حينما ينصب من لا يملك قرار نفسه وصياً على الشعب الكردي: عبد الباسط سيدا نموذجاً!

نواف خليل

دأب عبد الباسط سيدا في جلّ ما يكتبه عن الوضع الكردي في سوريا على ترداد مواقف ووجهات نظر الحكومة التركية، والدفاع عنها وتبريرها وتسويقها، دون ان يتعرض للسياسة التركية في الشأن السوري بكلمة واحدة من النقد، وذلك رغم غزو تركيا واحتلالها لعفرين ورأس العين وتل أبيض، وتهجيرها مئات الآلاف من المدنيين، ومصادرة أملاكهم ودورهم، وتمكينها للمجموعات المرتزقة من رقاب الناس. ذلك الاحتلال المدان دوليا، كونه احتلال دولة أجنبية لأراضي دولة مستقلة ذات سيادة. ووصف التدخل التركي هنا ب”الاحتلال” ليس من بنات أفكارنا، ولا من بنات أفكار الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، انما هو وصف مستخدم ومشرعن دولياً، ومعمول به من لدن العديد من دول العالم ومؤسساتها، ومنها البرلمان الالماني الذي قال في مذكرة له “أن الوجود التركي في شمال سوريا يستوفي كامل معايير الاحتلال”.

 ففي مقالة له تحت عنوان (كرد سورية بانتظار نتائج مباحثات إشكالية) والتي نشرتها صحيفة “العربي الجديد” القطرية، يقول عبد الباسط سيدا: “المباحثات بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) مستمرة برعاية أميركية وفرنسية، وبالتنسيق مع المسؤولين في إقليم كردستان العراق، وسط أجواء من التصريحات والتوقعات المتباينة”، مستخدما كلاماً يردده المسؤولون الاتراك حين يأتي عن الحديث عن حزب الاتحاد الديمقراطي، لكن وللأمانة فالاتراك لا يذكرون عبارة “الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني”، بين قوسين كما فعل سيدا. ولو توقف الامر عند هذه النقطة لقلنا انه يفعل ذلك بموجب موقف ومصلحة شخصية ولدواعي ارتباطاته المشبوهة مع دولة الاحتلال التركي، لكنه يستمر في عملية التضليل الممنهجة، بل يذهب أبعد من ذلك حينما ينصب نفسه متحدثا باسم الكرد السوريين حين يقول “هناك كثيرون بين الكرد السوريين يرون في الحزب المذكور قوة وافدة، أدخلها نظام بشار إلى جانب الميليشيات الأخرى منذ بدايات الثورة السورية، وقد كُلّف مع تلك المليشيات بمهام مختلفة، تمحورت حول مساعدة النظام في عملية قمع ثورة الشعب السوري.  

 ولا يكتفي سيدا بتوكيل نفسه للحديث باسم “الكثيرين”، بل يمضي في التشويه والافتراء، مستهدفا تضليل القارئ غير الكردي الذي لا يملك ما يكفي من المعلومات كي يتبين كذب ادعاءات سيدا، وإلّا، كيف يمكن وصف حزب كردي كل قياداته وكوادره وأعضاءه من السوريين، ب”القوة الوافدة”؟ ذلك الحزب الذي كان أكثر من ألف من قياداته وانصاره في سجون النظام حينما بدأ الحراك الشعبي السوري في درعا عام 2011 م. حزب الاتحاد الديمقراطي الذي وصفه تقرير للداخلية البريطانية في عام 2010 م بانه “أقوى الأحزاب الكردية”، وهي الحقيقة التي قبلها السيد مسعود البارزاني أثناء مساعيه الرامية لتوحيد الموقف السياسي الكردي في سوريا، حينما قبل أن يكون تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي مناصفة مع (المجلس الوطني الكردي) والذي كان يضم كل الأحزاب الكردية السورية تقريبا في اتفاقية أربيل التي وقعت بدايات الثورة السورية.

إذن، حزب الاتحاد الديمقراطي ليس وافدا، بل هو حزب كردي سوري، متجذر في المجتمع الكردي السوري، وموجود منذ تأسيسه عام 2003 م في كل المدن والبلدات الكردية، وفي الداخل السوري. أمّا كون تركيا تعاديه، أي الحزب، فهذا جراء مواقف الدولة التركية المعادية للوجود والهوية الكردية، ومن كل حزب كردي قادر على الدفاع باقتدار عن الكرد ووجودهم. وحزب الاتحاد الديمقراطي، وبما انه حزب طليعي كردي فهو الآن على رأس لائحة الأعداء لتركيا، فيكفي أن الحزب أحدث حراكا كبيرا في الساحة السياسية ( كما ظهر حينما فتحت أبواب قصر الأليزيه لأول مرة أمام الكرد السوريين باستقبال الرئيس فرانسوا هولاند للرئيسة المشتركة للحزب آسيا عبد الله، ومن ثم اللقاءات العديدة مع الرئيس ايمانويل ماكرون، إضافة للقاء العشرات من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين الكبار)، أو في الحالة العسكرية (عندما انخرطت جماهير الحزب وأنصاره في قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة الإرهاب الداعشي والتصدي للاحتلال التركي وأعوانه). 

 ثم ينتقل سيدا إلى فقرة أخرى يكررها في كتاباته دائما، وهي وجود اتفاق مزعوم بين حزب الإتحاد الديمقراطي والنظام السوري، الذي يدعي سيدا انه سلم المنطقة للحزب للقيام ب”أدوار محددة مرسومة له”، رغم ان الوقائع على الارض تكذب هذه الادعاءات. وانا هنا لن اتحدث عما يقوله إعلام النظام وحلفاؤه عن حزب الاتحاد الديمقراطي والادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، ولا عن المعارك والمواجهات العديدة التي نشبت بين الجانبين، إنما عن اسقاط النظام وتواجده، بكل ما للكلمة من معنى، من خلال مؤسسات الادارة الذاتية التي أعلن عنها في بداية العام 2012 سواء على صعيد بناء قوة عسكرية (قوات سوريا الديمقراطية) باتت مثار إعجاب العالم باسره عدا سيدا وأسياده في أنقرة. القوة العسكرية التي اشاد بها كبار العالم وقالوها مراراً وتكراراً أن “قسد” حليف لهم في المعركة على “داعش”، والتي انتهت بالانتصار العظيم في الباغوز، ولا تزال الحرب مستمرة بدعم دولي منقطع النظير. بالاضافة الى تأسيس نظام تعليمي حيث تشهد المنطقة التعليم باللغات الكردية والعربية والسريانية، في اقرار واضح بالتعددية وقبول الآخر، واحترام حرية المرأة والمعتقد وبناء مجتمع مدني تصان فيه قيم الحرية والديمقراطية، بعيدا عن التطرف وأفكار الإسلام السياسي.

 أما الكذبة الكبرى التي يرددها سيدا وجماعته فهي تأتي في إطار ما قالها وزير الاعلام الهتلري “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”، فكيف يمكن ل”قوة وافدة تأتي من الخارج”، وتدخل وتتفق مع ايران والنظام السوري، ويسلم هذان لها المنطقة على طبق من ذهب على حد زعم سيدا، أن تتحول لشريك لأميركا والغرب في الحرب على االإرهاب، ومن ثم تحظى بكل هذا الدعم والثقة الامريكية والأوروبية، إلى درجة تدفع هؤلاء إلى مواجهة تركيا في سبيل المحافظة على هذه الشراكة؟

 إن إيراد سيدا معلومات كاذبة يصفها بالسرية والخاصة وينشرها في وسائل الإعلام القطرية، حول اتفاقات مزعومة بين حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لا يمكن تفسيرها وقبولها إلا كجزء من حملة الحرب النفسية وتشويه الحقائق التي تسيّرها الاجهزة الاستخباراتية ووسائل الاعلام الموجهة في الدولة التركية.

 الإعلام التركي، وبالتالي إعلام قطر والمعارضة السورية التابعة لأنقرة، يجاهدون في سبيل ربط حزب العمال الكردستاني بالأجندة الخارجية، كما يمررون الاكاذيب حول حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، فتارة يربطونه بالنظام السوري، وتارة بإيران، وتارة بأميركا والغرب، وتارة أخرى يصفونه بالانفصالي، وهي الكلمة التي يتفقون عليها مع وسائل إعلام النظام السوري.

 ثم ينتقل سيدا إلى موضوع المفاوضات التي جرت بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، والتي بدأت في العام 2009 في أوسلو وليس 2010 كما يقول سيدا، وانتهت سنة 2015، تلك المفاوضات التي اطاح بها اردوغان بعد اللقاء الذي حدث في قصر (دولمة بخجة) والذي جمع قادة حزب الشعوب الديمقراطي هم: بروين بولدان وسري ثريا أوندر وادريس بالوكان مع المتحدث باسم الحكومة التركية يالجين أكدوغان، للاتفاق حول النقاط العشر التي اقترحها الزعيم الكردي عبد الله أوجلان كأساس للحل السلمي الديمقراطي للقضية الكردية. وتم في ذلك اللقاء الاتفاق على نقاط كثيرة، كأرضية لبدء تنفيذ خطة السلام والحل الديمقراطي. لكن اردوغان الذي كان عائدا من زيادة لماليزيا ما أن سمع باللقاء حتى جن جنونه، وأعلن عن رفضه لكل ذلك، وانتهى الحوار الذي كان على ابواب التحول لمفاوضات، كنّا جميعا نأمل ان تتوج بتسوية مستدامة للقضية الكردية في شمال كردستان، وانهاء قرن من العداء التركي المستمر بلا هوادة لكل مسعى كردي لنيل الحقوق والاعتراف بالهوية والوجود داخل تركيا.

سيدا الذي يحمل حزب العمال الكردستاني افشال المفاوضات مع الحكومة التركية، على عكس كل الوقائع على الأرض، ويجعل ذلك مقدمة لتحميل الحزب تدمير المدن الكردية وتهجير سكانها. وهذا مجافاة للحقيقة، حيث أن المنظمات الدولية اصدرت عشرات التقارير التي تدين القمع الحكومي التركي للمدنيين، وتتحدث عن قتل وتهجير وفظائع ارتكبتها الحكومة التركية ضد المدنيين الكرد. ومن ذلك فقد قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 6  كانون الأول / ديسمبر 2016 إن عشرات آلاف الأشخاص من سكان مدينة سور، وهي موقع مسجل على قائمة منظمة “يونيسكو” للتراث العالمي، هم من بين حوالي نصف مليون شخص أُرغموا على إخلاء منازلهم نتيجة لحملة القمع الوحشية التي شنتها السلطات التركية على مدى العام المنصرم، والتي قد تصل إلى حد العقاب الجماعي.

 أما ذكر سيدا لدور إيراني مزعوم في إفشال مباحثات السلام بين الكردستاني والحكومة التركية، فغرضه تبرئة أردوغان وحزبه من مسؤولية تدمير مباحثات السلام، ولكي يربط حزب العمال الكردستاني بالأجندة الإيرانية، على عادة الإعلام التركي والقطري ومنصات المعارضة السورية التابعة لأنقرة والدوحة. فلماذا لم تمنع إيران حزب العمال الكردستاني من اللقاء مع الحكومة التركية والوصول معها لنقاط حل، لتأتي وتمنعه من التوقيع؟ والكل يعلم بأن كلاً من النظامين الفاشيين التركي والإيراني شنا عشرات العمليات العسكرية المشتركة ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في داخل وخارج تركيا.

 كما أنّ النظامين لا يخيفان التعاون الاستخباراتي بينهما وعداءهما الشديد المشترك للنضال الذي يخوضه الشعب الكردي لنيل حقوقه المشروعة. وإن نظام أردوغان، ورغم الجعجعة الإعلامية، إلا أنه أحد أهم داعمي نظام الملالي اقتصاديا، وهناك علاقات اقتصادية وتجارية حيوية، لولاها لما كان الملالي قادرين على الاستمرار وتمويل حروبهم في المنطقة وعلى رأسها تدخلهم العسكري في سوريا.

 لقد نجحت الدولة التركية في تخريب ثورة الشعب السوري، وإفشالها ومصادرتها لصالح مصالحها المتخيلة ومشاريعها الامبراطورية في المنطقة، وما كان ذلك ليتم لولا وجود نخب سورية قابلة للعمالة والإيجار لدى الحكومة التركية. فقد نجحت هذه النخب في تحويل الآلاف من الشباب السوري إلى بيادق ومرتزقة لدى الدولة التركية، لتحارب بهم أجزاء من شعبهم (الكرد والعرب والسريان في شمال شرق سوريا)، أو لتنقلهم إلى ليبيا ليقاتلوا أهلها، تنفيذا لأوامر أردوغان والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وهذه الأقلام والأصوات تصدح في وسائل الإعلام التركية والقطرية، ومؤسسات التلفزة ومواقع الإنترنيت التي فتحها المال الاخواني والقطري للمعارضة السورية العميلة لأنقرة، حيث المهمة هنا هي مهاجمة الشعب الكردي، وتبرير الاحتلال التركي للأراضي السورية، ومهاجمة دول الخليج، والدفاع عن الفوضى التي تنشرها جماعات الإسلام السياسي والجهادي في ليبيا واليمن وغيرها من البلاد العربية.

 طالما يزعم سيدا هذا الحرص على “شعبه” ومستقبله، فمن حق المتابع أن يسأله عن وجود موقف معلن وواضح له، وبنفس الحدة التي يكتب فيها ضد الادارة الذاتية ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي، من الجرائم والانتهاكات اليومية التي ترتكب بحق أبناء شعبه في عفرين ورأس العين وتل أبيض، من قتل وتشريد وتهجير وسلب ونهب الممتلكات على يد أسياده في أنقرة وعملائهم من شبكة الاخوان المسلمين و”ثوار” تركيا ؟ وما هو موقفه من جعل تركيا “ثوار” عبد الباسط سيدا ومشغليه مرتزقة يقاتلون دفاعاً عن مصالح تركيا في ليبيا؟

 نأمل أن تنجح المباحثات بين الأطراف الكردية، وأن يعود إلى رشده كلّ من كان يعتمد على تركيا ومشاريعها، ظنّاً منه بأنها ستنتصر للشعب السوري وثورته في الحرية والديمقراطية، ولكن تبين بأنها تنشد احتلال سوريا والتنكيل بأهلها، ونشر الظلامية والرجعية، وسحق التعددية، واستخدام الشباب السوري كمرتزقة لديها، تسوقهم إلى الموت سوقا.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد