التراخي الأميركي في ردع الغزو التركي يقوّض جهود التحالف الدولي  

معهد نيولاينز للدراسات 

أدت ما يسمى عملية «المخلب السيف»، وهي آخر عملية عسكرية تركية أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستهداف الكرد في شمال شرق سوريا، إلى ارتفاع منسوب القلق من استهداف البنية التحتية الرئيسية ونقاط القيادة في المنطقة وعرقلة الحياة اليومية للمواطنين. على الرغم من أن أي توغلٍ عسكري تركي لا يبدو وشيكاً، إلا أن القصف المكثف والغارات الجوية التي شنتها القوات التركية في جميع أنحاء المنطقة سلّطت مرة أخرى الضوء على الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لمهمة مكافحة تنظيم داعش في شمال شرق سوريا، والذي يستغل الوضع الأمني غير المستقر لاستعادة نشاطه وتنظيم صفوفه من جديد.

اضطرت قوات سوريا الديمقراطية إلى تعديل برنامجها وخططها بسبب الضربات الجوية التركية والاستعداد لهجومٍ بري محتمل، إذ أوقف مسؤولوها العمليات التي تستهدف تنظيم داعش مؤقتاً، وأعادوا تكليف القوات التي كانت تقوم بدورياتٍ مشتركة وتأمين مرافق لمعتقلي التنظيم والنازحين داخلياً وإجراء عمليات تطهيرٍ لتعزيز الجهود الدفاعية على طول الخط الأمامي مع تركيا. أثارت هذه التطورات مخاوف من أن يستغل التنظيم ما يحصل لإعادة بناء نفسه في شمال شرق سوريا، في وقتٍ أدى استهداف تركيا للبنية التحتية المدنية، كجزءٍ من العملية التي بدأت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، إلى تعريض جهود الاستقرار والقضاء على الإرهاب للخطر. يطرح هذا الأمر السؤال بشأن استمرار مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على المدى الطويل في مواجهة التحديات الأمنية التركية.

عدوان تركي محتمل

في وقتٍ تسعى واشنطن إلى العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2019 الذي رسم خطوط نفوذ جديدة في شمال شرق سوريا، فإنها يجب أن تأخذ في حسبانها أن الاعتداءات التركية على الأراضي في شمال شرق سوريا ستقوّض مهمة القضاء على تنظيم داعش في المستقبل المنظور، خاصةً أن أنقرة أصبحت تشن هجمات على الكرد بشكلٍ روتيني ومتصاعد. قد لا تؤدي الضربات التركية إلى ضررٍ كبير أو هجومٍ بري كامل، لكنها تعطل مهام سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم داعش، وتؤئر سلبياً على الحياة اليومية للمواطنين. ثانياً، لا تستطيع قوات سوريا الديمقراطية شن حملات ضد التنظيم و (صد هجمات) تركيا في وقتٍ واحد. لذلك، يجب على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف وضع استراتيجية طوارئ عسكرية وسياسية مستدامة وطويلة الأجل تعمل بشكلٍ استباقي على ردع التصعيد التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية.

عملت قوات سوريا الديمقراطية كشريكٍ أساسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. اعتمدت واشنطن على هذا التحالف مع الكرد لتواصل تركيزها على المنافسة مع الصين وروسيا، إذ طبقت هذا النهج على مهامها في العراق وسوريا على وجه الخصوص. كما وظفت فرقاً صغيرة من القوات الأميركية والمتعاملين معها لتسهيل عملية التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق مع القوات الحليفة على الأرض.

مع استمرار الوضع المضطرب، جاهدت الولايات المتحدة لإبقاء العمل على تحقيق أهدافها قصيرة المدى، ما أدى إلى خلافٍ بشأن كيفية تحديد الأولويات، في وقتٍ يسود التوتر المنطقة، لا سيما أن تركيا تنظر إلى قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها تهديداً أمنياً أكبر من تنظيم داعش نفسه.

كرست واشنطن جهودها لدمج قوات سوريا الديمقراطية كشريكٍ رئيسي لها، وسعت إلى بناء قدراتها العملياتية بشكلٍ متزايد لتقييد التهديدات على غرار تنظيم داعش. وفي إطار الجهود التي تبذلها فرقة العمل المشتركة لتقديم المشورة والمساعدة وتمكين هذه القوات منذ عام 2015، أصبحت قوات سوريا الديمقراطية نموذجاً على بناء القوات التي تكافح الإرهاب، وباتت قواتها قادرة على تنفيذ العمليات التقليدية وعمليات مكافحة الإرهاب من تلقاء نفسها وفقاً لتقارير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم قوات سوريا الديمقراطية ببناء شبكةٍ من قوات الأمن الداخلي والقوات الخاصة وكوادر الاستخبارات التي تحتفظ بأكثر من 24 مركز احتجازٍ وعدة معسكرات للنازحين داخلياً. مكّنت قيادة قوات سوريا الديمقراطية للتخطيط والاستخبارات والأمن المحيط والقيادة والسيطرة الولايات المتحدة من تقليص ميزانيتها في مجال العمليات التشغيلية في شمال شرق سوريا من 2200 فرد إلى 1000 فقط بحلول عام 2019، من دون عواقب عودة ظهور تنظيم داعش. في عام 2022 وحده، شاركت قوات سوريا الديمقراطية في أكثر من 100 عملية مشتركة مع الولايات المتحدة، ما أسفر عن اعتقال 215 من عناصر التنظيم ومقتل 466.

ومع ذلك، أصبحت قوات سوريا الديمقراطية كقوةٍ شريكة، على المحك، جرّاء الهجمات التركية، ما خلق فراغاً قد يفقد فيه التحالف الزخم ضد تنظيم داعش والجهات الفاعلة الأخرى. في الأشهر التي سبقت «المخلب السيف»، بدأت سلسلة من الهجمات عبر الحدود وتبادل إطلاق النار غير المباشر (في شمال شرق سوريا)، الأمر الذي أجبرهم على الاختيار بين مواجهة تنظيم داعش وبين الدفاع ضد التوغل التركي المرتقب.

وجهت الهجمات التركية ضرباتها على قيادات قوات سوريا الديمقراطية وكوادر مكافحة الإرهاب، وهم عناصر مدربة بشكلٍ جيد اعتمدت عليهم الولايات المتحدة في مكافحة التنظيم عسكرياً واستخباراتياً. خلال الهجمات التركية الأخيرة، قتلت تركيا ووكلائها ما يقرب من 30 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية في هجماتٍ بين 19 و30 نوفمبر/تشرين الثاني، بما في ذلك ثمانية أعضاء من وحدات الكوماندوز الخاصة وعضوين من وحدات مكافحة الإرهاب، وفقاً للبيانات التي جمعها المحقق ألكسندر ماكيفر. بالإضافة إلى ذلك، قتلت الغارات الجوية التركية القائد في فرقة العمل الخاصة لمكافحة الإرهاب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية جيان تولهيلدان. في يوليو/تموز 2022 قتلت غارةٌ تركية بطائرةٍ من دون طيار نائب قائد قوات سوريا الديمقراطية واثنين آخرين، عندما كانت أنقرة تهدد مرةً أخرى بغزوٍ بري وشيك لشمال شرق سوريا.

يقيد القصف التركي المستمر حركة عناصر قوات سوريا الديمقراطية، ما يحد من قدرتهم على التنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارية. في أحدث تقريرٍ ربع سنوي للكونغرس بخصوص عملية «العزم الصلب» للتحالف الدولي، أكد مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية أن قدرة قوات سوريا الديمقراطية تم إضعافها من خلال التصعيد مع تركيا. وأعربت وزارة الدفاع عن قلقها إزاء هذه التطورات، محذرةً من أن تنظيم داعش قد يستغل التوقف المؤقت للعمليات وتقليص وجود التحالف لتعزيز قوته، خاصةً بعد التصعيد التركي الأخير.

في مواجهة العدوان التركي، سعت قوات سوريا الديمقراطية إلى تحقيق التوازن بين حفظ الأمن الداخلي والعمليات ضد التنظيم. في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، صادر أفراد من قوات الأمن الداخلي الكردية في دير الزور مجموعةً كبيرة من الأسلحة المضادة للدبابات والبنادق الآلية والذخيرة من خلية تابعة للتنظيم، وفككوها. وبدلاً من عمليات التطهير التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، كان على ضباط الأمن الذين يحرسون مراكز الاحتجاز المؤقتة والمبنية لهذا الغرض منع محاولات هروب عناصر «داعش» من السجن. وبحسب ما ورد، قتلت غارتان تركيتان بطائرةٍ من دون طيار على مخيم الهول في 23  نوفمبر/تشرين الثاني ما يصل إلى ثمانية مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية دربتهم الولايات المتحدة كانوا يحرسون المخيم، الذي يضم 50 ألف شخص، بما في ذلك أفراد عائلات مقاتلي التنظيم. استغل عناصر «داعش» الهجمات التركية وحاولوا الفرار، ما يسلط الضوء على الوضع الأمني الهش، إذ يحاول أعضاء متحالفون مع التنظيم بانتظامٍ الهروب ومهاجمة السكان.

استهداف البنية التحتية

لا تستهدف هجمات تركيا مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية فحسب، بل تضرب أيضاً البنية التحتية المدنية الرئيسية في جميع أنحاء شمال شرق سوريا بهدفٍ واضح يتمثّل في إضعاف قدرة الإدارة الذاتية على تقديم الخدمات لسكان المنطقة. قد يكون الهدف التركي على المدى الطويل إخلاء المناطق القريبة من حدودها مع سوريا لإفساح المجال لإعادة توطين مواطنين غير كرد في المستقبل. منذ بدء العملية قبل شهور، أصابت الضربات التركية عدداً من المواقع المدنية في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، بما في ذلك مستشفى ومصنعاً للرخام ومخزن حبوب ومحطتين للطاقة. تتزامن هذه الهجمات مع الجهود التي تبذلها تركيا على المدى الطويل لتقييد تدفق نهر الفرات إلى شمال شرق سوريا، ما يضر بغلات المحاصيل ويؤثر على الماشية ويهدد وصول المياه الصالحة للشرب إلى المدنيين.

في هذا الإطار، يبدو أن نمط الضربات يركّز على وضع حجر الأساس لغزوٍ مستقبلي والضغط على الإدارة الذاتية وإضعاف قدرتها على حكم المنطقة، وهي ديناميكية تؤثر على قدرة قوات سوريا الديمقراطية على العمل كقوة فعالة.

يجب على وزارة الخارجية أن تتبنى نهج المساءلة في الأعمال التصعيدية التي تضر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في شمال شرق سوريا، وتسمية مرتكبي الهجوم بوضوحٍ وفضحهم

وثّق منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا ما لا يقل عن 17 ضرراً لحق بالبنية التحتية المدنية بين 20 و25 نوفمبر/تشرين الثاني وحده، بما في ذلك الضربات على حقول النفط والغاز ومحطات توليد الطاقة الكهربائية. كما أفادت وكالات إخبارية محلية بضرباتٍ استهدفت عدة محطات وقود في الحسكة في 23 نوفمبر/تشرن الثاني، الأمر الذي أدى إلى إخراجها عن الخدمة. وكان هناك أيضاً هجومٌ في نفس اليوم بالقرب من مركز كهرباء في ديريك/المالكية إلى قطع التيار الكهربائي في المدينة. أدت كل هذه الهجمات على البنية التحتية للطاقة في شمال شرق سوريا إلى تفاقم النقص الحاد في الوقود للمنطقة.

تحقق هذه الهجمات هدفاً إضافياً يتمثل في ردع الاستثمار الاقتصادي المستقبلي في المنطقة، وإضعاف قدرة الإدارة الذاتية على توليد مصادر دخل جديدة وجذب الشركات الخارجية لإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب. لم يؤد قرار الولايات المتحدة برفع بعض العقوبات الاقتصادية عن شمال شرق البلاد إلى أي مشاريع استثمارية جديدة كبيرة. ويرجع ذلك إلى الضربات الجوية التركية التي تهدد أي عملٍ تجاري. بمرور الوقت، تؤدي هذه الهجمات إلى إضعاف قدرة الإدارة الذاتية على دفع الرواتب وإصلاح البنية التحتية، وإضعاف احتمالات التجنيد، كما تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة وزيادة خطر عودة تنظيم داعش.

ملء الفراغ

رداً على الضربات التركية، أوقفت قيادة القوات المركزية الأميركية مؤقتاً جميع العمليات المشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية من 23 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/كانون الأول. بعد أيامٍ على إعلان قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وقف العمليات ضد تنظيم داعش، أعلن التحالف أن القوات الفرنسية المرتبطة بالمهمة عززت عمليات الدفاع الجوي والحماية وتنسيق القوات البرية مع جهود عملية مكافحة التنظيم. وبينما واصلت القوات التركية الضربات في المنطقة، أجرت قوات التحالف تدريباتٍ في الجوادية (بلدة جل آغا) وتدريبات على M777 (مدفع هاوتزر الأميركي) يومي 2 و6 ديسمبر/كانون الأول. وحتى بعد أيامٍ على استئناف العمليات المشتركة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية، سمحت القيادة المركزية الأميركية بشن غارةٍ أحادية الجانب بطائرة هليكوبتر تابعة لقوة دلتا في 11 ديسمبر/كانون الأول أسفرت عن مقتل اثنين من قادة تنظيم داعش.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت معلومات تم الحصول عليها من خدمات تتبع رحلات الطائرات إلى أن القوات الجوية البريطانية بدأت في مناوبة مهام الاستطلاع بين أوكرانيا والحدود العراقية-السورية المشتركة، في إشارة إلى الاهتمام المتساوي بالمنطقتين المذكورتين. تضمنت المهمة طائرة استطلاع استراتيجية من طراز RC-135W Rivet Joint، والتي ترسل معلومات إلى القادة المحليين والإقليميين حول تحركات مقاتلي التنظيم على النحو الذي تحدده إشارات الأجهزة اللاسلكية والخليوية. تضاف هذه الاستطلاعات إلى عمليات نشر القوات الجوية الأميركية في المنطقة، بما في ذلك الناقلات الجوية وأصول الاستطلاع على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، إذ يتم تعزيز هذه القوات بحسب الحاجة من القواعد الأميركية القريبة في دول الخليج العربية.

ومع ذلك، فإن هذه التعديلات ليست كافية أو مستدامة للحفاظ على القدرة والقضاء على التنظيم في المنطقة. في وقتٍ استأنفت القوات التدريبات والدوريات المشتركة بعد التوقف لعدة أيام، استمرت الهجمات التركية في تهديد جهود قوات سوريا الديمقراطية في محاربة «داعش» ما يقوض قدرة التحالف على المدى الطويل ويجبر قوات سوريا الديمقراطية على التقارب مع خصوم الولايات المتحدة في المنطقة. مع ضغوط الهجمات التركية وغياب التدخل الأميركي، تبحث قوات سوريا الديمقراطية عن فرص التقارب مع جهاتٍ أخرى. وفي هذا السياق، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أثناء لقائه قائد القوات الروسية في سوريا إن «روسيا تقف الآن في موقفٍ محايد بيننا وبين تركيا».

نظراً لأن قوات سوريا الديمقراطية تعول أكثر على روسيا لتجنب التوغلات التركية، قد تضغط موسكو على قوات سوريا الديمقراطية لعقد اتفاقٍ مع نظام الأسد لمنح دمشق السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها الكرد. ستهدد هذه الخطوة عملية «العزم الصلب»، إذ تعتبر دمشق أن الولايات المتحدة قوة احتلال وستسعى لطردها في أول فرصة. لا تزال فرص الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق ضعيفة، لكن احتمالات حدوثها تتزايد مع كل جولةٍ من التصعيد التركي، إذ تطلب قوات سوريا الديمقراطية أنظمة دفاعٍ جوي من روسيا وتقبل تعزيزاتٍ من دمشق لدعم مواقع دفاعية على طول خطوطها الأمامية. بعبارةٍ أخرى، تجعل كل جولةٍ من التصعيد قوات سوريا الديمقراطية أكثر اعتماداً على المظلة الأمنية الروسية لتأمين أراضيها، ما يؤدي بالكرد لأن يعقدوا تسويةً قسرية مع نظام الأسد من شأنها أن تفرض نهاية مفاجئة لـ«العزم الصلب».

تسلسل تصعيد ثابت 

أصبحت تهديدات أنقرة بالغزو الآن سمةً دائمة للصراع السوري تشكّل تهديداً خطيراً طويل الأمد لـ«العزم الصلب» والتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية.

منذ عام 2019، سعت تركيا إلى احتلال ما سمته بالمنطقة الآمنة بطول 30 كيلومتراً في شمال سوريا. مارست روسيا والولايات المتحدة ضغوطاً متكررة لتحذير أنقرة من شن هجومٍ كبير لاحتلال أراضٍ جديدة في شمال شرق سوريا. لكن أعقب هذه  التحذيرات قصفٌ جوي وضرباتٍ مستمرة.

أشار أردوغان  إلى أنه سيشن هجوماً كبيراً جديداً على قوات سوريا الديمقراطية. في خريف 2021، ألقى أردوغان باللوم على وحدات حماية الشعب في هجومٍ أسفر عن مقتل ضابطي شرطة أتراك على الحدود مع سوريا، وأشار إلى نيته شن غزوٍ جديد لإنشاء منطقةٍ عازلة بطول 30 كيلومتراً في شمال البلاد. في نهاية المطاف، أجبرت المعارضة الموحدة من روسيا والولايات المتحدة أردوغان على تعليق خططه حتى مايو/أيار، عندما هدد مرة أخرى بغزوٍ وشيك للأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. تم تعليق هذا التهديد مرة أخرى حتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني حينما وقع تفجير اسطنبول، إذ ألقت أنقرة باللوم على وحدات حماية الشعب في الهجوم.

