ما هي خيارات «الدول الخليجية» فيما لو انسحبت أمريكا من سوريا؟

نيل كويليام

منحت إدارة بايدن على ما يبدو إشارات عن رغبتها في غض النظر عن دول الخليج العربي التي تسعى لإحياء العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد عوضاً من عرقلتهم، ويعد هذا مؤشر عن تبدّل سياسة الولايات المتحدة مقارنة مع قانون قيصر عام 2019 المتعلق بحماية المدنيين السوريين، علاوة على تقلص رغبة واشنطن بفرض عزلة على سوريا، بما في ذلك التدخل العسكري، الأمر الذي دفعت بعض الدول العربية لرفع عزلتها الدبلوماسيّة هي أيضاً عن سوريا.

في هذا السياق، قامت في الاشهر الماضية بعض دول الخليج العربي وابرزها، الإمارات والبحرين والسعودية، بتوطيد علاقاتها ومشاركتها مع الحكومة السورية، وإن كان ذلك على درجات متفاوتة لتحقيق أهداف مختلفة. ومن ناحية أخرى، لم تسلك كل من الكويت وقطر نفس مسار الدول السابقة فيما يتعلق بسياستها تجاه سوريا.

هل حان الوقت إعلان” إنجاز المهمة “؟

هنالك سقف لمدى قدرة دول الخليج العربي تطوير علاقاتها مع سوريا، والتي تتأثر قراراتها بشكل كبير بسياسة إدارة بايدن حديثة العهد في سوريا، إضافة للعقوبات واسعة النطاق التي لازالت مستمرة لقانون قيصر. سيما أن الزعماء العرب  يتذكرون إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب النصر على تنظيم الدولة الإسلامية في ديسمبر/كانون الأول 2018. وبالنظر إلى سياسة بايدن في أفغانستان والتي استندت بشكل مماثل إلى إعلان ” إنجاز المهمة”، حيث من المرجح انسحاب واشنطن من سوريا على غرار ما حدث في أفغانستان. في ظل اعتقاد مجموعة لا بأس بها من داخل الإدارة الأمريكية بأن سوريا لا تمثل هدفاً استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة في نهاية المطاف.

 إن بعض الزعماء العرب في بلدان كالأردن والإمارات إضافة لدول أخرى، قاموا بالضغط على أعلى المستويات في واشنطن لتفادي العقوبات بغية توطيد علاقاتها ومشاركتها في سوريا. وتمثل هذه الخطوة من قبل الدول العربية سياسة واقعية تجاه التطورات الحاصلة، بحيث تهدف من وراء ذلك كسب النفوذ في سوريا والمشاركة بعمليات إعادة الإعمار رغم المجازر التي ارتكبت من قبل النظام وداعميه، فضلاً عن التصدي للنفوذ التركي والإيراني بالمنطقة.

عموماً، لكل دولة عربية أجندتها الخاصة في سوريا، حيث من المفضل اعتبار هذه المبادرات من قبل الدول العربية ” كتموضع مسبق ” قبل تسوية سياسية مرتقبة، ولا تعد بمثابة خطوات نهائية بشأن عودة المياه إلى مجاريها مع الأسد في ظل الوضع الراهن.

مع ذلك، تبدو من الصعوبة بمكان الوصول إلى تفاهمات مع الأسد وخاصة السعودية والتي تكن العداء للأسد وعائلته. ومن ناحية أخرى فإن كل من الإمارات والبحرين أقل حساسية بحكم أواصر الأخوة التي تربطها بسوريا منذ السبعينيات، بيد أن البيئة الحالية لن تكون متساهلة ومن المرجح تكون فاتورة علاقتهم مع سوريا تفوق مخاطر ومغبة التطبيع.

ورغم جميع هذه التحديات، بعد مرور عقد على الصراع، تسعى دول الخليج العربي لإيجاد طرق للدفع بحل عربي لوضع حد لهذه الحرب وإعادة سوريا إلى “محيطها العربي” . وهو أمر في غاية الصعوبة ومن المستبعد حدوثه، بيد أن سعي دول الخليج العربي لهذا الهدف يمنحها الأسبقية في تطوير علاقاتها مع سوريا في حال انسحاب سريع محتمل للولايات المتحدة أو التوصل لاتفاقية مع روسيا بشأن شكل التسوية السياسية.

لقد كانت هذه الخيارات على مدى الأعوام المنصرمة غير مألوفة ويتم استهجانها، لكنّ اليوم تبدو أكثر واقعية مما سبق في ظل الظروف الراهنة. وينبغي النظر الى جهود دول الخليج العربي بإعادة علاقاتها مع الحكومة السورية من هذا المنحى، فهم يسعون لإعادة بناء وتنمية العلاقات بعد قطيعة دامت عشرة أعوام، لكنهم هذه المرة يسعون بصورة أكثر جدية.

لقد اندثرت الحقبة التي كانت دول الخليج العربي تواجه أزمات إقليمية بدفتر شيكات مفتوح. وفشل هذا النهج فشلاً ذريعًا مرات عدة، بما في ذلك في لبنان والعراق، حيث تفوقت أحياناً على خصومها الإقليميين مثل إيران وبنفس الوقت تجرعت الهزيمة أيضاً. وفي الحقيقة، لا ترغب دول الخليج العربي بتمويل إعادة إعمار البلد من دون وجود ضمانات تلبي مصالحها السياسية.

أما بالنسبة لسلطنة عُمان، فقد استمرت بعلاقات دبلوماسية رفيعة المستوى مع سوريا طوال فترة الصراع، وفي الآونة الأخيرة قامت بتعزيز وجودها الدبلوماسي في البلاد. ورغم افتقارها للثقل السياسي للضغط من أجل رفع تعليق عضوية سوريا في جامعة الجامعة العربية،  فقد قررت الانضمام إلى جانب الإمارات والبحرين والأردن من أجل تحقيق ذلك الهدف.

في غضون ذلك، أصبحت الإمارات العربية المتحدة أكثر قوة منذ إعادة فتح سفارتها في دمشق في عام 2018، وهدفها الأساسي من ذلك هو ردع النفوذ التركي كجزء من صراعها الواسع مع أنقرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة البحر الأحمر. ففي سوريا على سبيل المثال، وتحت ذريعة الدبلوماسية الإنسانية لـِ كوفيد 19 خلال العام 2020، قامت الإمارات بتحريض الأسد على كسر الهدنة في إدلب والتي توسطت فيها روسيا وذلك بغية محاربة المتمردين المدعومين من تركيا.

في سياق متصل، لا ترى الإمارات إن التنسيق مع نظام الأسد والمعارضة بقيادة الكرد متمثلة بقوات سوريا الديمقراطية أمر متناقض، بل تؤمن بأن أي تسوية سياسية سوف تضع حلولاً لمعالجة خلافاتهم. وفي الواقع، قدمت أبو ظبي ثقلاً سياسيا لـِ “مشروع النفط” الكردي في ظل إدارة ترامب والذي كان يهدف إلى تزويد قوات سوريا الديمقراطية بمصدر دخل مستقل – بغض النظر عن شرعيتها – حتى تتمكن من مواصلة قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومقاومة التوغلات التركية في المنطقة.

من جهة أخرى، فإن مصالح المملكة العربية السعودية في سوريا ضيقة في الوقت الراهن، على الرغم من أن تقويض النفوذ الإيراني والعمل مع الحكومة السورية في ظل حكم الأسد لا يزالان هدفين طويلي الأمد. على سبيل المثال، لا يُقصد بالتقارير التي تتحدث عن لقاء ضباط استخبارات سعوديين كبار مع نظرائهم السوريين إضفاء الشرعية على نظام الأسد، بل تهدف لإقامة أرضية مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية ومواجهة التهديدات المحدقة بكلا الطرفين.

تشكل هذه المبادرات الخليجية، مجرد بداية لإعادة العلاقات من أجل التعاون البناء وليس لدرجة التطبيع، وإن مثل هكذا مبادرات ستدفع بتسوية سياسية في سوريا مستثنية الأسد البقاء في الحكم، والذي على الرغم من فوزه بولاية رئاسية رابعة في مايو / أيار والتي وصفها الدول الغربية بأنها” مزورة”، فإن الاقتراح بتنحي الأسد عن السلطة لايزال في سلم أولويات قادة دول مجلس التعاون الخليجي.

هل لازالت سوريا في سلم أولويات الولايات المتحدة؟

في ظل العقوبات المفروضة على سوريا وقبل التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد، تسعى دول الخليج العربي إلى التموضع والتكيف مع الوضع الراهن. والسؤال الذي يطرح نفسه: متى يحين موعد مثل هذه التسوية؟ والإجابة عن هذا السؤال هو بجعبة الولايات المتحدة. وحسب النهج الواقعي الصارم من قبل بايدن حيال أفغانستان، فإنه من السهولة أن يصنف القوات الأمريكية المتواجدة في شمال شرق سوريا بأنها لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة.

ورغم ذلك، فقد تقنع كارثة الانسحاب الأمريكي من كابول وما رافقها من مأساة إنسانية كبيرة الرئيس بايدن بأن إبرام اتفاق مع روسيا أفضل من الانسحاب والتخلي عن حلفائهم في سوريا. حيث بمقدور بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبرام اتفاق يرضي الطرفين، بحيث تقبل روسيا تشكيل حكومة انتقالية، تتكون رموز من النظام الحالي، باستثناء عائلة الأسد، إضافة لعناصر من جماعات المعارضة المختلفة والمجتمع المدني.

 مقابل ذلك، ستحصل روسيا على اعتراف دولي بمصالحها في سوريا واستمرار نفوذها السياسي والعسكري في البلاد. وسيكون ذلك كافياً لدول الخليج العربي، والتي جميعها ستنزل عند رغبات ومطالب موسكو، لتطبيع العلاقات مع سوريا واستغلال  الخطوات التي تم اتخاذها في وقت سابق، وهذا الأمر سيجبر كل من الكويت وقطر السير على مسار تلك الدول.

المصدر: فورين يوليسي

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد