دمشق تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الكرد بعد الزلزال

ديفيد فيليبس*
خلّف الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا آلاف القتلى والجرحى، إضافةً إلى المفقودين تحت الأنقاض. نال الجزء الشمال الغربي من سوريا، الذي يسيطر عليه الإسلاميون المدعومون من تركيا، القسم الأكبر من الدمار والضحايا، في وقتٍ تخوض دمشق معهم حرباً منذ عام 2011.
لا تغض الحكومة السورية الطرف عن الكارثة التي أصابت مواطنيها فحسب، بل تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى الكرد في منطقة الزلزال غرب نهر الفرات. يعاني الكرد من الاضطهاد الذين يتعرضون إليه من النظام السوري العنصري من جهة، ومن الجماعات الإسلامية المدعومة من قبل أنقرة من جهة ثانية.
يتحكم الأسد وحليفتيه طهران وموسكو  بالمساعدات الإنسانية. ويؤكد المسؤولون السوريون أنهم يتحملون وحدهم المسؤولية عن إيصال المساعدات حتى في المناطق التي يسيطر عليها المعارضة. لكن لا تصل المساعدات الإنسانية في الواقع لمن هم في أمسّ الحاجة إليها.
أعربت الحكومات الغربية عن استيائها من دمشق. وأصدرت المملكة المتحدة مؤخراً تحذيراً من أن المساعدات المرسلة إلى سوريا قد تتعرض إلى السرقة وتصل إلى المكان الخطأ. كما ترفض الولايات المتحدة تمرير المساعدات عبر دمشق، فيما يحذر مانحو هذه المساعدات من تفشي الفساد الحكومي وتسييس المساعدات.
تحاول دمشق إقناع الدول بفتح معبرين جديدين مع تركيا، بحجة أن ذلك سيساعد على وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا، في حين لم تسمح دمشق بدخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا إلا عبر معبرٍ حدودي واحد لأنها تخشى تقويض السيادة السورية وتقليص احتمالات استعادة السيطرة على المنطقة.
عانت عفرين، والمجتمعات الكردية غربي نهر الفرات، من التطهير العرقي التركي، الذي تقوم به الميليشيات الإسلامية بدعمٍ من أنقرة، إذ تمنع المليشيات وصول المعدات اللازمة للبحث عن ضحايا تحت الأنقاض إلى التجمعات الكردية، تاركين إياهم يموتون تحت الأنقاض من الجوع والبرد.
عندما كان بإمكان الرافعات ومعدات الإنقاذ سحب المصابين من تحت الأنقاض، لم يفعلوا ذلك ولم ينقذوا سوى العرب وتركوا الكرد، كما منعوا عنهم الرعاية الطبية اللازمة التي يحتاجها المصابون جراء الزلزال.
يؤدي تحالف تركيا مع الجماعات الإسلامية المسلحة إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، لا سيما أن أنقرة ليست في وضعٍ تستطيع فيه تقديم المساعدة، كون الطرق التي تصل للحدود تضررت من جراء الزلزال، إضافةً إلى الضرر الذي لحق بها طوال العقد الماضي بسبب الصراع المسلح.
في السابق، اعتمد ما يقارب أربعة ملايين شخص في تلك المناطق التي مزقتها الحرب على المساعدات عبر الحدود. لكن الدمار الذي خلفه الزلزال فاقم من صعوبة توفير مستلزمات الحياة الأساسية، وتزامن ذلك مع البرد القارس والثلوج المتراكمة في الطرقات والتي جعلتها غير سالكة.
يضاف إلى كل ذلك، الأزمة الاقتصادية في البلاد. تعاني الآلية التي أنشأتها الأمم المتحدة لإدارة الأنشطة الإنسانية (الصندوق الإنساني عبر الحدود لسوريا) من نقصٍ حاد في التمويل، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وتم إطلاق الصندوق في 14 فبراير/شباط، وأصدر نداءً من أجل جمع 398.7 مليون دولار. لكن حتى الآن، وصله 2.1 مليون دولار فقط. يترك نقص التمويل وتسييس المساعدات 20 مليون سوري من دون أي مقومٍ من مقومات الحياة الأساسية.
وعلى الرغم من كل هذا، لا تتردد إيران الانتهازية لحظة عن التعاون مع النظام. تفضل طهران تقديم المساعدة بشكلٍ ثنائي وليس عبر وكالات الأمم المتحدة. يجمع الشيعة الإيرانيون والقيادة العلوية في سوريا صلات أيديولوجية. عندما وصلت طائرة نقل إيرانية تحمل 40 طناً من المواد الغذائية والأدوية إلى مطار حلب الدولي الأسبوع الماضي، تم تسليم الإمدادات للنظام دعماً لجهود الدولة الإغاثية. تمت تغطية عملية النقل على نطاقٍ واسع في وسائل الإعلام السورية الحكومية، ما حول عملية التسليم إلى انتصارٍ دعائي لكل من الأسد وطهران.
الكرد عالقون وسط كارثة سوريا
عانت عفرين، والمجتمعات الكردية غربي نهر الفرات، من التطهير العرقي التركي، الذي تقوم به الميليشيات الإسلامية بدعمٍ من أنقرة، إذ تمنع المليشيات وصول المعدات اللازمة للبحث عن ضحايا تحت الأنقاض إلى التجمعات الكردية، تاركين إياهم يموتون تحت الأنقاض من الجوع والبرد.
عندما كان بإمكان الرافعات ومعدات الإنقاذ سحب المصابين من تحت الأنقاض، لم يفعلوا ذلك ولم ينقذوا سوى العرب وتركوا الكرد، كما منعوا عنهم الرعاية الطبية اللازمة التي يحتاجها المصابون جراء الزلزال.
منعت تركيا المساعدات عبر الحدود إلى المناطق الكردية المدمّرة لمدة خمسة أيام بعد الزلزال. ويشير أحد سكان جنديرس إلى أن الجماعات العربية والتركمانية المدعومة من تركيا قدمت مساعداتٍ غذائية إلى المتضررين. لكن السؤال الأول الذي كان يتم طرحه: هل أنتم عرب أم كرد؟، لأنهم لا يريدون إعطاء أي شيءٍ للكرد. يتعلق الأمر ذاته بدفن الموتى، إذ طُرح سؤال فيما إذا كان الميت عربياً أم كردياً، مع رفض دفن الكرد.
تشكّل روسيا وإيران وتركيا وسوريا محور قوى خبيثة تهتم بتعزيز مصالحها الوطنية الضيقة أكثر من مساعدة الأشخاص الذين دمرهم الزلزال. إذ أن إهمالهم لا يفاقم معاناة ضحايا الزلزال فحسب، بل إنهم ينتهزون الفرصة للاستفادة من معاناة الآخرين لتحقيق أهدافهم ومصالحهم.
مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا
المصدر:جيروزاليم بوست

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد