القامشلي ودمشق.. توافقات على طاولة انعدام الثقة 

أليسا جي روبين 
أمضت أليسا جي. روبين أسبوعين مؤخراً في شمال شرق سوريا، حيث تحدثت مع أعضاء من مختلف الجماعات الدينية والإثنية في المنطقة.
عندما سيطرت قوات المعارضة على سوريا، تعهدت بتوحيد الفصائل المسلحة المتعددة في البلاد ضمن جيش وطني موحّد. إلا أن التحدي الأكبر لهم كان بلا منازع في شمال شرق سوريا، المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي ويديرها الكرد، حيث يسود شعور عميق بالريبة تجاه القيادة الجديدة.
في السنوات الماضية، قاتل المتمردون السوريون والكرد بعضهم بعضاً. ولكن مع تولي المتمردين الآن إدارة سوريا، يسعون لتشكيل تحالف ودمج القوة العسكرية القوية بقيادة الكرد ضمن الجيش الوطني الجديد. كشفت مقابلات مع العشرات من سكان الشمال الشرقي أواخر مارس/آذار أن انعدام الثقة الكردي بالحكومة الجديدة يعود جزئياً إلى أن المتمردين السابقين الذين باتوا اليوم في السلطة، كانوا ذات يوم مرتبطين بتنظيم القاعدة. كما أن بعض الكرد متوجسون لأن الحكومة الجديدة مدعومة من تركيا، التي سعت لسنوات إلى تقويض مكاسب الكرد في سوريا. تسأل أمينة محمود، 31 عاماً، وهي كردية من كوباني: «كيف يمكننا أن نثق بهذه الحكومة الجديدة في دمشق؟». ويشاركها هذا الشك آخرون من مختلف الأقليات الدينية والإثنية في سوريا يخشون ألا تقوم الحكومة الجديدة بحمايتهم أو إشراكهم أو تمثيلهم.
في العاشر من مارس/آذار، وافقت قوات سوريا الديمقراطية، والمعروفة اختصاراً بـ«قسد»، على دمج مؤسساتها العسكرية وغيرها، بما في ذلك السيطرة على حقول النفط والغاز المهمة لديها، تحت إدارة الحكومة المركزية بحلول نهاية العام الجاري. وقد اعتُبر هذا اختراقاً كبيراً للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في جهوده لتوحيد البلاد التي لا تزال تعاني من اضطرابات عنيفة.
وخلال الشهر الماضي، بدأ الكرد بتقليص وجودهم العسكري في مدينة حلب. كما تبادل الطرفان الأسرى، رغم أن الخطاب بينهما أصبح أكثر تصعيداً، ما يعكس التاريخ الطويل من التوترات. في البداية، لاقى اتفاق الاندماج ترحيباً في الشمال الشرقي، وهي منطقة ذات تركيبة سكانية مختلطة من العرب والكرد تُدار عبر حكومة إقليمية يقودها الكرد. ورحب الكرد، الذين يشكلون حوالي 10٪ من سكان سوريا، على وجه الخصوص، ببند في الاتفاق ينص على تمتعهم بنفس الحقوق التي يتمتع بها باقي السوريين.
«الشرع والحكومة الجديدة يريدون السيطرة على كل سوريا. وطبعاً هم يحلمون بالسيطرة على كل مناطقنا. ولكن هذا أمر صعب جداً».
بدران جيا كرد
لكن الشكوك سرعان ما ظهرت إلى السطح. وصف أعضاء في الإدارة الذاتية الاتفاق بأنه مجرد «خطوة أولى». ولا تزال تفاصيل هامة لم تُحسم بعد، مثل ما إذا كانت «قسد» ستنضم إلى الجيش الوطني ككتلة موحدة أو ما إذا كانت ستواصل أداء دور أمني في تأمين الشمال الشرقي. وقال بدران جيا كرد، وهو شخصية سياسية كردية شارك في مفاوضات الاندماج مع الشرع: «الشرع والحكومة الجديدة يريدون السيطرة على كل سوريا. وطبعاً هم يحلمون بالسيطرة على كل مناطقنا. ولكن هذا أمر صعب جداً».
علي أحمد، البالغ من العمر 55 عاماً، وهو كردي من مدينة الحسكة شمال شرق سوريا ويعمل مدرساً لمادة الكيمياء، وصف الشرع بأنه «إرهابي». جاء حديثه بينما كانت عائلته تستمتع بنزهة ريفية احتفالًا بعيد النوروز. قال: «نحن نعرفه». وكان يشير إلى الفترة الممتدة من عام 2013 إلى عام 2016 عندما كان الشرع يقود فرع تنظيم القاعدة في سوريا، المعروف بـ«جبهة النصرة». خلال تلك السنوات، خاضت الجبهة عدة معارك ضد قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على عدد من بلدات الشمال الشرقي. أما اليوم، فإن الشرع يتحدث عن إعادة الإعمار والشمولية.
وبينما كان أحمد ينظر عبر الحقول الخضراء نحو الحدود التركية، التي لا تبعد سوى نحو عشرة كيلومترات، أضاف أن علاقات الشرع الوثيقة مع تركيا تزيد من شكوكه. ومع ذلك، لا يرى جميع الكرد الاتفاق بصورة سلبية. فقد قال صالح مسلم، وهو عضو بارز في القيادة السياسية الكردية، إنه رغم الفجوة الكبيرة بين الجانبين، إلا أنه يرى في الاتفاق فرصة تاريخية للكرد للحصول على اعتراف من الحكومة.
ومع ذلك، كانت الأسئلة حول ما إذا كان الاتفاق سيوقف الهجمات التركية على الكرد السوريين حاضرة في كل حديث تقريباً. وخلال السنوات الماضية، شنت تركيا هجمات جوية على القوات الكردية السورية عبر الحدود. كما دعمت قوات سورية وكيلة ضد قوات سوريا الديمقراطية.
في البداية، واصلت القوات التركية تنفيذ بعض الهجمات بالطائرات المسيّرة والضربات الجوية حتى بعد أن وقّع الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاق الاندماج. وكانت واحدة من أكثر الضربات التركية دموية منذ توقيع الاتفاق تلك التي استهدفت تجمعاً زراعياً صغيراً خارج بلدة كوباني في مارس/آذار. وأسفرت الضربة عن مقتل عائلة من المزارعين: زوج وزوجة وأطفالهما الثمانية، أصغرهم يبلغ سبعة أشهر، وفقاً لما ذكره فراس قاسملو، المزارع الذي كانوا يعملون لديه، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية. نفت تركيا مسؤوليتها عن مقتل العائلة، وقالت في بيان إن عملياتها تستهدف حصرياً التنظيمات التي تجاربها. لم ترد أي مؤشرات على أن أحداً من أفراد القوة الكردية كان موجوداً في منزل العائلة حين تعرض للضربة. وحضر جنازة العائلة أكثر من ألف كردي اصطفوا على جانبي الطريق المؤدي إلى مقبرة صغيرة في كوباني. وحُمل كل نعش، وقد ألصقت عليه صورة للمتوفى، على أكتاف رجال ساروا به إلى المقبرة. قالت أمينة محمود، وهي كردية من كوباني تعيش في شقة تطل على المقبرة، ودموعها تنهمر: «لماذا يفعل أردوغان هذا بنا؟ ماذا فعلنا؟».
أعرب بعض المسيحيين، الذين يمارسون شعائرهم الدينية بحرية في شمال شرق سوريا، عن خشيتهم من أي اتفاق يسمح لقوات الشرع بالانتشار في مناطقهم. وتصاعدت مخاوفهم الشهر الماضي بسبب أعمال عنف استهدفت بشكل أساسي أقلية أخرى في سوريا، وهي الطائفة العلوية، في محافظتين شمال غرب البلاد على الساحل المتوسطي. بدأت أعمال العنف عندما هاجم موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد قوات الحكومة الجديدة. ردّت القوات على الهجمات، وكذلك فعل آلاف من المقاتلين الآخرين، بمن فيهم مقاتلون أجانب وجماعات مسلحة ترتبط اسمياً بالحكومة الجديدة. وأسفرت الأحداث عن مقتل نحو 1600 شخص، معظمهم من المدنيين المنتمين للطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. قال أليس ماردرس، البالغ من العمر 50 عاماً، وهو مسيحي أرمني من بلدة القامشلي شمال شرق سوريا، إن الكرد يجب أن يظلوا مسؤولين عن الأمن. وأضاف بعد حضوره قداس الأحد في الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية: «لو لم يكن الكرد موجودين هنا، لتم قطع رؤوسنا».
على مدى سنوات، قدمت الولايات المتحدة دعماً لقوات سوريا الديمقراطية، بعدما اعتبرتها القوة الأكثر قدرة على هزيمة تنظيم داعش، الجماعة الإرهابية التي استولت على مساحات شاسعة من الأراضي السورية خلال الحرب. وحافظت القوات الأميركية على وجود محدود في شمال شرق سوريا لعدة سنوات، لكنها بدأت هذا الشهر بتقليصه. وبعد سنوات من القتال، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من استعادة جميع الأراضي التي كان تنظيم داعش استولى عليها.
قال بعض السكان العرب في شمال شرق سوريا إنهم سعداء بالاتفاق بسبب سيطرة الحكومة المركزية. ومع ذلك، كان العرب، الذين يشكلون الأغلبية في سوريا، منقسمين بشأن الدور الذي يرغبون أن تلعبه القوات الكردية في المستقبل. وقال الشيخ حسن المسلط الملحم، وهو عربي سوري من الحسكة: «لا نحب وجود الأميركيين هنا». وأضاف أنه كان يقدّر نهج الشرع عندما كان يقود «جبهة النصرة» وينشط في الشمال الشرقي. وأضاف الملحم: «لقد احترمونا، وساعدونا. كانوا إسلاميين، لكن غير متشددين».
لكن لا يشارك جميع العرب السوريين هذا الرأي. فقد عبّر معن الدانة، وهو زعيم قبلي لعدة قرى بدوية عربية قرب الحدود التركية، عن علاقات ودية مع القرى الكردية المجاورة، كما رحب بالاتفاق. لكنه قال إنه لا يثق بالحكومة المركزية الجديدة في دمشق لحراسة السجون والمخيمات في الشمال الشرقي التي تحتجز آلاف مقاتلي تنظيم داعش ونحو 40 ألفاً من أفراد عائلاتهم. وترددت هذه المخاوف أيضاً على لسان مسؤولين أمنيين في كل من العراق وأوروبا.
نص التقرير في صحيفة نيويورك تايمز

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد