د. آزاد أحمد علي
تقدم رئيس الوزراء الماليزي السابق والأسبق مهاتير محمد البالغ من العمر 97 عاماً أوراق ترشّحه للانتخابات العامة أواخر 2022، بهدف العودة مجدداً إلى كرسي الحكم. جدير بالذكر أن مهاتير محمد يعد أحد القادة الآسيويين الذين نجحوا في إدارة عجلة اقتصاد بلادهم نحو التنمية وتحقيق الرفاه، لكنه دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية ليس من هذه البوابة، وانما لكونه أكبر رئيس وزراء في المنصب عندما انتخب في 2018 لولايةٍ ثانية. لا شك أنه أحد الشخصيات السلطوية الناجحة على الصعيد العالمي، إذ أمضى حوالى ثلاث وخمسون سنة في كرسي الحكم حقق خلالها نجاحاتٍ كبيرة لدولة ماليزيا، على الرغم من أنه اتهم بالفساد خلال وبعد فترات حكمه. لكن المؤكد أنه دخل سجل غينيس للأرقام القياسية كأكبر رجلٍ ظل فترة طويلة في أعلى هرم السلطة التنفيذية كرئيسٍ للوزراء في ماليزيا. كما يعد أكبر رجل ظل ينافس على كرسي رئاسة الوزراء وهو على وشك أن يبلغ المئة من العمر. وليس ثمة أي تفسيرٍ لسلوكه وحافزه للترشح سوى أنه لم يكتفي ولم يتشبع من استنشاق هواء السلطة. المشكلة تكمن في أنه ظل يفترض أن ماليزيا ستتحول الى رماد من دونه، حتى بعد خسارته الانتخابات. وهو متيقن أن الحاجة مازالت ماسّة إلى قدراته وخبراته.
لكن على ما يبدو أن الهستيريا وجنون العظمة الذي يولده النجاح أحياناً قد ينتهي بخيبة أمل، بل بفضيحة. فقد رد الناخب – المواطن المقهور على جنون عظمة مهاتير، بعدم الاستجابة لطموحه المزمن، وبالتالي خسارته مقعده في دائرة لانكاوي في البرلمان، بعد أن حصد فقط نسبة 9 في المئة من أصوات الناخبين وهي 4,566 صوتاً من أصل 48,123 صوتاً. ولكن الغريب أنه لم يتعظ بعد هذه الخسارة، إذ صرح بأنه سيتفرغ لكتابة تاريخ ماليزيا.
نستنتج من هذا الحدث ونقرأ رمزيته باختصار أن الولع بالسلطة متعدد الأوجه والمستويات، وهو حالة عابرة للأعمار والثقافات، على اعتبار أن مغانم السلطة في عالمنا الاستهلاكي المعاصر كثيرة ومتنوعة لدرجة أن كرسي السلطة يتقمص بل يستعبد جالسه. ومن زاويةٍ أخرى، يبدو أن الظاهرة السلطوية باتت ثقافة معاصرة، إذ انتشرت وتعولمت في ظل النظام الليبرالي. ولم تعد السلطوية ظاهرةً مرهونة ومستوطنة بين طيات ثقافة أنظمة الاستبداد العاري فقط، وليست منتجاً يخص العوالم المتصارعة سلطوياً خارج أوروبا والولايات المتحدة، وإنما باتت الوجه الآخر للفساد الإداري والسياسي. وهي في الوقت نفسه مرضٌ مزمن من أمراض الاجتماع البشري في هذا العصر. بل بات يشبه فيروساً يصيب المجتمعات والأجيال غير مرهونٍ بالولع بالمناصب العالية ولا مرتبطاً بامتيازاتٍ كبيرة، بل أضحى حالةً تلازم البشر في كثير من المواقع والمستويات. وكانت أسوأ حالاتها ما أصابت تلك الجماعات المنظمة التي ادعت الثورية والاشتراكية، كما ادعت وروجت لاحقاً للنضال في سبيل الحريات وحقوق الإنسان، والتداول السلمي للسلطة. فكم صادفنا وسنصادف شخصيات هنا وهناك ظلت تصرخ مطولاً في سبيل التغيير والديمقراطية، لكنها التصقت دهراً بكرسي اعتباري قد لا يدر مالاً ولا امتيازات. ولكن ما الذي يغذي هذه الظاهرة؟ إنها فوبيا الموت خارج الكرسي، الخوف من الموت البريء، الموت كانسان ومواطن غير حاكم! أياً كانت صيغة الحكم، أو شكل الكرسي، مردوده وطرازه.