كيف احتوت “قسد” تنظيم داعش في غويران؟

جاريد مالسين و نزيه عسيران

تحوّل سجن يضمّ مقاتلي داعش إلى مسرح لعمليات قتالية بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا والتنظيم الذي يسعى لتحرير عناصره من هذا السجن في محاولة منه لترتيب صفوفه من جديد، في معارك تعد الأسوأ من بين التي تشهدها المنطقة منذ سنوات.

كان الهجوم الذي استهدف السجن الأسبوع الماضي، أحد أكثر عمليات تنظيم الدولة الإسلامية تعقيداً ودموية في سوريا والعراق على مدى السنوات الثلاث الماضية. إلى جانب ذلك أفادت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الكرد والتي تسيطر على منطقة شمال و شرق سوريا وتتمع بإدارة ذاتية مستقلة عن النظام في دمشق، إن الهجوم قد اشتمل أيضاً على خلايا نائمة وانتحاريين (إنغماسيين) فضلاً عن تمرد داخل السجن.

يسعى التنظيم من خلال هذا الهجوم إلى رفع الروح المعنوية لمناصريه عبر العودة إلى أحد تكتيكاته القديمة: تحرير عناصره المحتجزين في السجن. دأب التنظيم لتجديد نفسه و ترتيب صفوفه بشكل سري وذلك بعد أن تم دحره في عام 2019 بعد سنوات من العمليات العسكرية العراقية والسورية والأمريكية.

تركزت الأعمال القتالية في سجن بمدينة الحسكة على بعد 50 ميلا (80.47 كم) جنوب الحدود التركية. أدى هجوم التنظيم على السجن يوم الخميس إلى إندلاع حرب شوارع بحي مدني فقير داخل المدينة حيث تستبسل قوات سوريا الديمقراطية لدحر التنظيم و استعادة السيطرة على السجن.

وفي سياق متصل أفادت قوات سوريا الديمقراطية إنها تمكنت من تحييد 112 من مقاتلي التنظيم ومثيري الشغب في السجن منذ بداية الهجوم، ونشرت مقاطع فيديو قالت إنها تظهر جثث مسلحين في الشوارع بجوار سيارات محترقة نتيجة للاعمال القتالية .

من جانبه أفاد تنظيم الدولة الإسلامية بأنه تمكن من تحرير 800 سجين في الهجوم لكنه لم يقدم أدلة على ذلك. دحضت قوات سوريا الديمقراطية هذه المزاعم وقالت بأنها عارية عن الصحة .

قال ماتاي حنا الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري السرياني إحدى التشكيلات العسكرية ضمن هيكليّة قوات سوريا الديمقراطية :”من الصعوبة بمكان هروب 800 من عناصر التنظيم في ظل الطوق الأمني المفروض على المنطقة”.

وأضاف السيد حنا، يوم الأحد، بأن قوات سوريا الديمقراطية بدأت بتمشيط الأحياء التي من المرجح أن عناصر التنظيم تسللوا إليها و اختبئوا بين مدنييها، قائلاً “إن هدفنا لا ينحصر فقط في القضاء على عناصر التنظيم بل نحاول قدر الإمكان إعتقالهم وهذا يؤثر على سير العمليات.  إنهم متواجدون داخل مناطق سكنية حيث أقدموا على تصفية مدنيين واحتجزوا آخرين كرهائن. نحن نعمل مع شعبنا لإخراجهم من هذه الأحياء”.

كما نشر التنظيم مقطع فيديو يظهر احتجاز مقاتليه لأشخاص تم أسرهم داخل السجن، ويصفونهم بأنهم مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية. من جانبها أوضحت قوات سوريا الديمقراطية أن الأسرى كانوا من العاملين في مطبخ السجن.

أفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ببيان لها إن الولايات المتحدة نفذت غارات جوية دعماً لجهود قوات سوريا الديمقراطية لاستعادة السيطرة على السجن في الحسكة. وقال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش إن الضربات استمرت طوال العملية التي استغرقت أياماً، كما شاركت قوات أمريكية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية لضمان السيطرة على الوضع.

أصبحت محاولات الهروب من السجن التي يقوم بها عناصر التنظيم أحد أخطر التحديات التي تواجهها قوات سوريا الديمقراطية والتي بدورها تسيطر على منطقة شمال و شرق سوريا بدعم من حوالي 900 جندي أمريكي. أثار قرار فاشل وغير محسوب من قبل إدارة ترامب بسحب القوات الأمريكية من البلاد في عام 2019 تساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

قالت دارين خليفة ، محللة سورية بارزة في مجموعة الأزمات الدولية “إن قدرة قوات سوريا الديمقراطية على كبح جماح تنظيم داعش مرتبطة ارتباطا مباشرا و وثيقا بالوجود الأمريكي في سوريا وهي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه منطقة شمال و شرق سوريا”.

كانت عمليات الهروب من السجون إحدى الوسائل الأساسية التي يتبعها التنظيم لإعادة ترتيب صفوفه و مساعدته في أن يصبح جيشاً قوياً بعد نشأته كتمرد ضد القوات الأمريكية في العراق في أعقاب الغزو عام 2003.

أدى هروب كبير من السجن في العراق في عام 2013 إلى تحرير مئات السجناء، مما أدى إلى إزدياد الأعداد في صفوف ما كان يُعرف آنذاك باسم الدولة الإسلامية في العراق، الأمر الذي سهّل من صعود التنظيم كقوة قتالية تقليدية رئيسية اجتاحت سوريا والعراق.

دعا زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي إلى مزيد من محاولات الهروب من السجون في واحدة من تصريحاته العلنية الأخيرة قبل مقتله في غارة جوية أمريكية في عام 2019. وفي تسجيل منسوب إليه، حثّ البغدادي أتباعه على تحرير “جنود الخلافة” من السجون.

تدير قوات سوريا الديمقراطية سجوناً تضم ​​الآلاف من أعضاء التنظيم المشتبه بهم وتشرف على مخيمات النزوح التي تضم عشرات الآلاف من عوائله، بينهم العديد من الرعايا الأجانب من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. حذّر مسؤولون سوريون محليون من أن المخيمات وفرت أرضية خصبة لتجنيد المتطرفين وطالبوا الدول الأجنبية باستعادة مواطنيها. قلة من الدول وافقت على عودة مواطنيها، ما تركهم في طي النسيان في سوريا.

وفي هذا السياق أفادت قوات سوريا الديمقراطية إنها تمكّنت من تحييد مواطنين عراقيين وصينيين أثناء معاركها لاستعادة سجن الحسكة.

وفي هذا الصدد قال الميجور جنرال جون دبليو برينان جونيور، قائد قوة المهام المناهضة لداعش في العراق و سوريا “على الرغم من تقويض تنظيم داعش عسكريا، إلا أنه لا يزال يمثّل تهديداً وجودياً للمنطقة. ونتيجة لضعف قدرة التنظيم ، فإنه من المرجح إعتماده في المستقبل على تنظيم و ترتيب صفوفه عبر محاولات عبثية مثل هجوم الحسكة”.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن مهاجمة مركز الاعتقال كان من أولويات تنظيم داعش لأكثر من عام.

من جهته أفاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس يوم السبت “إن الأحداث الأخيرة تسلط الضوء على ضرورة إستعادة الدول لمواطنيها المحتجزين في شمال و شرق سوريا وإعادة تأهيلهم ودمجهم ومحاكمتهم إذا دعت الحاجة لذلك”.

المصدر: صحيفة وول ستريت جورنال 

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد