يهدد الرئيس التركي الاستقرار الإقليمي من خلال قصف أهدافٍ كردية بشكلٍ متكرر بحجة «الإرهاب»
سينان جيدي
في حوارٍ صحافي، ذكر السفير التركي لدى الولايات المتحدة مراد مرجان أن «نقل الأولويات الأمنية عبر المحيط الأطلسي إلى عصر تنافس القوى العظمى سوف يستلزم حتماً عودة التقارب التدريجي بين تركيا والولايات المتحدة». لكن في الواقع، لا يمكن تحقيق ذلك في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
بعد 21 عاماً في السلطة، يمكن أن نحصل على نتيجة مفادها أن التقارب بين واشنطن وأنقرة لا يمكن أن يحدث حتى يغادر أردوغان منصبه، في وقتٍ لا يلتزم الرئيس التركي بالقيم والمبادئ التي تحدد التحالف عبر الأطلسي، والتي كانت تركيا عضواً أساسياً وموثوقاً فيه.
لم تشهد تركيا زعيماً وحكومة معادية للغرب والولايات المتحدة مثل حكومة أردوغان، إذ يلقي الأخير باللوم على الولايات المتحدة في محاولة الانقلاب عام 2016 والتي كادت أن تطيح به، فيما يعلم بداخله عدم صحة هذا الإدعاء. إضافة إلى ذلك، تنتقد الحكومة التركية، مثل وزير الداخلية سليمان صويلو، بشكلٍ روتيني وغير مقبول الولايات المتحدة علانيةً. في الشهر الماضي، اتهم صويلو واشنطن بهجوم اسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني موجهاً كلامه إلى الولايات المتحدة بقوله «ارفعوا يدكم القذرة عن تركيا». في أعقاب الزلازل المدمر الذي ضرب تركيا، رفض صويلو بعض المساعدات التي قدمها الجيش الأميركي. كذلك، رفضت أنقرة رسو حاملة طائرات أميركية في ميناء الإسكندرونة سعت إلى توفير مياه الشرب ومساعداتٍ أخرى للمواطنين الأتراك، بحجةٍ مفادها أن ذلك جزءٌ من مؤامرة، وأن حاملة الطائرات كانت جزءاً من قوة غزو.
قد يبدو أردوغان وأعضاء حكومته مؤهلين لنظرتهم المعادية لواشنطن والغرب، إذ اتبعوا هذا النهج لإبعاد أنقرة تدريجياً عن الغرب. في بداية عام 2019، تسلمت تركيا نظام دفاع صاروخي روسي الصنع من طراز S-400، ما هدد بشكلٍ مباشر قابلية التشغيل البيني وتماسك حلف الناتو. تم تحذير أنقرة كثيراً من امتلاك أسلحة روسية الصنع وشراء أسلحة أميركية وأوروبية بدلاً منها، لكن أردوغان رفض الدعوات الغربية، الأمر الذي أدى إلى منع تركيا من الحصول على مقاتلات F-35 وفرض عقوبات عليها. منذ ذلك الحين، أتيحت العديد من الفرص لأردوغان للاستغناء عن منظومة S-400، لا سيما منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إذ كان بإمكان أنقرة التبرع بالصواريخ للقوات الأوكرانية التي تزعم أنها تدعمها. لكن حدث العكس، إذ أكد أردوغان والسفير التركي في الولايات المتحدة في كل مرة أثيرت فيها هذه القضية أن صفقة شراء منظومة S-400 «منتهية»، غير آبهين بالضرر الذي سوف تسببه للعلاقات التركية الأميركية.
على المستوى الجيو-استراتيجي، يوجه أردوغان انتقاداتٍ لاذعة بشأن شراكة واشنطن مع الكرد السوريين الذين يواصلون محاربة تنظيم داعش في شمال سوريا. كما يهدد الرئيس التركي الاستقرار الإقليمي من خلال قصف أهدافٍ كردية بشكلٍ متكرر بحجة «الإرهاب»، ما يعرض حياة الجنود الأميركيين الذين يتشاركون المهمة مع الكرد في محاربة التنظيم للخطر.
أخيراً، استخدم أردوغان موقع تركيا كعضوٍ في حلف الناتو لتقويض مصالح الحلف. على الرغم من الإشارة في البداية إلى أنه وافق على عضوية فنلندا والسويد في عام 2022، إلا أنه فيما بعد استخدم كل ما بإمكانه لتأخير توسيع الحلف، مطالباً بتنازلاتٍ غير ممكنة تتعلق بـ«الأمن» من دولتين تعتبران عضوين أساسين لتقييد الإجراءات الروسية.
ومع ذلك، فإن أكبر عائق أمام إحياء العلاقات التركية الأميركية لتعود كما كانت هو أردوغان نفسه. على الرغم من أن الرئيس الأسبق باراك أوباما نسب الفضل لأردوغان في بناء «دولة نموذجية»، إلا أن الأخير تحول منذ أواخر عام 2010 إلى تهديدٍ عابر للحدود يمثل عقبة للحكم الديمقراطي في جميع أنحاء العالم.
نوع التقارب الذي يرغب فيه السفير مرجان هو مساحة للحلفاء الذين يشتركون في نفس قيم الحكم الديمقراطي التي تسعى الولايات المتحدة إلى التمسك بها والتي يتجاهلها أردوغان داخل بلاده. منذ انقلاب عام 2016، عمل أردوغان على انتهاك سيادة القانون والحكم الديمقراطي في تركيا.
إن الروابط التي تربط الولايات المتحدة ببريطانيا وأستراليا وفرنسا ودول أخرى لا حصر لها تستند إلى مصالح أمنية واقتصادية وسياسية كبيرة، لكن أردوغان يريد أن يجمع كونه شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة وبين نظامٍ استبدادي داخل بلاده، وهذا أمرٌ لا يمكن تحقيقه أبداً.
إذا انتخب الناخبون الأتراك كمال كيليجدار أوغلو خلفاً لأردوغان، فهناك فرصة حقيقية لتركيا لإعادة بناء علاقةٍ وثيقة ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل مع جميع شركائها الغربيين. من جانبٍ آخر، في حال إعادة انتخاب أردوغان فإنه سيسعى إلى إعادة ضبط العلاقات مع الغرب. لذا، يجب على الولايات المتحدة ألا تقبل بحليفٍ لا يلبي مصالحها من جهة ومصالح حلف الناتو من جهةٍ أخرى.