ستراتيجيك كالتشر: الخناق يضيق على الاتحاد الأوروبي بشكل يجعله يقترب من الانهيار

توم لونغو | ستراتيجيك كالتشر

كانت الاحتجاجات في أنحاء فرنسا في نهاية الأسبوع الماضي أثرا وضررًا أكبر بكثير من مجرد تحطيم النوافذ وأجهزة “آيفون”. لقد وصل أخيرا صوت الغضب الفرنسي العميق تجاه السياسات العالمية النيوليبرالية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى مسامع النظام الحاكم. ومن الواضح أن استجابة “ماكرون” كانت بالضبط ما هو مطلوب لتدمير ما تبقى من مصداقية أوروبا الإمبراطورية.

كان تعامل “ماكرون” مع الأزمة بمثابة “كارثة”. لقد بدأ في تشرين الثاني/نوفمبر عشقه للعولمة التي أحب أن أطلق عليها اسم (دافوس كراود)، وهي بعيدة تماما عن أي شعور بالفخر الوطني، بل تشبه الإرهاب إلى حد كبير. كما دعا إلى إنشاء جيش كبير للاتحاد الأوروبي ودفع بقوة باتجاه الفيدرالية البنكية لتعزيز سلطة “بروكسل” على العملة، التي تعد “كعب أخيل” الحقيقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي. بعد ذلك فرض “ماكرون” زيادة كبيرة في الضرائب على وقود الديزل، وتم تبرير تلك الزيادات للفرنسيين بأنها محاولة لمكافحة الاحتباس العالمي، بينما هي في الأساس جزء من رغبة الاتحاد الأوروبي غير القابلة في أي تغير للمسار، إلا أن الاحتجاجات السلمية على مستوى الأمة عرقلت تلك التحركات.

في تلك المرحلة، قرر ماكرون الاستماع للمحتجين الذين وُصفوا بأنهم (قطاع الطرق)؟ والآن، بعد أسبوعين من العنف وإلغاء ضريبة الديزل، يخرج “ماكرون” من مخبأه ليؤكد التزام فرنسا بقمع العنف. ولكن في الوقت نفسه، ورد في تقرير (زيروهيدج)، أنه دعا إلى تخفيضات ضريبية كبيرة وزيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.

ويقول “ماكرون”، الذي وصلت نسبة تأييده إلى أدنى مستوى على الإطلاق، إنه طلب من حكومته زيادة الأجور بمقدار 100 يورو شهريًا بدءًا من كانون الثاني/ يناير كجزء من سلسلة من الإجراءات الجديدة التي سيتم إصدارها بالتفصيل يوم الثلاثاء. كما أعلن أن ساعات العمل الإضافي لن تخضع لضريبة الرواتب، وأن إدارته ستلغي زيادة الضرائب على المتقاعدين الفقراء وذوي الدخل المنخفض. وعلاوة على ذلك، طلبت “ماكرون” من الشركات دفع مكافآت نهاية العام التي لن تخضع للضريبة، وسيقوم بتعليق الرسوم الضريبية على المعاشات التي تقل عن 2000 يورو في الشهر.

ويضيف “ماكرون” إن الهجرة أيضاً “يجب مناقشتها”، حيث انتشرت المشاعر المناهضة للمهاجرين في جميع أنحاء أوروبا. فرنسا تعاني بالفعل من عجز في الميزانية يمثل تحديا للوائح الاتحاد الأوروبي. إذن، كيف سيقوم “ماكرون” بدفع ثمن هذه البرامج والتخفيضات؟

هل “بروكسل” تهتم حتى ولو إلى الحد الأدنى؟ لا، “بروكسل” لا تبالي، لأن “ماكرون” واحد منهم لذا فإن أي شيء يمكن أن ينقذ حكومته من التهاوي سوف يتم التساهل معه. لكن ما تشير إليه هذه الخطوة من قِبل “ماكرون”، هو المدى الذي باتت “السترات الصفراء” قريبة فيه من الفوز، لأنه لا سبيل إلى إدراج هذا النوع من المطالب على الطاولة، إذا لم تكن الرياح السياسية قد تغيرت بالفعل إلى درجة كافية لتضعه في هذا الموقف السيئ.

ومع انخفاض معدل شعبيته بشكل أسرع من سعر سهم (دويتشه بنك)، اضطر “ماكرون” إلى القيام بشيء لوقف المد ضده. إنه لأمر سيئ حتى أن بقية المؤسسة السياسية الفرنسية تعمل على شحذ السكاكين بحثاً عن تصويت بعدم الثقة وإقالته.

لذا، فإن هذه محاولة ميؤوس منها لقمع الغضب من خلال تقديم بعض المال ودعم إعفاء ضريبي للأشخاص الذين يقومون بأعمال شغب ضده، وتحويل رأي بعض الجمهور بعيدا عنه.

الجدير بالملاحظة هو أن “مارين لوبان” احتفظت بصمتها، بينما كانت الأحداث مستمرة، وكان هدفها من ذلك هو السماح للعاصفة بأن تجد قوتها من تلقاء نفسها. وها هي الآن قد مضى أكثر من أسبوع منذ أن دعت إلى حل البرلمان الفرنسي لأول مرة منذ 20عامًا.

في رأيي، هذا أمر جيد جدًا. “لوبان” شخصية مثيرة للانقسام، وبقائها خارج دائرة الضوء لا يمنح وسائل الإعلام الأوروبية المعارضة لها أي فرصة لربط هذه الاحتجاجات بها و”اليمين المتطرف”، و”اليمين البديل” الذي من المفترض أن تشغله.

وبدلاً من ذلك، لم يكن لدى وسائل الإعلام تلك ما تركز عليه سوى الاحتجاجات نفسه، واختبار محاولة تسويق رواية أن “روسيا اخترقت الاحتجاجات”، دون تقديم أي أدلة أو أسباب عن ذلك.

أفضل جزء في هذه الخطوة من قبل “ماكرون” هو أن ماتيو سالفيني، وهو رجل يمشي بين الحشود في روما وكأنه المسيح المنتظر، يمكنه استخدام هذا الأمر في إثارة المشاعر الإيطالية، وهذا (ليس اقتراحًا صعبًا)، حول مدى عدم الإنصاف من جانب الاتحاد الأوروبي في التعامل معهم باحترام، فيما يتعلق بميزانيتهم.

ينظر “سالفيني” إلى هذا الاقتراح الذي قدمه “ماكرون” وكأنه منحة من الله. لكن بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هل لديه فعلاً أي خيار آخر؟ عندما تطأ قدماك منحدرا وتوشك على السقوط، فإن ما تفعله هو أن تقوم بأي شيء من أجل تجنب السقوط بغض النظر عن الضرر طويل المدى، فالبقاء على قيد الحياة هو كل ما يهم.

وهذا بالضبط المكان الذي بات الاتحاد الأوروبي و”ماكرون” عالقين فيه. إن كل إجراء يتخذونه لمحاولة حل هذا الاختلال الوظيفي والاختلاط معاً، يجعل الخناق يضيّق حول أعناقهم بشكل أكبر، وهو ما يسرع من عملية زوالهم في نهاية المطاف. وكلما ناضلوا للحفاظ على السيطرة في مكان واحد، كلما تمكنوا من تقوية أعدائهم في مكان آخر.

باختصار: “الاتحاد الأوروبي على حافة الهاوية.. ويفقد قوته شيئاً فشيئاً”.

ترجمة: هندرين علي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد