لماذا تستحق الثورة الكردية الدَعمْ؟

أوين جونس

أثر المواجهة، نظرة التحرير الممتلئة بالبهجة والسرور، هذه الكلمات حُفرت على وجه تلك المقاتلة الأجنبية، إيفانا هوفمان، 19 ربيعاً. بالتأكيد لم تترك ألمانيا للقتال بجانب تنظيم “داعش”، بل للمشاركة في الكفاح مع الكرد. في الصورة التي انتشرت بشكل واسع، تظهرُ هوفمان واقفة بجانب الرموز الشيوعية التي تؤمن بها، فهي كانت تقاتل لـ “الدفاع عن الثورة”، حيث أنها قالت “الأمر الذي تم نسيانهُ هو الحرب العظيمة في شمال سوريا، وببساطة فهي ليست دفاعاً ونضالاً ضد بربرية تنظيم داعش، بل ثورة والمشاركة فيها حقٌ شخصي”، الكثيرون من أمثال هوفمان اليساريون شاركوا فيها.إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تمثله الحرية داخل المقاطعات الكردية السورية بالنسبة للشرق الأوسط، حيثُ أنّ المنطقة كانت محكومة من قبل الدكتاتوريين المدعومين من الغرب، أو الرجعيين الإرهابيين القتلة. وأفضل  مثال على ذلك، تبجح وافتخار إسرائيل حيثُ تعتبر نفسها الدولة الأكثر ديمقراطيةً في الشرق الأوسط، هذا الادعاء الذي تم تقويضه بالعبودية المفروضة على الفلسطينيين واحتلال دولتهم.

في شمال سوريا، يقود حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الراديكالي، الكفاح هناك ويؤمن بالمساواة بين الجنسين، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK). العمال الكردستاني كان ستالينياً في فترة من الفترات، لاحقاً طورَ نفسهُ، وأُلُهِمَ من الاشتراكية التحريرية للباحث الأمريكي موراي بوكشين. ويقول المفكر الفوضوي ديفيد جريبر الذي زارَ مقاطعات “روج آفا”، بأن “هذه الثورة أصيلة”. كما تحدث عن الهدف النهائي بإعطاء المواطنين فرصة تلقي ستة أسابيع تدريبية في دورات الشرطة، بالتزامن مع فكرة إلغاء الشرطة تدريجياً. في سوريا مقطوعة الأوصال، ومحكومة من قبل الدكتاتوري والرجعي والأصولي، ومحاصرة جغرافيا، هل يمكن لمنطقة أن تتبع فكراً فوضويا وأن تطور علاقاتها مع الإقليم المحيط بها؟.تنظيم “داعش” يملكُ سمعة سيئة فيما يخص التعامل مع النساء، حيث أنهُ العدو اللدود لمساواة الجنسين، الناشط الكردي، محمد أكسوي، يقول لي موضحاً بأن هذا جزءٌ من ما يسمى “ثورة النساء”، التي لا يتم قيادتها ببساطة بأسلوب استغلال واضطهاد النساء أو منعهم من المشاركة في التمثيل السياسي والاجتماعي، بل يتم ذلك عبر القراءة الخاصة بحزب العمال الكردستاني للتاريخ. وأضاف أكسوي قائلاً ” الثور الأولى، الثورة الزراعية، أسستها النساء، لكن الثورة المضادة الأولى، والتدرجات السلبية بدأها الرجال”.

ويكمل أكسوي حديثهُ ” في إحدى كُتيبات زعيم حزب العمال الكردستاني، يقول عبدالله أوجلان، المسجون حالياً في تركيا: الحياة الحرة مستحيلة بدون وجود ثورة نسائية جذرية، والتي سوف تُغير العقلية والحياة معاً” “ويعيد أوجلان صياغة المفهوم ويطلق عليه أسم” “الفصل الكامل” أو “القدرة على فصل الحياة من العقلية والثقافة الذكورية المُهيمنة منذ 5000 عام”.قبل عام من الآن، تم وضع “العقد الاجتماعي” الذي يتضمن المبادئ الأساسية للمقاطعات الثلاث، والذي تعهّدَ ببناء “مجتمع حر وخالي من الفاشية، والعسكرة، والمركزية، ومن تدخل السلطة الدينية في الشؤون العامة”. القوة والسلطة ستكون للمجالس الحكومية “المُنتخبة من قبل الشعب”. كافة الأقليات سوف تكون محمية ومتمتعة بكامل حقوقها. بالتزامن مع الحفاظ على سلطاتهِ مستقرةً، على اليسار أن ينتهز الفرصة ويستولي على أي تجربة تنحرف عن الإجماع السائد في الشرق الأوسط الذي يبدو غريباً جداً، منفصلاً بشكل كبير عن الواقع اليومي للمجتمعات الغربية ليصبحَ متصلاً بالواقع. لكن كان هنالك اختبار دائم تقريباً لمحاولة إنشاء مجتمع ديمقراطي جذري مختلف.

مثلما تحارب هذه الجيوش هذا التنظيم أي “داعش”، الرجعي الأعنف على مستوى العالم، فإن الكثير من اليسار الراديكالي مذعورون بشدة ويتهربون من المشاركة فيه خوفاً من علاقة هذا النضال بالإمبريالية الغربية. إنها حقيقة لا مفرَ منها، فإذا ما كان المقاتلون الكرد المدافعون عن الحرية يكافحون ضد القوات الغربية، فإن قضيتهم ستصبح الأكثر بروزاً على مستوى العالم.أثبت حلفاء الغرب كالمملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت عصبيتهم، من خلال تصدير الإيديولوجيا الأصولية.

ليست هذه الاعتراضات المضادة للدور الهائل للإمبريالية الغربية هي التي يجب أن يتم نبذُها، بالتأكيد، وسواء أكانت تدعم الطغاة الوحشيين في السعودية، أو الديمقراطية المُغتصبة في مصر، أو الاضطهاد المُنفذ بحق الفلسطينيين، أو الحروب الفاجعة مثل ما حدث في العراق، كل ما ذُكر أعلاه كان حاسماً في نمو المجموعات الجهادية المتطرفة في المقام الأول.

لكن النضال الديمقراطي نفسهُ الآن في خطرٍ ومُهَدَدْ من قبل الغرب.حزب العمال الكردستاني (PKK) لا يزال اسمهُ على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وقد شنت تركيا، إحدى الدول الأساسية في حلف شمال الأطلسي، حربا قذرة في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، مُدمرة 3000 قرية كردية، وأزالتها من الخارطة حسب ما أفادت منظمات حقوقية دولية.

سهلّت الدولة التركية نمو تنظيم “داعش”، عبر السماح لمقاتلي التنظيم بعبور الحدود إلى سوريا. وبعد ظهور الدولة الكردية في شمال العراق، تركيا متخوفة حالياً من إقليم كردي آخر ربما يشجع الشعب الكردي في تركيا. الحلفاء الغربيون ومن ضمنهم السعودية وقطر، والكويت، كشفوا عن عصبيتهم عبر تصدير العقيدة الأصولية، بالتزامن مع تصدير الأموال والأسلحة للمجموعات الجهادية.تنظيم “داعش”، هو الولد الغير شرعي، لإرهاب الرئيس بشار الأسد ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى التدخل الغربي اللامحدود، والدور المخزي للطغاة العرب. تلك الاشتراكية والفوضوية تساعد في دحر التنظيم، يجب أن تكوناً مصدرَ فخرٍ واعتزاز لليسار العالمي.

ربما، وربما فقط هذا النضال يحتوي على بذور جديدة مختلفة لشرق أوسط جديد. يوماً ما تفوّق الدينيون الرجعيون على اليساريين العِلمانيين الأقوياء في المنطقة. لكن في شمال سوريا، فإن مجتمعاً جديداً في طريقه للظهور، أساسهُ وقوامهُ مجتمع جذري ديمقراطي، وخطه الواضح المساواة بين الجنسين. تنظيم “داعش” يتخوف من هذا النموذج. حيثُ أنهُ إذا نجح، فإن نتيجة “الربيع العربي” الذي فَشِلَ، ربما تُعطي الفرصة لأولئك الذي يتوقون الحرية ويطلبونها.

• صحيفة (The Guardian) البريطانية. الترجمة: قصي شيخو.

 

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد