صراع السلطة داخل الاتحاد الوطني وسط الخلافات العائلية والضغوطات الخارجية

أمبيرين زمان

تصاعدت حدة الصراع على السلطة داخل أسرة الرئيس العراقي السابق، جلال الطلباني، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء عقب إقتحام مسلحين مكاتب وسيلة إعلامية ناشئة تعود ملكيتها إلى لاهور شيخ جنكي الطالباني الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكُردستاني (PUK) والمحاصر في الوقت الحالي. الأمر الذي يثير المخاوف من حدوث اضطرابات طويلة الأمد قد تؤدي إلى حدوث صراع في كوردستان العراق الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة.وحسب بيان نشرته قناة ( iPLUS) التابعة للاهور شيخ جنكي، فإنه نحو ٥٠ مسلح ملثم يرتدون الزي العسكري، أقدموا على تحطيم معدات وإغلاق مكاتب قناة (iPLUS) في السليمانية، العاصمة الإدارية لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، كما تمت مداهمة قناة ژيان نيوز، وهي وسيلة إعلامية أخرى تابعة للاهور الطالباني، وقد اعتبرته القناة “انقلابا” ضد مالكها، وذلك في تغريدة على تويتر.

تزامن الهجوم في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس المشترك لحزب الإتحاد الوطني الكُردستاني بافل الطالباني للإطاحة بابن عمه والتفرد برئاسة الحزب. سيما أن حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني يعد ثاني أكبر حزب بإقليم كوردستان العراق، ويتقاسم السلطة مع منافسه الحزب الديمقراطي الكُردستاني (KDP)، حيث تأسس من قبل والد بافل الطالباني، جلال الطالباني، الرئيس العراقي السابق والمخضرم والذي توفي منذ أربعة أعوام، ويعتبر برفقة زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود البارزاني من أبرز القادة في مسيرة الحركة القومية الكُردية في العراق.

وزعم بافل الطالباني في وقت سابق خبر محاولة اغتياله عبر مادة مسممة _ ولم يفصح عن زمان أو مكان الواقعة _ حيث كانت موجودة ضمن مقر المخابرات. فيما لم يدلِ بأية تفاصيل حول ماهية المكيدة، بيد إنه أشار بأصابع الإتهام إلى لاهور الطالباني لتمهيد الطريق من أجل إسقاطه.

على مدى الأسبوع المنصرم، وبتشجيع من الحزب الديمقراطي الكُردستاني، قام بافل الطالباني بعزل قادة مكافحة الإرهاب والمعلومات (زانياري) داخل حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني والذين يتبعون لـ لاهور الطالباني، وتم تعيين موالين له عوضاً عنهم. وقد دعم هذه العملية قوباد، الشقيق الأصغر لـ بافل الطالباني، والذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء بحكومة إقليم كوردستان (KRG). وفي غضون ذلك، وقف العديد من المحاربين القدامى، بمن فيهم كوسرت رسول علي وملا بختيار _ الذين تنافسوا في وقت مضى على السلطة _ إلى جانب بافل الطالباني.

ويعتبر بافل الطالباني، ذو الـ 48 عاماً، شخصية متحولة ومتقلبة، بينما يعد لاهور الطالباني، ذو الـ 45 عاماً، براغماتي وتربطه علاقات ودية مع كل من إيران والولايات المتحدة على حد سواء.

وحسب المزاعم المتداولة يعتقد أن الزعيمين يتنافسون فيما بينهم على السلطة والمال، وخاصة أن لاهور الطالباني وأشقائه يتَفَرّدون بغنائم التهريب وأنشطة تجارية أخرى في المنطقة الخاضعة لسيطرة حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني والتي تمتد بمحاذاة الحدود الإيرانية لمسافة طويلة.

وقد أدى الصراع على السلطة لإطلاق سيل من التكهّنات بأن إيران، اللاعب الاقليمي، والأكثر تأثيرا في المناطق التي تقع تحت سيطرة حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، وأيضا تركيا، والتي تتواجد بمناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكُردستاني، بأنهما منخرطتان بما يحصل. وتطور هذه المزاعم بشكل تدريجي بفضل الإدعاءات الباطلة والتي تفيد بقيام عملاء لاهور الطالباني بالتعاون مع إدارة ترامب لقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانُون الثّانِي (يناير) عام 2020. ومهما يكن، فليس من مصلحة إيران أن تزداد قوة بافل الطالباني أيضاً.

في حين، يعود سبب تحامل أنقرة على لاهور الطالباني نتيجة علاقاته الوثيقة مع حزب العُمّال الكُردستاني، وكذلك علاقاته جيدة مع مظلوم كوباني، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية. كما تلقي تركيا باللوم على لاهور الطالباني لإختطاف عضوين بارزين من مخابراتها من قبل حزب العُمّال الكُردستاني بالقرب من السليمانية في آب (أَغُسْطُس) عام 2017.

بالعموم، ففد أعربت مصادر مقربة من عائلة الطالباني بأن المزاعم التي تفيد بالتدخل الخارجي أمر مبالغ فيه. حيث أوضح أحد المصادر للمونيتور بأن ذلك ” شأن داخلي للعائلة” فيما لم يتطرق إلى الافصاح عن التفاصيل بسبب الوضع الحساس الناجم من هذا التناحر.

وحسب ذات المصدر، فإنه من  السابق لأوانه شنّ هجومًا معاكساً من قبل لاهور الطالباني، والذي قد يودي إلى احتمالية حدوث أعمال عنيفة، وعلى الرغم أن هذا الأمر غير المرجح حالياً، فإنه يبقى احتمال قائم في الوقت عينه.

وأضاف المصدر بأن لاهور الطالباني قد مكن من إسراع عجلة سقوطه من خلال إساءاته اللفظية بحق البارزاني. حيث ذكر أحد المصادر بأن: “مسعود البارزاني خط أحمر، ومع ذلك اقتفى لاهور أثره كما ولو كانا ندين ومتساويين”.  وأضاف المصدر بأن هجومه ضد أنقرة زاد الطين بله. كما كشف في الوقت نفسه بأن الاقتتال” يعود لعدم وجود مؤسسات كافية بكوردستان العراق، حيث لكل شخص جماعته الخاصة “.

وقد نعتت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الإثنين، التابعة لحزب الإتحاد الوطني الكُردستاني بافل الطالباني بـ” الرئيس” بعد أن كان يحظى بمنصب ” الرئيس المشترك”. فيما بقيت الصفحات القريبة من لاهور الطالباني ثابتة لم يطرأ عليها أي تغيير.

وقال فلاديمير فان ويلجنبرغ، المتخصص بالشؤون الكردية والمؤلف المشارك في الكتاب المنشور مؤخرا ” الكُرد في شمال سوريا : الحوكمة والتنوع والنزاعات” بإن هذه التحولات ربما تلقي بظلالها على التحالف بين حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني وحركة گوران ( حركة التغيير الكردية) فيما يتعلق بالإنتخابات الوطنية في العراق التي من المقرر إجراؤها في تِشْرين الأَوَّل (أُكْتُوبر)” في حال لم يستمر بافل الطالباني بالتحالف مع حركة گوران”.

بعد أن قضى جلال الطالباني نحبه في تِشْرين الأَوَّل ( أُكْتُوبر) عام ٢٠١٧ بدأت تتضح معالم الصراع على الخلافة رويدا رويدا بعد أسبوع من إجراء حكومة إقليم كوردستان لإستفتاء الإستقلال عن بغداد والذي تم شجبه بشده من قبل تركيا وإيران والولايات المتحدة وكذلك من قبل بافل ولاهور الطالباني نظراً أنه جاء في الوقت الغير مناسب.

وعلى إثر هذه المواقف، اتهمت كلاهما من قبل البارزاني بـ” الخيانة” على خلفية تواطؤهما في إجتياح كركوك من قبل القوات العراقية . وهي المحافظة الغنية بالنفط وتعتبر إستراتيجية بالنسبة لكل من الكرد وبغداد، وتشكل نقطة الارتكاز ضمن أي مفاوضات بشأن احتمالية قيام دولة كردية.

في بادئ الأمر تم التكتم على الخلافات بين أولاد العمومة عبر توقيع إتفاقيٍّة لتقاسم السلطة في العام ٢٠٢٠ والتي بموجبها تم إنتخابهما ” كرئيسين مشتركين” للحزب . وقد قاموا بقمع الخصوم المحتملين المؤهلين لتولي مناصب عليا في حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني الذين لم يكونوا منتمين لعشيرة الطالباني. ولطالما تفاخر حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني بعدم كونه حزباً” قبليا” على عكس غريمه الأزلي، الحزب الديمقراطي الكُردستاني، والذي يهيمن عليه البارزانيون .

وأوضح رمزي مارديني، الزميل في معهد بيرسون بجامعة شيكاغو الذي درس حل النزاعات، للمونيتور :” لا يجب أن يفهم حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني في الإطار القبلي، ومع ذلك فإننا هنا مع نسل الطالباني نتشارك في إدارة الحزب”.

وأشار بأن توقيت النزاع ربما سيسلط الضوء على بعض الأمور الراهنة. وبحسب مارديني: “إنها إما مبنية على استباق الوقاية، أو أن الأخوة الطالباني لديهم سبب للإعتقاد بأن لاهور كان على وشك الانقلاب ضدهم، أو من المحتمل إعتقادهم بأن صعود لاهور إلى القمة كان احتمالا واردا في المستقبل، وأن فرصة منع حدوث ذلك كانت تضيق شيئاً فشيئاً. ويمكن أن يعود هذه الخلافات ايضاً إلى تدهور صحة والدة الأخوين الطالباني، هيرو، والتي تعد سياسية مخضرمة ومحنكة.

وقال مارديني: “لولا وجودها لما تمكن الإخوة الطالباني من إرساء وتعزيز السلطة، بيد إنني أرى وهي على قيد الحياة، حتى ولو لم تكن ضمن اللجنة الرسمية للحزب، ما تزال تقدم النصح للأشقاء بغية تعزيز سلطتهم بالحزب”.

— المصدر: المونيتور

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد