الحرب في أوكرانيا: الدوافع والسياق ونتائجها المحتملة

المركز الكردي للدراسات

دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا أسبوعها الثاني وسط تقدّم، بات ملحوظاً، للقوات الروسية، لكن دون أن تنجح في السيطرة على العاصمة كييف والمدن الكبرى الأخرى، باستثناء مدينة خيرسون.

وتشير آخر التطورات، حسب مصدرين استند عليهما المركز الكردي للدراسات، أحدهما وكالة “ريدوفكا” الإخبارية الروسية الخاصة الموالية لموسكو، والثانية “بي بي سي” الناطقة باللغة التركية المنحازة لكييف، إلى:

–  سيطرة  روسيا على مدينة خيرسون

–  إحكام الحصار الروسي على مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية، التي تبدو آيلة إلى السقوط.

–  استمرار القتال العنيف في مدينة خاركوف، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش الأوكراني.

–  وقوع عدة انفجارات في العاصمة كييف ليلاً، مع اقتراب القوات الروسية منها.

وفي حين تستحوذ الحرب الأوكرانية اهتماماً عالمياً، حيث باتت الشغل الشاغل بالنسبة للدبلوماسية العالمية ووسائل الإعلام التي باتت تواكب الحدث الأوكراني على مدى 24 ساعة، فإن جانبها الإنساني ينذر بأكبر كارثة لجوء قد تشهدها القارة الأوربية منذ الحرب العالمية الثانية. وفقاً للأمم المتّحدة، غادر أكثر من مليون مدني أوكرانيا منذ بدء الغزو، فيما يتوقع الاتحاد الأوروبي أن يحاول أربعة ملايين شخص مغادرة البلاد بسبب الحرب. وينتقل اللاجئون إلى البلدان المجاورة في الغرب، مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا.

جانب من أسباب التوتر بين روسيا وأوكرانيا

 

لا شك أن أسباب أي حرب بين بلدين لا تكون وليدة اللحظة بل تعود إلى سنوات من تراكم الخلافات وتناقض المصالح، وهو ما حدث بين روسيا ووأكرانيا، فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي تشهد العلاقات الثنائية تراجعاً في المصالح بين الطرفين، وفيما يلي أيرز النقاط التي كانت سبباً في نشوب هذه الحرب بين روسيا وأكرانيا:

تصاعدت التوترات في عام 2021 عندما حث الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الرئيس الأمريكي جو بايدن على السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو. ترى موسكو أن أي انضمام محتمل لدول أوروبا الشرقية إلى الناتو لن يؤدي تلقائياً إلى تحول التحالف بطريقة ما ضد روسيا، فقط بل ستطبق الحصار عليها بشكل متزايد، في صورة أشبه بهزيمتها مقابل انتصار واشنطن وحلفائها

فخلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي القوة المهيمنة في البحر الأسود. لكن بعد انهيار الإمبراطورية، فقدت روسيا معظم أراضيها في المنطقة في ظل ابتعاد الدول السوفيتية السابقة عنها، التي باتت تتقرّب ببطء أكثر فأكثر من الغرب. كان لدى روسيا اتفاق مع أوكرانيا سمح لهما بتقاسم أسطول البحر الأسود الذي ظل راسياً في ميناء سيفاستوبول. في عام 2010، جددت كييف عقد إيجار موسكو للأسطول حتى عام 2042، لكن بعد فرار الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش من أوكرانيا في عام 2014، ظهرت شكوك لدى بوتين من تراجع أوكرانيا عن هذا الاتفاق.

أوكرانيا ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي أو الناتو. لكنها تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً من أوروبا والولايات المتحدة.  إن تحرك أوكرانيا نحو الكتلة الغربية جعل روسيا تشعر “بتعرضها للخيانة” – وفق الرواية الروسية- لأن الهوية الوطنية والتاريخ في كييف مرتبطان بروسيا أكثر من ارتباط الدول التركية في آسيا الوسطى ودول البلطيق في أوروبا الشرقية، التي كانت أيضاً جزءاً من المنظومة السوفييتة، بها. كما أن لأوكرانيا خصوصيتها الروسية، لجهة أن أول دولة روسية تسمى “كييف روس” تأسست في كييف قبل 12 قرناً. حتى اسم روسيا نشأ باسم هذا الكونفدرالية الفضفاضة للدول السلافية الشرقية والبلطيق والفنلندية.

خسرت روسيا بالفعل دول البلطيق لصالح الاتحاد الأوروبي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، كما انخفض نفوذها بشكل كبير عبر البلقان، حيث كانت موسكو ذات يوم القوة الإقليمية الرائدة. نتيجة لذلك، تشدد موسكو على كون “التنازل عن أوكرانيا للغرب” مسألة حياة أو موت بالنسبة لها.

هذه ليست المرة الأولى التي تتصاعد فيها التوترات بين روسيا وأوكرانيا. كانت روسيا قد غزت أجزاء من أوكرانيا في شباط (فبراير) عام 2014 وضمت شبه جزيرة القرم. فيما استولى المتمردون المدعومون من موسكو على جزء من شرق أوكرانيا في مقاطعة دونباس. في الحقيقة فإن الهجوم جاء بعد خلع الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، غداة احتجاجات بدأت في العاصمة كييف في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 ضد قراره برفض صفقة من أجل تكامل اقتصادي واسع مع الاتحاد الأوروبي، سرعان ما انتشرت إلى معظم أنحاء البلاد. أدت أعمال العنف في شرق أوكرانيا بين القوات المدعومة من روسيا والجيش الأوكراني، إلى مقتل أكثر من 10300 شخص وإصابة ما يقرب من 24000 شخص منذ نيسان (أبريل) 2014، كما أن المناوشات المتقطعة على طول خط الجبهة الذي يفصل بين المناطق الحدودية في الشرق لم تتوقف منذ ذلك الوقت.

في تموز (يوليو) 2014، تصاعد الوضع في أوكرانيا إلى أزمة دولية ووضع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلاف مع روسيا عندما أُسقطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق المجال الجوي الأوكراني، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 298 شخصاً. خلص المحققون الهولنديون في الحادث في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 إلى أن الطائرة أُسقطت بصاروخ أرض-جو روسي الصنع. في أيلول (سبتمبر) 2016، قال المحققون إن النظام الصاروخي قد تم تقديمه من قبل روسيا، مؤكدين أنه تم نقله إلى شرق أوكرانيا ثم عاد إلى الأراضي الروسية بعد إسقاط الطائرة.

في نيسان (أبريل) 2016، أعلن الناتو أن الحلف سينشر أربع كتائب في أوروبا الشرقية، مع تناوب القوات عبر إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا لردع أي عدوان روسي محتمل في أماكن أخرى في أوروبا، لا سيما في دول البلطيق. انضم إلى هذه الكتائب لواءان من الدبابات بالجيش الأمريكي، تم نشرهما في بولندا في أيلول (سبتمبر) 2017 لتعزيز وجود الردع للتحالف.

كما كانت أوكرانيا هدفاً أيضاً لعدد من الهجمات الإلكترونية منذ بدء النزاع في 2014. في كانون الأول (ديسمبر) 2015، انقطعت الكهرباء عن أكثر من 225000 شخصاً في جميع أنحاء أوكرانيا بسبب هجوم سيبيراني، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2016 تعرضت أجزاء من كييف لانقطاع آخر للكهرباء في أعقاب هجوم مماثل استهدف شركة المرافق الأوكرانية. في حزيران (يونيو) 2017، تعرضت أنظمة الكمبيوتر الحكومية والتجارية في أوكرانيا “NotPetya” لهجوم إلكتروني؛ انتشر الهجوم المدمر، الذي اتهمت روسيا به، إلى أنظمة الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.

أهمية أوكرانيا لروسيا

تعتبر روسيا أوكرانيا ضمن دائرة نفوذها الطبيعي. كان معظمها لقرون جزءًا من الإمبراطورية الروسية، وجزء كبير من الأوكرانيين هم من الناطقين باللغة الروسية، كما كانت البلاد جزءاً من الاتحاد السوفيتي حتى حصولها على الاستقلال في عام 1991.

هناك أيضاً عدد كبير من السكان الروس في أوكرانيا. لقد دعمت موسكو هذا المجتمع في العقد الماضي من خلال منح جوازات سفر روسية لأكثر من 500000 شخص. وفقًا إحصاء سكاني أجري في عام 2001، يعيش حوالي ثمانية ملايين روسي في أوكرانيا، معظمهم في الجنوب والشرق. بالإضافة إلى المشاعر الروسية الخاصة بكييف، هناك أيضاً حقيقة سكانية تهم موسكو كثيراً. ما لا يقل عن ثلث السكان الأوكرانيين، الذين يعيشون في الغالب في الجزء الشرقي من البلاد بالقرب من الحدود الروسية، يتحدثون اللغة الروسية ويشعرون بالانتماء إلى الأمة الروسية. من ناحية أخرى، يتحدث الأوكرانيون الذين يعيشون في الأجزاء الغربية والشمالية من البلاد اللغة الروسية على نطاق واسع أيضاً.

لدى الكرملين قانون يُلزم الحكومة بحماية “العرق الروسي”، الذي يُعرّف بشكل فضفاض للغاية، حتى بما في ذلك الأشخاص الذين يتحدثون الروسية ببساطة. لتبرير دعمها للمناطق المطالبة بالانفصال عن أوكرانيا في جنوب شرق البلاد، استخدمت موسكو حجة حماية مصالح العرق الروسي، وذهبت إلى حد وصف المنطقة بأنها نوفوروسيا أو روسيا الجديدة

تعدّ أوكرانيا سياسياً واقتصادياً دولة مهمة لروسيا، لكونها خاصرة رئيسية بالنسبة إليها، وتتمتع بثروات وإمكانيات عسكرية وصناعية وزراعية واسعة وضخمة، وموقع جغرافي يفصل بينها وبين “معسكر القوى الغربية”، فيما يرتبط البلدان بعلاقات كبيرة، ثقافية واجتماعية، وخصوصاً في المناطق الحدودية.

السيطرة على البحر الأسود أحد أهم أهداف السياسة الخارجية الروسية عبر التاريخ. لطالما حلمت روسيا في الوصول إلى البحار الجنوبية الدافئة. انطلاقاً من هذا الهدف، فإن السيطرة على البحر الأسود هي أولى خطوات الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط لاحقاً.

بعد ثورة 1917 والحرب العالمية الثانية ، سيطرت روسيا على شبه جزيرة البلقان، باستثناء اليونان، من خلال حلف وارسو، ليتحول البحر الأسود إلى منطقة سوفيتية إلى حد كبير خلال الحرب الباردة، مع بقاء الجزء الجنوبي من سواحل البحر الأسود خارج سيطرته، وهو الجزء الواقع ضمن حدود تركيا العضو في الناتو.

استراتيجياً كان هذا يعني أن الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ​​كان صعباً على القوات السوفيتية، ولكن في الوقت نفسه كان من الصعب على وحدات الناتو الدخول إلى البحر الأسود والعمل فيه أيضاً، ما أدىّ إلى ظهور توازن قوى بحرية خدمت الطرفين.

اليوم، باتت روسيا في شرق المتوسط عبر قاعدة طرطوس البحرية وحميميم الجوية، مؤمنة طريق الربط بين السواحل الروسية والسورية عبر شبه جزيرة القرم المسيطر عليها روسياً، ومضيق البوسفور الواقع تحت سيطرة أنقرة المتعلقة بطريقة أو بأخرى بموسكو اقتصادياً.

كلّ هذه الأمور تجعل أوكرانيا “حديقة خلفية” بالنسبة إلى موسكو التي ترفض التخلّي عنها، كما ترفض تَحَوُّلَها إلى “وصاية الغرب”. كما تشكل أوكرانيا لروسيا البناء الأساسي لمجالها الجيوستراتيجي الأوروبي. وبالتالي، إنَّ غياب كييف عن الطوق الروسي يشكّل فجوة كبرى في جدار الأمن الاستراتيجي الروسي – الأوراسي والسيطرة على العالم.

تصاعد التوتر

في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بدأت روسيا في نقل القوات والمعدات العسكرية بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، مما أثار مخاوف بشأن غزو محتمل. اتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة بتسليم أسلحة إلى كييف وإجراء مناورات عسكرية “استفزازية” في البحر الأسود وقرب الحدود الروسية-الأوكرانية. بالمقابل طلبت واشنطن توضيحات من روسيا بشأن تحركات “غير عادية” لقواتها على الحدود الأوكرانية.  بعد ذلك، أكدت أوكرانيا أن روسيا حشدت نحو 92 ألف جندي على حدودها. كذلك اتهمت موسكو أوكرانيا بحشد قواتها في شرق البلاد.

أظهرت صور الأقمار الصناعية التجارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات الاستخبارية التي تم نشرها في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2021 دروعاً وصواريخ وأسلحة ثقيلة أخرى تتجه نحو أوكرانيا.

بحلول كانون الأول (ديسمبر)، كان أكثر من مائة ألف جندي روسي قد تمركزوا بالقرب من الحدود الروسية الأوكرانية، وسط تحذيرات مسؤولي المخابرات الأمريكية من أن روسيا ربما تخطط لغزو في أوائل عام 2022. على وقع تبادل الاتّهامات، عقد الرئيسان الأمريكي والروسي قمة افتراضية، في 7 من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، شابها عدد من الاتهامات؛ إذ هدد الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ “عقوبات اقتصادية قاسية حال قرر غزو أوكرانيا”، ليتّهم الرئيس الروسي، أمريكا بشن حملة تضليل ضد موسكو.

في منتصف كانون الأول ديسمبر 2021، أصدرت وزارة الخارجية الروسية مجموعة من المطالب الداعية للولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لوقف أي نشاط عسكري في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، والالتزام بعدم توسع الناتو تجاه روسيا، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو في المستقبل. رفضت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون في الناتو هذه المطالب وحذروا روسيا من فرض عقوبات اقتصادية شديدة إذا غزت روسيا أوكرانيا. أرسلت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إضافية إلى أوكرانيا، بما في ذلك الذخيرة والأسلحة الصغيرة والأسلحة الدفاعية الأخرى.

تصاعدت وتيرة الخلاف مطلع العام الجاري، ففي 10 كانون الأول (يناير) حيث أجرى بوتن وبايدن محادثات جديدة مباشرة لا افتراضية، هذه المرة، وصفت بـ “المتوترة”.

في 26 كانون الثاني (يناير) رفضت الولايات المتحدة مطالب موسكو فيما يخص التوتر بينها وبين جارتها، التقى موفدان روسي وأوكراني في باريس برعاية الوسيطين الفرنسي والألماني سعيا لإعادة تحريك عملية السلام في شرق أوكرانيا. وضمن الشهر ذاته  التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف لكن المفاوضات بين موسكو وواشنطن حينها وصفت بـ “المُحبطة”.

في أوائل شباط (فبراير) 2022، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بنشر حوالي ثلاثة آلاف جندي أمريكي في بولندا ورومانيا ودول الناتو المتاخمة لأوكرانيا لمواجهة القوات الروسية المتمركزة بالقرب من حدودها مع أوكرانيا وطمأنة حلفاء الناتو.

في 10 شباط (فبراير) بدأت القوات الروسية والبيلاروسية مناورات كبرى في بيلاروسيا، أطلق عليها اسم “حل الاتحاد“. كانت الجمهوريتان السوفيتيتان السابقتان اتفقتا في عام 2021، على تكامل أوثق، بما في ذلك على المستوى العسكري. أظهرت صور الأقمار الصناعية أكبر انتشار للقوات الروسية على حدودها مع بيلاروسيا منذ نهاية الحرب الباردة. لم تسفر المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا والقوى الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، عن حل. بينما أصدرت روسيا بياناً زعمت فيه سحب عدد معين من القوات، بالتزامن مع ظهور تقارير عن زيادة وجود القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا.

في 14 من شباط (فبراير) قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها من كييف إلى مدينة لفيف غرب البلاد. حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، إن الولايات المتحدة تقدم على هذه الخطوة بالتزامن مع “تسارع كبير في حشد القوات الروسية“.

استمر تراشق الاتهامات والتوتر بين الغرب و روسيا لحين إعلان بوتين اعتراف روسيا باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، وذلك في خطاب عبر التلفزيون الرسمي رغم تحذيرات الغرب بأن ذلك سيعرض موسكو لعقوبات شديدة.

في أواخر شباط (فبراير) 2022، وبينما كانت الولايات المتحدة تحذّر من أن روسيا تعتزم غزو أوكرانيا، مشيرة إلى الوجود العسكري الروسي المتزايد على الحدود الروسية الأوكرانية، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمراً للقوات الروسية بالتوجه إلى لوهانسك ودونيتسك، وهما منطقتان انفصاليتان في شرق أوكرانيا يسيطر عليهما جزئياً الانفصاليون المدعومون من روسيا ، زاعمًا أن القوات تؤدي مهمة “حفظ للسلام”. ردت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على منطقتي لوهانسك ودونيتسك وخط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 بعد بضعة أيام.

في 24 شباط (فبراير)، خلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لثني روسيا عن مهاجمة أوكرانيا، أعلن بوتين بدء عملية عسكرية برية وبحرية وجوية واسعة النطاق في أوكرانيا مستهدفاً القواعد العسكرية الأوكرانية والمدن في جميع أنحاء البلاد. وصف بايدن الهجوم بـ “غير المبرر” ومنذ ذلك الحين بدأت عقوبات صارمة مستهدفة لموسكو بالصدور بشكل متوال بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين بحق مصارف روسية  وقطاعي النفط والغاز، وصادرات التكنولوجيا الأمريكية إلى البلاد.

النتائج المتوقّعة لحرب الروسية الأوكرانية

1- من المؤكد أن تحرك موسكو ضد أوكرانيا، التي كانت ذات يوم عضوًا في الاتحاد السوفيتي، سيزيد المخاوف بشأن أمن دول الاتحاد السوفيتي السابق الأخرى في أوروبا الشرقية من جهة، وقوة النظام الدولي بعد عام 1989 وقدرة أمريكا على التأثير فيه. يشير الغزو الروسي إلى أن موسكو قد تشعر بالقدرة على زيادة الضغط على الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى المنضوية في التحالف الغربي اليوم، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. كما يمكن للحرب أيضاً أن تهدد الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية. بفوزها في الحرب الباردة، كان للولايات المتحدة تأثيرُ كبيرُ على النظام الدولي، لكن هذا النفوذ تضاءل في العقد الماضي، وقد يسرّع الغزو الروسي هذه العملية.

2- سيكون للصراع في أوكرانيا تداعيات أوسع على التعاون المستقبلي في القضايا الحاسمة مثل الحد من التسلح والأمن السيبراني ومنع انتشار الأسلحة النووية وأمن الطاقة ومكافحة الإرهاب والحلول السياسية في سوريا وليبيا وأماكن أخرى.

3- بالمقابل باتت روسيا في مأزق حقيقي، لا من ناحية تراجع سمعتها على المستوى العالمي إلى حد كبير فقط، ولكن من الناحية الاقتصادية أيضاً. عندما تنكشف غبار الحرب، سيكون الاقتصاد الروسي مهيأ للمزيد من التراجع. يتوقّع أن تكون العقوبات الغربية التي أعقبت الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014، قد خفّضت نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بمقدار 2.5 إلى 3 نقاط مئوية سنوياً، العقوبات هذه المرة أشد حجماً وتأثيراً، وتضرب قدرة موسكو على الوصول إلى مصادر التمويل العالمية، كما أن الشركات الغربية المرتبطة مصالحها بروسيا ستجد صعوبة، من الناحية القانونية والسياسية وحتى الأخلاقية، في الاستمرار في التعامل مع “دولة منبوذة”.

4- ارتفعت العقود الآجلة للقمح في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى في 14 عاماً، حيث سارع المستوردون للحصول على الإمدادات بعد إغلاق بعض الموانئ في أوكرانيا وتعطل الإمدادات من روسيا، خاصة وأن البلدان يمثّلان حوالي 29٪ من صادرات القمح العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ويساهم في زيادة أوسع مع ارتفاع التضخم العالمي مع وقت كانت التوقعات تشير إلى إمكانية تعافي الاقتصادات من أزمة فيروس كورونا.

5- يستمر الانخفاض في التداولات باليورو على خلفية الحرب المتصاعدة في أوكرانيا. قد ينجذب التجار إلى الدولار الأمريكي على حساب العملات الأخرى حيث تلوح في الأفق حالة من عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي العالمي.

6- على الرغم من أن صادرات النفط والغاز الطبيعي باتجاه الغرب من الاتحاد الروسي لم تُدرج حتى الآن في نطاق العقوبات، إلا أن حال أسواق الطاقة يبدو متوتراً. في الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الألمانية تعليق خط أنابيب الغاز المملوك لروسيا نورد ستريم -2، الأمر الذي أجبر شركة المشروع التي تتخذ من سويسرا مقراً لها على تقديم ملفٍ استعداداً لإعلان إفلاسها. يمكن أن يكون لآثار العقوبات المتزايدة على قطاع الطاقة الروسي تأثيراً مضاعفاً يتجاوز بكثير خط الأنابيب المعلق. في اليومين الماضيين فقط، تحركت شركة بريتيش بتروليوم (BP-L) باتجاه تصفية استثماراتها في روسيا، وأعلن عملاق الطاقة الفرنسي توتال (TTE.PA) عن عزمه وقف تمويل المشاريع الجديدة في البلاد. وسط ضغوط متزايدة من الشركات الغربية لوقف الاستثمار في روسيا، أثار بعض مراقبي السوق احتمال فرض حظر على الشحن على السفن الروسية بالإضافة إلى إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية الذي أعلن يوم الاثنين. من شأن هذا أن يعيق نقل السلع الأساسية من روسيا إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بالنظر إلى أن 40٪ من الغاز الطبيعي المستهلك في الاتحاد الأوروبي وربع نفطه الخام يأتي من روسيا، فإن مثل هذه التحركات قد تؤثر سلباً على اقتصاد الاتحاد المكوّن من 27 دولة. مع اقتراب النفط من 120 دولاراً للبرميل، قد نشاهد اضطرابات حادة ومفاجئة في منظومات التوريد والتداولات السوقية وصولاً إلى مستويات التضخم ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في موازنات العديد من الدول الأوربية أو الغربية بشكل عام.

7- استمرت الجهود من أجل تطوير المحور الصيني-الروسي منذ عدة سنوات، وبلغت هذه الجهود ذروتها في زيارة بوتين للصين في عام 2022، والتي أعلن خلالها الجانبان أن شراكتهما “لا حدود لها”. وعليه، رفضت الصين التنديد بالعملية العسكرية الروسية.

8- أصبحت روسيا أكثر اعتماداً على الصين، التي باتت الوجهة الطبيعية لبيع النفط والغاز الروسي. كما غدت الصين المصدر الأساسي بالنسبة لموسكو لاستيراد التكنولوجيا المصنّعة صينياً، أو تلك المستوردة من دول أخرى. الصين هي شريان الحياة لروسيا في المستقبل القريب على الأقل.

9- الأزمة الأوكرانية ستؤدي أيضاً بالصين إلى مراقبة واستنتاج ردود الأفعال الغربية المحتملة لتحركها باتجاه تايوان، وبالتالي إعداد خطط أكثر واقعية للتكيف معها. كما من المتوقع أن تصعّد الصين من عمليات تخزين احتياطيات من العملات الأجنبية، لكن في دول أكثر حياداً، وليس في الغرب، خاصة بعد أن رأت كيف يمكن تجميدها بين عشية وضحاها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد