مظلوم عبدي
في 2014، تعرّف العالم على مدينة كوباني، مسقط رأسي، وشعبي: الكرد السوريين، حينما تلقى تنظيم «الدولة الإسلامية» هزيمته الكبرى الأولى على أيدينا ضمن شراكة مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي. أدت التحالفات التي شكلناها حينها إلى نهاية خلافة «الدولة الإسلامية» في 2019. واليوم، تتعرض كوباني مجدداً إلى تهديداتٍ، الأمر الذي يهدد كل المكاسب التي ولدت من تلك الشراكات. هذه المرة، يأتي التهديد من قبل دولة عضو في حلف الناتو وليس من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية».
منذ أكثر من أسبوع، تلقي حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وابلاً من القنابل على مدننا، وتقتل المدنيين وتدمّر البنى التحتية المدنية الحيوية وتستهدف قوات سوريا الديمقراطية التي تعمل على محاربة «الدولة الإسلامية». بالنسبة إلى سكان منطقتنا، لم يكن القضاء على «الدولة الإسلامية» الهدف الوحيد. كل خطوة اتخذناها لمحاربة التنظيم على أرض المعركة رافقها خطوات لسحق الإيديولوجية التي تقف وراء التنظيم من خلال بناء نظامٍ قائم على الشارك والتعددية والمساواة. في الرقة مثلاً، حيث كان أبو بكر البغدادي يحكم أراضي «الدولة الإسلامية»، أصبحت السوريات قائدات بارزات اليوم.
أنشأنا قوات سوريا الديمقراطية عام 2015، وهو تحالفٌ من الكرد والعرب والآشوريين ملتزمٌ بهزيمة «الدولة الإسلامية». في كل مدينةٍ حررناها، أسسنا إداراتٍ محلية تمثّل جميع الأعراق والأديان منحت المرأة سلطةً متساوية لأول مرةٍ في سوريا. وجِهت بعض الانتقادات إلينا لعدم التزامنا الكامل بالمعايير الغربية للديمقراطية. نظامنا ليس مثالياً، إذ أسسناه بينما كنا نحارب من أجل الحفاظ على وجودنا وتحت حصارٍ اقتصادي خانق. لكن حينما يتعلق الأمر بجودة الحوكمة والأمن اللذين وفرناهما، تفوقنا على كافة السلطات الأخرى في سوريا، ولم يكن أي من ذلك ممكناً لولا النصر في كوباني والدعم الدولي لنا. اليوم، يضع التلويح التركي بالهجوم على منطقتنا كل ما أسسناه وأنجزناه تحت التهديد.
قتلت إحدى الضربات في مدينة ديريك الحدودية، موطن الكرد والإيزيديين والمسيحيين، أكثر من عشرة مدنيين. واستهدفت ضربةٌ أخرى قاعدةً قرب مدينة الحسكة، حيث أعمل مع الولايات المتحدة للتخطيط لعمليات ضد «الدولة الإسلامية»، وكانت على بعد مئات الأمتار من القوات الأميركية، فيما أعتقد أنها كانت محاولة لاغتيالي. واغتالت تركيا العديد من زملائي في قوات سوريا الديمقراطية وإدارتنا هذا العام، فيما يضيف أردوغان المزيد من الرعب والفوضى بتهديده شن هجومٍ بري. نعلم تماماً عواقب هذا الهجوم، لأن تركيا قامت به مرتين من قبل.
تسببت الغزو التركي لعفرين عام 2018 ورأس العين وتل أبيض عام 2019 في نزوح مئات الآلاف من الأشخاص وتعطيل الجهود الدولية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». اليوم وبعد أعوامٍ من الحكم التركي، تسود الفوضى وعدم الاستقرار هذه المناطق، فضلاً عن الاقتتال الداخلي وانتشار المتطرفين. في نفس المناطق التي حمت فيها إدارتنا سابقاً التعايش العرقي والحرية الدينية وحقوق المرأة، ترتكب القوات التركية والميليشيات التابعة لها اليوم انتهاكاتٍ لا توصف بحق الأقليات العرقية والدينية والنساء من دون أي عقاب. حينما أدارت سلطتنا عفرين، كانت المدينة الجزء الوحيد من شمال غرب سوريا الذي لم يمسّه المتطرفون الإسلاميون. لكن منذ أن أصبحت خاضعة لسيطرة أنقرة، تعمل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة بِحُرّيةٍ فيها. وهناك في الصيف الماضي، قتلت غارة أميركية بطائرةٍ من دون طيار ماهر العقال أحد كبار قادة «الدولة الإسلامية».
كذريعةٍ للحرب، اتهم أردوغان قواتنا بالتورط في تفجير اسطنبول. اسمحوا لي أن أوضح: نحن نشجب وندين هذا العمل الإرهابي، ونرفض جميع الاتهامات بالتورط ونقدّم مرةً أخرى تعازينا إلى الضحايا. ونجدد دعوتنا إلى إجراء تحقيقٍ، ونعرب عن استعدادنا للمساعدة في حال إطلاقه. لا نطلب من أحد أن يقاتل من أجلنا. فالشعب الكردي لا يزال هنا، وقاومنا وحدنا مراتٍ لا تحصى من قبل، وإذا حدث أي هجومٍ فسنقاوم مرة أخرى. ما نطلبه هو أن يكون العالم معنا في مهمة تحقيق السلام الأكثر صعوبة.
نعتقد أن جذور الصراعات التي جلبت الكثير من الألم والمعاناة لمنطقتنا سياسية. لا توجد كراهية متأصلة بين الكرد والأتراك. اتخذ القادة الأتراك خياراً سياسياً يعتبر الكرد تهديداً أمنياً ويحرمنا من حقوقنا الديمقراطية الأساسية. تفاوض أردوغان في الماضي مع حزب العمال الكردستاني لإنهاء الصراع المسلح بين الجماعة والدولة التركية وحل القضية الكردية بالطرق السلمية. إبان تلك المفاوضات، كنا نعيش في سلامٍ مع جيراننا الأتراك. وإن استؤنفت، سيعم السلام مجدداً.
عرض حزب العمال الكردستاني في 2019 الجلوس على طاولة المفاوضات والبحث عن حلٍ سياسي عندما كانت منطقتنا تحت التهديد. لكن تم تجاهل تلك المناشدة، وغزت تركيا واحتلت مدينتين من مدننا بعد أشهرٍ قليلة. لو أن المجتمع الدولي وقف بحزمٍ ضد الغزو التركي ودافع عن السلام، لسارت الأمور بشكلٍ مختلف تماماً. لا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراء، لكن بإمكاننا التعلم من مآسي الماضي.
نعلن استعدادنا لعب دور مفيد في استئناف هذه المحادثات والتوصل إلى السلام الذي نسعى إليه. ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطواتٍ ملموسة على الفور لمنع الغزو التركي وتعزيز حلٍ سياسي للصراع الكردي على أساس الديمقراطية والتعايش والحقوق المتساوية. إن وجود شعبنا وأمن المنطقة مرهونٌ بذلك.
المصدر: واشنطن بوست، رابط المقال هنا.