روبي جرامر، أنوشا راثي، كريستينا لو
وافقت منظمة البلدان المصدرة للبترول وروسيا (أوبك+) على تخفيضات حادة في إنتاج النفط (الأربعاء)، متحديةً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي حذرت من التخفيضات التي قد تدفع أسعار الوقود العالمية للارتفاع، وتوفر شريان حياة لروسيا في ظل اقتصادها المنهك بسبب الحرب. في الاجتماع الذي عقد في فيينا، اتفقت مجموعة «أوبك +» التي تضم معظم مصدري النفط في العالم، على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو أكبر خفض في الإنتاج منذ تفشي جائحة كورونا مطلع 2020.
عملياً، من المتوقع أن يؤدي القرار إلى تخفيض مليون برميل يومياً من السوق، لأن معظم أعضاء أوبك، إضافة إلى روسيا، تعاني بالفعل من نقص في الإنتاج، حتى قرار الخفض لم يؤثر بشكل حاد على الأسعار التي ارتفعت يوم الأربعاء لكنها لم تثبت.
لا سياسات عقابية
قال ماثيو ريد، الخبير في صناعة النفط ونائب رئيس «فورين ريبورتس»، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن: «لقد وافقوا على تخفيض كبير لكي لا يضطروا الخوض في تفاصيل حصص التخفيض، هذا يعني أن أوبك ستضخ في الأسواق كميات أقل من المعلن عنها». بناء عليه فإن تخفيض الإنتاج ليس ناتجاً عن سياسات عقابية كما يراها البيت الأبيض، بل استباق لشبح الركود العالمي الذي يلوح في الأفق والمتوقع أن يؤثر بقوة على الطلب العالمي للنفط.
الأسبوع الماضي، خفض بنك «غولدمان ساكس» توقعاته لأسعار النفط لعام 2023 من توقع سابق قدره 125 دولاراً للبرميل إلى 108 دولارات، بعد تباطؤ الطلب العالمي على النفط، والذي تفاقم بسبب تشديد البنوك المركزية لأسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، بالنسبة للبيت الأبيض وبايدن، الذي تودد إلى السعودية ودول الخليج الأخرى هذا العام لضمان وفرة إمدادات النفط، فإن هذا القرار يمثل ضربة له، فقد وقف اثنان من أهم شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب القوى النفطية الكبرى الأخرى، بما في ذلك روسيا، في قرار خفض إنتاج النفط. لعب العديد من كبار مسؤولي إدارة بايدن، بما في ذلك عاموس هوشستين، مبعوث الطاقة للرئيس جو بايدن، دوراً في الحملة الفاشلة للضغط على أعضاء «أوبك+» لتجنب التخفيضات، كما ذكرت شبكة «سي.إن.إن».
أثار الإعلان غضب المشرعين الأمريكيين، بمن فيهم حلفاء بايدن في الحزب الديمقراطي، الذين انتقدوا الرئيس لمواصلة توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية في الأشهر الأخيرة. وعلق السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على تويتر أن الهدف الأساسي من بيع الأسلحة لدول الخليج على الرغم من تنافر المصالح مع واشنطن في أكثر من ملف، هو أنه «عندما تأتي أزمة دولية، يمكن للخليج أن يختار أمريكا على روسيا والصين».
قال النائب رو خانا، وهو ديمقراطي تقدمي: «يجب على الرئيس بايدن أن يوضح أننا سنتوقف عن تزويد السعوديين بالأسلحة وقطع غيار الطائرات إذا وقفوا إلى جانب روسيا في هذه الأزمة من خلال إجراء تخفيضات جذرية في الإنتاج. إنهم يحتاجون إلينا أكثر بكثير مما نحتاجهم». في بيان مشترك من البيت الأبيض، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني برايان ديس، إن الرئيس «أصيب بخيبة أمل» من قرار «أوبك +» وسط أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، واصفاً القرار بإنه «قصير النظر».
وأضاف سوليفان وديس: «في الوقت الذي يكون فيه الحفاظ على إمدادات الطاقة العالمية أمراً بالغ الأهمية، سيكون لهذا القرار التأثير الأكثر سلبية على البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي تعاني بالفعل من ارتفاع أسعار الطاقة». اقترحت الإدارة أنها قد تتقبل تشريعات وقرارت قاسية جداً، تتم صياغتها كل عام تقريباً منذ عقود، والتي من شأنها أن تضع أوبك تحت رقابة مكافحة الاحتكار.
ضربة رمزية
بينما استفادت إدارة بايدن، سياسياً واقتصادياً، من انخفاض أسعار البنزين التي هبطت بعد ذروة الصيف، فإن منتجي أوبك قلقون بشأن أمرين: أولاً، انخفاض في الطلب وخطة من قبل مجموعة الدول السبع للحد من ارتفاع الأسعار. ثانياً، أسعار صادرات النفط الروسية. في المحصلة، لا تريد أوبك أن تترك نفسها تحت رحمة المستهلكين.
قالت خبيرة أمن الطاقة في معهد بروكينغز سامانثا جروس: «لدى إدارة بايدن ومنتجي أوبك آراء مختلفة حول ظروف السوق، ولكل منهم قلقه حول أمور مختلفة». وأضافت: «سيفعلون دائماً ما هو الأفضل لهم. لا يمكننا أن نتوقع منهم أن يقفوا ضد مصالحهم لخدمة مصالحنا».
وكان من بين كبار المسؤولين الذين حضروا اجتماع «أوبك +» في فيينا ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي. لعب نوفاك دوراً مهماً في الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية الروسية مع منتجي النفط الرئيسيين الآخرين، حتى في الوقت الذي شنت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون حملة لعزل روسيا، دبلوماسياً واقتصادياً، بعد غزوها أوكرانيا.
يوجه قرار «أوبك+» أيضاً ضربة رمزية لجهود الولايات المتحدة تجريد روسيا من عشرات المليارات من الدولارات من عائدات النفط (شريان حياة حاسم لاقتصاد روسيا المتعثر) بعد أن اتهم الغرب الكرملين بتوظيف إمداداته من الطاقة من أجل كسب النفوذ الجيوسياسي.
وقال ماثيو ريد، إنه إذا كانت ضربة رمزية للجهود الغربية ضد روسيا، فإن التأثير العملي لتخفيضات الإنتاج لموسكو قد يكون ضئيلًا. وأضاف: «إنهم يضفون الطابع الرسمي على البراميل التي فقدتها روسيا بالفعل على الورق بسبب العقوبات. علاوة على ذلك، فهم لا يفعلون الكثير لحماية حصة روسيا في السوق، حيث تقلصت قاعدة عملائها بشكل كبير هذا العام. من السخف تأطير هذا القرار على أنه خدمة سعودية لروسيا. هذا يتعلق بمصلحة كل دولة على حدة».
المصدر: فورين بوليسي