سنان جدّي
من المتوقع أن يقوم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة إلى واشنطن منتصف شهر يناير/كانون الثاني الجاري، حيث ستكون دفعة كبيرة من جانب أنقرة لتحقيق أهدافها المنشودة من الناحية السياسية. لكن يجب خفض التوقعات بشأن ما يمكن أن تحققه أنقرة وواشنطن، كما أن على إدارة الرئيس جو بايدن أن تكون حذرةً للغاية في تلبية الرغبات التركية. فإذا كان جاويش أوغلو يتطلّع إلى تسويةٍ مع نظيره الأميركي، فإن على بلاده انتهاج سياساتٍ خارجية أقرب إلى موقف حلفائها الغربيين.
في الفترة التي سبقت زيارة جاويش أوغلو، قدمت أنقرة مبادراتٍ عدة لإرضاء الغرب. في الأيام الأولى من 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية ونظيرتها التركية عن جهدٍ تعاوني كبير أدى إلى تصنيف وفرض عقوباتٍ على كياناتٍ مختلفة من تنظيم داعش في تركيا. على مدى العقد الماضي، أحبطت تركيا شركائها الغربيين في سعيهم لهزيمة تنظيم داعش، من خلال غض النظر عن المنضمين إلى التنظيم عبوراً لأراضيها، بالإضافة إلى الدعم المباشر للجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل هيئة تحرير الشام.
لعبت تركيا أيضاً دوراً مهمّاً في الحرب بأوكرانيا، عبر المسيّرات إلى الجيش الأوكراني ومساعدتها في تسهيل شحن الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية لمنع احتمال حدوث مجاعاتٍ إقليمية كبرى. ومؤخراً، قامت بتحركاتٍ رمزية لإنهاء بعض التدفقات المالية الروسية من خلال حظر استخدام نظام المراسلة المصرفية «مير»، وهو البديل الروسي لنظام «سويفت».
من خلال هذه المبادرات، تعتقد أنقرة أنها أثبتت نواياها الحسنة كحليفٍ يمكن الاعتماد عليه من قبل الغرب. وعليه، ينبغي أن يكافأها حلفاؤها. بشكلٍ خاص، من المرجح أن يناشد جاويش أوغلو نظرائه في وزارة الخارجية أن تسمح إدارة بايدن لتركيا بالحصول على طائرات مقاتلة من طراز F-16. ويمكن أيضاً أن يحاول إقناع واشنطن بسياسة تركيا الجديدة التي تسعى إلى التطبيع مع نظام الأسد، الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة من حيث المبدأ، وكذلك بموجب القوانين التي قامت بسنّها.
من المستبعد أن تتحقق طلبات تركيا، نظراً للشروط الأميركية المقابلة. صحيح بأن على الغرب أن يرحب بخطوات أنقرة الأخيرة لاستهداف تنظيم داعش داخل تركيا. لكن في ذات الوقت، على واشنطن مطالبة أنقرة بالمزيد في هذا المجال، في وقتٍ تواصل تركيا دعم الكيانات المتطرّفة في سوريا، وعلى الأخص هيئة تحرير الشام، وتواصل تهديدها بغزوٍ بري جديد يستهدف الكرد السوريين المرتبطين بوحدات حماية الشعب، وهي جماعة تصنّفها أنقرة على أنها منظمة إرهابية، في حين تدعمها الولايات المتحدة في جهودها المستمرة للقضاء على «داعش». وبالمثل، تواصل أنقرة توفير الملاذ الآمن لحركة حماس داخل تركيا من خلال توفير مكاتب لممارسة نشاطها وجوازات سفر لقادتها وفتح أبوابها لهم.
يجب على وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أن يطالب نظيره التركي بتصنيف «حماس» ككيانٍ إرهابي وأن تنهي تركيا علاقتها معه. سيكون هذا الحد الأدنى الذي يمكن أن تفعله أنقرة لإقناع حلفائها الغربيين بجديّتها في كبح جماح دعمها للمنظمات الإرهابية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تبدأ بها المفاوضات لإزالة تركيا من «القائمة الرمادية»، وهي لائحة لمراقبة الدول التي تشارك في غسيل الأموال وتمويل الكيانات الإرهابية على مستوى العالم.
يحتاج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً إلى إنهاء دوره المعارض دائماً في حلف الناتو من خلال السماح للبرلمان التركي بالمصادقة على عضوية فنلندا والسويد للحلف. منذ منتصف 2022، تماطل تركيا في هذه القضية، مطالبةً السويد باتخاذ خطواتٍ ملموسة لإنهاء الدعم الذي قدمته لأعضاء حزب العمال الكردستاني. وللحصول على العضوية، لم تقدم السويد تأكيداتٍ شفهية لتركيا فحسب، بل قامت أيضاً بتسليم العديد من الأفراد الذين اتهمتهم أنقرة بأنهم إرهابيون من حزب العمال الكردستاني. لكن أردوغان غير راضٍ ويريد من استوكهولم تقديم المزيد من الأفراد قبل أن يمنح الضوء الأخضر لعضويتها، مقابل انتقاد السويد المحق لهذه المطالب. ووجه رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون رسالةً مهمة إلى أنقرة مفادها «أكدت تركيا أننا فعلنا ما وعدنا به، لكنهم يريدون منا أشياء لا يمكننا أو لا نريد القيام بها».
يجب عدم تلبية مطالب أنقرة غير المنطقية، التي تخدم احتياجات أردوغان في السياسية الداخلية، وهو يتطلع إلى إعادة انتخابه في يونيو/حزيران المقبل. وبسبب تراجع شعبيته، بحسب استطلاعات الرأي، فإنّه يتمسك بكل قشة ليلبي مطالب الناخبين. يُعتبر اتخاذ موقفٍ صارم من عضوية السويد في حلف الناتو إجراءً قصير المدى يُظهر للناخبين الأتراك أن أردوغان يحاسب الدولة الاسكندنافية على دعمها المزعوم لحزب العمال الكردستاني. ولنفس السبب، تهدد أنقرة بغزو سوريا بزعم مطاردة «الإرهابيين» الكرد، الذين تركز نشاطهم فقط على محاربة «داعش». يجب أن تدرك واشنطن أن كل ما تقوم به أنقرة حالياً هو من أجل إعادة انتخاب أردوغان.
أيضاً، يجب أن يكون بلينكين صريحاً للغاية مع جاويش أوغلو. فإذا كانت واشنطن ستستمع إلى مطالب تركيا، فمن واجب أنقرة أن تتصرف كحليفٍ دائم. وهذا يعني ضماناتٍ تركية غير مشروطة بعدم غزو سوريا، وكفها عن عرقلة عضوية السويد وفنلندا في «الناتو»، بالإضافة إلى تصنيف «حماس» ككيانٍ إرهابي وطرد أعضاءها من تركيا. كذلك، يجب على أنقرة تقديم ضماناتٍ بإجراء انتخاباتٍ رئاسية حرة ونزيهة، مع السماح لمرشحي المعارضة، مثل عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو، بالترشح من دون عوائق (بدلاً من الحكم عليه بالسجن). وعليها أيضاً أن تتخذ إجراءاتٍ فعّالة لإعادة تأكيد سيادة القانون واستقلال القضاء من خلال إطلاق سراح السجناء السياسيين مثل الناشط الحقوقي عثمان كافالا، ورهائن سياسيون مثل متين توبوز.
أخيراً، يتطلب الأمر من أنقرة أن تثبت بشكلٍ لا لبس فيه أنها حليفٌ لـ«الناتو» من خلال تجريد نفسها من نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400، وتنفيذ المزيد من العقوبات بحق موسكو، بما يتوافق مع شركائها الغربيين.
في الشهر الماضي فقط، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتٍ على صدقي عيان المقرّب من أردوغان ، بسبب «قيامه بعمليات بيع نفط بقيمة مئات الملايين من الدولارات» إلى الصين وروسيا، والتي تبيّن أن عائداتها ذهبت إلى خزائن الحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس، وكذلك وكلاء إيران في المنطقة – حزب الله. يدلّ ذلك على أن السلطات الأميركية تعرف ما تستطيع أنقرة فعله وترغب في القيام به من أجل انتهاك القانون الأميركي والقانون الدولي. يمثّل الاجتماع في واشنطن فرصةً للولايات المتحدة لتقول لتركيا: كفى!.
المصدر:ناشيونال إنترست