هل استخدمت تركيا أسلحة كيميائية في حربها ضد الكرد؟

جوناثان سباير*

في الثالث من كانون الأول / ديسمبر ، خرجت مظاهرة حاشدة أمام مقرّ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، و تمّ إعتقال ما بين 40 إلى 50 متظاهراً معظمهم من الكرد . رفع المتظاهرون شعارات تطالب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتحقيق في إستخدام القوات التركية لأسلحة كيماوية ضد المقاتلين الكرد في إقليم كردستان العراق. وقد جرت الإعتقالات بعد أن تجاوز المتظاهرون الأمن ، وحاولوا دخول مكاتب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وقد نظّم الكرد و أنصارهم هذه الإحتجاجات التي تعد حزءا من سلسلة جهود مستمرة للفت إنتباه المجتمع الدولي إلى إستخدام القوات التركية بشكل مستمر لمواد كيماوية محظورة ضد مقاتلي حزب العُمّال الكُردستاني.

بحسب تقارير فإن هذه الهجمات الكيماوية حدثت أثناء العملية العسكرية التركية في شمال العراق (كردستان العراق) المُسماة « عملية مخلب البرق » ، والتي بدأت في 23 أبريل /نيسان 2021. وقد تمركزت هذه العمليّة في مناطق متينا وزاب وأفاشين و بازيان في محافظتي دهوك و هولير (أ{بيل)، وكانت تهدف إلى تكريس منطقة نفوذ تركية بحكم الأمر الواقع تفصل بين المنطقة التي يسيطر عليها الكرد في سوريا عن منطقة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل (في إقليم كردستان).

ما هي صحة هذه الرواية ؟

أفاد تقرير في أواخر أكتوبر / تشرين الأول على موقع وكالة فرات للأنباء الموالي للكرد اتهامات من حزب العمال الكردستاني بوجود حملة ممنهجة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في منطقة النزاع . و بحسب العمال الكردستاني فإن 323 هجوما بالأسلحة الكيماوية حدث خلال الأشهر الستة الأولى من العملية . كما أكد التقرير أن أول إستخدام لهذه الأسلحة كان في منطقة كاري في فبراير / شباط 2021 ، قبل بدء الهجوم الرئيسي . وزُعم في هذا الهجوم مقتل ستة مقاتلين . وأكد التقرير أن 32 مقاتلاً آخرين أصبحوا لاحقاً ضحايا هجمات بالأسلحة الكيماوية في أفاشين ومتينا وزاب . لذلك ، وفقًا للادعاءات الكردية ، فإن نحو 38 مقاتلا قد لقوا حتفهم نتيجة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في الأشهر الستة الأولى من عملية مخلب البرق.

ما الدليل الذي تم تقديمه لإثبات صحة هذه الادعاءات؟ قام إتحاد مجتمعات كردستان _ وهو هيئة كردية مقرها أوروبا _ بتوزيع مقطع فيديو يظهر ما تقول إنه تداعيات هجوم كيماوي في منطقة أفاشين بمحافظة دهوك في 3 مايو / أيار 2021 . وفي سياق متصل قال المتحدث باسم منظومة المجتمع الكردستاني، زاغروس هيوا، بأنه جرى تداول الفيديو على مجموعات واتساب تضم قوميين أتراك، ويظهر جثث ثلاثة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني ، دون إصابات واضحة ، بعد أن سحبها جنود أتراك من كهف.

كما نشرت وكالة فرات للأنباء مقطع فيديو آخر يؤكد أنه لمشاهد لغاز تستخدمه القوات التركية في 8 يونيو / حزيران ضد الأنفاق التي يتواجد فيها المقاتلون الكرد في منطقة ويركسيلي . و علاوة على ذلك ، قامت إذاعة ميديا نيوز الموالية للكرد أيضا بنشر فيديو جديد في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2021 ، يظهر إستخدام غاز مثير للشكوك.

بالإضافة إلى ذلك ، تم تداول شهادات مقاتلين من حزب العمال الكردستاني نجوا مما وصفوه بهجوم كيماوي للقوات التركية ضدهم .

إن هذه الروايات غير كافية قانونياً لإثبات صحة استخدام الأسلحة الكيميائية . ورداً على ذلك ترفض تركيا بشدة هذه الإتهامات . في نوفمبر /تشرين الثاني ، رفض وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فكرة أن أنقرة تمتلك حتى أسلحة من هذا القبيل . ووفقًا لتقرير نشره موقع أرتي جيرشيك الإخباري التركي ، قال أكار: “لا توجد أسلحة كيميائية في مخزون القوات المسلحة التركية على الإطلاق  . من السهل جدًا معرفة مصدر الأسلحة الكيميائية وأين يتم أخذها. وتتكرر هذه المزاعم بشكل دوري من أجل تشويه صورة الحرب ضد الإرهاب التي تتم بطريقة مشرفة وشفافة” على حد تعبيره.

تعتبر تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1997 ، التي تحظر استخدام وتطوير “تخزين ونقل الأسلحة الكيميائية”.

على الرغم من دحض هذه الإدعاءات من قبل تركيا ، إلا أن ادعاءات شبيهة عادت للظهور بشكل متكرر على مدى العقدين الماضيين فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل تركيا ضد الكرد . في عام 2019 ، أُسقِط تحقيق أجرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في مزاعم استخدامها في منطقة سريكانيه  شمال سوريا بعد أن خلص مسؤولو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن المادة المستخدمة كانت عبارة عن مادة شبيهة  بالفوسفور الأبيض ، وهو مادة غير مصنفة كسلاح كيميائي . ولا يحظر استخدامها من قبل الجيوش في الحرب.

في غضون ذلك ، قام مراد قرايلان ، أحد كبار مسؤولي حزب العمال الكردستاني ، بتسمية غاز الأعصاب تابون ، والكلوروبكرين (المعروف أيضًا باسم “الصليب الأخضر”) وغاز الخردل كمواد يؤكد العمال الكردستاني أن الجيش التركي استخدمها أثناء عمليات العسكرية الأخيرة.

ولكن في حين أنه لا يمكن استخلاص أي استنتاجات بشأن صحة هذه الادعاءات في هذه المرحلة ، فإن القضية الجوهرية المطروحة هي هل سيتم التحقيق في هذه الهجمات أم لا . دعت أصوات كردية لإجراء تحقيق مستقل من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو الأمم المتحدة في شمال العراق . قالت نيلوفر كوج _ الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني في أوروبا _ لصحيفة جيروزاليم بوست “إننا ندعو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى الوفاء بالتزاماتها والتحقيق على الفور في استخدام الأسلحة الكيميائية على الأرض”.

في أواخر نوفمبر /تشرين الثاني تم إطلاق مبادرة جديدة مقرها أوروبا ، أطلقت على نفسها اسم «التحالف ضد الأسلحة الكيميائية في كردستان» ، بهدف تنظيم وفد رفيع المستوى يضم خبراء في الطب لزيارة المنطقة وجمع الأدلة.

وفي هذا السياق تبقى الردود الرسمية بشأن المزاعم حذرة للغاية ، وسط غياب للمبادرات للتحقيق في الهجمات التركية على المدى القريب . ورد اللورد أحمد ، وزير الدولة البريطاني في وزارة الخارجية ، على سؤال حول هذا الموضوع في البرلمان البريطاني في 17 ديسمبر/كانون الأول بالإشارة إلى أن الحكومة البريطانية كانت “تراقب المزاعم الأخيرة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في شمال العراق”. ومضى في وصف المزاعم بأنها “لا أساس لها من الصحة “.

رداً على ذلك ، قالت مصادر كردية للصحيفة إن مثل هذه المزاعم من المرجح أن تظل غير مدعمة بأدلة في ظلّ غياب أي جهد لإثباتها (من قبل المجتمع الدولي). ومع ذلك ، يبدو من غير المرجح ظهور أي مبادرة كبرى للتحقيق في هذه الادعاءات بالمستقبل القريب.

 ولكي يحدث هذا ، فإن الضغط من دولة أو تحالف دول في المؤسسات الدولية سيكون أمرا ضروريًا . لا يزال حزب العمال الكردستاني ، الذي تحاربه تركيا ، منظمة محظورة على قائمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للجماعات الإرهابية. إن مصير فتح تحقيق بهذه الاتهامات مرتبط بالمصالح السياسية للدول إضافة للسمسرة في السلطة، ولا علاقه له بأي إطار قانوني بحت .  نظام صدام حسين في العراق ، الذي قتل 5000 مواطن كردي في بلدة حلبجة الكردية العراقية عام 1988 ، لم يدفع أي ثمن في ذلك الوقت عن هذا العمل . في وقت لاحق فقط ، بعد غزو الديكتاتور العراقي للكويت ، أصبحت مسألة استخدامه للأسلحة الكيميائية معروفة على نطاق واسع.

وفي سوريا  ، بعد أن تجاهل نظام الأسد الإنذار الأمريكي ضد استخدام الأسلحة الكيماوية في عام 2013 ، فقد دفع ثمناً ضعيفاً لاستخدام غاز السارين في وقت لاحق . أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام الأسد لغاز السارين في عدد من المناسبات في سياق الحرب الأهلية السورية. إن غياب الإرادة الأمريكية والدولية لفرض “الخط الأحمر” الأمريكي جعلها مفرغة من محتواها و عبثيّة.

تشير هاتان السابقتان على ما يبدو إلى أن حقيقة ما حدث في الأشهر الأخيرة في متينا و زاب و أفاشين من المرجح أن لا يتم فتح تحقيق في الوقت الحالي ، على الأقل من قبل الهيئات الرسمية الدولية. يبدو أن دور تركيا كعضو في الناتو وحليف للولايات المتحدة وليس أقلها الدافع المحتمل للمهاجرين نحو الشواطئ الأوروبية سيضمن عدم فتح تحقيق. في غضون ذلك ، يبدو أن الإحتجاجات الكردية ضد هذا الوضع لن تتوقف أو تستكين.

* تم نشر المقالة بموقع جيروزاليم بوست

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد