الولايات المتحدة أكبر الرابحين من الأزمة الأوكرانية

جنان غانيش

” من المتوقع أن تحقق الولايات المتحدة نفوذاً أكبر في أوروبا و آسيا و تكسب الرأي العالمي”.

في حال نجاح الخطة الألمانية بإيجاد بديل عن الغاز الروسي فإن الناقلات المحملة بالغاز الطبيعي المسال ستصل إلى الشاطئ الشمالي لألمانيا في مطلع عام 2026، و سوف تُفرغ حمولتها في أحواض تخزين مُبرّدة عند ١٦٠ درجة مئوية تحت الصفر، وبعد ذلك يتم تحويله إلى غاز طبيعي قبل أن يمر عبر شبكة التوزيع.

تفتقر ألمانيا لمحطات معالجة الغاز الطبيعي المسال في الوقت الراهن، وقد تمكنت من إنشاء محطتين على مدى ٣ أيام في أعقاب غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا. ومن أبرز المصدرين الذين يسيل لعابهم لانتهاز الفرصة و توريد الغاز لألمانيا الولايات المتحدة، التي هي أقرب من أستراليا للقيام بهذه المهمة وكسب أرباحها، كما أنها لن تجعل برلين تقع في شراك دولة مستبدة أخرى مثل قطر.

هنالك حقيقة واحدة لا جدال أو نقاش حولها وهي أن أميركا أكبر الرابحين من الأزمة الأوكرانية. حيث أشار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان قبل ثمانية أشهر إلى تقلص دور و نفوذ الإمبراطورية الأمريكية، لكن في الحقيقة إن هذا التحول في التكتيكات الإستراتيجية للأمة كانت في محلها، ومن المرجح أن تكون “ترسانة الديمقراطية” في القرن الماضي مصدراً داعماً لتحركاتها في هذا القرن.

إن أقل ما تفعله الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو تصدير الغاز لألمانيا ودول أوروبية أخرى. وفي حال طبّقت ألمانيا تصريحاتها الأخيرة بشأن زيادة الإنفاق العسكري يتوجب على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على المشاركة الفعالة في تخفيف الضغط المالي و اللوجستي على حلف شمال الأطلسي.

تربط أوروبا علاقات مميزة و وثيقة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن أنها لا تُشكل عبئاً عليها أو تقوم باستنزافها. وليس من باب الصدفة ما كان “هنري كيسنجر” يتنبأ به حيال أطماع الكرملين التوسعية. و بمعزل عن إبعاد الولايات المتحدة لأنظارها عن آسيا في فترات سابقة، فمن المرجح أن تكون الحرب الأوكرانية دافعاً قوياً لها للعودة و التركيز عليها من جديد.

بالنسبة للقارة الآسيوية، فقد كانت التحركات الصينية المكثفة خلال الأسابيع الستة الماضية الهادفة إلى أبعاد النفوذ الأميركي عن منطقة المحيط الهادئ على الأقل بمثابة مصدر تهديد للولايات المتحدة، أما اليابان فليس بيدها حيلة تجاه كييف و دعم موقف واشنطن.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” عزمه مقابلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقد أتى هذا التقارب بين حلفاء الولايات المتحدة في شرق أسيا و أوروبا _ ولكن ليس بشكل دائم _ نتيجة للتقارب والوحدة بين الصين و روسيا.

إن الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها على تايوان، ففي الوقت الذي تدعم الولايات المتحدة سيادة و استقلالية أوكرانيا فإن تايوان لا تحظى بهذا المستوى من الدعم. ورغم ذلك، فالصين أصبحت تعي حجم العقوبات التي ستطالها في حال غزوها تايوان سواء من حيث الخسائر البشرية والعقوبات الاقتصادية و تدهور صورتها وهي ليست بحاجة لدليل من واشنطن.

إن العمل المخزي لانسحاب أميركا من أفغانستان في آب (أغسطس)، قلص من مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية لها ثقلها، إلا أنه لازالت واشنطن قوة لا يستهان بها من حيث اقتصادها القوي و مواردها الطبيعة الضخمة، فضلاً عن قوة استخباراتها التي توقعت غزو بوتين لأوكرانيا قبل فترة من حدوث الحرب. وفي الوقت ذاته، فإن العالم بدأ يعي أن أهم ما يصب في مصلحة الولايات المتحدة والتي يتناساها البعض هو عدم شعبية خصومها.

إن الأزمة الأوكرانية أعطتنا لمحة عن العالم الذي سيكون عليه في حال لم تكن الولايات المتحدة تلعب دور القيادة فيه، وهذا يحدث لأول مرة منذ نهاية حقبة الحرب الباردة. إن المحور الاستبدادي الذي يدعم فيه المستبدون أو على الأقل يتغاضون عن نهب و سلب بعضهم البعض يبدو حقيقة واقعة. ولم تهتم جميع الدول لصعود هذا المحور، خاصة الهند و إسرائيل اللتان لم تفعلا شيئاً أو على الأقل ليس بالقدر الذي كانت تأمله واشنطن منهما وهذه عينة عن الدول الديمقراطية فقط.

ولكن حتى الدول التي تقوم بالتحوط حيال الغزو الروسي تُجبر أن تكون حذرة، خشيةً منها على موقفها و سمعتها، كما أن موقف الولايات المتحدة، القوة العظمى، ليس موقفاً دفاعياً أخلاقياً، بل أنه يعود للقوى الرجعية. وعندما شنت روسيا غزوها لأوكرانيا تكونت فكرة بأن الانتشار الواسع للقوى سوف يُجردها من مصداقيتها.

وبطبيعة الحال فقد تعاطف كثيرون مع الولايات المتحدة و دعموها بعد أحداث ١١ من أيلول (سبتمبر) لكن غيروا موقفهم لاحقاً، إلا أن تنظيم القاعدة كان مجرد أداة لتدمير النظام العالمي وليس وريثاً واقعياً له. و من المرجح أن الكثيرين سيتهكمون على دور الولايات المتحدة (خاصة عندما كانت تعطي أعذاراً واهية عندما غزت العراق) الذين رأوا أنه من غير المنطقي لعبها دوراً عالمياً وهي تقوم بإتباع الازدواجية، ومن ثم يجب أن تعيد حساباتها بشأن إستراتيجيتها العالمية.

في تلك الفترة كانت روسيا لازالت تعاني من الاضطرابات التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي، فيما كان الاقتصاد الصيني هشاً مقارنة معه اليوم. ولم يشهد العالم على مدى ١٥عام تراجعاً للديمقراطية، بينما كانت معاداة الولايات المتحدة سائدة و ممكنة.

تصاعد حجم التهديدات في الآونة الأخيرة ضد الولايات المتحدة، وإن كان هناك مقارنة لدور الولايات المتحدة فيتوجب ألا يُقارن بأمور مثالية عليا، بل ينبغي مقارنته بالشراكة الغير متكافئة بين موسكو و بكين. إن طلبات الغاز الجديدة التي تتضمن مليارات من الأمتار المكعبة فضلاً عن دعم تايوان سيعزز موقف أميركا، ومن هذا المنطلق  يتوجب أن تكون الولايات المتحدة أفضل من المحور الاستبدادي كي تكون عامل جذب لدول العالم.

المصدر:فايننشال تايمز

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد