حرب المسيّرات العالمية في أوكرانيا.. لماذا اختفت «بيرقدار»؟ 

المركز الكردي للدراسات

تُعد الحرب في أوكرانيا ساحة اختبارٍ دموي لفعالية الطائرات من دون طيار، إذ أنها المرة الأولى التي تدخل فيها «المسيّرات» إلى ساحة المعارك ضد الطرفين، على اعتبار أن استخدامها اقتصر إلى حدٍ كبير على دولٍ متقدمة عسكرياً ضد قوى متمردة. واستعملت الولايات المتحدة هذا السلاح على نطاقٍ واسع في حربها ضد حركة طالبان في أفغانستان وضد تنظيم القاعدة في اليمن. وتعرضت الإدارات الأميركية إلى انتقاداتٍ داخلية واضطرت إلى إجراء تحقيقاتٍ بسبب العدد الكبير من الضحايا المدنيين جراء استخدام المسيّرات. إلا أنه في أماكن أخرى، حيث لا قيود على قتل المدنيين، يتم استخدام المسيّرات كأداة وحشية لترويع السكان واستهداف قوات مناوئة خارج الحدود، وهي الحالة التي تنتهجها الدولة التركية ضد الكرد والإدارة الذاتية في روجآفا وشمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق.

في المحصلة، ما زالت المسيّرات سلاحاً لنخبةٍ من الدول يتم استخدامه على نطاقٍ كبير لمقاومة ضغوط التغيير، كما في حالة تركيا، أو شن هجماتٍ عن بعد ضد شبكاتٍ وتنظيماتٍ مصنّفة إرهابية على قائمتها كما في حالة الولايات المتحدة. تحاول الحركات المناوئة للدول استخدام المسيّرات، لكن فارق التقنية يجعل هذه المحاولات ذات فاعلية محدودة. وفي الصراع الأخير في آرتساخ/ ناغورني قره باغ، فتكت مسيّرات أذربيجان بآلاف الجنود الأرمن وكانت السبب الأول في تحقيق باكو انتصاراً مفاجئاً أمام أسلحة أرمينيا التقليدية.

أهازيج «بيرقدار»

يختلف الوضع في أوكرانيا عن كافة الأمثلة السابقة. فالطرفان، مع داعميهما وحلفائهما، ساحة غنية بتقنية الطائرات المسيّرة. واستخدمتها أوكرانيا بكثافةٍ في بداية الغزو الروسي. وردد أوكرانيون مبتهجون بالنتائج أهازيج تمجّد مسيّرات «بيرقدار» التركية التي أسقطت القوات الروسية معظمها خلال وقت قصير، من دون الإعلان عن ذلك في حصيلةٍ جامعة، فاختفى بالتدريج الاستعراض الأوكراني بالمسيّرات التركية والمقاطع المصوّرة لتدمير آلياتٍ عسكرية روسية. وليس من قبيل الدعابة أن الملياردير الأميركي إيلون ماسك علّق على الهجمات الروسية الأخيرة في أوكرانيا بكتابة تعليق «حرب المسيّرات الأولى».

في المقابل، استنزفت روسيا أيضاً جزءاً كبيراً من مسيّراتها مثل «إيليرون-3» و«غروشا» و«أورلان 10». وحصلت كييف على منظومة مسيرات أميركية «سكان إيغل»، لكنها متقدمة جداً ولا يمكن المغامرة بها في عمق مناطق الخصم.

في النهاية، يسعى الطرفان على نحو عاجل إلى تعويض مخزونهما العسكري من المسيّرات وتحقيق نقاط تفوق سريعة على الخصم. وفي الأيام الماضية، نفذت القوات الروسية ضرباتٍ في عمق الأراضي الأوكرانية ومناطق التماس المباشر باستخدام طائرات مسيّرة جديدة على ساحة المعركة، ترجح الدول الغربية أن مصدرها إيران.

ودمرت أسرابٌ من الطائرات المسيّرة ما يقرب من ثلث محطات الطاقة الأوكرانية خلال الأسبوع الماضي بعد أن كثّفت روسيا هجماتها على البنية التحتية بعيداً عن جبهة القتال.

«كاميكازي» إيران؟

نفت كل من إيران وروسيا الاتهامات الأوكرانية والأميركية. غير أن الدور التدميري لهذه المسيّرات المنسوبة لإيران صعّدت هذا الملف. وبحسب وكالة «رويترز»، ذكر اثنان من المسؤولين واثنان من الدبلوماسيين الإيرانيين أن طهران تعهدت بتزويد روسيا بصواريخ أرض-أرض والمزيد من الطائرات المسيّرة.

وأبرم الاتفاق في السادس من أكتوبر/تشرين الاول عندما زار النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر واثنان من كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني ومسؤول من المجلس الأعلى للأمن القومي موسكو لإجراء محادثاتٍ مع روسيا بخصوص تسليم أسلحة.

وقال أحد الدبلوماسيين الإيرانيين المطلعين على الأمر لـ«رويترز» إن «الروس طلبوا المزيد من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية الإيرانية ذات الدقة المحسّنة، خاصةً عائلة صواريخ فاتح وذو الفقار».

وإحدى الطائرات المسيّرة التي وافقت طهران على توريدها هي «شاهد -136» ذات الأجنحة المثلثة والتي تستخدم كطائرة هجومية جو-أرض تنفذ عمليات انتحارية «كاميكازي». وتحمل الطائرة رأساً حربية صغيرة تنفجر عند الاصطدام. وقد يؤي ظهور صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية في ساحة الحرب مع أوكرانيا إلى تفاقم التوترات بين إيران والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.

فخر دون اعتراف

ورداً على تقرير «رويترز»، نفى المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني «صحة المزاعم بشأن إرسال السلاح والمسيّرات العسكرية من قبل إيران لاستخدامها في الحرب الاوكرانية»، وفق تصريح نشرته وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا». واعتبر كنعاني أن «هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، ومبنية على معلوماتٍ خاطئة وفرضيات موجهة لإثارة أجواء سياسية وتنفيذ أجندات اعلامية لبعض الدول ضد ايران».

وبالتزامن مع النفي الإيراني، تحاول طهران تحويل الاتهامات إلى أجواء استثمار وترغيب بصفقات عسكرية. وأوردت وكالة «إرنا» تصريحاً للمستشار الاعلى للقائد العام للقوات المسلحة الايرانية اللواء السيد يحيى رحيم صفوي ذكر فيه أن 22 دولة في أنحاء العالم أعلنت رغبتها في شراء الطائرات المسيّرة من ايران. وفي 19 أكتوبر/تشرين الاول، تحدث المرشد الأعلى علي خامنئي في خطابٍ أمام حشد من النخب الشابة والمواهب العلمية، متباهياً بصورة غير مباشرة بقدرات طهران في تقنية الطائرات المسيّرة. وذكر أن «من كان يقول إن صور المسيّرات الإيرانية الصنع مفبركة ومعدلة بالفوتوشوب، يحذّر الآن من خطورتها، ويريدون محاسبة إيران من خلال مساءلتها لِمَ تبيع أسلحتها لهذا الطرف أو ذاك».

ونفى الكرملين أيضاً استخدام قواته طائرات إيرانية مسيّرة في أوكرانيا. ورداً على سؤال بشأن استخدام موسكو هذه الطائرات، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن لا معلومات لدى الكرملين بهذا الشأن.

وكخطوة مضادة للتفوق الروسي الحالي في المسيّرات، سواءً كانت إيرانية أم لا، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الحلف سيزود أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي في الأيام المقبلة لمساعدتها في الدفاع عن نفسها في مواجهة الطائرات المسيّرة، بما فيها تلك الإيرانية التي تستخدمها روسيا في استهداف البنية التحتية الحيوية.

وفي موقف آخر، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ خطوات «عملية وحازمة» لتجعل من الصعب على طهران بيع طائرات مسيّرة وصواريخ لموسكو، مضيفاً أن لدى واشنطن من الأدوات ما يمكّنها من محاسبة الروس والإيرانيين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد