على خلفية الاتفاق الذي جمع بين تركيا والسويد وفنلندا بشأن انضمام الأخيرتين إلى الناتو، والذي تضمن شروطاً من أجل التعاون الكامل مع تركيا في تلبية مطالبها لمكافحة نشاط “حزب العمال الكردستاني” في كلتا الدولتين، فإن الكاتبة الهولندية، فريدريكا خير دينك، تسلط الضوء من خلال هذا النص عن قصة اللاجئ السياسي الكردي زنار بوزكورت، وهو عضو في حزب الشعوب الديمقراطي، ويعيش حالياً في السويد. تحاول الكاتبة من خلال قصة زنار، إظهار مدى التناقض الجذري بين العدالة الأوروبية وأجهزة الأمن والاستخبارات والحسابات السياسية النفعية حيال القضية الكردية، ودوماً تكون كفة القوة مرجحة على العدالة الأوروبية المفترضة. فيما يلي نص الرسالة التي كُتبت للمركز الكردي للدراسات:
عزيزي زنار..
كيف حالك عزيزي؟ هل نمت أيضاً الليلة الماضية على سرير آخر في منزل الأصدقاء الذين يوفرون لك مكاناً مؤقتاً للاختباء؟ كم من الوقت ستستغرق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للبت فيما ما إذا كان يمكن للسويد أن ترحلك على متن طائرة نحو تركيا؟ أتمنى أن تقف العدالة إلى جانبك.
لا أتابع وسائل الإعلام السويدية كثيراً، ولكن الآن مع نشوب الخلاف بين تركيا والسويد (وفنلندا بدرجة أقل) وحلف الناتو، اطلعت على جانب من وجهات النظر الإعلامية، و أنشر هذه الرؤى على حسابي في “تويتر”. هناك نظرة مؤلمة عن واقع الكرد في السويد، وأوروبا عموماً. هكذا تعرفت على قضية زنار بوزكورت.
لقد قصدتَ السويد كلاجئ عام 2014، وقبل نصف عام، تم اتخاذ قرار ترحيلك إلى تركيا. وحسب رواية المخابرات السويدية (سابو) فإنك تمثل تهديداً أمنياً للسويد، بينما تدعي سلطات الهجرة في السويد أنه لا يوجد خطر على تعرضك لعملية تعذيب في تركيا، و بنفي التعذيب فإن هذا التقييم يمهد لتسليمك إلى تركيا.
إنها حالة غريبة، كما يتعجب الصحفي راسموس كانباك، وذلك في مقال كتبه حول قصتك، فحسب راسموس نحن أمام حالة مليئة بالتناقضات، ومشبعة بالأحكام بالسياسة، وفي نهاية المطاف، ستكون حياتك على المحك.
تزعم تركيا أنك عضو في حزب العمال الكردستاني، ربما يبدو هذا الأمر طبيعياً، نظراً لأن قانون الإرهاب في تركيا هو قانون فضفاض ويحمل عبارات واسعة المعاني، حيث يسهل تأويله كيفما اتفق. وعلى هذا النحو، فإن أي شخص يعبر عن نفسه على أنه كردي أو يطالب بأي حقوق على أساس هويته الكردية يمكن مقاضاته وسجنه بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية”. في الحقيقة، أنت عضو في حزب الشعوب الديمقراطي، وهو حزب سياسي وقانوني، وتشارك في تجمعاتهم وأنشطتهم الثقافية للاحتفال بالثقافة الكردية، فالقضية الأساسية تكمن في تركيا، وليست في السويد. وبالتالي، وفقاً للاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين، لا يجوز تسليمك إلى السلطات التركية.
ومع ذلك، تزعم الاستخبارات السرية السويدية (سابو) أنك تشكل تهديداً للأمن السويدي، لذلك لا يُسمح لك بالبقاء. يتعجب راسموس من خلال مقالته من هذه المزاعم الغريبة، ويشدد على موقفه أن حزب العمال الكردستاني لا يمثل تهديداً لأوروبا بأي شكل من الأشكال. إذن فما هي القصة؟
قد تكون القصة أنك بحد ذاتك لا تشكل قصة ما. ففي وسائل الإعلام الغربية، أقصد المؤسسات الإعلامية الكبيرة في أوروبا- ومن ضمنها السويدية طبعاً- فهي ليست معتادة أن تنظر إلى الكرد بأنهم ضحية جميع أنواع الألعاب السياسية بين أوروبا وحلف الناتو وتركيا. بالتأكيد، يواجه الأشخاص الآخرون من خارج الاتحاد الأوروبي أيضاً آثار التمييز الأوروبي، ولكن بالنسبة للكرد، فإن الوضع مختلف، لأن العديد من الكرد يهربون من الدولة التي يرغب الاتحاد الأوروبي أن يعقد معها علاقة صداقة جيدة.
في هذه الديناميكية السياسية، عادة ما قد يتسبب ذلك في الكثير من الضجة الإعلامية، إذا ما تم احتجاز أشخاص مثل الناشر المعروف راغب زاراكولو، المدرج على قائمة الأشخاص الذين تطالب تركيا من السويد تسليمهم إلى أردوغان. بيد أنّ أردوغان يحتاج إلى أن يشعر بالرضا، وعليه، ماذا لو سلمت السويد وبدافع إظهار حسن النية، عدداً من الكرد للدولة التركية، طالما أن مصيرهم حسب رؤية السويد لن يسبب الكثير من الضجة، أو ربما لن تحدث ضجة على الإطلاق؟ فهم “إرهابيون” ويمكن أن يستخدمهم أردوغان لمواصلة أهدافه من أجل الاستثمار في رصيده السياسي المحلي؟
هذا ما أخاف منه. أنت تعلم أن الناس هنا في هولندا، حيث أعيش، فوجئوا عندما أخبرتهم أن السويد قد سلمت بالفعل في السنوات الأخيرة، العديد من الكرد إلى تركيا؟ على مدى سنوات، كان جزء كبير من المواطنين الأوروبيين واللاجئين هنا يعتقدون أن السويد تعتبر بمثابة جنة أوروبية للكرد، حيث هم بعيدون تماماً عن فاشية أردوغان.
فعلياً، فقط المعايير الأساسية لحقوق الإنسان التي تم ضمانها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان هي التي تحميهم، لا أكثر من ذلك. ولسخرية القدر، هذه الاتفاقية صالحة أيضاً في تركيا. لست مضطراً لإخبارك بذلك، إنني متأكدة أن هذه السخرية لا تنطلي عليك.
أتمنى من كل قلبي أن تفلح المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حمايتك. إنهم يعرفون تركيا جيداً، ونأمل ألا ينجرفوا مع الألعاب السياسية التي يتورط فيها حلف الناتو وتركيا، وبالتالي يكون بإمكانك الحصول على تصريح إقامتك في السويد، ومواصلة حياتك وبناء مستقبل آمن. بعد الآن، ينبغي عدم الانتقال كل بضعة أيام من مكان إلى آخر كي تبقى بعيداً عن أيدي سلطات الهجرة. لا أستطيع أن أتخيل كيف سيكون الأمر بالنسبة لك وأمثالك، وخاصة عندما تكون في مثل هذا الموقف غير الآمن وبشكل لا يصدق.
اتمنى أن تصونك العدالة.