كان لتدخل أميركا في القضية الكردية (خلال العقود السابقة) أسباب أيديولوجية واستراتيجية في آن معاً، فالتراث الويلسوني كان يدفعنا باتجاه دعم وتأييد حق تقرير المصير للشعب الكردي، إلا أنه أفرز ما سيعرف بالمعضلة السياسية الدائمة لأميركا: القيود المحددة لالتزام أميركا الأخلاقي في منطقة نائية ووعرة ويصعب الوصول إليها، مثل المقاطعات الجبلية الكردية، وسط دول تؤثر إلى حد كبير في المصالح القومية الأميركية.(كيسنجر – سنوات التجديد – دار كلمة، العبيكان – ص 508).
إن ما سعى إليه كيسنجر تمثّل في النظام وليس السلام، لأنه اقتنع بأن السلام لا يشكل غاية مرغوبة في الشرق الأوسط. وفي رأيه، احتاج الحفاظ على النظام في الشرق الأوسط إلى الإبقاء على ميزان القوى مستقراً. وفي أطروحة أعدها لنيل شهادة الدكتوراه ونشرت لاحقاً عام 1957، بعنوان «عالم أُعيد بناؤه»، أشار كيسنجر إلى الكيفية التي عمل فيها الدبلوماسي النمساوي كليمانس فون مترنيخ ورجل الدولة الانغلو- إيرلندي اللورد كاستلري على ضمان 100 عام من الاستقرار النسبي في أوروبا من خلال العناية البارعة بتوازن القوى والتلاعب الماهر بأولئك الذين حاولوا تعطيل ذلك الاستقرار.