إسرائيل: الجبهة الجديدة داخل الحرب السورية

فيليب سميث

في مساء الـ 28 من كانون الثاني 2015، قُتل جنديان إسرائيليان في هجوم صاروخي نفذه “حزب الله” على مزارع شبعا ، المنطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان. كذلك اسُتهدفت مواقع قوات الدفاع الإسرائيلية المُنتشرة على طول الحدود في جبل الحرمون، تبعَ ذلك هجوم أخر استهدفَ الجانب الإسرائيلي من الجولان، رد الطائرات الإسرائيلية جاء سريعاً حيث قامت بضرب مواقع سلاح المدفعية التابعة للجيش السوري.

بعد هجوم “حزب الله” الذي خلف عدة قتلى، ردت إسرائيل مجدداً بقصفها مناطق في جنوب لبنان، حيث قتلت عرضياً جندي إسباني تابع لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وفقاً لبعض المحللين فإن ملامح حدوث نزاع جديد بين إسرائيل و”حزب الله”، تطفو على الساحة. ومع ذلك فإن الهجمات الانتقامية الحالية ضد أكبر الحركات التي تعمل في الخفاء على رقعة الشطرنج الاستراتيجية في الشرق الأوسط لا تزال في نطاق الرد فقط.الحريق الحالي والذي بدأ في كانون الثاني الفائت، نفذت فيه إسرائيل 18 غارة جوية على مواقع تابعة للجيش السوري بالقرب من مدينة القنيطرة في مرتفعات الجولان. الضربات الإسرائيلية كانت الرد الأكثر قوة على نفوذ “حزب الله” وإيران منذ بدء الحرب السورية.

نتائج الغارات حسب ما قيل فاجأت حتى إسرائيل، حيث كان من بين القتلى جنرالاً إيرانياً وقيادات من “حزب الله”. نتائج هذه الضربات سلطت الضوء على المكائد الجيوسياسية ل”حزب الله”، كما أنها أظهرت مدى العلاقات القوية التي تربط المنظمة اللبنانية الشبه عسكرية (حزب الله) مع أسيادهم الإيرانيين.وفقاً لصحيفة النهار اللبنانية فإنه “من بين القتلى قيادي في حزب الله يدعى محمد أحمد عيسى ويلقب بـ أبو عيسى، الذي كان عضواً منذ بدايات نشوء الحزب في ثمانينات القرن المنصرم، كما أنه القيادي الوحيد الذي أعلنَ حزب الله مقتله رسمياً”. كذلك نُشرت معلومات ومزاعم تفيد بمقتل أبو علي مقتل أبو علي الطبطبائي في تلك الغارات.

 الطبطبائي وصف بأنه إيراني الجنسية ومسؤول قيادي في “حزب الله” حيث أنه يترأس مجموعة رئيسية مسؤولة عن العمليات الخاصة والتدخل السريع في كل من سورية وإسرائيل.نُشرت ادعاءات من قبل “حزب الله” وتكرر نشرها على وسائل الإعلام اللبنانية، حيث تفيد بأن المجموعة المُستهدفة كانت على “نقاط تفتيش رسمية” في الجولان. في وقت تورطت فيه عناصر مقربة من “حزب الله” اللبناني مع مجموعات سورية مقاتلة معتدلة ومجموعات سنية جهادية مثل جبهة النصرة. كما أفادت التقارير بأن منتصف ونهاية العام المنصرم، شهدت هجمات كثيرة على تلك المنطقة من قبل المجموعات السورية المقاتلة وبشكل خاص جبهة النصرة، التي تقدمت بشكل ملحوظ بالقرب من مدينة القنيطرة. تلك المنطقة المحاذية مباشرة للجولان، والمعروفة على نطاق واسع باسم “الجبهة الجنوبية”، تقدم تلك المجموعات أظهرَ وعلى نحو متزايد بديلاً ممكناً لإدارتها.

وقوع المنطقة الجنوبية في قبضة المجموعات الجهادية يمثلُ عائقاً كبيراً  ل”حزب الله”، حيث أن تقدم تلك المجموعات يعرقل مهمة الحزب في تعزيز حكم بشار الأسد وإقامة خط مواجهة وحماية ضد إسرائيل. الأهمية الاستراتيجية للمنطقة الجنوبية ظهرتَ أبعادُها بوجود محمد علي الحدادي في تلك المنطقة، الجنرال في فيلق الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل مع خمسة إيرانيين خلال الضربة التي نفذتها إسرائيل في الـ 18 من كانون الثاني العام الجاري.

أما طهران فقد وعدت بالرد على الضربات الإسرائيلية، حتى أن قضية تلك الضربات مرت عبر “القنوات الدبلوماسية” مع الولايات المُتحدة الأمريكية، حالما تم تهديد إسرائيل بالرد. كما أن مقتل القيادي العسكري الإيراني الرفيع المستوى، والذي يتعاون بشكل مباشر مع “حزب الله”، جاء في أعقاب ازدياد نشاط الحرس الثوري الإيراني في لبنان. بالإضافة إلى أن الحرس الثوري نشطَ كثيراً في سورية عبر مشاركته في الحملة وبالتعاون مع “حزب الله” ضد قوات المعارضة السورية المعتدلة والمجموعات السنيّة الجهادية، لكنهم يفقدون عناصرهم في سورية باستمرار.

وإذا ما عُدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء وتحديداً شهر أب\أغسطس 2012، حيث ادعت مجموعات المعارضة السورية مسؤوليتها عن خطف 40 إيراني مرتبطين مع الحرس الثوري. إذا ما تركنا الخسائر جانباً، فإن إيران وأذرعها العاملة في المنطقة لديهم أهداف استراتيجية أكبر من تحقيق نصر بسيط وإعادة السيطرة على منطقة ما من إحدى المجموعات السُنية.فرقة الشباب:من بين قتلى الهجوم الإسرائيلي الذي نُفذ في شهر كانون الثاني الفائت، شخصية معروفة وهي جهاد عماد مغنية، أبن عماد مغنية، العقل المدبر والمخطط لتنظيم “حزب الله”.

شارك عماد في التفجيرات التي استهدفت قوات حفظ السلام الأمريكية والفرنسية في بيروت عام 1983، كما أنه من بين المتورطين في التفجيرات التي استهدفت الكويت في نفس العام، بالإضافة إلى اتهامه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بخطف الطائرة (TWA 847) عام 1985، يُذكر أن عماد مغنية اغتيلَ في دمشق عام 2008 عبر سيارة مفخخة. شُيعت جنازة جهاد مغنية تماماً مثل جنازة أبيه في الضاحية الجنوبية داخل بيروت، والتي حضرها الآلاف، من المُشيعين الذي كانوا يندبون ويصرخون ” الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”، ومن ثم تم حمل التابوت من قبل مؤيدي “حزب الله”.نسَبُ جهاد وعراقةُ والدهِ في الحزب كانا عاملين رئيسيين في نموه وازدياد نفوذه، لكن تفضيله للأقارب واتباعه أسلوب “الواسطة”، كانت سبباً ظاهرياً لاعتراض طريقه من قبل مقاتلين أخرين داخل الحزب.

منذ أن كان طفلاً هو عضوٌ في ” منتظرو الأمام المهدي “، وهي منظمة تعمل وتخدم كحاضنة للشباب اليافعين ليصبحوا أعضاء مقاتلين في الحزب لاحقاً. حيثُ أظهرت صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بحزب الله، جهاد خلال استعراضٍ عسكري ضمن مجموعة مقاتلة. ولكن لا تزال الادعاءات المرتبطة بمهارات جهاد العسكرية مكان حيرة وريبة. فبينما خرجت معلومات مطابقة تتعلق بكيفية صعود مراتب جهاد مغنية داخل الحزب، أظهرت عدة تقارير نشاط وعمل جهاد داخل سورية، حيث أن مصادر من استخبارات الجيش السوري الحر، قالت بأنه في نهاية عام 2013، ترأسَ جهاد قيادة قضية هامة للحزب وهي “ملف الجولان” .على الرغم من صِغر سنه، حيث أنه في منتصف العشرينيات، إلا أن جهاد يملكُ تاريخاً طويلاً وحافلاً بالدعوة العلنية لصالح “حزب الله”، والتي كانت موجهة لمناصري الحزب وأصحاب المؤسسات.

حيث تم الترويج لـ جهاد مغنية على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد نُشرت صور يظهرُ فيها جهاد مع الأمين العام ل”حزب الله”، حسن نصر الله، بالإضافة إلى صور له مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وصور مع قياديين إيرانيين، ودبلوماسيين، وحتى صور تُظهِرُ جهاد مع الزعيم الإيراني أية الله خامنئي.بعد اغتيال والده في دمشق، أنشأ جهاد بعناية وبدون تردد صورة أكثر بروزاً عن أبيه الراحل. حيثُ أنهُ كانَ نشطاً في الجناح الطلابي ل”حزب الله” داخل الجامعة الأمريكية اللبنانية، كما أنهُ كان يظهر باستمرار على شاشة تلفزيون المنار(القناة الخاصة بالحزب)، ويمدح بـ “الشهداء” مثلما كان يفعل والده. وفي عام 2008، خلال خطاب وحفل تذكاري لأبيه وبعض الزعماء في الحزب، ارتدى جهاد اللباس العسكري وصعد إلى المنصة وهتفَ “نصر الله في خدمتكم”، وصعد مرة أخرى إلى المنصة، خلال حقل تأبين سنوي لـ “شهداء” الحزب عام 2013.

مهما يكن فإن جهاد مغنية، ذلك الاسم الذي طفا على الساحة مؤخراً، وارتبط بقذائف هاون أطُلقت على مواقع الجيش الإسرائيلي، إلا أن وفاته كانت أكثر أهمية بالنسبة ل”حزب الله” فيما يتعلق بقيادة الفئة الشابة للحزب، وليس فيما يتعلق بالأمور الحربية. الجدير بالملاحظة بأن العديد من أعضاء حزب الله قتلوا مع جهاد جنباً إلى جنب وهم في صغره مثل (علي حسان إبراهيم تولد عام 1993)، و (غازي علي ضحاوي تولد عام 1988)، ومثل (محمد علي حسان الملقب بـ أبو الحسان تولد عام 1985). من المُحتمل بأن هؤلاء كانوا قادة في الحزب ولكن بدرجات أدنى من جهاد، فربما كانوا مسؤولين عن قيادة الوحدات الصُغرى والمناطق الجغرافية الصغيرة في مرتفعات الجولان.تَغيُر الحُكم على طول الحدود السورية:بينما يُمَثل الهجوم الإسرائيلي الذي نُفذَ مؤخراً، قصة صراع طويل بين إسرائيل و”حزب الله”، إلا أنهُ يؤكد أيضاً حصول تغيير استراتيجي في موازيين القوى بين كلٍ من إيران ونظام بشار الأسد.

حيثُ أنَ نجاح “حزب الله” في فتح خط مواجهة جديد في الجولان كان بمثابة إنجاز كبير. فإذا استطاع الدخول إلى كامل الجولان أو على الأقل أقسام منه عندها سيحصل الحزب على مناطق جديدة غير لبنانية يستطيع استهداف إسرائيل منها. ذلك ربما يكون هدفاً رئيسياً ل”حزب الله” على المدى الطويل. قبل وقت طويل من بدء الحرب الأهلية الوحشية في سورية، استعمل نظام حافظ الأسد الأب وتلاه الابن، وفي أغلب الأحيان “حزب الله” نفسه، لبنان كـ “خط مواجهة” لانتزاع أهدافهم العسكرية ضد إسرائيل.

الآن المعادلة تغيرت، “حزب الله” وأسيادهم في طهران هم من يستطيعون اختيار أي من المناطق السورية للاستخدام كـ “خط مواجهة” ضد إسرائيل. بالنسبة لإيران وذراعها في المنطقة (حزب الله)، هذا النجاح أو الإنجاز هو بمثابة خطوة عملية لتطويق إسرائيل عسكرياً. كما أن طهران تقوم حالياً بإعادة العلاقات إلى مجاريها مع حركة حماس في غزة، وستقوم بدفع الجبهة الجنوبية ضد القدس إذا ما استدعى الأمر. حيث أن حالة الفوضى المُنتشِرة بالقرب من الجولان يُزود “حزب الله” بقابلية الإنكار( في هذه القضية المنعزلة يتمنى الحزب إنكار أي دور له في مهاجمة الدولة اليهودية).

إذا ما أردنا توضيح المسألة بشكل جغرافي، فإن سيطرة “حزب الله” على الجولان يعني وبشكل فعلي سيطرته على المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الأردنية.حدثَت حالات التوتر والاشتباكات مُسبقاً عدة مرات، بين “حزب الله” وإسرائيل في مرتفعات الجولان والحدود اللبنانية الإسرائيلية. حيثُ أنه خلال شهر أيار\مايو 2013، أعلن بشار الأسد بأن الجولان سيتحول إلى “جبهة مقاومة”، تلى ذلك تهديدات من قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (ذراع الأسد الفلسطيني) حيث قال ” سنُرسل مقاتلين إلى المنطقة لمحاربة إسرائيل”. خلال عام 2014، تابع “حزب الله” تصريحاته ونداءاته بـ ” تحرير الجولان السوري”، حيثُ حاول مقاتلون من الحزب زرع متفجرات ارتجالية من نوع (IED)، لكن العملية أحبطت من قبل القوات الإسرائيلية.

لكن قبل تلك المحاولة بعشرة أيام أدعى الحزب مسؤوليته عن هجوم بالمتفجرات من نوع (IED) بالقرب من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، شمال الجولان حيث نتج عنها جرح 4 جنود إسرائيليين. كما حدث هجوم أخر على قاعدة لبنانية بمتفجرات من نفس النوع في شهر تشرين الأول عام 2014 وحينها وجهت أصابع الاتهام ل”حزب الله”.وفقاً لبعض التقارير فإن “حزب الله” قام بإنشاء مجموعات في تلك المنطقة، وحسب ما يقول أحد الضباط الإسرائيليين ” حزب الله يمنح تلك المجموعات المتفجرات من نوع (IED) وإيران تدعمهم وتُعتبَر مصدر إلهام لهم”.

ففي بداية عام 2014، أظهرت صور أبو شهد الجبوري، قائد لواء ذو الفقار، وهي مجموعة شيعية تدعمُ نظام بشار الأسد في سورية، ويتجلى ذلك الدعم عبر فتح جبهة في مرتفعات الجولان على الحدود الإسرائيلية. ساعدَ الحزب في تشكيل مجموعة ذو الفقار كما أنهُ قام بإدارة عملياتها داخل سورية. بالنسبة لإسرائيل فإن الأمر بلغ الذروة ولم يعد يُحتمل.

إذا كانت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت جهاد مغنية ومجموعته في الـ18 من كانون الثاني، محاولة للتخلص من بعض المخططين البارزين داخل الحزب، فإن الضربات التي تلتها في الـ 28 من كانون الثاني، واستهدفت مدافع للنظام السوري، كانت رسالة لكل من دمشق وطهران، و”حزب الله” مفادها ” لن تستطيعوا تحمل كُلفة فتح الجبهة الجنوبية”.التخوف الإسرائيلي بشأن تطويقها عسكرياً مفهوم. لكن التطورات الحاصلة ببساطة ليست مقتصرة على إسرائيل.

فالنصر الذي حققه الحوثيون في اليمن، وازدياد التوترات في البحرين، والميليشيات الشيعية التابعة لإيران والتي تفرض هيمنتها في العراق، تضع السعودية أيضاً في مواجهة مأزقا كبير مماثلاً للمأزق الإسرائيلي في مشروع طهران الجغرافي الجديد تحت عنوان ” الهلال الشيعي” للسيطرة على المنطقة.لكن الضربات الإسرائيلية لم تُجبر “حزب الله” وطهران على الإذعان بسهولة. فالهجوم الذي نُفذَ بتاريخ الـ 28 من كانون الثاني الفائت، حيثُ قتل جنديان إسرائيليان، أظهر وبوضوح بأن تكلفة عدم رد الهجوم بمثله تحملُ مخاطر أكبر من نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق.

“حزب الله” يريد وبشدة أن يُظهر بأنه غير متورط في قتال العناصر السنية في  سورية. عبر استهداف إسرائيل بأربع قذائف مضادة للدبابات أطلقت في مزارع الشهباء وقذائف هوان أطلقت في جبال الحرمون، يبدو أن الحزب مُصمم على الانتقام، وأن يظهر لإسرائيل بأن الدولة اليهودية لا تزال الهدف رقم 1 بالنسبة للحزب.

* موقع مجلة (Foreignpolicy) الأميركية.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد