جيمس كارافانو و ستيفانو جيناريني
لقد تكشّفت الأمور وبانت الصين على حقيقتها ، فقد كان النظام الصيني مُساعداً وداعماً وضامناً ومؤيداً ومُدافعاً عن الغزو الروسي البربري لأوكرانيا والذي حدث دونما وجه حق.
قبل الحرب، تعاونت الإستخبارات الأمريكية بأمر من الرئيس الأمريكي جو بايدن بحماقة مع نظيرتها في بكين بهدف جعل الصين تُقنع بوتين التوقف عن حشد قواته على طول الحدود. وعوضاً عن كبح جماح موسكو ، قدّمت الصين بنكا من الوثائق الأمريكية إلى بوتين.
سيكون من السذاجة أن يتطلع القادة الأوروبيون إلى الصين لتقديم المساعدة. يتوجب أن يُدركوا بأن ما يقوم به بوتين يصب في مصلحة الصين من حيث إضعاف أوروبا وزعزعة استقرارها وتقسيمها . وعلى الغرب ان يفهموا ان إيقاف ألة الحرب الروسية هي أخر ما يهمّ بكين .
على الرغم من هذه الحقائق ، إلا أن بعض الأوساط الغربية لاتزال تُلاحق السراب. وفي هذا السياق، صرّح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل مؤخراً لصحيفة “إلماندو الإسبانية” بأنه يدعم الوساطة الصينية في الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف :« لا يوجد أمامنا خيار أخر . فأوروبا لا يمكنها لعب دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية كذلك الأمر ينطبق بالنسبة للولايات المتحدة . لذا فإنني أثق بالدور الصيني في الأزمة». اقتراح بوريل هذا لا يمتُّ للواقع بصلة.
بشكل فعلي ، يدعم الرئيس الصيني شي جين بينغ موقف بوتين. عندما تفاقمت الأزمة الأوكرانية بغزو روسيا لها ، رفضت بكين الانضمام إلى العقوبات المالية الغربية ضد موسكو. كما امتنعت عن التصويت لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين الغزو بشدة .
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي العلاقات التي تربط الصين بروسيا بأنها ” وثيقة للغاية”. وترجمة لأقوالها ، أصدرت الصين و روسيا بيانا مُشتركًا أكدت فيه على دعم بكين لموقف موسكو المعارض لتوسع حلف شمال الأطلسي شرقًا. علاوة على ذلك ، فقد وطّد الجانبين علاقاتهم في قطاعي المال والطاقة.
ما مصلحة الصين في كبح جماح روسيا طالما أن بوتين أداة فعالة لتحقيق أولويات الحزب الشيوعي الصيني؟ وتأمل بكين مشاركة الولايات المتحدة بالحرب الدائرة في أوكرانيا بغية إضعاف موقفها و يجعلها غير قادرة على تسليط الضوء على أوروبا وأسيا بآن واحد .
بالإضافة إلى ذلك تُراهن بكين على أن العدوان الروسي على أوكرانيا سيقوّض حلف شمال الأطلسي والعلاقات عبر الأطلسي . تأمل روسيا والصين في أن يؤدي اعتماد بعض الدول الأوروبية على الغاز الروسي، فضلاً عن المقترحات الفرنسية التي تدعو إلى الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي ( بعيدا عن الأمريكتين) إلى إضعاف الحلف الأطلسي وتعميق أنقسامه خاصة في وقت الأزمات . يعتمد الرئيس الصيني شي أيضاً على الأزمة السياسية والدبلوماسية الحالية ، مما يجعل موسكو مُرغمة على الاعتماد بشكل أكبر من الناحية الاقتصادية على بكين، وبالتالي يصبح الكرملين أكثر انصياعاً لخدمة المصالح الصينية.
من الواضح أن جعل الصين تلعب دور الوسيط، كما يقترح بوريل، سيزيد الطين بله بالنسبة للغرب. فالصين تسعى وراء مصالحها الجيوسياسية وتوسعتها، وهذا بدوره يشكل خطراً على الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى. وفي الآونة الأخيرة ، عززت روسيا من روابط امدادات الغاز مع الصين ، مما جعلها أقل اعتمادا على المبيعات الغربية لدعم اقتصادها.
بالإضافة إلى ذلك ، تسعى كل من موسكو وبكين إلى زيادة نفوذهما في أجزاء كبيرة من إفريقيا. فروسيا لها تواجد على الأرض الأفريقية بشكل فعلي وخاصة بشرق ليبيا ومنطقة الساحل. وتعتبر إفريقيا جزءا من الكتلة الجيوسياسية التي تبنيها الصين وروسيا بهدف تهميش دور الولايات المتحدة و زرع التفرقة بين الأوروبيين.
بدلاً من الاعتماد على بكين، يتوجّب على بروكسل أن تسعى جاهدة لمواجهة الضغوط الجيوسياسية لكل من الصين و روسيا . ولتتمكن من ذلك ينبغي أن تعزز العلاقات عبر الأطلسي من خلال إعادة بناء نظام طاقة مستقل وواضح، وتعزيز حدودها البرية والبحرية، فضلاً عن العمل على تقوية حلف شمال الأطلسي و جعله قادرا على صدّ أي عدوان خارجي.
إنها لحظة مواتية لاتخاذ قرارات مصيرية ، فعلى دول الإتحاد الأوروبي بدءا من ألمانيا إعادة تقييم علاقاتها مع بكين . بالإضافة إلى استمرار تجميد الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين المثيرة للجدل، ناهيك عن أن هذا ليس الوقت المناسب لتوسيع العلاقات الاقتصادية. من جانبه ، يتوجب أن يُدرك بايدن أن بكين ليست وسيطا موثوقًا به، لأن من أولوياتها إضعاف العلاقات عبر الأطلسي لا رأب الصدع وحل المشاكل.
ومجمل القول، إن الصين ليست الحل الأمثل لإيقاف الحرب الروسية ضد أوكرانيا بل هي جزء لا يتجزء من هذه المعضلة.
المصدر: هريتج فوندشن(The Heritage Foundation)
ترجمة: المركز الكردي للدراسات