عالم كيسنجر يتعلق أيضاً بقوة الأفكار على الرغم من أن الأفكار الأكثر أهمية بالنسبة له هي أفكار الأقوياء. فهو يرى أن المفاهيم التقليدية مثل السيادة وعدم التدخل لا تزال هي المهيمنة، بعد أن دعمت النظام الدولي لمدة أربعة قرون تقريباً. لكن هذا النظام اليوم في حالة تغير مستمر، حيث تعمل الجهات الفاعلة القوية على الترويج لطرق بديلة لتنظيمه من الثيوقراطية إلى الرأسمالية الاستبدادية إلى ما بعد الحداثة. لكن كيسنجر يرى أن البنية السائدة المقبولة هي التي تحقق الهدفين الرئيسيين للنظام العالمي: الشرعية وتوازن القوى.. ورغم أن بعض المؤرخين وعلماء السياسة المعاصرين قد يعترضون على إضفاء المثالية على المؤسسات الويستفالية، إلا أن إحدى مواهب كيسنجر هي موهبته في الكشف عن أهمية الهياكل التاريخية للسياسات الحالية.
على الرغم من كل عبقريته الدبلوماسية، كان كيسنجر يعاني من نقطة أخلاقية عمياء وضخمة. لم يكن بإمكانه رؤية العالم إلا من مسافة 30 ألف قدم، أو من خلال عيون الأقوياء. امتدت نقطة كيسنجر العمياء إلى ما هو أبعد من جنوب شرق آسيا. في عام 1972، صمم كيسنجر عملاً سرياً أميركياً لتنسيق الدعم الإيراني والإسرائيلي للقوات الكردية التي تقاتل نظام صدام حسين العراقي الموالي للاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى تقييد جزء كبير من الجيش العراقي، الذي كان من الممكن أن يرسله صدام لمحاربة إسرائيل. ولكن عندما قرر شاه إيران، لأسبابه الخاصة، تسوية نزاع حدودي مع العراق وسحب دعمه في عام 1975، لم يفعل كيسنجر أي شيء بينما كانت القوات العراقية تقمع الكرد.