دائماً ما يأخذ هذا التصعيد تسلسلاً ثابتاً. يبدأ بالخطابات الهجومية التي تلي تصعيداً مزعوماً من قوات سوريا الديمقراطية. بعد ذلك، تكثّف تركيا ضرباتها الجوية وتستهدف قادة قوات سوريا الديمقراطية والبنية التحتية المدنية الحيوية. ينتج عن ذلك تصعيدٌ متبادل. اليوم مع تنامي خطر الغزو، تضغط كل من الولايات المتحدة وروسيا على تركيا للتخفيف من حدة التصعيد. ومع توحيد المعارضة التركية ضد أردوغان واقتراب الانتخابات، يستخدم هذا الأخير الهجوم كورقةٍ انتخابية يلوح بها عند الحاجة.

استراتيجية أفضل

حتى في حال عدم حدوث غزوٍ جديد، تؤثر دورة العنف على قوات سوريا الديمقراطية وتشتت تركيزها عن مواجهة تنظيم داعش وتحدث زعزعة في حكم المنطقة. وسواءً حافظت أنقرة على وتيرة هجماتها الجوية أو صعّدت بهجومٍ بري أو اختارت وقف التصعيد، يجب على الولايات المتحدة وشركاء التحالف فهم التصعيد التركي المتكرر على أنه تحذير بشأن مدى قابلية استمرار العمليات ضد تنظيم داعش على المدى الطويل. أعطت الحرب في أوكرانيا أهميةً مضاعفة لتركيا كونها عضوٌ في حلف الناتو لا يمكن تجاوزه. ومع استمرار الولايات المتحدة في الانسحاب من الشرق الأوسط، يجب أن تعطى الأولوية لبناء القدرات للحفاظ على الأمن النسبي في المنطقة. بالنظر إلى احتمالية شن حملاتٍ عسكرية تركية مستقبلية في شمال شرق سوريا، يجب على الولايات المتحدة وشركائها وضع خطط طوارئ لأي هجومٍ تركي محتمل بعد انسحابهم من المنطقة.

أظهرت واشنطن قدرتها على ردع تركيا من ارتكاب اعتداءاتٍ جديدة في سوريا. وستكون عملية «العزم الصلب» أكثر استدامةً إن كان لدى الولايات المتحدة خطة لتجنب التصعيد المستمر الذي أصبح ملازماً لحياة سكان شمال شرق سوريا خلال العام الماضي. قد يتطلب هذا مشاركة متواضعة ولكن مستدامة من جميع أطراف الإدارة الأمريكية. أولاً، يجب على وزارة الخارجية أن تتبنى نهج المساءلة في الأعمال التصعيدية التي تضر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في شمال شرق سوريا، وتسمية مرتكبي الهجوم بوضوحٍ وفضحهم، بدلاً من إصدار دعواتٍ فضفاضة لوقف التصعيد لا تحدد هوية المهاجم صراحةً. إن الرد الاستباقي والدقيق على الهجمات الفردية من شأنه أن يجعل تصميم الولايات المتحدة واهتمامها أكثر وضوحاً لجميع الأطراف المعنية. ثانياً، يجب أن يعمل البيت الأبيض مع الكونغرس لتطوير حزمة عقوباتٍ واضحة وقابلة للتنفيذ في حالة حدوث غزو بري تركي، وأن يوضح بشكلٍ استباقي عواقب التوغل لأنقرة، ما يجعل الأخيرة تفكر في الأضرار التي قد تحصل لها في حال الغزو.

أخيراً، يجب على وزارة الدفاع ثني قوات سوريا الديمقراطية عن أي ردود انتقامية، بما في ذلك الامتناع عن استخدام الهجمات عبر الحدود ضد المدنيين.

تُظهر جولة التصعيد الأخيرة مرةً أخرى الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة كضامنٍ أمني في شمال شرق سوريا لديه القدرة على تهدئة التوترات بين الأتراك والكرد. ولكن عندما يدرك اللاعبون الآخرون غياب الإصرار الأميركي، فإنهم يخططون لتحقيق أهدافهم من دون حسابات، ما يخلق دورات تصعيدية ومزعزعة للاستقرار.

يجب أن يدرك صانعو السياسة في واشنطن أن القليل من الخطوات المعتدلة والاستباقية التي تشير إلى استمرار اهتمام الولايات المتحدة بهذه المنطقة سيقدم استراتيجية واعدة طويلة الأمد تعمل بشكلٍ استباقي على كبح الدورات التصعيدية الخطيرة.

 

*شارك في إعداد هذه الورقة البحثية كل من Caroline Rose و Aram Shabanian وCalvin Wilder

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد