طارق حمو
يتناول قادة ومسؤولو حزب العمال الكردستاني في كل حديث يدلون به، موقف حلف شمال الأطلسي (الناتو) المعادي للقضية الكردية في تركيا، ودعمه لكل أوجه السياسات التركية العنصرية التي تستهدف هوية ووجود الكرد. وكذلك دعم الحلف للعمليات العسكرية للجيش التركي، بدون قيد أو شرط، أو حتى إبداء موقف معترض يتحفظ، في حيثية هنا وأخرى هناك، على العنف المفرط، وينادي بالتسوية والحل السياسي لإنهاء الصراع والمواجهات.
ولا يمكن التحجج بالظرف الدولي الحالي، حيث التشدد حيال روسيا التي تشن حرباً في أوكرانيا، والحاجة الاستراتيجية ـ مرّة أخرى، ومجدداً ـ إلى تركيا ومكانتها وموقعها ودورها، إذ أن موقف (الناتو) قديم وثابت في دعم الدولة التركية، وتلبية كل مطالبها في قمع الحراك الكردي المسلح، بأي طريقة وشكل تختاره.
وظهر في “الأزمة” الأخيرة المتعلقة بانضمام كل من السويد وفنلندا إلى (الناتو)، بأن الحلف لا يكف عن محاباة أنقرة وتركها وهي تمارس سياسة الابتزاز واللعب بالأوراق والتوازنات، لا سيما وأنه يعلم بأن “التنازلات” المقدمة لتركيا ستصب في خانة تقوية الاتجاه المراهن علن الحرب وتوسيع كل مداراتها، وتوطيد النزاع الداخلي مع الكرد، والخارجي مع دول الجوار، ضمن مخيال امبراطوري عصبوي هو هنا: العثمانية الجديدة المطعمة بمنهاج (جمعية الاتحاد والترقي)، أي ذهنية الابادات والتطهير العرقي!.
ولا يبدو (الناتو) غافلاً عن مجريات الحرب التركية في كل من سوريا أو اقليم كردستان العراق، حيث يقوم الجيش التركي بشن عملية عسكرية كبيرة منذ منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي، مستخدماً أكثر الأسلحة تطوراً في ترسانة (الناتو): من طائرات مسيّرة وغازات كيمياوية وقنابل فسفورية، وقذائف النابالم، فضلاً عن حرق الغابات والمحاصيل، ضمن سياسة الأرض المحروقة، التي تعتمدها الدولة التركية ضد المقاومة الكردية منذ عشرات السنين. من الواضح بأن صمت (الناتو) على جرائم الدولة التركية ضد الانسان والبيئة، يقوّي من عضد المراهنين على الحرب وعلى حملات إبادة الشعب الكردي وارتكاب المجازر بحقه، والرافضين لكل مشاريع الحل السياسي والتسوية. وطالّ صمت (الناتو) مؤخرا جريمة قصف الجيش التركي لمنتجع سياحي في دهوك في اقليم كردستان العراق، الأمر الذي أسفر عن مقتل 9 سياح عراقيين عرب، وجرح عشرات آخرين. من الواضح أن تركيا اعتادت أن ترتكب المجازر بحق المدنيين في القرى والحقول والمنتجعات دون اقامة أي حساب لردود الفعل الدولية، ناهيك طبعا عن التجاسر الواضح على كل من حكومتي سوريا والعراق.
والحال أن الدولة التركية، وفي حربها ضد الشعب الكردي وكل مظاهر وجوده داخل وخارج تركيا، وفي تنفيذها لاستراتيجية التوسع والهيمنة ضمن الاطار المتخيل “الميثاق الملي” وذهنية “الاتحاد والترقي/ التطهير العرقي والديني”، إنما تستفيد وتستند إلى ترسانة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتمضي هكذا، وهي مطمئنة ومرتاحة البال، متأكدة من مواصلة الحلف تقديم الدعم الكامل لآلة حربها، واستمرار الصمت التام على جرائمها من قبل أقوى تكتل عسكري كوني. ومن هنا تمضي حكومة تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية العنصرية في شن المزيد من حملات الحرب والابادة والتشريد، ودعم وتأهيل جماعات الإرهاب الإسلامي ورعايتها، بغية تنفيذ مشروع الهيمنة والتوسع المتخيل، وكذلك ضمان الاحكام على مقاليد السلطة والثروة داخلياً، والحيلولة دون السقوط والمثول أمام محاكم المنافسين: حيث فتح ملفات الفساد والنهب العائلي، ودعم الإرهاب، وسفك دماء المدنيين الابرياء.
وفي هذه الأيام، وبعد المقايضات التي حدثت في ملف انضمام كل من السويد وفنلندا إلى (الناتو)، تستعد حكومة تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية لتلقي المزيد من الدعم العسكري، حيث وصول شحنات أسلحة دقيقة ومتطورة، وتحسينات تكنولوجية لآلة الحرب التركية، وعليه فستكون هناك فعالية أكثر في عمليات القتل والتخريب. ولعل موافقة الرئيس الأميركي على منح تركيا طائرات اف 16 للجيش التركي بعد موافقة الكونغرس، تأتي ضمن سياسة الامتيازات والتفضيل والبذخ التي تحظى بها تركيا ضمن (الناتو)، بشرط تمسكها بالمواقف الاستراتيجية الغربية والتمترس في الجانب الأميركي مقابل روسيا والصين وإيران. وهذا جزء من سياسة التخادم القديمة التي تفهمها أنقرة، حيث الاستفادة من الازمات والنزاعات الدولية، واستغلال المكانة الجيوستراتيجية للبلاد في تحقيق المكاسب وضمان الصمت على كل التجاوزات والجرائم في الملف الكردي، وملف حقوق الانسان، وملف دعم الإرهاب الإسلامي، وملف التخريب في دول الجوار.
لم يقم (الناتو) أي وزن لمحاربة القوى الكردية لتنظيم “داعش” الإرهابي وتقديمها آلاف الشهداء، وإلحاق الهزيمة به، وبالتالي انقاذ حياة الملايين، ومنع تحول المنطقة والعالم لبؤرة ارهاب وقتل، ونقطة لاستقطاب الجهاديين حول العالم. كان موقف (الناتو) سلبياً من التضحيات الكردية ( هنا: حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب). لم يقم (الناتو) أي اعتبار لمحاربة الكرد للإرهاب الإسلامي، وحماية الاقليات، وتوطيد قيم المساواة بين الجنسين، ونبذ العنصرية القومية والطائفية.
سياسة حف شمال الأطلسي (الناتو) معادية للكرد في تركيا وسوريا، ولا تقيم أي وزن لحقوق الانسان، ولا إلى الجوانب الانسانية، ولا لمرجعات القانون الدولي، وحقوق الاقليات، بل هي سياسة تتماهى مع استراتيجية الحرب التركية، ومع حملات التصفية والابادة، حتى وتحالف العدالة والتنمية والجبهة القومية يواصل، ويصر، على الاستثمار في تنظيم “داعش” لقتل الكرد، وتخريب مناطقهم. ولا يخفى عن (الناتو) استخدام الدولة التركية لتقنية الحلف واسلحته المتقدمة، وبرامج التجسس والمتابعة في تصفية القيادات والرموز الكردية العسكرية التي قادت الحرب ضد “داعش”، وكان لها الجهد الكبير في النيل منه وتدمير معاقله، وتخليص مئات الآلاف من المدنيين من شروره وظلامه. هؤلاء هدف لتركيا، فهي تقتلهم بأسلحة (الناتو) انتقاماً ل”داعش”.
الكرد لا يعادون (الناتو). حزب العمال الكردستاني الذي ينادي بالسلام مع تركيا، وبالحوار والحل السياسي، لا يعادي (الناتو). قوات سوريا الديمقراطية لا تعادي (الناتو)، بل تطالب حكومات الدول الممثلة فيه، بالتدخل والضغط لردع الدولة التركية عن الهجوم على مناطق روج آفا، ودفعها للكف عن تسليح الإرهابيين واحياء وتأهيل خلايا “داعش”، وتبدي استعدادها للحوار وفق مبدأ حسن الجوار. حلف (الناتو) وجد ويجد نفسه في صف كل الحكومات التركية المراهنة على الحرب والحسم العسكري، وهو يواصل دعمها بكل ما تطلبه من اسلحة وتقنية حرب وتدمير. أما من يطالب بالحل والتفاوض والتسوية فهو ليس محط اهتمام من (الناتو). فهذا الحلف هو فقط ذراع عسكري حربي قائم على تدوير الصراعات، والنفخ في نيران المواجهات المشتعلة، وتوزيع منتجات شركات الأسلحة الكونية على أسواق الحروب. وسوق تركيا كانت مزدهرة، وهي الآن مزدهرة أيضا، ويٌراد لها أن تكون أكثر ازدهاراً في ظل دوام “التواطؤ” الغربي، و”التفويض” المفتوح لحكومة تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية: تحالف دعم الإرهاب ونشر الفوضى والتخريب في المنطقة…