بدافع الغزو الروسي لأوكرانيا، تقدّمت فنلندا والسويد الشهر الماضي بطلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، حيث توقعا انضماماً سريعاً وسلساً إلى الحلف، لكنهم وجدوا أنفسهم في مأزق، بعد أن سد الرئيس التركي الطريق أمامهم.
مع بدء القمة السنوية لحلف الناتو في 29 من حزيران (يونيو) في مدريد، فإن توقعاتهما بشأن الانضمام السريع تتلاشى بسرعة، بعد أن تراجع أردوغان عن وعوده السابقة بعدم وضع عقبات في طريقهما. يقول المتحدث الرئيسي للسياسة الخارجية لأردوغان إبراهيم كالين، إنه لا يوجد جدول زمني لقبول السويد وفنلندا، متحدّثاً عن تأخير يمكن أن يستغرق لمدة عام.
تشعر فنلندا بالإحباط بشكل خاص، إذ تضع في اعتبارها حدود 830 ميلاً مع روسيا. بعد الغزو في 24 شباط (فبراير)، تحرّكت فنلندا بسرعة لإعداد طلبها، ووفقاً لوزير الخارجية بيكا هافيستو، راجع الدبلوماسيون الفنلنديون جميع أعضاء الناتو الثلاثين مسبقاً وحصلوا على ضوء أخضر سريع منهم جميعاً. وشمل ذلك تأكيداً من أردوغان نفسه.
قال رئيس فنلندا سولي نينيستو، كان الناتو واثقاً جدّاً من أن الدعوة الموجهة إلى كلا البلدين ستسير بسلاسة لدرجة أنه صمم سلسلة من الأحداث حول التصويت على قبول الطلبات في أيار (مايو)، والذي كان على الحلف إلغاؤه عندما اعترضت تركيا على الانضمام فجأة.
قدّم أردوغان مطالب عديدة، ترّكز معظمها على القضايا القومية ذات التأثير المحلّي، مثل مزاعم بشأن الحركة الكردية وما تطلق عليها الحكومة التركية مسألة” الإرهاب”، وتسليم بعض أتباع زعيم المعارضة المنفي فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان في عام 2016.
تريد تركيا من كل من فنلندا والسويد تشديد قوانين ضد الكرد في المنفى من أجل تسليم أشخاص معينين، بمن فيهم عدد من الصحفيين الكرد، وإلغاء حظر غير رسمي على مبيعات الأسلحة إلى تركيا جراء التدخل العسكري لأنقرة في شمال سوريا عام 2019.
أشار وزير الخارجية هافيستو إلى إن الفنلنديين محبطون للغاية لكن الحكومة في الوقت ذاته تنصحهم بالصبر، قائلاً ” نشعر أن الضغط ليس فقط على فنلندا والسويد، ولكن أيضاً ضد بعض دول الناتو الأخرى بشأن هذه القضية. ويجب أن يكون لدى دول الناتو معايير مماثلة لجميع الدول، لأننا نصل إلى الموقف حيث تضع الدول الأعضاء المختلفة في الناتو معايير متباينة لمقدمي الطلبات، واعتقد أن ذلك سينتهي به الأمر في حالة من الفوضى”.
يوم الاثنين، كان هناك أول اجتماع منذ عدة أسابيع لمسؤولين سويديين وفنلنديين وأتراك تحت رعاية الناتو، لكن النتائج كانت محدودة. قال المتحدث التركي كالين بعد ذلك “نحن لا نرى أنفسنا مقيدين بأي جدول زمني. سرعة ونطاق هذه العملية تعتمد على طريقة هذه الدول وسرعة تلبية توقعاتنا”.
معظم هذه المطالب تتعلق بالسويد وتعاطفها الطويل مع اللاجئين الكرد والرغبة الكردية في الإدارة الذاتية، والتي تعتبرها تركيا تهديداً لسيادتها، في حين اعتمد الغرب بشدة على قوات سوريا الديمقراطية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد تخلّى القادة الكرد الأتراك منذ فترة طويلة عن الحديث عن الاستقلال للتركيز على الإدارة الذاتية والعمل من أجل حقوق الكرد في تركيا.
يواجه أردوغان انتخابات في حزيران (يونيو) المقبل، في وقت تتراجع فيه شعبيته بالتزامن مع تراجع الاقتصاد التركي. القضية الكردية قضية مهمة في تركيا وهو يلعب على المشاعر القومية الآن، بينما يقوم بقمع المعارضة السياسية والصحافة المستقلة.
في مقابلة مع التلفزيون السويدي، أوضحت المسؤولة السابقة في الناتو ، ستيفاني بابست، إن أجندة أردوغان الحقيقية هي أجندة محلية. قائلة “هذه رسالة في المقام الأول تجاه قاعدته الانتخابية في الداخل. أمامه انتخابات، والوضع الاقتصادي في تركيا خطير للغاية، لذا فهو يريد أن يظهر قيادته، وأنه قائد مسموع، ويؤسفني أن أقول إنه يستخدم السويد وفنلندا من أجل إيصال رسائله الاستراتيجية”.
كان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، حريصاً على القول علناً إن لكل عضو في الناتو الحق في التعبير عن مخاوفه، وأن المخاوف التركية “مشروعة” ويجب الاستماع إليها والرد عليها، وأنه واثق من أن فنلندا والسويد ستصبحا أعضاء، حتى لو لم يكن ذلك من خلال قمة مدريد.
بيد أنّ هافيستو الذي كان يدعو إلى الصبر والاستعداد لتهدئة مخاوف تركيا، أشار أيضاً إلى أن أردوغان يزعج حلفائه في وقت الحرب، حيث أمن أوروبا على المحك.
ولفت: “يجب أن أقول إن الضغط يتصاعد بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين، أو الدول الأعضاء الأخرى في الناتو، وأنهم يرغبون في رؤية هذه العملية تسير بسلاسة أو بسرعة. التكهّنات بأنه قد يكون هناك تأخير لمدة عام واحد بعد الانتخابات التركية وغيرها سيكون بمثابة خيبة أمل كبيرة للعديد من دول الناتو أيضاً، ناهيك عن فنلندا والسويد”.
وبدوره، قال تشارلي سالونيوس باسترناك من المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، إن هناك إحباطاً شعبياً بين الفنلنديين، لكنه موجه إلى قادتهم أقل مما يستهدف تركيا. مشيراً “هناك شعور بأن هذا كان من المفترض أن يكون سهلاً، وبالتالي هناك إحباط، وهذا واضح بالتأكيد. الناس يفهمون أن تركيا لعبت لعبة مزدوجة”.
هناك أيضاً استياء في السويد، حيث كانت حكومة أقلية ديمقراطية اجتماعية بطيئة في اتباع نهج فنلندا وتخشى الإساءة إلى مؤيديها قبل الانتخابات في أيلول (سبتمبر) من خلال الرضوخ للمطالب التركية. لأعضاء الحزب تاريخ طويل في دعم الحركات السياسية غير المنحازة والمستضعفين، ويعتبر كثيرون أردوغان مستبداً يسحق الحقوق الديمقراطية.
قال سالونيوس باسترناك: “كان هناك توقّع في فنلندا بأن السويد يمكن أن تنحي جانباً القضايا السياسية الحزبية والانتخابات المقبلة للأمن القومي، لكن من الواضح تماماً أن السياسات الحزبية هي السائدة”.
وأوضح أن البعض في فنلندا يخشون من أن يؤدي العمل “جنبًا إلى جنب” مع السويد إلى نتائج عكسية، لكن نينيستو والسيد هافيستو يرفضان هذا الرأي، مستشهدين بالتحالف الأمني الطويل بين البلدين وأهميته لتعزيز أمن الناتو في الشمال وبحر البلطيق.
كما يشير السيد هافيستو إلى أن الديمقراطيين الاجتماعيين في السويد قد صعدوا في استطلاعات الرأي منذ قرار الانضمام إلى فنلندا والتقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو.
تدعم الولايات المتحدة علناً عضوية السويد وفنلندا، وكان وزير الخارجية الفنلدي على اتصال منتظم بنظيره الأميركي والمسؤولين في البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ الرئيسيين. وكان الكونجرس أيضاً داعماً، حيث كان مجلس الشيوخ يستعد بالفعل لجلسات الاستماع للتصويت النهائي بمجرد حل المشاكل مع تركيا. يتعين على المجالس التشريعية لجميع دول الناتو المصادقة على تعديلات المعاهدة التأسيسية لقبول أعضاء جدد، وهي عملية قد تستغرق ما يصل إلى عام.
لكن هافيستو أوضح أن فنلندا والسويد تلقيا تأكيدات قوية بأن دول الناتو الفردية ستقدم مساعدتها في غضون ذلك إذا لزم الأمر، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. قائلاً: “لذلك نشعر بالأمان. حتى في هذه اللحظة لا يوجد خطر وشيك على أمننا. في وقت الانتظار هذا، أوصى الأصدقاء بقراءة رواية تولستوي (الحرب والسلام). لقد بدأت ذلك وآمل أنه عندما انتها، ستكون فنلندا والسويد عضوين في الناتو”.
المصدر: نيويورك تايمز
ترجمة: المركز الكردي للدراسات