مخاوف من إبادة جماعية بحق روج آفا!

توماس شميندينجر

في الحين الذي تتوجه فيه الأنظار إلى ما يحدث في غزة من مواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تواصل “داعش” تهديد وجود المسيحيين في ولاية الموصل، والكرد في مقاطعات روج آفا منذ مطلع شهر حزيران الماضي تحاول “داعش” الزحف على مقاطعة كوباني، إحدى المقاطعات الثلاثة في روج آفا المتمتعة بالحكم الذاتي، بغية احتلالها.

قبل فترة علق برزان عيسو وهو صحفي من كوباني يغطي الأخبار والمواجهات من مكان الحدث، علق على التطورات الأخيرة قائلا: بان أهل كوباني لا يملكون سوى الانتصار على مسلحي “داعش” ومنعهم من احتلال منطقتهم وارتكاب المجازر فيها. دخول “داعش” كوباني يعني ارتكاب إبادة حقيقية فيها.

 في القرى الثلاثة التي دخلتها “داعش”، قتلت كل من بقي هناك من المدنيين دون رحمة.في المناطق التي احتلتها “داعش” تنعدم الخدمات والحياة الطبيعية. فلا كهرباء. والمياه مقطوعة والسكان مجبرون على حفر الآبار وتغطية حاجاتهم من المياه الجوفية الملوثة بمياه الصرف الصحي، وهو الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر بعيد انتشار أمراض معدية مثل الكوليرا. الدولة التركية أغلقت حدودها أمام المساعدات الإنسانية. فحتى الأدوية والمستلزمات الطبية لا يٌسمح بمرورها، فقط تمر بعض البضائع والحاجيات الأساسية والأدوية عبر شبكات التهريب النشطة على الحدود.

 لكن تركيا تفتح حدودها لمقاتلي “داعش” وتمدهم بالأسلحة وتحتضن من يجرح منهم في المعارك في مشافيها، رغم أن تركيا تعلم بما ترتكبه “داعش” في سوريا والعراق بحق المسيحيين خصوصا. في الأسبوع الماضي تم تخيير المسيحيين بين دفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو الرحيل عن المدينة، وهو ما تم فعلا. من لم يقبل بهذا الأمر، تم قتله على الفور. المسيحيون التجئوا إلى الكرد وإلى إخوانهم المسيحيين الساكنين في ريف الموصل.

 احتل مقاتلوا “داعش” دير مار بهنام الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، وطردوا الرهبان منه. قرية بغديدا وما حولها تضم الآن 20 ألف مسيحي، وهي تبتعد عن مناطق سيطرة “داعش” فقط 10 كيلومترات. هذه القرية ومناطق أخرى تضم 50 ألف مسيحي، يتكلف البيشمركة بالدفاع عنها، لكن السؤال إلى متى سيستمر هذا الحال؟. في هذه المناطق التابعة إداريا للموصل يعيش الإيزيديون والشبك وهم جزء من الشعب الكردي، إضافة إلى المسيحيين الآشوريين، السريان والكلدان. وهؤلاء كلهم مهددون بالإبادة من جانب “داعش”.

 ومن هنا فإن المخاوف التي أبداها الصحفي برزان عيسو على أهل كوباني، يتقاسمها معه أهل ريف الموصل من أبناء الأقليات الدينية والمذهبية. مخاوف المسيحيين والكرد في روج آفا من “داعش” ومجازرها هي مخاوف مشروعة ومحقة. ولكنها للأسف لا تلقي أي آذان هنا في أوروبا. ربما ستصحو أوروبا من حالة الاستهتار بعد أن يكون قد فات الوقت!

*أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا/النمسا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد