حسين جمو
تتراكم البيانات الدولية حول مخاطر موجة جوع عالمية جرّاء تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا مع عدم ظهور مؤشرات جادة على إمكانية توقف الحرب خلال الأمد القصير، وهو ما يهدد موسم الزراعة في العام المقبل 2023 بسبب ارتباط سلاسل إمداد حيوية بالعمليات الأساسية للزراعة حول العالم، بما في ذلك نقص المعروض في الأسمدة الزراعية. فكل من روسيا وبيلاروسيا، وهما دولتان فرضت عليهما دول غربية وأخرى حليفة لها، عقوبات واسعة، تسيطران على أكثر من 40% من صادرات أسمدة البوتاس في العالم. وأزمة الأسمدة ما زالت غير ظاهرة حالياً لأنها تأثيرها مرتبط بالموسم القادم وليس الحالي، بحسب تصريح أدلى به شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في 8 نيسان، أبريل.
سوريا في خريطة المجاعة
في السياق، حذّرت منظمة أوكسفام في تقرير نشرته في 12 نيسان/ أبريل من أن أكثر من 250 مليون شخص في كل أنحاء العالم قد يقعون في براثن الفقر المدقع هذا العام، مع جائحة كوفيد-19 وتزايد انعدام المساواة وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأوضحت في بيان أنه في ظل تلك المعطيات سيكون “860 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع بحلول نهاية العام”، أي بأقل من 1,9 دولار في اليوم. وأكدت كايتي تشاكرابورتي المسؤولة في منظمة أوكسفام: “يعاني ملايين الأشخاص مجاعة حادة في شرق إفريقيا وغربها وفي اليمن وسوريا”. وقد يصل عدد الذين يعانون نقص تغذية إلى 827 مليون هذا العام”.
وبحسب أرقام أوكسفام فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يمثل 17 % من الإنفاق الاستهلاكي في الدول الغنية لكنه يصل إلى 40 % في إفريقيا جنوب الصحراء.
بدون أسمدة.. كيف سيزرع العالم؟
هناك العديد من المؤشرات على تحول الجوع إلى سلاح في الحرب الروسية. فمن جهة، تعمل الدول الغربية على إجبار روسيا على التراجع عبر سلسلة عقوبات وصل عددها إلى خمس حزم حتى الآن، بهدف شل قدرة موسكو على تمويل الحرب وخلق صعوبات اقتصادية كبيرة. وهذا بالطبع يعني في المحصلة تجويع السكان والحكومة. لكن سلاح العقوبات الغربي يواجه مقاومة من نمط غير معتاد من روسيا، و هو أن تكون حصيلة العقوبات ليس تجويع روسيا بل تجويع العالم بأسره.
في هذا الإطار، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، قوله إنه بدون الأسمدة لن يكون هناك محصول وسيزداد الجوع العالمي بسرعة. كان لوكاشينكو يتحدث بعد محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأقصى الروسي.
أوروبا تطلق “معركة الروايات”
ولإلقاء المسؤولية على روسيا وحدها، يتهم الأوروبيون موسكو بأنها تتعمد مفاقمة الجوع في العالم. ويتبع الاتحاد الأوروبي منهجية محددة لدحض الرواية الروسية حول تسبب العقوبات في أزمة الغذاء. فقد ذكر دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي، لوكالة رويترز، أن انعدام الأمن الغذائي يسبب الاستياء في البلدان المعرضة للخطر في هذه المناطق، بينما كانت موسكو تصور الأزمة على أنها نتيجة للعقوبات الغربية. وقال الدبلوماسي، إن هذا يمثل تهديداً محتملا لنفوذ الاتحاد الأوروبي، والذي يعتزم التعامل معه “بدبلوماسية الغذاء ومعركة الروايات”.
واتهم وزير الزراعة الألماني، جيم أوزديمير، الرئيس فلاديمير بوتين، بانتهاج “سياسة التجويع”. وقال خلال جلسة عقدتها منظمة الأمم المتحدة للزراعة والغذاء (فاو)، إن بوتين “يستخدم نقص الحبوب كسلاح، فهو يسعى إلى أن ترتفع الأسعار عندنا، وإلى أن يزداد الجوع في مكان آخر في أكثر بلدان العالم فقراً، ومن خلال هذه الاستراتيجية الغادرة يتخذ أشخاصاً في كل أنحاء العالم كرهائن”.
في السياق ذاته، حمّل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في 11 نيسان/ أبريل، روسيا مسؤولية مفاقمة أزمة الغذاء في العالم من خلال حربها على أوكرانيا، لاسيما من خلال قصف مخازن القمح ومنع السفن من نقل الحبوب إلى الخارج.
وحذر بوريل من أنه إضافة إلى المعارك العنيفة المحتدمة على الأرض في أوكرانيا “هناك معركة أخرى: معركة الخطاب”. ورأى أنه فيما تسعى موسكو لتصوير العقوبات الغربية على أنها “مسؤولة عن ندرة السلع الغذائية وارتفاع الأسعار” فإن روسيا “تتسبب بجوع في العالم بمحاصرتها الموانئ، والقمح، وبتدمير مخازن القمح في أوكرانيا”.
أباطرة الأسهم.. هل يتحركون؟
أمام هذه المعضلة العالمية، و تبادل الاتهامات، تلقي هذه الأزمة بتأثيراتها على قطاع الأثرياء أيضاً. فالأسواق الرئيسية للبورصات العالمية تتعرض لضغط شديد جراء تأثيرات الحرب. وخلال الأسابيع الماضية فشلت صناديق التحوط الكبرى التي تتحكم بوجهة الاقتصاد العالمي إلى جانب كبار المستثمرين ورواد قطاع التكنولوجيا، في دفع مؤشر أسهم التكنولوجيا “ناسداك” إلى الارتفاع بعد هبوط تصحيحي منذ مطلع العام 2022. و مع فشل محاولة إنعاش الأسبوع الماضي وعودة السوق إلى الهبوط تحت تأثير التضخم المثقل بارتفاع أسعار الطاقة و تعطل سلاسل الإمداد والتوترات الجيوسياسية، من المرجح أن يفقد أباطرة أسواق الأسهم، المكاسب التي حققوها على مدار عام 2021 والتي بلغت عدة تريليونات من الدولارات.
ولإيجاد ثغرة في جدار استنزاف الأسواق، قدم رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في 12 نيسان/ أبريل، مقترحاً يتضمن في المحصلة تحييد الأسواق عن الحرب. أي استمرار الحرب مع بقاء الأسواق مفتوحة بدون تعطل في الشحنات والإمدادات. و حضّ مالباس الدول المتقدمة على إبقاء الأسواق مفتوحة وعكس السياسات التي تركز على الثروة. وذكّر رئيس البنك الدولي، خلال كلمة ألقاها في وارسو، بأن الحرب جاءت فيما يحاول الاقتصاد العالمي التعافي من جائحة كوفيد-19 وفيما تؤدي عمليات إغلاق جديدة في الصين إلى خلق حالة من عدم اليقين بشأن هذا التعافي.