موقف كل من تركيا وإسرائيل حيال الغزو الروسي لأوكرانيا

جيمس دورسي

في خضّم الحرب الروسية ضد أوكرانيا، من المرجح أن تصمد أوروبا بوجه تداعيات هذه الحرب، كذلك الأمر سيان بالنسبة لدول الشرق الأوسط.
بيد أن الأمر مختلف بالنسبة لتركيا وإسرائيل اللتين يتوجب عليهما عدم التدخل بالأزمة الأوكرانية حفاظاً على مصالحهما القومية الأساسية.
ولكن من جهة أخرى، فمخاطر  الأزمة بالنسبة لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي ليست بالكبيرة . فساحلها الذي يبلغ طوله 2000 كيلومتر و المطلّ على البحر الأسود والممتد من الحدود البلغارية غرباً إلى جورجيا شرقاً، يعتبر الأطول بين الدول المطلة على البحر، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا.
ويعد البحر الاسود قضية جوهرية بالنسبة لتركيا مع تصميمها على منع وجود أي شكل من أشكال الحكم الذاتي بشكل دائم بتلك المنطقة، ناهيك عن تشكيل الكرد في سوريا إدارة شبه ذاتية.
تعد أوكرانيا السد المنيع الذي يقف بوجه النفوذ والضغوطات الروسية في المنطقة، وحذر مسؤول تركي من أن سقوط أوكرانيا سيكون له تداعيات مباشرة على تركيا.
أزدادت المخاطر على تركيا بعد اكتشافها العام الماضي لحقل للغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية على البحر الأسود والذي، وفقاً لوزير الطاقة فاتح دونمز، يمكن أن يُلبي بحلول عام 2027 ما يقرب من ثُلث الإحتياجات المحلية لتركيا.
بعد إرتفاع حدة التوترات في أوكرانيا، ستجد تركيا نفسها غير قادرة على الحفاظ على هاتين المصلحتين أو أن تلعب دوراً متوازناً. تربط تركيا بروسيا علاقة دقيقة وحساسة خاصة فيما يتعلق بنقاط الاختلاف، وفي الوقت ذاته تعتبر تركيا أحد حلفاء الغرب الملتزمة بالوقوف إلى جانب التحالف الغربي.
يتماشى الدعم التركي بسلاسة بشقيه الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا وتتار القرم، إضافة إلى رفض تركيا الإعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 مع سياسة شد الحبل التركية وكذلك منسجمة وسياسة حلف شمال الأطلسي.
ولكن اعتراف روسيا هذا الأسبوع بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيين الانفصاليتين، وانتشار القوات الروسية في تلك المناطق، يهدد بتقويض دور تركيا المتوازن وانجرار أنقرة نحو مأزق عسير.
من المرجح أن يكون فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا بمثابة القشة التي افسدت سياسة لعبة شد الحبل التركية مع روسيا.
وفي هذا الصدد، قال الباحث التركي غالب دالاي :« بقيت سوريا الشوكة التي توخز تركيا و نقطة ضعفها ، فضلاً عن أن روسيا ستمارس ضغوطاً على تركيا في سوريا. شهدت العلاقات التركية – الروسية وأفاق التعاون بينهما مراحل هبوط وازدهار خاصة في مناطق الصراع عبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن موسكو منفتحة أو تسعى للتعاون والتنسيق مع تركيا في منطقة الاتحاد السوفيتي السابق» .
قبل أيام من الاعتراف بالمناطق الأوكرانية، دقّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مسمارا في نعش تركيا عندما أعلن أن مشاركة الكرد في سوريا بالجهود الدبلوماسية للتفاوض على تسوية ما بعد الحرب ضرورية لمنع انفصال الكرد وضمان وحدة الدولة التي مزقتها الحرب.
وفي حديث له مع قناة “روسيا اليوم” الممولة من الحكومة الروسية ، أشار السيد بوغدانوف إلى أن مجلس سوريا الديمقراطية يسيطر على أرجاء واسعة شرق نهر الفرات. حيث تنتشر في تلك المنطقة قوات عسكرية تابعة لكل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة والنظام السوري والكرد، فضلاً عن جماعات متعددة مسلحة وجهادية.
كان لتعاون الولايات المتحدة مع الكرد في قتال تنظيم الدولة الإسلامية مصدر إزعاج في العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب الاتهامات التركية ضد مجلس سوريا الديمقراطية بأنه مرتبط بحزب العمال الكردستاني.
حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منع أي توغل تركي أخر محتمل من خلال الموافقة على تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا في منطقة عمدت تركيا فيها إلى إقامة مجموعة من نقاط المراقبة كحد فاصل بينهما وبين كل من القوات الروسية وقوات النظام السوري.
وعلى الرغم من ذلك، اتهمت تركيا روسيا بعدم الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بنزع سلاح المقاتلين الكرد في منطقة يبلغ طولها 30 كيلومترًا على طول الحدود السورية التركية.
أما بالنسبة لإسرائيل فهي لا تتشارك مع روسيا أو أوكرانيا في الحدود البرية أو البحرية . ومع ذلك، فالأزمة الأوكرانية قد تؤثر على سير عملياتها العسكرية في سوريا لمواجهة إيران وحليفها حزب الله  اللبناني.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، أدانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الضربات الإسرائيلية ضد أهداف في سوريا ووصفتها بأنها :«انتهاك صارخ للسيادة السورية، وحذرت من أنها قد تؤدي إلى رفع حدة للتوترات، علاوة على ذلك فأن مثل هذه الإجراءات تشكل مخاطر جسيمة على رحلات الطيران المدني».
وقد جاء التحذير الروسي بعد أسابيع فقط من إعلان روسيا أن الدوريات الجوية الروسية-السورية المشتركة أصبحت روتينية. وقد برز ذلك جليّا من خلال تسيير إحدى الدوريات على طول إمتداد مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل والتي تعتبر الشريط الفاصل بين إسرائيل وسوريا .
وأصر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بنبرة تحدي في الرد على ذلك بالقول « سنستمر في منع إيران من توطيد نفوذها في سوريا الذي بدأ بالتوسع أكثر فأكثر. وانه لمن مصلحة الشعب والنظام السوري العليا هي إخراج القوات الإيرانية من سوريا وبالتالي سيتحقق الاستقرار ويتم إعادة إعمار البلاد».
وفي سياق متصل ، رأى وزير الخارجية يائير لابيد أن ” هناك حدودا شكليّة بين إسرائيل وروسيا في سوريا” بالنظر إلى الوجود العسكري الروسي هناك لدعم رئيس النظام بشار الأسد. وأضاف لابيد ان إسرائيل لها جالية يهودية كبيرة في كل من روسيا وأوكرانيا بالإضافة إلى أن عددا كبيرا من اليهود يُقيمون في البلدين المتناحرين.
وعلى غرار تركيا، سارعت إسرائيل إلى كسب ود روسيا بإعلانها حظر نقل اسلحتها من دول البلطيق إلى أوكرانيا.
على عكس تركيا التي تحظى بقدر كبير بالمناورة في علاقاتها مع كل من روسيا والصين والولايات المتحدة، فإن إسرائيل خياراتها، كما هو الحال مع الصين، محدودة أكثر عندما يتعلق الأمر بروسيا . فضلا عن انها لا تستطيع المجازفة كثيرا مع روسيا كون ذلك يضر بعلاقتها مع واشنطن .
وصرحت وزيرة النقل الإسرائيلية ميراف ميخائيلي قبل ساعات من وصول الأزمة الأوكرانية إلى ذروتها: « لا مجال لمقارنة علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة والتي تعتبر وثيقة و خاصة _ حيث تعمل هذه الحكومة على إعادة تأهيلها و بنائها _ وبين علاقتها مع روسيا» .

المصدر:مودرن دبلوماسي

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد