قدم المركز الكردي للدراسات جلسة حوارية باللغة العربية في السادس من شهر فبراير/شباط الجاري بعنوان «ماهي ملامح سياسة واشنطن في سوريا الجديدة؟». واستضاف البرنامج، الذي قدمه الزميل الباحث شورش درويش، الباحث والكاتب السياسي في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية بشار جرار.
بدأت الجلسة بالسؤال عن وجهة نظر السياسات الأميركية في ظل تشابك الملفات في الشرق الأوسط. وقال الباحث والكاتب بشار جرار في بداية حديثه بأن دونالد ترامب شخصياً رجل مؤمن يربط الإيمان بالأسرة والأسرة بالوطن وبالتالي يتّبع سياسة خارجية تقوم على نشر السلام من هذا المنطلق. وأضاف أنه لمعرفة كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي هناك ثلاث نقاط رئيسية لا يمكن تجاهلها؛ وهي بأن ترامب على الصعيد الإنساني من الشخصيات المهتمة جداً بأسرته، كما أنه يريد أن يعمّ السلام في كافة أرجاء العالم فهو ضد الحروب وكافة مظاهرها. وأوضح أنه من ناحية أخرى، فإن ترامب وطني أميركي حقيقي خارج عن الإطارات السياسية والحزبية، كما أن لديه أسلوب يشبه المستثمرين في تفكيره. وأردف أن النقطة الأخيرة تتمثل في أن ترامب إنسان عملي يفاوض على وسائل الإعلام مباشرة، مشيراً إلى أن مفاتيح فهم شخصية ترامب ليست معقدة وإنما تحتاج إلى القراءة من منظور صحيح، ولكي نفهم ما يعنيه ترامب في تصريحاته يجب أن نكون ملمّين بتاريخه وتجاربه على الصعيد الشخصي.
وبالحديث عن احتمالية التوجّه نحو نمط انعزالي جديد في الولايات المتحدة يفضي إلى الانسحاب العسكري من العديد من مناطق العالم، طرح الباحث والكاتب بشار جرار مناقشة مصطلحين للتمكّن من فهم هذه النقطة هما العسكر والقومية. وأشار إلى أن هذه الكلمات تملك معاني ودلالات مختلفة حتى على ضفتي الأطلسي، ففي دولة كبريطانيا يحمل مصطلح القومية مدلولاً سلبياً يعني الفاشية ،وبالعودة للحديث عن انعزالية واشنطن، قال جرار إنه كما كان واضحاً في حملة ترامب الانتخابية فهو يؤمن بفكرة «أميركا أولاً»، وهذا لا يعني إلغاء بقية الدول، فهو يتوقع أن يؤمن كل سوري بفكرة «سوريا أولاً» وكل كردي بـ«كردستان أولاً». وأردف أنه يسعى لأن يكون الجيش قائماً على التطوع، فالفكرة لم تنحصر بكلمة انعزالية الولايات المتحدة، بل هي أساساً تجنب تحويل العسكر إلى مرتزقة وتحويل الحروب إلى مشاريع.
وعند الإشارة إلى المسائل الكبيرة كالانسحاب من سوريا واستقالة جيمس ماتيس التي عكست وجود الخلاف بين المؤسسة العسكرية وأقوى رئيس في العالم واحتمالية تكرار هذا التباين، نوّه جرار إلى أسلوب جيمس ماتيس حيال التنظيمات الإسلامية في العراق بوضع خيارين أمامهم، إما التفاوض أو الذهاب إلى جهنم، كمثال على جنونه في اتخاذ القرارات كما سمّاه ترامب. وأضاف أن ترامب أقال جون بولتون عندما اكتشف بأن سياساته تدفع واشنطن إلى الحروب في حين كان يعتقد الجميع أن ترامب سوف ينجر وراء هذه السياسات ويخوض حرباً ضد فنزويلا بناءً على خطط بولتون. كما أكد جرار أن اختيار ترامب بيت هيغسيث وزيراً للدفاع يهدف إلى إنهاء الحروب، وتأكيداً على أنه لا يجب أن يلعب الجيش الأميركي دور الشرطي في العالم، بل بوجوب تطابق وزارة الدفاع مع كل الأقسام والوزارات الأخرى. وتابع حديثه بأن زمن تباين المواقف بين وزارة الدفاع ووزارة الخارجية انتهى، كما أضحت قرارات الحرب والسلم في يد الكونغرس، في حين باتت القرارات التنفيذية محصورة بيد الرئيس والقائد الأعلى فقط.
وأشار جرار إلى أن مفهوم اليسار في أوروبا مختلف كلياً عن مفهومه في الولايات المتحدة، حيث أن مبادئ وأسس اليسار الأميركي باتت مختلة بالكامل، منوهاً إلى أنه لفهم سياسة واشنطن يجب أولاً طرح سؤال: أيّ واشنطن؟، ومن هو ساكن البيت الأبيض؟ وما مدى الدعم الذي يحصل عليه من الكونغرس؟
وفيما يتعلق بالسؤال الأساسي: هل ستنسحب واشنطن من سوريا؟ وهل سوريا وفق التعبير المجازي الذي استعمله ترامب عبارة عن «رمال ودماء»، أم سوريا منطقة حيوية في الشرق الأوسط؟، أكد جرار أن ترامب يفاوض على الهواء مباشرة بشكل شفاف ولكن ليس بالضرورة أن يكون بنفس الشفافية على طاولة المفاوضات، كما أنه يفاوض تفاوضاً جماعياً. وأضاف أنه عند دخوله في التفاوض ما بين روسيا وأوكرانيا، كان يفاوض عملياً الاتحاد الأوروبي والصين وحلف الناتو بالكامل. وتابع حديثه قائلاً إنه في بداية التطورات في سوريا، حذّر ترامب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بشكل مباشر بألا تكون لواشنطن أيّ صلة بما يجري في سوريا، كما أكد ترامب بعد سقوط نظام الأسد وبشكل علني بأن مفاتيح سوريا أصبحت بيد رجب طيب أردوغان. ونوه الباحث إلى أن ترامب على دراية بما يجري منذ بداية الأمر، كما أنه يمتلك حساسية خاصية تجاه التعددية الثرية في سوريا ومتعاطف مع الشعوب التي مرت بصراعات على مدار مئات السنين كالكرد. وأردف أن المريب في الأمر هو أن ترامب يرى بأنه ليس معنيّ في حلّ هذه الصراعات، فهو الذي سمى الدعم الأميركي لأحد الأطراف في أفغانستان بـ«الجنون». وأضاف الباحث أن هذه المواقف تودي لنتيجة مفادها بأن ترامب يعمل على تفكيك ما يسمى بـ«الدولة العميقة»، كما أنه يتعامل مع فكرة التركيز على الداخل الأميركي بمعايير مختلفة.
كما لفت الباحث جرار إلى صمت ترامب الخطير تجاه إيران والوضع الجديد في سوريا وسمّاه بـ«الغموض المدروس».
وبالحديث عن القضية الكردية بشكل خاص والموقف الأميركي تجاهها، قال الباحث والكاتب السياسي في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية إن للشعب الكردي وجود تاريخي عمره آلاف السنين، وبأن أصحاب هذه الأرض يجب أن يُنصفوا، ولكن طالما هناك نعرات داخلية فلا يمكن طلب المساعدة من دولة كالولايات المتحدة. وأضاف أن هذا الاقتتال الداخلي بين جميع أطياف المجتمع كاضطهاد الكردي السني للكردي الشيعي أو المسيحي لليهودي هو المشكلة الرئيسية في التعامل مع ترامب، فهو لا يعمل على إحلال السلام في المنطقة طالما ان شعوب المنطقة لا تسعى لذلك. وتابع مؤكداً أن أردوغان لا يستطيع أن ينفي بأن السيد عبد الله أوجلان يمتلك زعامة كبيرة، لذلك يجب حلّ هذا الموضوع تاريخياً وإبرام الصفقات التي تؤكد ذلك، وهذا الحل لا يمكن أن يتم عن طريق الدبلوماسية التقليدية بل يحتاج إلى عقلاء.
وبالسؤال عن إقدام سوريا على الإصلاح السياسي وعن الدور التركي في المنطقة، نوّه الباحث بشار جرار إلى أهمية الدور التركي في المنطقة من خلال عدة نقاط أولها الموقع، وثانيها التواجد التركي في حلف الناتو، حيث أن لتركيا أقوى جيش بريّ بعد الجيش الأميركي، وأضاف أنه يجب الانتباه إلى هذه النقطة بأن مفهوم حلف الناتو تغير بالكامل بالنسبة لترامب، فهو لم يعد يسعى لتوسيع الحلف، ما يقلل أهمية تركيا فيه. وأوضح أن ترامب مع إدارته الحالية لم يعد يسمح لأنقرة بلعب دور العامل الحاسم في بعده الإسلامي. وأكد جرار في حديثه أن هذه فرصة تاريخية يجب الاستفادة منها من خلال لعب دور في بناء سوريا الجديدة، مع عدم التجاهل بأن سوريا الجديدة يبدو أنها تُدار الآن من قبل والي معين من النظام التركي. ولفت إلى أن هناك قوة موجودة في أوروبا والأطلسي غير راضية من التوسع التركي عبر الأدوات الإسلامية الموجودة في المنطقة، مضيفاً أنه في ظل هذه المعطيات يجب المراهنة على التحالفات التي تتميز بالديمومة لبناء سوريا الجديدة، والعمل على تحقيق سوريا مدنيّة وعلمانية خالية من كافة مظاهر التمييز العرقي أو الديني. وقال جرار إن الدخول في الصراع ما بين الإسلاميين ونظام الأسد السابق يعتبر خطأ تاريخي.
وفي نهاية الجلسة، ولدى السؤال عن أثر واشنطن في المنطقة في حال حدوث انسحاب أميركي كما تروّج له بعض الوسائل الإعلامية، قال الباحث والكاتب السياسي في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية إن هذه الأخبار تعتبر نوعاً من السرديات للتمهيد لتحقيق أهداف معينة. وتابع قائلاً إن واشنطن دعمت الكرد وقوات سوريا الديمقراطية لأسباب عديدة منها مكافحة الإرهاب والحفاظ على مناطق النفط السوري والحيلولة دون وقوعها في يد تنظيم داعش، وكذلك لتمتّع إدارتهم بملامح التعددية والديمقراطية. وأضاف أن الكرد أصحاب موقف أخلاقي ذو مصداقية بشكل عام، ولو استمرت العلاقات الدبلوماسية والعلاقات مع الناس المختصين في الدفاع بنفس العقلية، فلا داع للقلق من الانسحاب الأميركي لأن واشنطن لن تسمح بحدوث المجازر في حال انسحابها. وأضاف أن شعوب المنطقة أصبحت جاهزة حتى في أسوء الأحوال، والدليل على ذلك موقف العلويين والدروز برفضهم تسليم السلاح. وذكر جرار أن المطلوب في مثل هذه الظروف تسليح كل المدنيين الكرد وجهوزية تامة للدفاع عن أنفسهم، وكذلك التركيز على الاستثمار في الإعلام كون المعركة الآن هي معركة إعلامية بالدرجة الأولى وأكد ختاماً ضرورة وضع الحلول المناسبة لمخيم الهول، مسمياً إياه «خزان للقنابل الموقوتة يجب التخلص منه بأقرب وقت».