عمبرين زمان
أفادت عدة مصادر مطلعة بأن إدارة بايدن بصدد استصدار قرار هذا الأسبوع يُعفي بموجبه المناطق التي تقع تحت سيطرة كل من قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السنيّة في سوريا من العقوبات المفروضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد .
وأضافت المصادر أن الإعفاءات من “قانون قيصر” سيتم إعلانها بشكل رسمي من قبل نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى المكلف بمهمة الملف السوري إيثان جودريتش. وقد تم استثناء قطاع النفط والغاز من رفع العقوبات التي سيتم اقرارها بمجرد مصادقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عليها.
واستثنيت منطقتين من الإعفاءات الأمريكية والتي تشتمل كل من محافظة إدلب شمال غرب سوريا حيث تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، الجماعة السنيّة المتشددة والمدرجة على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية. بالإضافة إلى مدينة عفرين الكردية التي غزتها القوات التركية واحتلتها في كانون الثاني / يناير عام 2018.
وأطلع جولدريتش في أنقرة يوم الإثنين نظيره التركي سلجوق أونال على مشروع القرار، بعد ذلك اتجه الى هولير عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث من المتوقع أن يتجه من هناك إلى منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهناك من المقرر أن يعقد لقاء مع الجنرال مظلوم كوباني القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية والرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد.
وحسب المصادر، فإن مسودة قرار رفع العقوبات كان يجري العمل عليها منذ الصيف الماضي، بيد أن بيروقراطية وزارة الخزانة عرقلت تمرير المشروع. ولم ترد وزارة الخارجية على طلب “المونيتور” للتعليق على الموضوع .
كان الجنرال كوباني يُمارس ضغوطاً من أجل استثناء مناطق الإدارة الذاتية من قانون قيصر الذي تم فرضه عام 2019 ضد الأسد وعدد كبير من الأفراد والكيانات الأخرى المتورطة في جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وقد أكد كوباني خلال مقابلة مع “المونيتور “في تشرين الثاني /نوفمبر عام2021 أن تفشي الفقر وارتفاع نسبة البطالة، بالإضافة إلى موجة الجفاف القاسية التي تعتبر أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ سبعة عقود، ستصب في مصلحة تنظيم داعش الذي سيعمد إلى عمليات التجنيد لابناء المنطقة.
وما يُثبت صحة ما قاله الجنرال كوباني هو هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة اكبر معتقل يضم عناصر إرهابية بغية تحريرهم. حيث استمرت المعارك داخل السجن ومحيطه والذي يقع بمدينة الحسكة أكثر من ستة أيام، أسفرت عن أكثر من 200 قتيل. وما يزيد الطين بله هي الهجمات التركية المستمرة سواء من الجو عبر طائراتها المسيرة أو من مقاتليها على الأرض والتي من شأنها زعزعة أمن المنطقة وإبقائها في حالة تخبّط.
وأفاد أحد المصادر المطلعة على القرار بأن « السبب الرئيسي لرفع العقوبات هو من أجل “المعونة الاقتصادية” وما تبقى تعتبر أمور ثانوية».
وقد رصدت وزارة الخارجية الأمريكية للخطة المالية لعام 2022، 125 مليون دولار من أجل تقديم مساعدات اقتصادية وتحقيق الاستقرار في سوريا. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا المبلغ سيرتفع من عدمه.
وتعتبر هذه الخطوة سابقة من نوعها بحسب خبراء مضطلعين بطبيعة العقوبات من حيث أنها تستثني منطقة محددة من برنامج عقوبات شامل على غرار ما حدث في السودان. فبموجب قانون دارفور للسلام والمساءلة لعام 2006 والأمر التنفيذي الملازم له، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على السودان لكنها استثنت جنوب السودان من العقوبات، مما سمح بمعاملات الطاقة مع جنوب السودان “شريطة ألا تنطوي الأنشطة أو المعاملات على أية ممتلكات أو مصالح لها علاقة مباشرة مع حكومة السودان ” وفقاً لما ذكره خبير قانون العقوبات إدواردو سارافالي.
وأضاف سارافالي للمونيتور: « إن السيناريو الأكثر شيوعًا هو العكس، حيث يتم فرض عقوبات على منطقة انفصالية بينما يتم استثناء بقية البلاد، على غرار ما يحدث اليوم في أوكرانيا مع الجمهوريات الانفصالية في إقليم دونباس» .
من المرجح أن يتم استثناء قطاع النفط والغاز الطبيعي من العقوبات التي سيتم رفعها بسبب المشاكل القانونية المترتبة على ذلك. تحققت توقعات ذلك عندما رضخ ترامب لضغوط الكونغرس للتراجع عن قراره بسحب ما يقدر بنحو 900 من قوات العمليات الخاصة الأمريكية من شمال شرق سوريا في أعقاب الغزو التركي في تشرين الأول /أكتوبر عام 2019 . حيث قال ترامب إنه سيبقي القوات من أجل مهمة “تأمين النفط”.
وفي نيسان /أبريل عام 2020 ، أصدر ترامب قرارا يسمح بموجبه لشركة نفط أمريكية خاصة تسمى “دلتا كريسنت” للعمل في شمال شرق سوريا. ورداً على ذلك، اتهمت الحكومة السورية الولايات المتحدة بـ “سرقة” نفطها . حيث تقع معظم الثروة الباطنية لسوريا في مناطق شمال شرق سوريا.
لكن إدارة بايدن لم تمدد التفويض الممنوح لشركة “دلتا كريسنت” عندما انتهى عقدها في 30 نيسان /أبريل من العام الماضي. حيث أفاد مسؤولون بالإدارة الأمريكية، إنهم ليسوا في سوريا “من أجل النفط” ولكن لمحاربة فلول تنظيم الدولة الإسلامية.
و توقع سارافالي أن القطاع الخاص ” سيستمر في توخي الحذر عند التعامل مع أي موضوع له علاقة بالشأن السوري، حتى مع استثناء منطقة واحدة، وسيتجنب فعل أي شيء يمكن أن يورطه في انتهاك برنامج العقوبات الشامل”. مضيفاً أنه من المرجح أن “مثل هكذا إعفاء من شأنه المساعدة في تحسين إيصال المساعدات الإنسانية وتقليص الخسائر الاقتصادية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية”. و لم ترد وزارة الخزانة الأمريكية على طلب “المونيتور” للتعليق على الموضوع.
كانت رئيسة اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية نادين ماينزا والتي سافرت إلى شمال شرق سوريا عدة مرات من أوائل المدافعين عن قرار رفع العقوبات الجزئي. وفي هذا الصدد، قالت ماينزا :« إن الغاية من العقوبات الأمريكية هي معاقبة نظام الأسد، وليس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا . ودائماً ما كانت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية تدعو إلى فرض عقوبات على الحكومات التي تحصل فيها انتهاكات للحرية الدينية؛ أما بخصوص منطقة الإدارة الذاتية فقد ارتأينا مكافأتهم للظروف الإيجابية للحريات الدينية فيها».
وأضافت ماينزا: « سيؤدي هذا أيضًا بدوره إلى زيادة الضغط على اقتصاد نظام الأسد من خلال جذب الشركات إلى مناطق الإدارة الذاتية التي وصلت إلى مرحلة أما أن يكون اقتصادها مستهلك بحيث يحتاج إلى دعمه باستمرار أو إلى إقتصاد تجاري يمكن أن يصبح مكتفا ذاتياً. وفي ظل امتلاكها 80 ٪ من نفط سوريا إلى جانب الأراضي الخصبة والشركات الجاهزة للاستثمار، هناك إمكانات كبيرة وواعدة للنمو الاقتصادي في حال غيّرت الولايات المتحدة سياستها برفع العقوبات عن مناطق الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا».
من جهة أخرى تلعب الحسابات السياسية دورًا أيضا في مشروع رفع العقوبات. فقد شمل مشروع القرار بعض المناطق التي تحتلها تركيا بشكل أساسي إرضاءاً لتركيا. بيد أن المسؤولين الأتراك غير راضين لعدم شمول القرار كل من عفرين وإدلب خاصة وأنهما من أكثر المناطق بحاجة لهكذا قرار . وقد أفادت مصادر ” للمونيتور” أن الأتراك يرون برفع العقوبات عن مناطق الإدارة الذاتية ما هو إلا تعزيز استقلال الكرد في سوريا عن دمشق.
ويعود سبب فقدان الثقة بين تركيا وأمريكا إلى عام 2014 عندما قررت الولايات المتحدة الشراكة مع الكرد في سوريا لقتال تنظيم داعش. حيث تُصر تركيا على أن قوات سوريا الديمقراطية وعناصرها امتداد لحزب العمال الكردستاني وتستخدم ذلك كمسوغ لهجماتها المتكررة ضد مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وتأتي المزاعم التركية بالاستناد إلى أن العديد من كبار قادة قوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك الجنرال كوباني، كانوا يتقلدون مناصب رفيعة داخل حزب العمال الكردستاني قبل الانتقال إلى سوريا في بداية الاحتجاجات عام 2011.
والسبب الآخر للمزاعم التركية هو اعتبارها لقوات سوريا الديمقراطية تهديداً وجودياً. ومن جهته، أكد كوباني بشكل دائم عن رغبته في إقامة علاقات حسن جوار مع أنقرة، ونادراً ما أقدمت قواته على القيام بهجمات عدائية ضد القوات التركية. أما فيما يتعلق بالهجمات الكردية ضد المناطق التي تحتلها تركيا فالمسؤولة عنها جماعات مسلحة يعتقد أنها تخضع مباشرة لأوامر حزب العمال الكردستاني.
و هناك أمل في أن يؤدي رفع العقوبات الجزئي في النهاية إلى إغراء الشركات التركية للاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهذا بدوره، قد يساعد في إعادة احياء المحادثات المتوقفة منذ فترة طويلة بين أنقرة وزعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان.
فقد كان من المفترض أن تُفضي المحادثات إلى إنهاء الكفاح المسلح لحزب العمال الكردستاني في مقابل منح الكرد الذين تعرضوا للإضطهاد لفترة طويلة في تركيا مزيداً من الحقوق، والتي ستنعكس بدورها بشكل إيجابي على الكرد في سوريا، إلا أن المحادثات توقفت من دون سابق إنذار في عام 2015.
ويعود موقف أنقرة الصارم تجاه الكرد في سوريا لرفضهم الانضمام إلى المعارضة السورية في قتال نظام الأسد. بالإضافة إلى طموحات أردوغان السياسية. لكن أكثر ما يقلق الجيش التركي هو ظهور دويلة كردية ثانية بجواره.
حالياً، أردوغان أمام موعد للانتخابات الرئاسية والتي ستتنطلق عام 2023، ومن المرجح أن تؤدي أية خطوات منه تصب في مصلحة الكرد إلى نسف تحالفه غير الرسمي مع الزعيم القومي اليميني المتطرف دولت بهجلي، ومع ذلك، لم تبدي تركيا امتعاضها من رفع العقوبات عن مناطق الإدارة الذاتية، ويشكل هذا الموقف إشارة إيجابية . لكن من المرجح أن يكون ذلك بسبب قدرتها على إفساد العملية في أي وقت من خلال الاعتماد على حلفائها الكرد بإقليم كردستان. حيث كان للضغط التركي دوراً راسخاً في انهيار محادثات المصالحة التي رعتها الولايات المتحدة بين حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يتشارك السلطة في الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا، ومنافسيه في المجلس الوطني الكردي، الذي تربطه علاقات وثيقة مع قيادة إقليم كردستان العراق.
وفي كانون الأول / ديسمبر، أغلقت حكومة إقليم كردستان حدودها مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بعد اشتباكات عنيفة بين قواتها الأمنية والشبيبة الثورية على الجسر الفاصل بين الجانبين ( معبر سيمالكا). حيث لم يسمح بالمرور عبر المعبر سوى قافلات للتحالف الدولي فيما تم إغلاقه أمام المساعدات الإنسانية والحركة التجارية فضلاً عن المواطنين. استمر الوضع لمدة 30 يوم إلا أن نجحت الوساطة الأمريكية بالضغط على حكومة إقليم كردستان للعدول عن قرارها.
يسلط الصراع الضوء على أهمية استتباب الامن والسلام بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة إقليم كردستان من جهة و بشكل أساسي مع تركيا من جهة أخرى، وذلك لكي توفر بيئة خصبة وآمنة لجذب المستثمرين من القطاع الخاص إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال و شرق سوريا.
المصدر: المونيتور
ترجمة: المركز الكردي للدراسات