هل يمكن للتعيينات العسكرية الجديدة أن تساعد الأسد في إعادة بناء نظامه؟

ارون لاند

شكّل الجيش العمود الفقري للحكومة السورية في معظم مراحل البلاد التاريخية. أدّت الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011 إلى زيادة أهمية القوات المسلحة، على الرغم تدهورها بنيوياً. مع تراجع حدة العمليات الحربية في السنوات الأخيرة، سارع الرئيس بشار الأسد لإعادة تنظيم أجهزته الأمنية التي مزقتها الحرب، وإحكام قبضته على الميليشيات غير النظامية وترقية جيل جديد من الضباط إلى الرتب العليا.

يتموضع الأسد في أعلى هرم التسلسل العسكري، فهو يشغل المناصب المدمجة للرئيس، كما أنه الضابط السوري الأعلى رتبة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن في الشهر الماضي، اختار الأسد ضابطين مغمورين لشغل المنصبين الرمزيين الثاني والثالث.

في 28 من نيسان (أبريل)، أصدر الأسد مرسوماً بتعيين اللواء علي محمود عباس في المكتب المشترك لوزير الدفاع ونائب القائد الأعلى، خلفاً للواء علي عبد الله أيوب، الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2018. بعد يومين، رفّع الأسد أيضاً رتبة عباس إلى رتبة سلفه، وقام بتعيين آخر مهم أيضاً حيث تم تنصيب اللواء عبد الكريم إبراهيم كرئيس للأركان العامة، وهو المنصب الذي ظل شاغراً بشكل غريب لمدة أربع سنوات.

تكاد تكون النخبة العسكرية السورية غامضة بشكل لا يمكن اختراقها، ولكن لا يزال من الممكن استخلاص بعض المعلومات من هذه التعيينات. منذ سبعينيات القرن الماضي، قام نظام الأسد- في البداية تحت حكم حافظ الأسد ثم في عهد نجله بشار- بتشكيل كبار الضباط في الجيش وفقًا لنمط معين، وتحقيق التوازن بين الطوائف الدينية في المناصب العليا بدوافع سياسية. يبدو أن هذا يفسّر سبب اختيار عباس دون العديد من كبار الضباط الآخرين. وعلى الرغم من أن رئيس الأركان لم يكن أبداً محورياً بالنسبة للجيش السوري على عكس القوات المسلحة للدول الأخرى، إلا أن تعليقه لمدة أربع سنوات كان غير طبيعي بشكل واضح- ما يدل على مدى الضرر الذي لحق بنظام بشار بسبب الحرب الأهلية منذ أحد عشر عاماً. على العكس من ذلك، فإن إعادة تنشيط منصب رئيس الأركان الشهر الماضي قد يسهل الجهود المتجددة لإعادة تنظيم الجيش، حيث يعمل بشار على توحيد نظامه وتحقيق استقراره.

عصر حافظ

لم يكن نظام الأسد أبداً ديكتاتورية عسكرية بمعنى لم تحكم القوات المسلحة، كمؤسسة، البلاد بشكل مباشر. لكن حافظ الأسد، والد بشار، الذي حكم سوريا من عام 1970 حتى 2000، كان ضابطاً محترفاً في القوى الجوية شغل منصب وزير الدفاع قبل الاستيلاء على السلطة بانقلاب. أمضى حافظ، الذي كان مكيافيلياً داهياً وقابضاً للسلطة، جزءاً كبيراً من فترة حكمه، التي دامت ثلاثين عاماً في تثبيت النظام، وتحريض القادة الأمنيين ضد بعضهم البعض والتركيز على زيادة أعداد الضباط من أفراد عائلته وطائفته من الأقلية الدينية العلوية.

ينتمي معظم السوريين إلى العقيدة الإسلامية السنية، التي كان أتباعها يهيمنون تاريخياً على البلاد. حتّم التوتر الاجتماعي الناجم عن الطابع الأقلوي للنظام على حافظ تعيين شخصيات سنية في مناصب عليا أمام الشعب، كطريقة لإظهار التنوع، واسترضاء الجماهير المحافظة دينياً في سوريا، وتمكين رجال أقوياء موالين قادرين على جذب أتباع سنّة إلى مدار نظامه. بهذه الطريقة، ضمن حافظ أنه على الرغم من هيمنة العلويين في المراتب العليا، إلا أن نظامه احتفظ ببعض الاستثناءات العابرة للطوائف.

في المؤسسات المدنية، كان من السهل القيام بذلك. أسس حزب البعث التابع لحافظ شبكة واسعة في المجتمع، وتم توظيف مئات الآلاف من السوريين من جميع الأديان كموظّفين مدنيين في بيروقراطية الدولة المتضخّمة بشكل متزايد؛ بالإضافة إلى الحرص على اختيار السنة دائماً للمناصب العليا مثل رئيس الوزراء ووزير الخارجية ونائبيه في الحزب. لكن القوة الحقيقية بقيت كامنة في الجهاز الأمني ​​وفي سلك الضباط، حيث كان تمثيل السنة ضعيفاً.

حاول حافظ تعويض هذا التمثيل الضعيف عن طريق حجز بعض وظائف القيادة العليا بشكل غير معلن للضباط السنة، دون التقليل من التمثيل الأكبر للعلويين داخل “الدولة العميقة” في سوريا. على سبيل المثال، على الرغم من أن معظم الوظائف العسكرية العليا كانت من نصيب الضباط العلويين، إلا أن التوجه بقي لاختيار السنة في شغل مناصب أمنية مدنية، مثل رؤوساء إدارة المخابرات العامة، ورؤوساء الأمن السياسي، ومكتب الأمن القومي التابع لحزب البعث. لكن حجر الزاوية في استراتيجية الأسد كان مكاتب وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة للجيش – وهما وظيفتان أمنيتان مرموقتان وظاهرتان للشعب، وكلاهما كان يشغلهما مسلمون سنة مقرّبون من الرئيس.

طوال فترة حكم حافظ الأسد تقريباً، كانت وزارة الدفاع تحت سيطرة الفريق الأول مصطفى طلاس (1932-2017)، بينما شغل الفريق حكمت الشهابي (1931-2013) منصب رئيس الأركان. تم إحالة الشهابي إلى التقاعد في عام 1998، في خطوة من المرجح أنها جاءت تمهيداً لخلافة بشار للرئاسة بعد ذلك بعامين. ظل طلاس في مكانه لتسهيل الانتقال من الأب إلى الابن، ولم يترك منصبه إلا في عام 2004. واستمر العديد من أقارب طلاس في تبؤ المراتب العليا في النظام، إلى حين ابعاد معظمهم بعد انقطاع الروابط بين الأسد وطلاس في عام 2011.

من الناحية المؤسساتية، شغل طلاس والشهابي مناصب حاسمة في عمل القوات المسلحة السورية، لكن تأثيرهما العسكري والسياسي كان محدوداً على خلاف ما يوحي به ألقابهما. في المسائل الميدانية، تجاوز العديد من القادة العسكريين التسلسل الهرمي على الورق ليقدموا تقاريرهم مباشرة إلى الأسد. وكانت السياسة الداخلية للنظام تتعلق بالنفوذ الشخصي والقرب من الرئيس أكثر من ارتباطها بالمناصب الرسمية. على الرغم من أن طلاس كان شخصية عامة معروفة، ومثقل بالميداليات والألقاب، ويتمتع ببعض التأثير الحقيقي، إلا أن النظرة الغالبة عنه كانت اعتباره شخصية عامة في معظم حياته المهنية. بدا الشهابي وكأنه شخصية سياسية، يعمل في قضايا حساسة مثل لبنان ومحادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. لكنه، أيضاً، كان بحاجة إلى دعم الأسد الشخصي لممارسة السلطة داخل النخبة العسكرية التي يهيمن عليها الضباط العلويون والذين غالباً ما كانوا مرتبطين بالعائلة الحاكمة عبر قرابة الدم أو الزواج.

سلسلة خلافة منظمة؟

مع وصوله إلى السلطة في صيف عام 2000، حرص بشار الأسد على الحفاظ على الهيكل الأساسي للنظام الذي بناه والده، بما في ذلك الاختلال الطائفي العسكري والأمني​، ولكن كان وصول بشار يعني إزالة العديد من المقربين من حافظ المسنين، ونهاية عصر إقطاعيات المكاتب العليا مدى الحياة.

من دون إضفاء الطابع الرسمي على الأمر أو جعله قاعدة ثابتة، تحول الرئيس الجديد على ما يبدو نحو سياسة التعيينات العسكرية المحدودة زمنياً والقائمة على الأقدمية إلى حد ما، مما سمح بظهور مسار وظيفي موحد لمناصب الضباط الكبار في سوريا.

في عهد بشار الأسد، تم تعيين وزراء الدفاع السوريين بترفيعهم مباشرة من منصب رئيس الأركان العامة، ولم يبقوا في المنصب لأكثر من بضع سنوات. لشغل هذا المنصب، كان عليهم أولاً شغل منصب نائب رئيس الأركان لبضع سنوات، الأمر الذي سهله حقيقة وجود أكثر من نائب واحد من هذا القبيل في كثير من الأحيان. أنشأ هذا النظام تسلسلاً منطقياً من المرتبة الرابعة في التسلسل الهرمي الرسمي (نائب رئيس الأركان)، إلى المرتبة الثالثة (رئيس الأركان)، وأخيراً المرتبة الثانية (وزير الدفاع ونائب القائد الأعلى). من حيث الرتبة، كان نواب رؤساء الأركان من رتبة لواء أو عميد، في حين بقيت المناصب العليا برتبة فريق، وهي عملياً أعلى رتبة يمكن أن يصل إليها ضابط سوري. (توجد رتبتان أعلى، لكن أحدهما غير مستخدم منذ أيام طلاس، والآخر محجوز للرئيس).

سواء كان ذلك مخططاً له أو افتراضياً، فإن الممارسة الجديدة للتناوب شبه المنتظم على هذه المناصب العليا الرمزية تعني وصول شخصيات غير سنية أيضاً إليها في بعض الأحيان. وأصبح شغل هذه المناصب من غير السنة أكثر شيوعاً بعد ثورة 2011، عندما انشق العديد من الضباط السنة أو تم ابعاد بعضهم بسبب الاشتباه في عدم ولائهم، مما قلل من الضباط الكبار من غير الأقليات.

عندما ترك طلاس منصبه عام 2004، خلفه الفريق حسن تركماني، وهو مسلم سني من حلب كان يشغل آنذاك منصب رئيس الأركان. ترك تركماني منصبه في عام 2009، وتولى خليفته كرئيس للأركان العامة، العماد علي حبيب، منصب الوزارة. كان حبيب من المحاربين القدامى، وشخصية عسكرية قوية، وأول علوي في هذا المنصب. ترك منصبه بعد وقت قصير من بدء الانتفاضة المناهضة للنظام عام 2011، حيث أشارت وسائل الإعلام الحكومية إلى اعتلال صحته كسبب لذلك وخلفه العماد داود راجحة، وهو من المسيحيين الذين نادراً ما يصلون إلى الرتب العسكرية العليا. قُتل راجحة بعد عام في تفجير مهّد الطريق لوصول العماد فهد جاسم الفريج إلى منصب وزير الدفاع. فريج من عشيرة بدوية وسط سوريا، وأعاد تعيينه المنصب إلى السنّة بعد فاصل الحبيب والراجحة لمدة ثلاث سنوات. لكن تمت إزالة فريج في تعديل حكومي عام 2018، وسط همسات فساد أسوأ من المعتاد أو بعض الفوضى السياسية، ثم انتقلت الهراوة إلى علي عبد الله أيوب، وهو علوي آخر.

حدث ذلك عندما أصبحت الأمور غريبة بعض الشيء.

عندما وصل أيوب إلى وزارة الدفاع، لم يعين الأسد أبداً خليفة له كرئيس للأركان العامة. ما بدا في البداية وكأنه تأخير غير مهم لكنّه أصبح محيّراً في النهاية، كما أدى اضطرار أيوب، كوزير للدفاع، إلى تمثيل الجانب السوري في اجتماعات على مستوى رئيس الأركان الدولية، بسبب عدم وجود رئيس فعلي لهيئة الأركان العامة الاستغراب. خلال سنوات، واصل الأسد التعيينات، لكن لسبب غير مفهوم، لم يتخذ أي خطوة لملء المقعد الفارغ في أعلى هيئة الأركان العامة.

هذا العام، في 28 نيسان، عين الأسد علي محمود عباس، الذي كان نائباً لرئيس هيئة الأركان العامة، وزيراً جديداً للدفاع. يبدو أن التوقيت جاء بعد بلوغ أيوب السبعين من العمر في 28 نيسان، حيث تم إرساله إلى التقاعد. بعد يومين، عيّن الأسد أخيراً -وبدون تفسير- عبد الكريم إبراهيم رئيساً جديداً لهيئة الأركان العامة في سوريا، ليتم شغل هذا المنصب لأول مرة منذ أربع سنوات.

عباس وإبراهيم وحسن

ولد وزير الدفاع السوري الجديد علي محمود عباس عام 1964 في بلدة إفراح، وهي بلدة سنية صغيرة في منطقة وادي بردى غربي دمشق. يحمل اسمه طابعاً علوياً شيعياً، لكن جميع المعلومات المتاحة تشير إلى أنه من أصول سنية في الواقع.

تقول السيرة الذاتية لعباس حسب وزارة الدفاع إنه التحق بالأكاديمية العسكرية في حمص عام 1983 وتخرج بعد ذلك بعامين كقائد دبابات ثم تتخطى السيرة الذاتية معظم حياته المهنية، مع الإشارة إلى أنه حضر مجموعة مختلفة من الدورات والبرامج في باكستان، المملكة المتحدة، السويد، وهولندا بين عامي 1997 و 2006، مما يجعله على الأرجح أول وزير دفاع سوري تدرب في الغرب يخدم في عهد آل الأسد. الاسم غير مضمّن في قوائم العقوبات الأمريكية أو الأوروبية، كما هو الحال عادةً مع كبار الضباط ذوي النفوذ على الأرض. من المحتمل أن عباس، مثل العديد من كبار الضباط السنة، قد اقتصرت أدواره خارج ساحة المعركة، مثل التعليم العسكري، والبحث الأكاديمي، والخدمات اللوجستية، والإدارة. في الواقع، في عام 2017، ظهر عباس في إحدى الصحف الحكومية السورية كرئيس للمعهد العسكري للغات الأجنبية. من المرجح أن يكون هذا النوع من الوظائف المكتبية قد أكسب عباس الكثير من الاحترام داخل سلك الضباط المهتز خلال سنوات من الحرب الشرسة لمكافحة التمرد. (التقارير التي تزعم قيادة عباس اشتباكاً فاشلاً عام 2016 مع المتمردين في تل صوان في منطقة الغوطة، واصابته في تلك الاشتباطات، تبدو غير صحيحة وتشير إلى ضابط آخر بنفس الاسم).

على الرغم من هذه الوظيفة الباهتة، تمت ترقية عباس إلى رتبة لواء في عام 2018. وبعد ثلاث سنوات تم تعيينه نائباً لرئيس الأركان، مما جعله ينتقل الشهر الماضي إلى وزارة الدفاع وترقيته لاحقاً إلى رتبة عماد.

أثار ترقية عباس لمنصبه بهذه الرتبة المنخفضة نسبياً الدهشة بين مراقبي الجيش السوري. حسب محمد الفتيح، الباحث السوري في شؤون الشرق الأوسط “اختيار لواء ليكون وزيراً للدفاع أمر مثير للاهتمام لأنه ربما يكون هناك مائة ضابط في رتبته وكثيرين أقدم منه في الرتبة”.

لا يُعرف الكثير عن رئيس الأركان الجديد، عبد الكريم إبراهيم، الذي، لم يتم نشر سيرة ذاتية رسمية له. تزعم وسائل الإعلام والباحثون المؤيدون للمعارضة أنه من قرية أرزونة الواقعة غربي تل كلخ بالقرب من الحدود اللبنانية. إذا كان هذا صحيحاً، فهذا يعني أنه من المحتمل أن يكون علوياً. ندرة المعلومات حول ماضي إبراهيم يمكن أن تشير إلى خدمته في الأجهزة الأمنية السورية، والتي، بالمقارنة مع الجيش، شديدة التكتّم بشأن عملياتها. مثل عباس، لا يظهر اسم إبراهيم في قوائم العقوبات الأمريكية أو الأوروبية.

وفقًا لوسائل التواصل الاجتماعي الموالية للأسد، ومسؤول في حزب البعث، والعديد من الصحف الإلكترونية الصديقة للمعارضة، أجرى الأسد أيضاً تغييرات أخرى غير معلنة في هيكل القيادة، حيث قيل إنه عين اللواء مفيد حسن كنائب جديد لرئيس هيئة الأركان العامة. على عكس عباس وإبراهيم، من المعروف أن حسن، وهو علوي من منطقة عائلة الأسد، قد تولى عدة قيادات عسكرية وازنة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك كرئيس للفرقة الميكانيكية الخامسة في الفيلق الأول، الذي يغطي جنوب سوريا. يقول الفتيح إن حسن قد يكون في الواقع الأقوى بين الجنرالات الثلاثة.

توقّعات

الجهاز العسكري-الأمني ​​في سوريا سري بقدر ما هو معقد، لكن يبدو أن هناك شيئين واضحين.

أولاً، خلقت فوضى الحرب الأهلية السورية شرخاً في نظام الخلافة التقليدي خطوة بخطوة الذي أعتمده بشار الأسد في وقت مبكر من عهده، والذي أصبح واضحاً بمجرد مغادرة أيوب لهيئة الأركان العامة في عام 2018 أن الأسد، من خلال إعادة النظام لتسلسل المناصب العليا، قد يكون في سعي لوضع أسس العودة إلى ترتيب منتظم للترقية.

ثانياً، كان من شبه المؤكد أن تعيين عباس وزيراً جديداً للدفاع في سوريا مرتبط بخلفيته الدينية. سواء على المدى الطويل أو المؤقت، أعاد التعيين ممارسة عهد حافظ المتمثلة في تعيين مسلم سني على رأس وزارة الدفاع. لا توجد طريقة أخرى واضحة لتفسير ترقية عباس السريعة، خلافاً لزملائه العلويين السابقين بأقدميتهم وإنجازاتهم الكبيرة مقارنة مع سيرته الذاتية الهزيلة.

من المؤكد أن اختيار عباس ربما يكون متأثرًا أيضًا بعوامل أخرى، لأنه لم يكن الضابط السني الوحيد المتاح عندما بدأ صعوده قبل بضع سنوات. (على سبيل المثال، سبقه في منصب نائب رئيس الأركان اللواء موفق أسعد، وهو ضابط سنّي آخر من منطقة دمشق). أحد الاحتمالات هو أن لعباس روابط مع زمرة محددة من الضباط والرجال الأقوياء، وأن تعيينه كان مرتبطا بتوازن إقليمي ومجموعاتي داخل النظام. وإذا كان هذا الاحتمال صحيحاً، فمن غير المرجح أن تظهر هذه التفاصيل في الرأي العام مطلقاً.

هناك أيضا قضية التأثير الخارجي. تميل مصادر المعارضة الغربية والعربية والسورية إلى المبالغة في مدى النفوذ الروسي والإيراني على نظام الأسد، بهدف الاستخفاف بالزعيم السوري باعتباره لعبة في أيدي سادة الدمى الأجانب. هناك القليل من الأدلة الموثوقة التي تدعم هذا الرأي. على الرغم من أن الأسد يعتمد بشكل كبير على حلفائه الأجانب ويسعى إلى إرضائهم من خلال تصريحات السياسة الخارجية المتعاطفة والتنازلات الاقتصادية، فلا يوجد ما يشير إلى تخليه عن السيطرة على الشؤون الداخلية للنظام لا لصديق ولا لعدو. ومع ذلك، فليس من المستبعد أن نفترض أن الضباط السوريين الذين يتطلعون إلى التقدم الوظيفي سوف يعتمدون على شركاء أجانب لتزكيتهم لدى رئيسهم. يشير الفتيح إلى أن تعيين عباس ربما كان، وسيلة الأسد للرد على الافتراضات الروسية والإيرانية. قال الفتيح إنه من خلال فرض “شخص مغمور”، يمكن للرئيس “إظهار امتلاكه لخيارات أخرى ويمكنه استبدال أي شخص”. كما هو الحال مع كل شيء آخر يتعلق بالجيش السوري، من الصعب تجاوز هذه الأمور التكهنات.

باختصار، من شبه المؤكد أن عباس سيكون وزير دفاع ضعيف. على الرغم من ندرة المعلومات، يبدو أنه لا يمتلك أياً من السمات المرتبطة تقليدياً بالسلطة في النخبة الأمنية السورية. لكن كان من النادر أن يشغل زعيماً قوياً ومؤثراً منصب وزير الدفاع في نظام الأسد. في كثير من الأحيان، كانت مهمة الوزير هي التوقيع على الأوراق، وحضور الاحتفالات، والمساعدة في إخفاء التركيبة الطائفية غير المتوازنة للضباط السوريين – وبهذا المعنى، يمكن أن يكون عباس هو الرجل الوحيد لهذه الوظيفة.

أما بالنسبة لتعيين رئيس الأركان، فإن الحقيقة الأكثر بروزًا حول الدور الجديد لإبراهيم هي ببساطة حدوث التعيين بحد ذاته، مما أنهى فراغًا دام أربع سنوات في إحدى المفاصل الأساسية للمؤسسة العسكرية.

قد يكون منصب رئيس الأركان الشاغر طريقة الأسد لكسب الوقت حيث قام بترقية مجموعة جديدة من الضباط السنة المناسبين (بما في ذلك عباس) إلى الرتب العليا، لتعويض الانشقاقات في زمن الحرب وعمليات التطهير. من الممكن أيضاً أن يكون الهدف منه منع شخص معين من الوصول إلى هذه المناصب العليا، وتجميد الحركة الصعودية حتى تحل عمليات النقل والتقاعد المرتبط بالعمر المشكلة.

الآن، وعلى أي حال، يبدو أن إبراهيم سيصبح وزيراً للدفاع بمجرد تقاعد عباس. إذا كانت المعلومات حول أصول إبراهيم صحيحة، فسيكون لدى سوريا وزير دفاع علوي مرة أخرى. (من غير الواضح إن كان حسن سيخلف إبراهيم كرئيس للأركان، حيث يمكن أن يكون هناك أكثر من نائب واحد في أي وقت)، لكن الأسد قد يختار الإبقاء على عباس في منصبه لمدة عقد أو أكثر، نظراً لأنه في الثامنة والخمسون من العمر فقط – أصغر وزير دفاع منذ عقود. سيؤدي القيام بذلك إلى منح الرئيس متّسعاً من الوقت لإعادة تشكيل خط الخلافة، إذا كان يريد ترقية مرشح معين أو ضمان بقاء وزارة الدفاع تحت القيادة السنية.

إعادة تنظيم الجيش

في النهاية، قد تكون هوية الرجال الذين عينهم الأسد الشهر الماضي أقل أهمية من حقيقة أن المؤسسة العسكرية السورية بدأت تستعيد شكلها المألوف. مهما كانت أسباب شغور منصب رئيس الأركان العامة لمدة أربع سنوات، فإن إعادة التسلسل الهرمي للأركان العامة السورية إلى حالتها الطبيعية قد يسهّل جهود إعادة هيكلة القوات المسلحة.

خلال أكثر من عقد من الحرب، تحوّل جزء كبير من الجيش السوري إلى خليط من الوحدات الرديئة والميليشيات المحلية والطائفية. تم تجميع بعض هذه المجموعات المحلية في أطر أكبر، مثل قوات الدفاع الوطني، التي ترتبط بالجيش النظامي وتعتمد عليه دون أن تكون جزءاً منه. انعكاساً للطبيعة اللامركزية للتمرد عمل الجيش وميليشياته وحلفاؤه الأجانب من خلال غرف عمليات مخصصة مبنية حسب الاختصاص الوظيفي أو الإقليمي.

بعد التدخل الروسي في عام 2015، والذي أدّى إلى تثبيت الأسد وساعد قواته على استعادة السيطرة على معظم البلاد، بذلت الحكومة السورية جهوداً محدودة لإصلاح الجيش. تم حل بعض الميليشيات ودمج بعضها في تشكيلات الجيش، حتى مع بقاء البعض الآخر منفصلاً عن الهيكل العسكري. لكن بشكل عام، لا يزال الجيش السوري مختلفاً تماماً عن القوة التي كانت موجودة في عام 2011. إنه بالكاد يشبه القوة العسكرية التقليدية، ويبدو أنه غير مستعد لأي مهمة تتجاوز الهجمات المحلية المحدودة وحملات مكافحة التمرد.

منذ حوالي عام 2018، ساعد الدعم العسكري والدبلوماسي الروسي في تجميد الحرب بشروط مواتية للحكومة السورية. تواصل القوات العسكرية التركية والأمريكية العمل في الأجزاء غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا، لكن الردع العسكري وصفقات عدم التضارب مع روسيا ضمنت أن يسود سلام بارد غير معترف به. على الرغم من احتمال اشتعال القتال مرة أخرى في مرحلة ما، إلا أن الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا تسودها فعلياً حالة ما بعد الصراع منذ عدة سنوات. طالما استمر هذا الوضع، فإن تركيز الأسد سيكون بطبيعة الحال على إعادة توطيد حكمه، بما في ذلك الإصلاحات العسكرية.

يبدو أن التعيينات العسكرية في الشهر الماضي تنسجم مع هذا السياق. إذا كان الأسد يأمل في إعادة تأسيس قوة مسلحة تقليدية من الأعلى إلى الأسفل قادرة على خوض حروب دولة ضد دولة، حتى ولو بدرجة محدودة، فإنه يحتاج إلى إعادة بناء الوظائف المركزية مثل هيئة الأركان العامة. إن وجود رئيس أركان مرة أخرى هو البداية، لكن التخلص من فوضى الميليشيات على المستوى الميداني قد يكون مهمة أكثر صعوبة.

المصدر:دي سينتشري فاونديشن- معهد كارنيغي

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد