آفاق حل القضية الكردية في الشرق الأوسط: الرؤية الكردية بين الواقع ومصالح القوى الكبرى

تغيرت المواقف الأوروبية قليلاً عن سابقاتها من حيث التعامل مع الكرد ومن القضية الكردية، وذلك بعد نجاح الثورة الروسية ووصول البلشفية إلى السلطة، ورفضها لتلك الاتفاقيات التي تمت في رغبة منهما لاستثمار القضية الكردية لأجل وقف المد الشيوعي الثوري القادم من الشمال. وقد ظهرت نوايا الدولتين بإقامة دولة كردية تشكل حاجزاً بين الدولة التركية وروسيا السوفيتية من ناحية، وكموقع متقدم في منطقة إستراتيجية لمناوئة الاتحاد السوفياتي ولتكون قريبة من حقول النفط في القوقاز من ناحية أخرى، ولأجل ذلك، تم إرغام الدولة التركية على توقيع معاهدة سيفر، والتي هي نسخة معدلة عن معاهدة فرساي، حيث تم الاعتراف بموجبها بحق الكرد في إقامة مناطق حكم ذاتي قابلة للتحول إلى دولة بعد فترة من الزمن.
 إلا أن نجاحات الكماليين في الحرب والانتصارات التي أحرزوها ا ضد اليونان ألزمت الدول الأوروبية على القبول بالتوقيع على اتفاقية لوزان عام 1923 ، حيث تم تجاهل القضية الكردية فيها تماماً، بعد أن كانت معاهدة سيفر تنص على إنشاء دولة قومية كردية، وفق أسس تقرير المصير، إذ تصت المادة 38 من اتفاقية سيفر على أن تتعهد تركيا بمنح كامل الحريات لجميع سكان تركيا دون تفرقة أو تمييز بسبب الجنس، أو القومية، أو اللغة، أو العنصر، أو الدين، أو العقيدة، ووجوب تمتع “الأقليات” غير المعتنقة للدين الإسلامي بحرية الحركة والهجرة. ونصت المادة 39 على حق مواطني الدولة التركية في استخدام اللغة الأم في حياتهم اليومية والخاصة، وفى التجارة وممارسة الشعائر الدينية، التي يمارسونها، مع تمكين الكرد والأرمن من استعمال لغاتهم الخاصة أمام المحاكم وعلى عكس معاهدة سيفر، جرى في معاهدة لوزان حرمان الكرد من حق تشكيل الدولة، أو تقرير المصير. والواضح هنا ومن المقارنة بين المعاهدتين أن الدول الأوروبية هي المسئولة عما يتعرض له الكرد الآن في كل من تركيا وإيران من قمع ومظالم وإنكار.  لم تكن قضية الكرد هي المحرك الأساسي لعلاقة الاتحاد الأوروبي مع الدول التي اقتسمت الكرد وأراضيهم، بعد أن تم إقرار تلك الاتفاقيات والمعاهدات دوليا، وبدأت تأخذ طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع، وإنما كانت هناك مجموعة أخرى من القضايا والاهتمامات -الاقتصادية ـ السياسية ـ الجيوسياسية ـ، التي تحكمت ولا تزال تتحكم وتسير تلك العلاقات: لم تكن القضية الكردية هي السبب الرئيسي في الخلافات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بل ربما كانت الدول الأوروبية نفسها هي السبب الذي أنتج تلك المشكلة، فهناك أبعاد أخرى كثيرة لهذا الخلاف، منها ما هو ديني، إذ ما يزال الاتحاد الأوروبي الذي يظهر كتلة دينية مسيحية واحدة، يرفض انضمام تركيا المسلمة، وهناك قوى وأحزاب أوروبية لا زالت إلى اليوم ترى هذا العامل الديني مهماً وأساسياً في مسألة قبول عضوية تركيا. وقد تنامت تلك المشاعر المناهضة بشكل واضح بعد عام 1994، حينما تسلم حزب الرفاه الإسلامي دفة الحكم في تركيا، ونجاحه في الانتخابات البلدية التي تمت في آذار 1994، ثم الانتخابات النيابية اللاحقة.
 ومن ثم وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002  ونجاحه لأكثر من مرة في البقاء، وتحقيق الأغلبية النيابية الشبه مطلقة، وهو الأمر الذي أحدث شبه إجماع أوروبي بشأن رفض انضمام تركيا التي تتشدد دينيا، يٌضاف لذلك إن كثيرا من دول الاتحاد الأوروبي ـ وفى مقدمتها اليونان ـ لا تزال ترى في تركيا بلدا آسيويا، وتحلم بإخراج الأتراك من كل الجزء الأوروبي الذين يقطنون فيه الآن، على اعتبار أن الدولة العثمانية احتلت واغتصبت تلك الأراضي من اليونان. علاوة على ذلك فهناك تخوف لدى دول الاتحاد الأوروبي بشأن تركيا، بسبب وجود الفوارق الاجتماعية الكبيرة، مثل معدل النمو السكاني المرتفع والفوارق الاقتصادية والثقافية، ومعدلات النمو والتطور. ويلاحظ أن التنافس الأمريكي ـ الأوروبي قد لعب دورا بارزا في تحديد علاقة الاتحاد بتركيا عموما وبالقضية الكردية خصوصا.
 لقد كان هناك تهميش أوروبي واضح لقضايا الكرد في علاقات الدول الأوروبية مجتمعة، أو من خلال العلاقات الفردية لكل دولة في التعامل مع العراق وسوريا وإيران وتركيا. عبر هذا التهميش الأوروبي للقضية الكردية أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية، استمر التأييد والدعم الغربي للعراق في سبيل مواجهة الثورة الأصولية في إيران، وإيقاف امتداداتها وما كانت تشعر به من أن ذلك الزحف يٌشكل تهديداً لأمنها المتمثل في مصالحها في المنطقة، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي والغرب عموما إلى إغماض العين والسكوت عن التصفية الدموية التي قام بها النظام العراقي في 16 مارس 1989 ضد الكرد، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد سكان مدينة حلبجة الكردية، وقتل أكثر من خمسة آلاف شخص بين طفل ورجل وإمرأة من المدنيين، ثم استمرار عمليات الإبادة والتطهير العرقي التي سميت ب”الانفال” والتي ٌقتل فيها 180 ألف كردي، ووصلت عدد القرى التي دمرت إلى أكثر من 3000 قرية، وأدى التدمير إلى فرار وتهجير ونزوح أكثر من 100،000 ألف كردى إلى دول الجوار، بل خذلت الدول الأوروبية الكرد ، حين قامت الثورة الشعبية في كردستان العراق عام 1991، كانت نتائجها تحرير كل كردستان العراق وتسليم عشرات الألوف من الجنود العراقيين أنفسهم إلى القوات الكردية. ولكن الصمت والتواطئ الغربي أدى إلى هجوم قوات النظام الصدامي على كردستان استخدم فيه كل أنواع الأسلحة الثقيلة، بما فيها الطائرات، بعد أن كان قد تم حظرها بعد معركة الكويت. لم تتدخل الدول الأوروبية لمساعدة الكرد.
لقد ترك الغرب الكرد وغيرهم من العراقيين لمصيرهم أمام آلة الدمار التابعة للنظام.وبعد قيام بعض العناصر الإيرانية في عام 1992 باغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستانى صادق شرفكندى واثنين من رفاقه في مطعم “ميكونوس” بألمانيا، هذه الأزمة تسببت في توتر العلاقة بين أوروبا وإيران، وذلك بعد صدور قرار الإدانة لعناصرة إيرانية واتهاماها بالتورط في جريمة الاغتيال، وما استتبع ذلك من سحب سفراء دول الاتحاد من طهران، لكن تلك المقاطعات لم تستمر لزمن طويل، إذ سرعان ما تم الإعلان عن استئنافها بعد عدة أشهر، على خلفية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في شباط عام 1998، حيث تم الإقرار باستئناف الاتصالات الوزارية كخطوة أولى نحو عودة الأمور إلى نصابها، وهو الأمر الذي يساهم في فضح وتعرية الأيديولوجيات القوموية القائمة على المصالح دون أي اكتراث بحقوق الإنسان وحريات وكرامة الشعوب.تلعب الحروب والثورات دورا كبيرا في تشكل دول جديدة وظهور أنظمة إقليمية جديدة تحل مكان أنظمة إقليمية جديدة. لقد كان لانهيار منظومة الدول الاشتراكية نتائج انتهت إلى تفكك دول ونشوء دول أخرى في روسيا وبقية دول أوروبا الشرقية، وصولا إلى ما يجري في أوكرانيا التي وصفها المفكر الأمريكي صاموئيل هانتغتون قبل عقدين بدولة الصدع وتنبأ على لسان جنرال روسي بعودة شرقها إلى السيطرة الروسية. وما جرى ويجري في سوريا والعراق وقيام تنظيم “داعش” الإرهابي  بإلغاء حدود سايكس بيكو عمليا من خلال الإعلان عن دولة الخلافة في العراق وسوريا على أمل  أن تمتد إلى بقية دول الشام. وما تشهده سوريا من حالة انقسام واضحة على الأرض، وما يشهده العراق الآن من مطالبات بتكوين إقليم سني، كل هذه الأمور تدفع بالمنطقة إلى اعتماد خيار الحل الفيدرالي، الذي سيمهد حكما لحالة من الكونفدراليات تقوم على حاجة تلك الكيانات إلى إيجاد روابط معينة تحافظ من خلالها على خصوصيتها في مشهد لا أدارى يكسر الاحتكار، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى نشوء نظام إقليمي جديد.
إن السياسة الغربية تجاه القضية الكردية لا زالت تتركز على أسس ثابتة:
أولا: الحفاظ على الدول القومية التي نشأت بموجب اتفاقية سايكس بيكو، والحرص على مؤسسات تلك الدول، والحؤول دون انهيارها، وخاصة أن نتائج ما جرى في العراق ظاهر للعيان. ثانيا: إن استمرارية تلك الدول القومية وفق سياساتها التي تم اعتمادها في التعامل مع الحداثة الرأسمالية والحريات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدخلت تلك الدول في حالة هي اقرب إلى الفاشية منها إلى الديمقراطية في تعاملها مع تلك القضايا، فالدستور التركي في مادته ” 66 ” يقول “كل من يعيش في تركي هو تركي”، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قالها قبل يومين في مدينة سيرت الكردستانية المقولة الفاشية التي يتم ترديدها منذ 90 عاما في تركيا: “ان تركيا بلد واحد وشعب واحد وعلم واحد”. ففي أي دين يستوي هذا القول؟.   إن الوقائع على الأرض تؤكد استحالة التعاطي مع النهوض الكردي في شمال كردستان وتركيا، والأجزاء الأخرى بعقلية الإنكار السابقة، أو الذهنية الفاشية المتمثلة بما يقوله أردوغان رغم ما ينشر في وسائل الإعلام من أن هناك توجه لحل القضية الكردية وهو ما عاد وأكد اردوغان إنكارها وقال “إن هناك مشاكل لمواطنين أتراك من اصل كردي” لا غير. ثالثا: تهيئة وتحضير قوى الحداثة الرأسمالية في تلك الدول كي تكون قادرة على تبني مشروع الفيدرالية لتكون بمثابة الرافعة التي يتم الارتكاز عليها لكي تحقق المشروع على الشكل المطلوب. رابعا: إلزام الدول القومية وممثلي الحداثة الرأسمالية بقبول الحل الفيدرالي وتقاسم السلطة والنفوذ والثروة وتوزيعها على اكثر من مركز.
 إن ارتكاز هذا الحل في إقليم جنوب كردستان واعتماده بمثابة تلك الرافعة في العراق، ونجاح العملية السياسية، يمثل الخطوة الأولى في تعميم التجربة لتكون نموذجا للحل، وبديلا عن مفهوم الدولة الكردية المستقلة كليا.لقد تشكلت حالة جديدة في المنطقة تختلف عن تلك التي سبقتها قبل التدخل الأمريكي في العراق واحتلاله رسميا. إن هذا الوجود الأمريكي  في العراق والمنطقة زاد من الممارسات، وشكل التعاطي السابق الذي كان متبعا من شبكة “الغلاديو” التابعة لحلف الناتو، والتي عملت في مواجهة تطلعات الشعب الكردي وخاصة في شمال كردستان وتركيا. وعليه يمكن النظر إلى توتر العلاقات بين أمريكا وتركيا بسبب التعاطي المواقف من حزب العمال الكردستاني والدولة الفيدرالية، وهو ما يمكن تلمسه بوضوح في البحث الذي نشره مركز  “Bipartisan Policy” قبل أيام تحت عنوان ” تزايد حالة اللاثقة في الحليف التركي”، والذي ترجم المركز الكردي للدراسات مختصره.
 وقد قدم البحث توصيات واضحة لصانع القرار الأميركي منها: أولا: السعي لإقامة قاعدة عسكرية على أراضي الحكومة الإقليمية الكردية: استمرار الرفض التركي بالسماح للولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ ضرباتها الجوية من قاعدة “إنجرليك” في تركيا، الأمر الذي أجبرها على تنفيذ عملياتها من الخليج العربي ضد مواقع تنظيم “داعش”، والذي قد يؤدي إلى ضعف فعالية الحملة العسكرية. لذا فإن السعي لإيجاد بديل عن قاعدة “إنجرليك”، على أراضي إقليم كردستان العراق، سوف يقلل من اعتماد واشنطن على تركيا، في الوقت الذي تقوم الولايات المتحدة بتوفير مزايا جغرافية مماثلة لتنفيذ العمليات في كلٍ من العراق وسوريا ضد تنظيم “داعش”.ثانيا: تنظيم المزيد من عمليات الإسقاط الجوية للكرد السوريين: تنظيم المزيد من عمليات الإسقاط الجوي في الوقت الذي تمتلك فيه واشنطن أفضل شبكات الاستخبارات التي لديها قابلية تأكيد عدم وقوع إمدادات الذخائر والمؤن في أيدي القوى المتطرفة، هنا ستحقق فائدتين في آن واحد: أولاً: ستكون الولايات المتحدة قادرة على دعم وإعادة إمداد القوات الكردية المحاربة على الخطوط الأمامية في كلٍ من سوريا والعراق. ثانياً: ستكون بمثابة رسالة للأتراك مفادها أن واشنطن عازمة على دعم شركائها في قتال تنظيم “داعش”، مع أو بدون الموافقة التركية على استخدام قواعدها ومطاراتها.ثالثا: مناقشة إزالة المجموعات الكردية من لائحة الإرهاب: بمشاركة حزب العمال الكردستاني (PKK) في محادثات السلام لإيجاد حل سياسي مع الحكومة التركية، وباعتباره شريكاً حيوياً ضد تنظيم “داعش”، هنالك إشارات متزايدة حول إزالة حزب العمال الكردستاني، من لائحة الإرهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.وهو ما يعود بنا للتفاهمات التي جرت بين الحكومة التركية والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2007 فيما يتعلق بإيجاد حل للقضية الكردية وفق أسس يتم العمل على تنفيذها في الحقول الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واستبعاد الحل العسكري مقابل وضع حزب العمال الكردي حدا للكفاح المسلح الذي بدأ في 15 آب عام 1984.
 هذا الوفاق دفع تركيا إلى التعامل مع الوضع في العراق والقبول بالتعامل النظام الفيدرالي وقبول الفيدرالية الكردية هنا نرى بوضوح بأن الدولة القومية التركية ذات النظام الفاشي حيال قضية الشعب الكردي وبقية المكونات القومية والدينية ضمن الحدود الرسمية لتركيا الحالية. كرديا يسعى القائد الكردي عبد الله أوجلان إلى إستكمال ما بدأه في آذار 1993 حين أعلن عن وقف لإطلاق النار على طريق إيجاد حل مستدام لقضية الشعب الكردي من خلال دمقرطة الدستور التالي، وعليه طرح في كتابه خارطة الطريق عشرة نقاط للحل وهي: أولا: السياسة الديمقراطية، ماهيتها ومحتواها.ثانيا: تحديد الأطراف الإقليمية والدولية التي ستتابع تطبيق مرحلة الحل السياسي الديمقراطي.
ثالثا: الضمانات الديمقراطية والقانونية لخلق المواطنة الحرة.رابعا: علاقة السياسة الديمقراطية بالدولة والمجتمع وآليات عمل هذه العلاقة.خامسا: الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للحل السياسي الديمقراطي.سادسا: حالة الأمن وشروطها في ظل تفعيل الحل السياسي الديمقراطي.سابعا: الضمانات القانونية لحقوق المرأة، توطيد الثقافة وحماية البيئة. ثامنا: الضمانات القانونية على حماية الهوية الحرة، وتحقيق المساواة والاعتماد على الديمقراطية في التعامل مع جميع المواطنين.تاسعا: تعريف الجمهورية الديمقراطية، الوطن المشترك، والقوانين الديمقراطية، وضمان كل ذلك في متن الدستور الرسمي للدولة.عاشرا: وضع دستور للدولة يتم ضمان كل البنود السابقة فيه بشكل ديمقراطي واضح.وقد أعلن العمال الكردستاني بأنه، وفي حال تطبيق الدولة التركية تلك البنود وموافقتها عليها، فإن الخطوة التالية المقررة كانت إطلاق سراح القائد اوجلان ومشاركته في مؤتمر يعقده حزب العمال الكردستاني ويعلن فيه نهاية الكفاح المسلح. ويتساءل قادة العمال الكردستاني “نزع سلاح حزب العمال الكردستاني” هكذا ودون الموافقة على شروط الجانب الكردي والاعتراف بالحقوق والهوية الكردية؟. لماذا سيتنازل حزب العمال الكردستاني عن سلاحه؟ ما الذي فعلته الدولة التركية وحكومتها حتى يفعل الكردستاني ذلك؟. إذما أرادت الدولة التركية أن ترى الكردستاني ينزع سلاحه فلابد من تطبيق البنود العشرة والاعتراف الدستوري بالهوية الكردية، وإطلاق سراح القائد اوجلان. حينما يتم ذلك فإن حزب العمال الكردستاني سوف يعقد مؤتمره ويعلن عن القرارات المطلوبة.
فمساعي  السلام والحل التي أطلقها القائد الكردي اوجلان منذ  اكثر من عشرين عاما، قد وصلت لذروتها وتكللت بالنداء الذي وصف بالتاريخي في نوروز 2013 .وكان من المفروض أن تتحول النقاط العشر التي وضعها أوجلان كإطار للحل الديمقراطي، إلى أساس للمباحثات الثنائية بين حركة التحرر الكردستانية والدولة التركية، وذلك منذ تاريخ 15 شباط 2015، وكان من المفترض أن يعلن القائد اوجلان نداء التخلي عن الكفاح المسلح في مجلس النواب التركي. وبهذه الخطوة كان من المفروض ان تبدأ المرحلة الثانية من عملية التفاوض، حيث كان حزب العمال الكردستاني سيعقد مؤتمره ويعلن من هناك بناء على التطورات السابقة، وقف الكفاح المسلح ضد الدولة التركية. لقد قيّمت حركة التحرر الكردستانية البنود العشرة ومقترحات الحل ومحتوى المفاوضات بين الدولة والكرد، ووافقت عليها. لكن الحكومة التركية بدأت في المماطلة وكسب الوقت وتفسير المحتويات على هواها. إن المؤتمر المشترك الأخير بين الحكومة ووفد حزب الشعوب الديمقراطية الذي التقى القائد أوجلان، إنما يعتبر فرصة جديدة منحها القائد اوجلان للدولة والحكومة التركيتين من اجل البدء بمرحلة السلام والتفاوض بشكل رسمي ومعلن، ووضع برنامج زمني للوصول للحل الديمقراطي الشامل”.
  يقول اوجلان في مرافعته المقدمة لمحكمة حقوق الانسان الأوروبية والمعنونة ب ” (دفاعا عن الشعب) والمكتوبة في العام 2004 ” قد يكون فتح بلاد البلقان أو اسطنبول ذا معنى . أما البرهنة على أن ديار بكر لم تفتح إطلاقا، وانه تم التحرك فيها بسياسات مشتركة منذ عهد السلاجقة، وأن التاريخ الأصلي هو هكذا، فيعد اعتداء على حق الفتح وإيديولوجيته. بيد أننا أوضحنا كيف أن الكرد القاطنين في أراضيهم منذ ما يناهز الخمسة عشر ألف عاما، وأسسوا ثقافتهم فيها، وصاروا أصحاب وطن عليها، إنما هم أصحاب حق دارج يضاهي حق الفتح بآلاف المرات. كيف يصبح وطن الكرد بضربة واحدة ملكا للعربي أو التركي أو العجمي، بينما هو على الأقل مصدر الحق الأول للكردي، الذي زرع أراضيه صيفا شتاء، وحولها إلى حقول خضراء يانعة، وأسس القرى والمدن عليها، واجتر آلامها وهمومها آلافا من السنين، وقاوم لأجلها، ومات على ثراها، وسكب نور عينيه على كل شبر فيها، وعاش فوق أراضيها، وكوّن وجوده الاجتماعي عليها بكل أشكال الكدح، تماما كمن يقوم بتطريز نسيج ما. بمقدور الكردي الزعم أمام هؤلاء قائلا: لربما فتحت أنت هذه الأراضي عن باطل لمرة واحدة، ولكنني أفتحها كل يوم بإمدادي إياها بمئات الأجيال”.
يقول أوجلان في المرافعة الأخيرة المعنونة ب (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية: دفاعاً عن الكرد الذين بين فكَّي الإبادة الثقافية)، في الصفحة 171 ” الواقع الكردي المجتث من موطنه الأم، هو واقع مجروح يحتضر، وعجزه عن تبني وطنه الأم والذود عنه، إنما يعني التخلي عن تاريخه وثقافته، ويؤول في نهاية المطاف إلى التراجع عن العيش على شكل مجتمع ، وعن كينونة الأمة.
 من هنا، محال تعريف المجتمع الكردي من دون وطن، ومحال على مجتمع بلا وطن أن يستمر بوجوده، أو يتخلص من التعرض للتصفية والزوال والتشرذم على التوالي في هذه الحالة”. ويتابع أوجلان في نفس الصفحة قائلا: ” من المستحيل إنكار وجود كردستان، حتى لو كان واقع وطن يعاني من نير الاستعمار والإبادة . وسيستمر وجودها حتى آخر فرد صامد يطمح في العيش بحرية وبما يليق بواقع تاريخه ومجتمعه، وملتزما به. وفي هذه الحالة لن تكون مقتصرة على كونها موطنا للكرد فحسب، بل ستغدو وطنا مشتركا يتشاطره أيضا الأرمن السريان والتركمان والعرب ضمن أجواء مفعمة بالديمقراطية والمساواة، وكذلك كل فرد أو ثقافة تطمح في العيش على ثراه بحرية”. إذن الدفاع عن الكرد، وهو في نفس الوقت، دفاع عن كل شعوب ومكونات المنطقة.
*نص كلمة المركز الكردي للدراسات، والتي تليت في مؤتمر (مستقبل عملية السلام والقضية الكردية في تركيا)، والذي عقد في المنتدى الثقافي المصري بالقاهرة، منتصف شهر أيار/مايو الماضي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد