رأس الحكمة.. مدينة سياحية على البحر المتوسط باستثمارات إماراتية

المركز الكردي للدراسات 
وقعت الإمارات ومصر اتفاقية تاريخية بتاريخ 23 فبراير/شباط من شأنها إنقاذ مصر من تداعيات مالية خطيرة، والأهم إضافة مركز جديد لخريطة السياحة الدولية على البحر المتوسط. وتتضمن الاتفاقية تطوير الإمارات منطقة رأس الحكمة بالساحل المصري الشمالي على البحر المتوسط، مقابل ضخ 35 مليار دولار على مدار الشهرين المقبلين.
بموجب الاتفاقية – التي تمثل أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر-، ستقوم الشركة الاستثمارية الإماراتية القابضة «إيه.دي.كيو» باستثمار 35 مليار دولار في رأس الحكمة، وهي منطقة ساحلية تقع على بعد حوالى 350 كيلومتراً شمال غرب القاهرة. والمليارات الـ35 موزعة على اتجاهين: الأول الاستحواذ على حقوق تطوير منطقة رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار، وستحصل الإمارات على 11 مليار دولار من الودائع التي وضعتها في البنك المركزي المصري على شكل حقوق استثمار في مشاريع رئيسية في جميع أنحاء مصر.
سينافس المشروع المدن السياحية الرئيسية على البحر المتوسط، وعلى رأسها المدن التركية الساحلية، مثل أنطاليا ومرمريس.
وبهذه الصيغة، تتخلص مصر من عبء الودائع الإماراتية المستحقة منذ عام 2018 وتكسب 24 مليار دولار في صورة نقدية مقابل حقوق الاستثمار في رأس الحكمة، وهو مبلغ أكبر من القرض الذي تكافح مصر للحصوص عليه من البنك الدولي والمقدرة بـ10 مليارات دولار كحد أقصى.

8 ملايين سائح

من المتوقع أن تستقطب المدينة الجديدة نحو 8 ملايين سائح سنوياً وتستهدف بشكل رئيسي السياحة الصيفية، ما يعني أنه مع تنفيذ المشروع، الذي سيستغرق خمس سنوات وفق تقديرات غير رسمية، سينافس المدن السياحية الرئيسية على البحر المتوسط، وعلى رأسها المدن التركية الساحلية، مثل أنطاليا ومرمريس. ونظراً لأن المشروع مدعوم حكومياً، فإن الأسعار التنافسية ستأخذ حصة سوقية سريعاً.
ووفق وكالة الأنباء الإماراتية التي نشرت خبر إعلان الصفقة، فإن الرؤية تتمثل في تطوير المنطقة لتصبح وجهة رائدة على البحر الأبيض المتوسط لقضاء العطلات ومركزاً مالياً ومنطقة حرة تمتد على مساحة تزيد عن 170 مليون متر مربع مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر. وستحتفظ الحكومة المصرية بحصة قدرها 35% في مشروع تطوير رأس الحكمة. وذكرت شركة القابضة «إيه.دي.كيو» أن العمل على بناء «مدينة الجيل القادم» على مساحة 170 كيلومترا مربعاً، أي نحو خمس مساحة مدينة أبوظبي، سيبدأ في أوائل عام 2025. وسوف تضم المدينة مناطق استثمارية وصناعات خفيفة وتكنولوجية ومتنزهات ترفيهية ومرسى ومطاراً بالإضافة إلى مشاريع سياحية وسكنية.

فتح اقتصادي

على الجانب المصري، جاء الإعلان عن المشروع بصيغة «الفتح الاقتصادي»، والتركيز على الفوائد الاستثنائية، بلغة حذرة من المقولات والشائعات المتعلقة بالمشروع، وأبرزها التريند الإعلامي على وسائل التواصل أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يبيع أراضي مصر، بمعنى أن المشروع عبارة عن صفقة بيع وليس استثماراً. والتقطت الجهات الموالية لجماعة الإخوان المسلمين هذا الجانب الدعائي للتحريض ضد السيسي.
وصرح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي خلال الإعلان أن الاتفاق المبرم مع «إيه.دي.كيو»، أصغر صناديق الاستثمار السيادية الثلاثة الرئيسية في أبوظبي، يهدف إلى تطوير شبه جزيرة رأس الحكمة، وقد يدر في النهاية استثمارات بنحو 150 مليار دولار.

دفعة ضخمة للاقتصادي المصري

وبلغة الاقتصاديين، ستعطي هذه الاستثمارات دفعة ضخمة للاقتصاد المصري المتأزم في وقت تواجه البلاد ضغوطا جديدة بسبب الحرب في غزة مع سعيها لزيادة برنامج الدعم الحالي مع صندوق النقد الدولي.
وتواجه البلاد صعوبة منذ فترة طويلة في جذب استثمارات أجنبية كبيرة خارج قطاع النفط والغاز. وفي السنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران 2023، سجّل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة عشرة مليارات دولار.
وأثارت الصفقة صدى عالمياً، إذ علقت مؤسسة «غولدمان ساكس» في مذكرة نشرها الاستشاري فاروق سوسة أنه «إذا جاء التمويل كما هو مخطط له، نعتقد أنه (إلى جانب برنامج صندوق النقد الدولي الموسع) سيوفر سيولة كافية لتغطية فجوة التمويل في مصر على مدى السنوات الأربع المقبلة».
وقال فيكتور زابو، مدير الاستثمار لدى «أبردن» في لندن، في تصريح نشرته وكالة «رويترز»، إن الإعلان عن صفقة رأس الحكمة أظهر أن مصر «أكبر من أن تفشل». وأضاف: «هذا تطور جيد وسيساعد في النمو بالتأكيد، لكن مصر ستشهد فوائد أكبر على المدى المتوسط».
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية تشهد نقصاً مزمناً في العملة الأجنبية، ما أدى إلى ضغوط مستمرة على الجنيه المصري وعلى الإنفاق الحكومي والشركات المحلية.
وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية في الصيف الماضي. كما أن عبء الديون آخذ في الارتفاع، فيما يتفاقم نقص العملات الأجنبية بسبب تراجع إيرادات قناة السويس في أعقاب هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر.
وتعثرت حزمة دعم مالي قيمتها ثلاثة مليارات دولار أبرمتها مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022، بعدما أحجمت مصر عن تنفيذ تعهدها بالانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، وأيضاَ نتيجة بطء التقدم في بيع أصول حكومية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد