هل يغدو النفط وسيلة لتفاهمات سياسية في سوريا؟

د. جان محمد

تناقلت العديد من وسائل الإعلام العالمية والمحلية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي خبر اتفاق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع الشركة الأمريكية دلتا كريسنت للطاقة ورغم التباين في قراءات الإعلاميين والمحللين السياسيين وخبراء الاقتصاد والنفط حول الاتفاق موضع الكتابة هذه إلا أنها اجتمعت وتميزت بما يمكن تسميته بالمبالغة في وصف وقراءة الحدث سواء كان الرأي والقراءة إيجابية أو سلبية وبمعنى آخر بين قراءة مؤيدي الإدارة الذاتية في الشمال السوري وبين رافض لها.

بلا شك أن هذا الاتفاق له تبعات كثيرة يمكن استغلالها والاستثمار فيها سياسياً واقتصادياً لصالح سكان مناطق الإدارة الذاتية خصوصاً وسوريا عموماً.

 إن ما يميز عقود شركات الطاقة عن غيرها هي مدة العقد والتي عادة ما تكون طويلة. والتفاصيل القانونية الكثيرة التي تضمن حق الطرفين. فما هو معلن من هذا الاتفاق حتى هذه الحظة لا يتجاوز بعض التصريحات التي تفيد بتوصل شركة أمريكية لاتفاق مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لاستثمار وتحديث آبار النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ولربما التصريح الأكثر وضوحاٌ حتى اللحظة، وفق ما ذكرته مصادر إعلامية مقربة من طرفي العقد، هو “تأسيس مصفاتي نفط متنقلتين شرق الفرات بحيث تنتجان حوالي 20 ألف برميل يومياً ما يساهم في سد جزء من حاجة الاستهلاك المحلي”. 

حتى الآن لم تعلن الشركة الأمريكية ولا الادارة الذاتية عن أي اتفاق حول أليات التسويق وتصدير الفائض في المستقبل، وحسب التقديرات في صناعة النفط فإن 80 % من تكلفة برميل النفط هو تكلفة النقل، وبالتالي مسألة تقصير المسافة مهمة جداً وتحتاج الى تفاهمات سياسية في المستقبل. وحيث أن شركة دلتا قد حصلت على ترخيص للعمل في سوريا يعني أن الشركة تنوي استثماراً طويل الأمد. وبغض النظر عن الوضع القانوني فأن تفعيل هذا العقد وجني الإيرادات يحتاج لمدة ليست بالقصيرة. لقد خلقت هذه التصريحات زوبعة أعلامية غير موضوعية. وكما هي العادة عندما يتعلق الموضوع بالمناطق الكردية، هناك هجوم حاد واتهامات يتّفق عليها الجميع (تركيا, دمشق , موسكو وميليشياتهم السياسيّة والمسلّحة ). العديد من القوى المتصارعة في سوريا تعول على قطاع النفط والغاز لأنه سوف يلعب دوراً رئيسياً في تمويل إعادة الإعمار إذا تم إيجاد حل سياسي. لا توجد أرقام تاريخية أو إحصائيات دقيقة عن النفط السوري، ذلك لأنه على مدار نصف قرن من حكم آل الأسد لم يتجرأ أحد على السؤال عن النفط السوري، و المرة الوحيدة التي تحدث فيها حافظ الأسد عن موارد سوريا النفطية ،قالها بنبرة التهديد : “إنه في إيادٍ أمينة”. لذلك وجب إعطاء لمحة سريعة عن قطاع النفط في سوريا.

لمحة عن قطاع النفط

يعتبر العديد من الخبراء الاقتصاديين أن النفط هو المصدر الرئيسي للطاقة في الصناعة الحديثة، وقد أدى ذلك الى زيادة الأهمية الاستراتيجية لهذه الموارد ولاسيما في التنمية الاقتصادية.  في نهاية الخمسينيات تم التعاقد مع شركة تكنو اكسبورت السوفيتية التي وضعت أول خريطة جيولوجية لسوريا، وحفرت بموجبها عدة آبار استكشافيه في شمال شرق سوريا تم من خلالها تأكيد وجود النفط والغاز. وقد بدأ الانتاج التجاري للنفط في سوريا 1968 ومنذ ذلك الحين تعتبر سوريا من المناطق الجاذبة لشركات النفط الإقليمية والعالمية، إذ كانت تعمل داخل أراضيها 11 شركة متخصّصة في التنقيب وإنتاج واستثمار النفط. وتصدّرت شركة «ٍشيل» البريطانية شركات الاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى شركتَي «بترو كندا» الكندية، و«إينا» الإيطالية، مع ست شركات أخرى عملت في قطاع الإنتاج، أبرزها «توتال» الفرنسية، و«الشركة الصينية الوطنية»، و«ساينوبيك» الصينية، وثلاث شركات صغيرة أخرى، فضلاً عن شركتَي «موريل بروم» و«لون إنيرجي» في مجال الاستكشاف.

ما مقدار النفط الذي تنتجه سوريا؟

على الرغم من أن سوريا لم تكن من الدول الكبيرة المُصدّرة في المنطقة، إلا أنها كانت تحقّق اكتفاءً ذاتياً من النفط عالي الجودة، وتُصدّر الفائض منه. وفقًا للمعايير الدولية. حيث تعد سوريا منتجاً صغيراً للنفط، إذ تمثل 0,5 % فقط من الإنتاج العالمي، وفق إحصائيّات العام 2010. ومع ذلك، يساهم النفط والغاز بحوالي 30-40 % من الدخل القومي السوري. وبحسب وزارة النفط السورية، بلغت قيمة النفط المصدر في عام 2010 حوالي 5,5 مليار دولار، في حين بلغت قيمة واردات المنتجات النفطية 3 مليار دولار. وفي فترة ما قبل الحرب الأهلية في سوريا، كان من الصعب جداٌ الوصول إلى أرقام دقيقة حول إنتاج قطاع النفط، باعتباره من القطاعات البعيدة عن التداول الإعلامي.  إلا أن عام 2010 شهد نشر أولى الإحصائيات لوزارة النفط والثروة المعدنية السورية، والتي أعلنت فيها أن إنتاج البلاد من النفط يبلغ قرابة 385 ألف برميل يومياً يصدر منها حوالي 150 ألف برميل، وتتمّ معالجة الباقي من خلال مصافي بانياس وحمص للاستهلاك المحلي. وتتركز حقول النفط في مناطق شمال وشرق سوريا، وفيما يلي أهم حقول النفط والغاز وحجم إنتاجها اليومي.

حقل “العمر” كان ينتج 80 ألف برميل يومياً في عام 2010

حقل “التنك” وهو الحقل الثاني من حيث الأهمية في دير الزور وقُدر إنتاجه بحوالي 40 ألف برميل يومياً، تُستخرج من 150 بئر نفطي

حقول الرميلان تنتج 90 ألف برميل يومياً، ويقدر عدد الآبار النفطية التابعة لها بحوالي 1322 بئراً.

حقول السويدية تنتج 116 ألف برميل يومياً، ويُقدر وجود ما يقارب 25 بئراً من الغاز في هذه الحقول.

حقول الشدادي والجبسة والهول تصل إلى 30 ألف برميل في اليوم.

حقول اليوسفية تنتج 1200 برميل يومياً.

ومع اندلاع الحرب في العام 2011، تعرّض القطاع لأضرار جسيمة نتيجة للعمليات القتالية والعسكرية التي دارت في محيط الحقول وداخلها أحياناً، إلى جانب القصف الذي طال منشآته.  وتزامن ذلك مع فرض الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية عقوبات اقتصادية واسعة على دمشق.

 تسيطر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على حقول النفط كافة في محافظتي الحسكة ودير الزور، اللتان تمثّلان مجموعة النفط المتوافر في سوريا. ولا تزال عائدات هذه الحقول تدرّ مبالغ مالية كبيرة للإدارة، وإن كانت تعمل بقدر متدنّي جراء حاجتها إلى أعمال صيانة. بيد أن الكميات التي تُنتَج حالياً منخفضة، نظراً إلى أن بعض الآبار خارج الخدمة، وأن الإدارة الذاتية تفتقر إلى الوسائل التقنية والمالية لإعادة تأهيلها. وقدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي عام 2016 أن الإنتاج تراجع إلى 60 ألفاً فقط منذ عام 2011.

ورقة تفاوضي سياسي

يحمل العقد بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع الشركة الأمريكية دلتا كريسنت للطاقة في طياته رسائل سياسية وتفاوضية أكثر مما هي اقتصادية استثمارية. بهذا الاتفاق تحاول إدارة ترامب جعل الذهب الأسود (النفط) السوري ورقة تفاوضية جديدة، مع أوراق أخرى مثل العقوبات والعزلة وغيرها، وذلك للضغط على دمشق روسيا لقبول شروط كانت واشنطن حددتها سابقاً، وتشمل ستة مطالب، هي: “وقف دعم الإرهاب، وقطع العلاقات العسكرية مع إيران، وقف الأعمال العدائية، التخلي عن أسلحة الدمار الشامل، تنفيذ القرار الدولي 2254 والسماح للاجئين بالعودة، ومحاسبة مجرمي الحرب”.

هناك اعتقاد واسع بأن لهذه الخطوة بعد سياسي، ذلك أنه وقع في شكل مباشر بين شركة أميركية والإدارة الذاتية من دون الرجوع لدمشق. مما لا شك فيه أن هذه الخطوة سوف تساهم في تعزيز موقف الإدارة الذاتية في التفاوض. إن الأستثمار في هذه الخطوة سياسياً هو أمر ضروري جداً لتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية للمنطقة. ويمكن اعتبار هذا الاتفاق أول أستثناء لمناطق الإدارة الذاتية من عقوبات قانون قيصر. وهذا الاستثناء ربما يشجع بعض الشركات الأجنبية لأخرى للقيام بخطوات مماثلة، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل من التداعيات السلبيّة الناجمة عن العقوبات.

 مكاسب هذا العقد على المدى القصير

– تعزيز موقف قسد في التفاوض مع دمشق

– أمريكا لن ترحل عن المنطقة في المدى القصير

– فتح باب الاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية كونها مستثنى من العقوبات

– تخفيف التلوث البيئي الناجم عن تكرير النفط بطرق بدائية

– سدّ جزء من حاجة السوق المحلي

 — د. جان محمد: باحث اقتصادي ومحاضر بجامعة آلبورغ الدنماركية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد