ماثيو زويغ
في أبريل /نيسان، حظرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول خليجيّة أخرى بشكلٍ مؤقت استيراد المنتجات الزراعية من لبنان. لم يأتي هذا الإجراء رداً على أحداث سياسية أو استفزاز عسكري أو سياسي علني من قبل حزب الله، المنظمة الإرهابية المدعومة من إيران والتي تدير لبنان فعلياً. بل جاء كردة فعل على اكتشاف شحنة ضخمة من مادة الأمفيتامين كابتاغون مخبأة في منتجات لبنانية وصلت إلى ميناء سعودي.
الكبتاجون هو اسم تجاري لعقار خطير ومسبب للإدمان من نوع الأمفيتامين يتضمن هيدروكلوريد الفينيثيلين. وهو ليس بجديد على الشرق الأوسط. لقد كان موجوداً منذ أوائل الستينيات وهو عقار غالبا ما يتم تناوله في الحفلات بالنسبة للبعض. ومع ذلك، فإن حجم إنتاج الكبتاغون والاتجار به في سوريا وحولها جديد ومثير للقلق.
وحسب تقرير استقصائي أجرته مؤخراً صحيفة نيويورك تايمز يُوضّح كيف أصبح إنتاج الكبتاغون والاتجار به مصدراً مالياً مهما بالنسبة لـ حزب الله ونظام الديكتاتور السوري بشار الأسد المدعوم من إيران. كما وتوفر تجارة عقار الأمفيتامين مصادر مالية جديدة لأذرع إيران بالمنطقة، فضلاً عن توسعها في تجارة المخدرات العالمية.
أدت الأزمة المالية في لبنان- إضافة لإرهاصاتها الكارثية طويلة الأمد نتيجة العقوبات الأمريكية و الأوروبية على البلد- إلى قطع مصدر مالي وحيوي بالنسبة لنظام الأسد. وفي سعي منه لإيجاد مصدر بديل، لجأ النظام إلى تجارة الكبتاغون، الذي يتم تهريبه عبر الموانئ السورية واللبنانية، وقد ساعد ذلك بدعم نشاطه العسكري وتأجيج الوضع في البلاد حيث راح أكثر من 500 ألف سوري نتيجة لهذا الصراع فضلا عن نزوح ملايين آخرين. يشير هذا التحول لـ تجارة المخدرات إلى مرحلة جديدة في الصراع السوري : ألا وهي بروز سوريا كدولة مخدرات.
وفي سياق متصل، تشير شحنات الكبتاغون التي تم ضبطها على نطاق واسع في العالم والتي كانت سوريا إضافة لدول أخرى مصدرها، إلى تجارة عالمية بمليارات الدولارات. في يوليو / تموز 2020، صادرت السلطات الإيطالية 84 مليون قرص من حبوب الكبتاغون بقيمة إجمالية قدرها 1 مليار يورو، يُعتقد أن مصدرها ميناء اللاذقية الذي يسيطر عليه نظام الأسد. وفي تعليق من الحكومة الإيطالية على هذه الحادثة قالت إنها كانت أكبر عملية ضبط لمادة الأمفيتامين في العالم حتى الآن.
وفي هذا السياق، تمكّنت السلطات في رومانيا، وماليزيا، واليونان، ومصر، والأردن ، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة و دول أخرى من ضبط كميات أخرى، يُعتقد أنها على علاقة بنظام الأسد.
لا تقتصر تجارة الكبتاغون على كونها داعم مالي لاستمرار فظائع الأسد ضد الشعب السوري فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى مزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة بسبب الانتشار الواسع لمادة الأمفيتامين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها.
ولعل أهم ما يُساعد الجماعات المسلحة وتُجار المخدرات في هذه التجارة الرائجة هو وجود الحرب والدمار إضافة للخلافات الإقليمية. غالبًا ما يؤدي إنتاج المخدرات والاتجار بها على نطاق واسع من قبل الأنظمة المارقة أو في الأماكن غير الخاضعة للحكم أو سوء الإدارة إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإجرام ومشاكل الصحة العامة في البلدان المستهلكة والمنتجة. يترسخ هذا النمط الآن في ليبيا، حيث توجد تجارة مزدهرة للكبتاغون ، وحسب ما أفادت تقارير فأنه هناك علاقة لسوريا بهذه التجارة. كما أن أسواق المخدرات ليست ثابتة. يمكن لأسواق الأمفيتامين اليوم أن تتحول بسهولة إلى أسواق أقوى بكثير للميثامفيتامين، وهو ما حدث في أفغانستان. وقد تؤدي الحروب السياسية الجارية في الشرق الأوسط إلى حروب ضد تجارة المخدرات المميتة في المستقبل.
ولوقف تجارة الكابتاغون والاتجار بها داخل سوريا يجب تنسيق الجهود لضمان مكافحتها في بلدان العبور والأسواق الخارجية. ولمواجهة هذه التهديدات قبل أن تنتشر وتصبح خارج السيطرة، يجب على الولايات المتحدة تكثيف الجهود الدوليّة لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بنظام الأسد.
يجب أن يبدأ أي جهد من هذا القبيل بعملية منسقة مشتركة بين الوكالات لدمج الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية وإنفاذ القانون لتحديد ومقاضاة أو معاقبة الأفراد والشركات المتورطة في شبكات إنتاج وتجارة الكبتاغون المرتبطة بنظام الأسد. يجب على الولايات المتحدة أيضًا دعم التحقيقات المتعلقة بإنفاذ القانون والعقوبات في البلدان الشريكة التي تتلقى أو تنقل كميات كبيرة من الكبتاغون أو أصناف أخرى مخدرة.
لدرء مخاطر هذه التجارة ، أصدر الكونغرس دعوات متعددة لتطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات لاستهداف شبكات التهريب لنظام الأسد والعمل عن كثب مع الحلفاء والحكومات المتضررة.
من غير المُرجّح أن تتقلص أو تختفي تجارة المخدرات المتنامية في سوريا، حتى تنتهي الحرب الأهلية المستمرة في سوريا. ولن تتحقق مكافحة هذه التجارة الرائجة إلا عبر الضغط الدولي والجهود الدولية المشتركة بين الوكالات لاستهداف شبكات تهريب المخدرات وإيجاد حلٍّ سياسي للصراع في سوريا، و بالتالي ستصبح شبكات تهريب المخدرات الرئيسية عبئًا وليس مصدرًا للإيرادات.
المصدر: نيوزويك