطة وتأمين بعض الدعم الإقليمي أو الدولي البراغماتي الممكن بعد رفع بعض العقوبات.
4- سيناريوهات مستقبلية محتملة:
في ظل استمرار هيئة تحرير الشام في السلطة وبعد رفع بعض العقوبات الأميركية، سيستمر هذا التنافس المعقد في التأثير على الأمن والاستقرار الإقليمي وسوريا على المدى الطويل وفق عدة سيناريوهات محتملة:
– جمود الوضع مع تصاعد التوتر الخفي: 
قد يستمر الوضع الراهن مع غياب اعتراف دولي واسع النطاق وتنافس خفي على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، مع احتمال تصاعد التوترات الأمنية بشكل دوري ومتقطع.
– تعاون براغماتي ومحدود: 
قد تشهد بعض الأطراف تعاوناً براغماتياً ومحدوداً مع نظام الهيئة في قضايا محددة تخدم مصالحها بشكل مباشر، مثل مكافحة تهديدات مشتركة أو تأمين مصالح اقتصادية ضيقة، مستفيدة من تخفيف العقوبات، ولكن دون اعتراف رسمي أو دعم سياسي كبير.
– تصاعد التوتر الإقليمي والدولي: 
قد يؤدي استمرار حكم الهيئة إلى تصاعد التوتر الإقليمي والدولي من خلال دعم خفي أو غير مباشر لقوى معارضة للنظام أو محاولات لتقويض سلطته من الخارج. وعلى الرغم من استبعاد تدخل عسكري مباشر واسع النطاق، إلا أن الصراع بالوكالة سيستمر في تأجيج المنطقة.
خاتمة
في الختام، يمثل صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا، بالتزامن مع رفع العقوبات الأميركية، منعطفاً حاسماً يعيد تشكيل المشهد الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. يفرض هذا التطور تحديات أمنية إستراتيجية معقدة على كل من «الهندو-إبراهيمي» و«طريق الحرير»، ويستدعي إعادة تقييم للأهداف والتحالفات في ظل هذا الواقع الجديد. وبينما يكتنف المستقبل ضبابية الحذر والترقب، فإن كيفية تعامل القوى الإقليمية والدولية مع هذه الدينامية المستجدة ستحدد إلى حد كبير مسار الأزمة السورية وتوازنات القوى الإقليمية على المدى الطويل. يبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة هذه القوى المتنافسة على إيجاد مِساحة للتفاعل البراغماتي في ظل هذه التحولات الجذرية، وهو ما سيحمل في طياته مستقبلاً جيوسياسياً أكثر تعقيداً وتشابكاً.
بناءً على هذا التحليل، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات المتعمقة لتقييم الآثار المحتملة لصعود هيئة تحرير الشام للسلطة على إستراتيجيات القوى الإقليمية والدولية في سوريا، وتحليل التحديات الأمنية الإستراتيجية الناجمة عن هذا التحول الجيوسياسي. وهناك حاجة لتطوير أدوات وإستراتيجيات مرنة للتعامل مع هذا الأمر الواقع المستجد، مع الأخذ في الاعتبار كافة الاحتمالات والتداعيات المحتملة على الاستقرار الإقليمي والدولي. إن فهم هذه التعقيدات المتداخلة أمر بالغ الأهمية لصياغة سياسات فعالة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والسلام في سوريا والمنطقة.
*خالد المطلق: كاتب وباحث سوري في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد