في التصعيد مع إيران.. أوروبا وروسيا كلمة السر في توجيه “ترامب” للتراجع

لورا روزن | المونيتور

إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع أن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران لمدة عام أو نحو ذلك عقب انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي قد يجلب الإيرانيين إلى طاولة ممتلئة بالفعل بقائمة طويلة من المظالم الأمريكية مع الجمهورية الإسلامية، فإن إيران قد انقلبت على ذلك السيناريو، وتحولت في استراتيجيتها حديثا من استراتيجية ضبط النفس النسبي إلى استراتيجية أخرى يبدو فيها أن الولايات المتحدة والقوى الأخرى يستجيبون فيها للتحركات الإيرانية بشكل جيد.

بعد عام استجابت فيه إيران بـ”الصبر الاستراتيجي” للانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015 وحملتها القصوى للضغط عليها، قامت إيران في الشهر الماضي بتغيير المسار، ما زاد من الإجراءات الإيرانية على الجبهات النووية والإقليمية والدبلوماسية، ومحاولة تأمين قدر أكبر من الإغاثة الاقتصادية، وردع الولايات المتحدة، ما منحها وضع أفضل لمحادثات مستقبلية محتملة.

يقول السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة ماجد باخت رافانشي، في مجلس الأمن في 26 يونيو/حزيران: “سياسة الضغط القصوى للولايات المتحدة تولد التوترات.. الضغط الأقصى يدعو إلى العنف والتوتر في منطقتنا”. لم يرفض “رافانشي” تمامًا الحوار المستقبلي مع الولايات المتحدة، لكنه عبر عن شكوكه من أن الجو الحالي كان مفضيًا إلى التوصل إلى اتفاق حقيقي. وقال: “لسنا مهتمين بإجراء حوار لا يؤدي إلى نتائج فعلية.. هل يمكننا القول إن شيئًا ما سوف يتحقق إذا بدأنا حوارًا مع الولايات المتحدة الآن؟ نحن لا نرى هذا في الأجواء.. طالما كانت العقوبات موجودة، فلا يوجد أحد في إيران مستعد لبدء حوار مع الولايات المتحدة”.

إن تحول إيران نحو انتهاج استراتيجية محسوبة ولكنها أكثر تجاوبا ومواجهة للرد على الحصار الاقتصادي الفعلي للولايات المتحدة والانتشار الأخير لمزيد من الأصول العسكرية الأمريكية في الخليج، قد جعل البلدان أقرب إلى شفا صراع محتمل، حتى مع تصريحات كل من القادة الأمريكيين والإيرانيين مرارا وتكرارا أنهم لا يسعون إلى الحرب. وكان هذا الخطر المتزايد واضحًا بعد إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية في 21 يونيو. وقالت إيران إن الطائرة بدون طيار دخلت المجال الجوي الإيراني، وهو ما نفته القيادة المركزية الأمريكية، قائلة إن الطائرة المُسيرة كانت في المجال الجوي الدولي فوق مضيق “هرمز” تقوم بمراقبة الأجواء بعد هجمات تخريبية على سفن نفط أجنبية في ميناء “الفجيرة” وخليج عُمان، وهي الهجمات التي نسبتها الولايات المتحدة إلى إيران.

تزامن تحول إيران الاستراتيجي مع إلغاء إدارة “ترامب” في أوائل شهر مايو/آيار قرار السماح لـ8 دول بتجنب العقوبات الأمريكية وشراء كميات مخفضة من النفط الإيراني العام الماضي. جاء ذلك أيضًا بعد أن اتخذت إدارة “ترامب” قرارًا مثيرًا للجدل في أواخر أبريل/نيسان الماضي بتسمية فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمجموعة إرهابية، على الرغم من المخاوف التي أثارها “البنتاغون” حول مخاطر حماية القوات الأمريكية والانتكاسات المحتملة لحملة القضاء على تنظيم “داعش”. وبدورها، قررت إيران وضع القيادة المركزية الأمريكية على لوائح الجماعات الإرهابية الخاصة بها.

“هذه ليست دبلوماسية”.. هكذا يؤكد “رافانشي”، مضيفا: “إما أن تقرر الذهاب للحوار أو الذهاب إلى المواجهة. السياسة الخارجية للولايات المتحدة تعاني من نقص التماسك”.

وتقول إيلي جيرانمايه خبيرة الشؤون الإيرانية “في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، لـ”المونيتور”: “أعتقد أنه حتى مايو، كان الإيرانيون يلعبون بورقة الصبر الاستراتيجي ويقومون بتقييم دقيق للغاية لتأثير حملة الضغط الأمريكية القصوى سياسيًا واقتصاديًا وأيضًا من البعد الأمني”. في شهر مايو، بعد الحصار النفطي الافتراضي الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران، انتقل الإجماع في القيادة السياسية الإيرانية إلى القول إن الصبر الاستراتيجي لم يؤتِ ثماره، سواء بمحاولة خلق بعض المرونة في الموقف الأمريكي، أو في دفع الأوروبيين للعمل على تسريع إجراءات “إنستكس” الاقتصادية، هي آلية يتم تقديمها لتوفير وسيلة تمويل لإيران لشراء المواد الغذائية والأدوية المسموح بها بموجب العقوبات الأمريكية.

وتقول “جيرانمايه”: “أعتقد أن الفكرة الكامنة وراء التصعيد بشأن الصفقة النووية وفي منطقة الخليج، كانت محاولة تغيير الحساب الاستراتيجي لكل من أوروبا والرئيس ترامب شخصيًا”، مضيفة: “الأمر كله يتعلق بجذب انتباهه إلى هذه القضية، وتسليط الضوء على أن هذا لن يكون سياسة خالية من التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة”.

على الصعيد النووي، أبلغ الرئيس الإيراني حسن روحاني الأطراف الأخرى في خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في رسائل في أوائل شهر مايو، أن إيران ستتجاوز حدود مخزونها البالغ 300 كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب والماء الثقيل في غضون 60 يومًا إذا لم يجدوا طرقًا ملموسة لإيران للحصول على المنافع الاقتصادية للامتثال الإيراني للاتفاق النووي. وقالت رسالة “روحاني” إن الإجراءات الإضافية التي تقلل من التزاماتها بالصفقة النووية يمكن أن تتبع ذلك على مدى الأشهر المقبلة، إذا لم تتحقق الأهداف الاقتصادية لإيران من الالتزام بالاتفاق النووي.

لكن في 27 يونيو، عندما كان من المتوقع أن تتجاوز إيران حد الـ300 كيلوجرام من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، ذكرت تقارير إعلامية نقلاً عن دبلوماسي لم يُذكر اسمه في فيينا، أنه من غير المتوقع أن تتجاوز إيران هذا الحد في ذلك اليوم.

ويقول إيسفنديار باتمانغليدج، مؤسس موقع “بورصة وبازار” الذي يركز على القضايا الاقتصادية الأوروبية/الإيرانية، لـ”المونيتور”: “أعتقد أنه يظهر فقط أن الإيرانيين يظلون عمليين هنا بشكل أساسي”. جاء الوقف الإيراني المُبلغ عنه بعد أن ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في 26 يونيو، أن الأطراف الأوروبية الثلاثة في خطة العمل المشتركة (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، قد يعلنون في وقت مبكر من 28 يونيو أنها مستعدة لتوفير بضعة ملايين من رؤوس الأموال لتوفير خط ائتمان لآلية “إنستكس”.

وقال عدنان طباطبائي، المحلل السياسي للشؤون الإيرانية والرئيس التنفيذي لشركة “كاربو” ومقرها ألمانيا: “إيران تستجيب لأقصى قدر من الضغط بأقصى قدر من المقاومة.. استراتيجية المقاومة هذه لها ثلاثة أبعاد… ويمكن أن تشبه دورة معينة من التصعيد”، مضيفا: “البعد الأول هو ما يمكن أن أسميه المقاومة السياسية.. هذا ما رأيناه في السنة الأولى بعد الانسحاب الأمريكي. حتى أن إيران، على أساس الصبر الاستراتيجي كشكل من أشكال المقاومة السياسية، قررت مواصلة الالتزام بالاتفاقية النووية، وبالتالي مقاومة النهج الأمريكي المتمثل في محاولة تقويض الاتفاق في الواقع”، مؤكدا أن “هذه الاستراتيجية لم تنجح حقًا بالنسبة لإيران، فإنهم يسعون الآن إلى اتخاذ خطوات إضافية.. وهذا ما نراه الآن، وستكون هذه مقاومة اقتصادية… تحاول إيران بنشاط التحايل على العقوبات، وهو ما كانت تفعله في الماضي أيضًا.. في النهاية، من الواضح أن هناك أيضًا البعد العسكري للمقاومة.. أعتقد أن ما حدث مع الطائرة بدون طيار التي تم إسقاطها هو محور هذا البعد العسكري. وهذا يعني أن إيران الآن، في خطوة تصاعد التوترات بالتأكيد، تستعرض قدراتها في الدفاع عن نفسها والرد على العدوان أو التهديدات الأمريكية”.

يقول علي فايز، مدير البرنامج الإيراني في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، إن الإجراءات الإيرانية للرد على حملة الضغط الأمريكية القصوى تهدف إلى اتخاذ خطوات محسوبة وتدريجية، لكن لا يزال هناك خطر من التجاوز وسوء التقدير والتصعيد. وقال “فايز”: “الأمر هو أنه كلما كان على الإيرانيين أن يخسروا، كلما قلت درجة كرههم للمخاطرة”، مضيفًا: “سيكون من الطبيعي تمامًا للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي أن يسمح للعديد من السياسات بالعمل بشكل متوازٍ”.

وقال “فايز” إن “خامنئي سمح على ما يبدو لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمتابعة عملية تبادل للأسرى بين الولايات المتحدة وإيران، وربما يكون قد أذن للحرس الثوري بزيادة التوترات في المنطقة بدرجة سمحت له و(روحاني) بمتابعة التصعيد المحسوب في المجال النووي”، مضيفا: “لكن مشكلة تبادل الأسرى هي أن الولايات المتحدة كانت شرطا مسبقا لها، والتي طالبت إيران بالإفراج عن واحد أو اثنين من الأمريكيين أولا لإظهار الجدية وقدرتهم على الإنقاذ.. إن المشكلة المتعلقة بالمفاوضات المتعلقة بخطة العمل المشتركة، هي أن الإيرانيين شرعوا مسبقًا وطلبوا من الولايات المتحدة تقديم تخفيف للعقوبات كعلامة على حسن النية”. ويضيف “فايز”: “قد يكون الحل هو ربط الاثنين، وجعل إدارة ترامب توفر لإيران بعض الاستراحة [من العقوبات] مقابل إطلاق سراح السجناء الأمريكيين والسماح للجانبين بالتراجع عن حافة الهاوية، وتمهيد الطريق أمام توسيع المفاوضات”.

وقالت “جيرانمايه” إنه في الفترة التي تسبق الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2020، فإن التوترات الأمريكية الإيرانية “قد تجعل قاعدة ترامب متوترة من أنه ستكون هناك حرب أخرى إلى الأبد في الشرق الأوسط.. تفسيري هو أن الأمل من الجانب الإيراني هو أنهم يصعدون الأمر ليضعوا أنفسهم على قدم المساواة مع الأمريكيين، ثم يتراجعون، أو هكذا نأمل”. وتابعت: “هذا من شأنه أن يخلق طريقة لحفظ ماء الوجه للمفاوضات على الجانب الإيراني.. قراءتي للوضع هي أنه قبل أن تدخل إيران أي طريق تفاوضي مع الجانب الأمريكي، فإنها تحتاج إلى نوع من الإشارات إلى أن الأمريكيين صادقين في الحل الدبلوماسي. جزء من ذلك يحتاج إلى تخفيف العقوبات”.

في 27 يونيو الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيحث “ترامب” في اجتماع مجموعة العشرين على تخفيف بعض العقوبات لمحاولة السير على طريق التفاوض مع إيران. وقال “ماكرون”، للصحفيين على متن القطار من “طوكيو” إلى “كيوتو”: “أريد أن أقنع ترامب أنه من مصلحته إعادة فتح عملية التفاوض والتراجع عن بعض العقوبات لإعطاء فرصة للمفاوضات”. وقالت “جيرانمايه” إنها تحث الزعماء الأوروبيين على إيصال هذه الرسالة إلى “ترامب”، مضيفة: “ما قلته للأوروبيين هو أنه ينبغي عليهم التواصل مع ترامب، والتواصل معكم إن كنتم جادين وتريدون عقد صفقة مع إيران، فأنت بحاجة إلى خلق مجال للتنفس لإيران كي تتمكن من الدخول في تلك المفاوضات.. إن اقتراحي للمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، هو أنهم بحاجة إلى إجراء تدخل مع الروس والصينيين والهنود، للتشديد على هذه الرسالة لـ”ترامب”.. أعتقد من خلال مناقشاتي مع الروس، أنهم يبحثون عن أي فرصة للتنسيق مع الأوروبيين عندما يتعلق الأمر بسياسة إيران”، مضيفة: “حتى الآن، حسب فهمي، فإن محاولات موسكو مع الأمريكيين والإيرانيين لتسهيل الوساطة لم يتم الرد عليها بشكل إيجابي من قبل أي من الجانبين “، مشيرة إلى أنها تعتقد أن “الأوروبيين لديهم فرصة أفضل للتأثير على تفكير (ترامب) إذا ما ضموا الروس إلى البلدان الأخرى في هذه الجهود”.

—–

*لورا روزن: المراسلة الدبلوماسية لـ”المونتيور” في “واشنطن” العاصمة. صحافية متخصصة في الشؤون الدبلوماسية وعملت مراسلة للشؤون السياسية والسياسات الخارجية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد