ماكس بوت
كتبت الأسبوع الماضي أن القوات الأوكرانية تمتلك العزيمة وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخسر الحرب التي اختلقها. بالتزامن، توجّهت الأنظار نحو هجوم القوات الأوكرانية في الجنوب تجاه خيرسون، والذي كان حتى ذلك الوقت يحقق تقدّماً تدريجياً. لكن في الأسبوع الماضي، شنّت أوكرانيا هجوماً مفاجئاً في مقاطعة خاركيف محققّة تقدّماً في شمال شرق البلاد.
تمتلأ شبكة الإنترنت بصور المدنيين الأوكرانيين الذين تم تحريرهم من الاحتلال الروسي. بشكلٍ عام، تؤكد القوات الأوكرانية أنها حررت أكثر من 1000 ميل مربع من الأراضي (نحو 2500 كيلومتر مربع)، أي أكثر من مساحة مدينتي لوس أنجلوس ونيويورك الأميركيتين مجتمعتين، وأن الهجوم لم ينته بعد. كان من المهم بشكل خاص تحرير السكك الحديدية الرئيسية والنقاط اللوجستية مثل مدينة إيزيوم الأوكرانية التي تم استخدامها لدعم العمليات الروسية في منطقة دونباس الشرقية.
يعد هذا أكبر انتصار أوكراني منذ الدفاع الناجح عن كييف في الأيام الأولى للصراع. لقد تغيّرت خطط بوتين بشأن الحرب التي كان من المفترض أن تستغرق ثلاثة أيام فقط، بعد ما يقارب سبعة شهور قاسية . كيف نجحت أوكرانيا في التفوق على جارتها الكبرى؟ هناك أربعة عوامل تشرح ذلك:
أولاً، كانت المساعدات الغربية مهمة جداً، إذ شكّل قرار الرئيس ]الأميركي جو[ بايدن في يونيو/حزيران تزويد أوكرانيا بأنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS) نقطة تحوّل. استهدفت الصواريخ بعيدة المدى مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة الروسية. سمح القرار الأميركي الأخير بإرسال صواريخ عالية السرعة مضادة للإشعاع (HARM) بضرب رادارات الدفاع الجوي الروسية، ما منح المقاتلات والمسيّرات الأوكرانية هامشاً أكبر لدعم أي هجوم بري. وفي الوقت نفسه، سمحت الأنظمة المضادة للطائرات مثل Gepard ألمانية الصنع للقوات الأوكرانية بتعميق مأزق الطائرات الروسية، بالتزامن مع تزويد واشنطن الأوكرانيين معلومات استخباراتية مهمة.
ومن الجدير ذكره، أن القوّات الأفغانية تلقّت أيضاً أطناناً من المعدات العسكرية الغربية، لكنها انهارت أمام حركة طالبان. السبب الرئيسي لهذا الانهيار هو قتالهم من أجل نظام فاسد وغير شعبي.
ثانياً، الفارق الرئيسي في أوكرانيا والعامل الذي يفسّر نجاحها الاستثنائي، هو وحدة الشعب الأوكراني وراء حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. قراره البقاء في كييف في الأيام الأولى للحرب، مع وجود خطر كبير على حياته، حجز له مكاناً بين القادة العظماء في زمن الحروب. لكن الأمر يتجاوز موضوع زيلينسكي. فالأوكرانيون يقاتلون للدفاع عن ديمقراطيتهم وحقهم في تقرير المصير.
حاول بوتين، جزار بوتشا، كسر إرادة أوكرانيا بهجمات بربرية على المدنيين. ولكن تماماً كما حدث مع قصف لندن من قبل ]الزعيم النازي أدولف[ هتلر، أدت تكتيكاته إلى نتائج عكسية بتوحيد ضحاياه ضده، لتتحوّل المجازر التي ترتكبها القوات الروسية في كل مكان إلى دافع إضافي بالنسبة إلى الأوكرانيين لمواصلة القتال.
العامل الثالث الذي يفسّر نجاح أوكرانيا هو براعة ومهارة وروح القتال العالية لقوّاتها المسلّحة، والتي تمت إعادة تجهيزها منذ عام 2014 لتصبح شبيهة بنظيراتها في الغرب. إذ يمكن للقادة في المستويات الأدنى اتخاذ قراراتٍ مستقلة على عكس مركزية السلطة في التراتبية العسكرية الروسية. ما نفّذه الأوكرانيون من تحوّلات في جيشهم تمكّنهم من دمج كمّيات هائلة من الأسلحة غير المألوفة أثناء مشاركتهم في عمليات قتالية ثقيلة، يشبه إعادة تأهيل طائرة أثناء الطيران. تم عرض مهاراتهم التكتيكية بشكل متكرر الأسبوع الماضي من خلال الإعلان عن هجوم خيرسون. كانت خطتهم إجبار الروس على تحريك قوّاتهم من الشرق إلى الجنوب، لينكشف الشرق أمام هجوم مفاجئ.
العامل الرابع والأخير الذي يفسر المسار غير المتوقع للحرب هو فساد وغباء نظام بوتين. لقد أهدر القادة الروس أفضليتهم الملموسة من خلال القيادة غير الكفؤة التي تفاقمت بسبب الاستخبارات الفاشلة. في هجومهم على كييف، أظهر الروس عدم القدرة على القيام بعمليات هجومية سريعة، على غرار تلك التي ينفّذها الأوكرانيون الآن.
الشيء الوحيد الذي يجيده الروس هو التركيز على القصف المدفعي لتدمير كل شيء في طريقهم. لكن صواريخ HIMARS حيّدت ميزة المدفعية الروسية من خلال قطع إمداد القذائف، ما كشف وحشية وعيوب الغزاة. لقد تصيّد الأوكرانيون الروس الأسبوع الماضي على حين غرة إذ لم يتوقعوا هجوم خاركيف. سيكون من الصعب على الروس التعافي لأن قواتهم صغيرة جداً ومنتشرة على مساحة أكبر من طاقتها، وسط تكبّدها خسائر فادحة على مدى الشهور الماضية.
بالطبع، كان من المفترض أن تؤدي الحرب إلى نصرٍ روسي سريع. وعندما لم يحدث ذلك، فإنها انتقلت إلى طريق مسدود. لكن كما كتبت في 29 يونيو/حزيران: “على الرغم من أن الحرب في الشرق تبدو في طريق مسدود، لكن يمكن أن ينكسر الجمود العسكري بسرعة صادمة”. لقد حدث هذا الآن. ومن دواعي سروري أن نشاهد الأوكرانيين يتقدمون.
لكن لا ينبغي لنا أن نفترض أن أوكرانيا ستتقدم بسرعة لتحقيق النصر من دون مقاومة. يمكن أن تنهار القوات الروسية، لكن القوات الأوكرانية قد تصبح عاجزة عن تحمّل تبعات أكبر من طاقتها أو قد يأمر بوتين أخيراً بتعبئة كاملة، أو حتى استخدام أسلحة نووية تكتيكية. فالحرب شيء لا يمكن التنبؤ بطبيعته.
المصدر:واشنطن بوست