باتت مساعي إحياء الاتفاق النووي مع إيران في متناول اليد، على حد تعبير المبعوث الروسي في مفاوضات فيينا، وذلك في نهاية الجولة السادسة من المحادثات بين القوى الكبرى وإيران. ورغم أن بعض وسائل الإعلام سارعت إلى التقاط عنوان “تأجيل المحادثات” للإيحاء وكأن عقبات كبيرة ظهرت، إلا أن التصريحات التوضيحية لعدد من المسؤولين قطعت الشك باليقين: مسودة الاتفاق جاهزة للتوقيع.
سيكون المشهد بعد عودة الولايات المتحدة للاتفاق، مختلفاً في عموم الشرق الأوسط. هناك قلق في إسرائيل بالدرجة الأولى، وسارعت دول خليجية إلى تهنئة الرئيس الجديد في إيران، إبراهيم رئيسي، وتترقب مرحلة جديدة في العلاقات تبدو الأفضلية فيها لطهران.
المحادثات توقفت الأحد (6 يونيو) لكي يعود المفاوضون إلى عواصمهم لإجراء مشاورات لوجود خلافات لابد من تخطيها، لكن هذه الخلافات – كما أوضح مسؤولون – تتطلب صلاحيات إضافية من قبل المشاركين في المفاوضات، ويبدو أن هذا ما ينقص الفريق الإيراني بحسب ما ألمح إله مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان حي قال إن خلافات بشأن كيفية إنقاذ الاتفاق النووي لا تزال قائمة وأن “القرار الأخير في هذا الأمر يعود للزعيم الأعلى الإيراني” علي خامنئي. ومن المرجح أن يجيز خامنئي للفريق الإيراني استكمال بنود الاتفاق الجديد بعد تحديد قائمة العقوبات التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة إلى جانب القائمة التي ستبقى. هذه النقطة الأخيرة الباقية لإعلان تتويج المحادثات الذي وصل إلى مرحلة “مراجعة الوثائق” و”التفاصيل” التي تتضح شيئاً فشيئاً على حد قول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي الذي ينسق محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني إنريكي مورا للصحفيين في فيينا “حققنا تقدما هذا الأسبوع في الجولة السادسة. لقد اقتربنا من إبرام اتفاق لكن لم نصل لهذا الهدف بعد. لقد اقتربنا أكثر مما كنا عليه قبل أسبوع لكن لم نصل بعد”. ومن المتوقع في الجولة المقبلة عودة الوفود من العواصم بتعليمات أكثر وضوحا وأفكار أكثر وضوحا حول كيفية إتمام الاتفاق بشكل نهائي. والهدف بحسب مورا إيجاد حل “في هذا التوازن الدقيق” بين رفع العقوبات الأميركية عن إيران والتراجع عن الأنشطة النووية المتصاعدة لطهران.
وليس بعيداً ان يتم يتنزاع فريق الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، مع الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، حول تحديد توقيت الاتفاق. وبحسب ظريف فإن هناك احتمالا بنسبة معقولة بأن يتم التوصل لاتفاق قبل منتصف أغسطس/ آب المقبل، وهو موعد تسليم الإدارة الحالية للسلطة إلى إبراهيم رئيسي.
وبحسب تقرير لوكالة رويترز، ستأمل الحكومة الإيرانية الجديدة في أن ينسب لها فضل أي فوائد اقتصادية تنجم عن إحياء الاتفاق النووي وهو أمر قد تحققه الإدارة المنتهي ولايتها قبل تولي رئيسي للسلطة. وقال مسؤول حكومي مقرب من المحادثات: “إذا تم إبرام الاتفاق وروحاني لا يزال رئيسا، لا يمكن توجيه أنصار المتشددين انتقادات لرئيسي مفادها أنه قدم تنازلات للغرب.. كما سيلقى باللوم على روحاني، لا رئيسي، في أي مشكلات مستقبلية متعلقة بالاتفاق”. وأبلغ عدد من المسؤولين الإيرانيين رويترز إن فريق التفاوض الحالي الممثل لبلادهم سيظل كما هو دون أي تغيير لبضعة أشهر على الأقل سيكون رئيسي خلالها قد تولى المنصب. وفي كل الأحوال، لكن سياسة المؤسسة النووية لا تحددها الحكومة بل خامنئي.
ومنذ شهور يلتقي ممثلون عن أطراف الاتفاق – بريطانيا والصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وإيران – في فيينا مع مشاركة أميركية غير مباشرة. وتتركز المحادثات خصوصا على رفع العقوبات المفروضة على طهران مقابل الحدّ من برنامجها النووي. وكانت واشنطن انسحبت من الاتفاق في 2018 وأعادت فرض العقوبات على طهران بعد أن وصفته بأنه مليء بالعيوب ولم يلغ خطر تطوير إيران لقدرات أسلحة نووية. وخالفت إيران منذ ذلك الحين بنودا صارمة للاتفاق متعلقة بتخصيب اليورانيوم لكنها قالت إن خطواتها يمكن التراجع عنها إذا رفعت الولايات المتحدة كل العقوبات.
وبينما تعيد دول المنطقة تموضعها للتأقلم مع المشهد الجديد، أي إيران غير معزولة دولياً، تبدو إسرائيل وحيدة في الحفاظ على مسار تصادمي. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في بيان “انتخاب رئيسي هو آخر فرصة للقوى العالمية للتنبه قبل العودة للاتفاق النووي وإدراك مع من يتعاونون… نظام جلادين وحشيين لا يجب أبدا السماح له بامتلاك أسلحة دمار شامل… موقف إسرائيل حيال ذلك لن يتغير”.