في ذکرى وفاته.. كمال مظهر أحمد رائد الدراسات التاريخية الكردية

د. جبار قادر

غیّب الموت في السادس عشر من آذار/ مارس ٢٠٢١ رائد الدراسات التاریخیة الکردیة وعمید المؤرّخین الکرد الأستاذ الدکتور کمال مظهر أحمد.

لقد کان الراحل إنساناً نبیلاً وعالماً فذّاً ومربیاً جلیلاً جسّد في شخصە أجمل صفات العلماء. وکان رجلاً متواضعاً بحق، والتواضع، کما نعرف، زینة العلماء؛ إذْ لم یراجعە طالب أو باحث بهدف الحصول علی مساعدة أو إستشارة علمیة وردّە دون أن یقدّم لە ما یستطیع. ومن صفاتە الجمیلة أیضاً أنە کان یتراجع عن أي رأي أبداە أو أي تحلیل نشرە وإکتشف فیما بعد أنە لم یکن محقاً فیە. فالإعتراف بالخطأ فضیلة لا یدرکها إلا العلماء الأجلّاء من أمثال کمال مظهر.

و قد کرّس الراحل أکثر من خمسة عقود من عمرە للبحث والتحقیق المضني في تاریخ الکرد أولاً وقبل کل شيء، ومن ثمَّ في تاریخ العراق وإیران وأوروپا…الخ. ولقد عمل لسنین طویلة لمدد وصلت الی ١٤ ساعة في الیوم، الأمر الذي ظهرت آثارە علی وضعە الصحي في وقت مبکر من حیاتە. وکان یحضر الی مـقر عملە قبل الجمیع، فقد إلتقیت بە بناء علی طلبە في مقر عملە حین کان أمیناً عاماً للمجمع العلمي الکردي في الساعة السابعة والنصف صباحاً أي قبل بدء الدوام الرسمي بساعة تقریباً لأمور تتعلق بترشیحي لإحدی الزمالات الدراسیة التي منحتها أکادیمیة العلوم السوفیتیة للمجمع العلمي الکردي عام ١٩٧٢. لم یعمل کمال مظهر في حیاتە العلمیة والوظیفیة بروحیة الموظف المحدد بمواعید عمل معینة، بل بروحیة عاشق للعلم والحقیقة وخدمة الإنسانیة.  

ینتمي کمال مظهر أحمد الی عائلة من أهل السلیمانیة، ولکنە ولد في ناحیة آغجلر بلواء کرکوك في ١٤ شباط ١٩٣٧لأن والدە حین ولادتە کان موظفاً هناك.

يقيناً خُلِق کمال مظهر؛ لیکون مؤرّخاً؛ فقد تخرّج في قسم التاریخ بدار المعلمین العالیة (کلیة التربیة -فیما بعد) بدرجة الشرف في عام ١٩٥٩، ونشر أثناء دراستە في الجامعة وبعید إکمالها بفترة قصیرة عدداً من المقالات التاریخیة باللغتین العربیة والکردیة في جریدتيي (الأهالي) و(ژین) ومجلة (بڵێسە) وغیرها. وبعد تخرّجە قضی ستة شهور مدرساً في التعلیم الثانوي (أیلول ١٩٥٩ – آذار ١٩٦٠) وبعدها إلتحق بالمجموعة الأولی من الطلبة الذین رُشِّحوا لأکمال دراساتهم العلیا في الإتحاد السوفیتي. وقد حدث هذا الأمر لأول مرة في العراق بعد ١٤ تموز ١٩٥٨، فقد کانت الدولة العراقیة تبعث الطلاب حتی ذلك التاریخ الی بریطانیا والولایات المتحدة الأمریکیة وألمانیا الغربیة، بلْ أن بعض الطلبة من أبناء العوائل المتمکنة، من الذین لم یحصلوا علی درجات تؤهلهم للإلتحاق بالبعثات الحکومیة، و کانوا یسافرون علی حسابهم الخاص للدراسة في الجامعة الأمریکیة ببیروت أو في الجامعات الترکیة والمصریة.

وکان فقيدنا ینوي أن یتخصص في تاریخ الکرد القدیم، لکنە اختار في نهایة الأمر البحث في تاریخ الکرد المعاصر في جنوب کوردستان، وقد إتخذ قرارە هذا في ضوء رغبة أصدقائە وزملائە أولا وإندلاع  ثورة أیلول في عام ١٩٦١ثانیا. وقد طلب مني قبل سفري أن أذهب الی سان – بطرسبورغ (لینینغراد) للتخصص في تاریخ الکرد القدیم بإشراف البروفیسور المعروف إیگور میخائیلوڤیچ دیاکانوف مؤلف کتاب “تاریخ میدیا منذ أقدم العصور التاریخیة حتی القرن الرابع قبل المیلاد” والمنشور في عام ١٩٥٦. لکنني بقیت في موسکو وتخصصت في تاریخ الکرد المعاصر في شمال کوردستان. وحین زار موسکو علی رأس وفد المجمع العلمي الکردي عاتبني بلطف وقال: أراك قد إخترت أیضا التاریخ المعاصر!.           

بعد وصولە الی الإتحاد السوفیتي في آذار ١٩٦٠ أرسل الطالب کمال مظهر الی باکو عاصمة جمهوریة آذربایجان السوفیتیة وإلتحق هناك بمعهد شعوب الشرقین الأدنی والأوسط بأکادیمیة العلوم في آذربایجان، حیث أنجز أطروحتە للدکتوراە الموسومة (حرکة التحرر الوطني في کردستان العراق خلال الأعوام (١٩١٨ – ١٩٣٢) لکنە دافع عنها في معهد الإستشراق بموسکو في عام ١٩٦٣. وکان إنجازە لجمیع متطلبات الشهادة العلمیة من کورسات اللغة الروسیة والفلسفة المارکسیة – اللینینیة وإجتیاز إمتحان التخصص وإعداد الأطروحة باللغة الروسیة في ثلاث سنوات دلیلاً قویّاً علی بذل جهود جبارة من قبل هذا الطالب الکردي المتمیز. وتضمن العنوان الأصلي لأطروحتە التسمیة الأصلیة للمنطقة قبل إقامة الدولة العراقیة، أي (جنوب کردستان) ولکن الأوساط الحزبیة في الأکادیمیة الآذربایجانیة رفضت تلك التسمیة وفرضت علیە أن یتقید بالتسمیة الرسمیة المعترف بها لدیهم أي(کردستان العراق)

بعد الإنقلاب الدموي البعثي في ٨ شباط ١٩٦٣ لم یتمکن کمال مظهر شأنە في ذلك شأن أغلب الطلبة العراقیین الدارسین في الإتحاد السوفیتي من العودة الی العراق؛ لأن أغلبهم کانوا من الشیوعیین الذین أقام الإنقلابیون المجازر بحق رفاقهم في العراق وهرب الناجون منهم الی جبال کردستان. سحبت جوازات سفر الطلبة من قبل الحکومة البعثیة؛ فغدوا أفراداً بدون صفة المواطنة ؛ حسب القوانین السوفیتیة السائدة. لکنّما لم ینل هذا الأمر من عزیمة الدکتور کمال مظهر؛ إذْ سجّل علی دکتوراە ناووک (دکتوراە علوم) وهي أعلی شهادة دراسیة ینالها طالب العلم في الإتحاد السوفیتي وفي روسیا الحالیة. في حين قضی الکثیر من الباحثین السوفیت سنیناً طویلة إمتدت لعشر سنوات أو أکثر قبل أن یحصلوا علیها، لکن الراحل تمکن أن ینجز أطروحتە خلال ست سنوات فقط ودافع عنها بنجاح في عام  ١٩٦٩ في نفس المعهد المشار إلیە أعلاە في موسکو. وقد حملت أطروحتە الجدیدة نفس عنوان سابقتها، لکنها غطّت فترة زمنیة أطول( ١٩١٨- ١٩٥٨). وقد إطلعت علی منجزە العلمي هذا عندما کنت منشغلاً بإعداد أطروحتي للدکتوراە خلال سبعینات القرن الماضي في مکتبتيي لینین ومعهد الإستشراق التابع لأکادیمیة العلوم السوفیتیة في موسکو، وهو يقع في ثلاثة مجلدات ویبلغ عدد صفحاته ٧٣٥ صفحة. ولم أطلع شخصیاً علی کتاب أو دراسة علمیة في تاریخ الکرد الحدیث أو تاریخ العراق المعاصر باللغة الروسیة دون أن أشاهد فیه أو فیها إشارات عدیدة الی أطروحتيي الدکتور کمال مظهر وکتابە ودراساتە ومقالاتە التي نشرها خلال السنوات التي قضاها في باکو، فقد نشر العدید من البحوث والدراسات والمقالات في حقل إختصاصە باللغة الروسیة في المجلات العلمیة الصادرة عن معهد الإستشراق بموسکو مثل مجلات: (آسیا وأفریقیا الیوم) و (شعوب آسیا وأفریقیا) وکذلك (أنباء أکادیمیة علوم آذربایجان السوفیتیة) التي درس فی أحد معاهدها وعمل بعد ذلك باحثاً علمیاً ومحاضراً فيه. کما ساهم في الفترة التي قضاها هناك في کتابین نُشِرا في عاميي ١٩٦٧ و ١٩٧١، وهما: (ثورة أکتوبر العظمی والنضال التحرري لشعوب الشرقین الأدنی والأوسط) و (تكوّن الطبقة العاملة في بلدان آسیا وأفریقیا). ومن الجدير أن نشیر هنا الی الکتاب الذي نشرە في موضوع أطروحتە الأولی باللغة الروسیة في باکو عام ١٩٦٧في حين لم یکن يسيراً نشرُ أطروحة طالب أجنبي علی شکل کتاب، إلّا إذا کانت متمیزة وتستحق النشر.  

عبر عملنا في لجنة جمع وتدقیق وإعادة نشر النتاج العلمي والثقافي للراحل کمال مظهر، والتي شکلناها قبل وفاتە بأیام قلیلة، ومن خلال إطلاعي علی نتاجاتە العلمیة باللغة الروسیة، وکتبت في ذلك مقالاً خاصّاً، توصلت الی أن ما کتبە بالروسیة یتجاوز الألف وخمسمائة صفحة، سنعمل علی ترجمتها الی اللغة الکردیة ونشرها في المستقبل. وأود هنا أن أشیر الی أننا في اللجنة المشار إلیها قسمنا منجزە العلمي والثقافي الی ستة أقسام، أنجزنا الأول منها ویضم مؤلفاتە باللغتین العربیة والکردیة وبلغ عدد صفحاتها ٧١٥٦ صفحة جاهزة للطبع في عشر مجلدات ضخمة. أما القسم الثاني من مشروعنا هذا فسیضم کل ما نشرە من دراسات ومقالات في الجرائد والمجلات الکردیة والعربیة. وسنخصص الجزء الثالث لما کتبە باللغة الروسیة. وستکون مقدماتە العدیدة للکتب ضمن الجزء الرابع من المـشروع، ویضم الجزء الخامس المقابلات واللقاءات الکثیرة التي أجریت معە في الجرائد والمجلات باللغات المختلفة. وسیکرس الجزء الأخیر لما کتب عنە من کتب ودراسات ومقالات. 

مَنْ یطّلع علی کتابات الدکتور کمال مظهر أحمد خلال سنوات دراستە وإقامتە في باکو یدرك بأنه ذو إهتمامات متشعبة تتجاوز حدود تخصصە العلمي العام والدقیق؛ فقد کتب في مختلف القضایا التاریخیة والسیاسیة لدول الشرقین الأدنی والأوسط والعلاقات الدولیة في المنطقة. وقد قيّم مؤلفات العدید من الباحثین العرب والأجانب مثل الهلالي (المسألة العمانیة)، والدکتور عبداللە الفیاض (الثورة العراقیة الکبری)، ومحمد مهدي کبّة (مذکراتي في صمیم الأحداث) وکتابيي الدکتور محمد سلمان حسن (تطور الإقتصاد العراقي) و(دراسات في الاقتصاد العراقي) و کتاب نعمان ماهر الکنعاني (ضوء علی شمال العراق) وأمین سامي الغمراوي (قصة الأکراد في شمال العراق) وعبداللطیف الشواف (حول مسألة النفط في العراق) وکتاب(الموارد الإقتصادیة في الوطن العربي) لمجموعة من المؤلفین، وکتاب ماتفییف (بارمتاي) ومار یوحنا (القضیة الآثوریة أثناء وبعد الحرب العالمیة الأولی) وغیرها. وکان الدکتور کمال مظهر أحمد یهدف من تقيیمە لهذە الکتب تعریف قراء اللغة الروسیة بمضامین هذە الکتب من ناحیة والرد علی العدید من الآراء الخاطئة والأفکار الشوفینیة الواردة فیها، وخصوصا فیما یتعلق بالکرد، من ناحیة أخری.

و كذلك أنجز في تلك الفترة دراسة مهمة عن کردستان خلال سنوات الحرب العالمیة الأولی؛ لیکون جزءً من کتاب (تاریخ الشعب الکردي منذ العصور القدیمة حتی الوقت الحاضر) والذي کانت الأکادیمیة العلمیة في کل من آذربایجان وأرمینیا تنوی إنجازە وقد کلّفوا الدکتور کمال مظهر بکتابة هذا الجزء منە، ولقد أنجز ما کُلّف بە، لکن هذا المشروع العلمي المهم لمْ یرَ النور. وبعد مرور أکثر من ثلاثة عقود قام عدد من أبرز المتخصصین بالدراسات الکردیة من أمثال م. س. لازریف، م. أ. هسراتیان، شاکروي محويي، إ. ڤاسیلیڤا و أو. ژیگالینا بإصدار کتاب بعنوان (تاریخ کردستان) فی موسکو في عام ١٩٩٩. ولکن هذا الکتاب رغم أهمیتە لم یغطِّ کل مراحل تاریخ الکرد وکردستان.

ومن الجدیر بالذکر أن جهد الراحل کمال مظهر أحمد لم یذهب سدی، بل قام بترجمة دراستە هذە الی اللغة الکردیة ونشرها علی شکل حلقات في (مجلة المجمع العلمي الکردي) أولا ومن ثم ککتاب في عام ١٩٧٥ تحت عنوان (کردستان في سنوات الحرب العالمیة الأولی) والذي سرعان ما ترجمە الأستاذ محمد الملا عبدالکریم المدرس الی اللغة العربیة ونشرە في عام ١٩٧٧ لیعاد طبعە ثلاث مرات في السنوات اللاحقة.

ونشر الدکتور کمال مظهر خلال دراستە وعمـلە في باکو العدید من المقالات السیاسیة حول الأحداث الساخنة في منطقة الشرق الأوسط في جریدتيي (باکینسکي رابوچي – العامل الباکوي) و (ڤیشکا = البرج) ورکز في مقالاتە علی نضال الشعوب ضد مستعبدیها ومبدیا تعاطفە الشدید معها.

لقد ساعدە إتقانە للغتین العربیة والروسیة، فضلاً عن معرفتە الواسعة بشعوب المنطقة وتاریخها وثقافاتها علی الإبداع في الکتابة والتأثیر الإیجابي علی القراء. ونشر بعض مقالاتە ودراساتە في الإصدارات السوفیتیة بعد عودتە الی العراق. فقد أشارت الباحثة الأرمنیة السوفیتیة المشهورة جاکلینا موسائلیان في مؤلفها القیم “بیبلیوغرافیا الدراسات الکردیة” الی بعض مقالاتە ودراساتە، لعل من أهمها:

*. قضایا العراق الآنیة التي لا تقبل التأجیل، جریدة (العامل الباکوي) في ٩ شباط.

*.حول القوی المحرکة في الحرکة التحرریة الوطنیة في کردستان العراق في الأعوام (١٩١٨ – ١٩٣٢)، مجلة (أخبار الأکادیمیة العلمیة في جمهوریة آذربایجان الإشتراکیة السوفیتیة)، سلسلة (التاریخ، الفلسفة والقانون)، العدد ٢، باکو ١٩٦٦، مع ملخص باللغة الآذربایجانیة.

*.حرکة التحرر الوطني في کوردستان العراق في سنوات ١٩١٨ – ١٩٣٢، باکو ١٩٦٧، ١٨٣ صفحة.

*.إضراب عـمال النفط في کرکوك في عام ١٩٤٦، في (مجلة شعوب آسیا وأفریقیا) العدد ٦، موسکو ١٩٦٨.

*. حول قضیة الآثوریین في العراق في سنوات ١٩١٨ – ١٩٥٨، في مجلة (أخبار الأکادیمیة العلمیة في جمهوریة آذربایجان الإشتراکیة السوفیتیة)، سلسلة (التاریخ، الفلسفة والقانون) العدد ٢، باکو ١٩٦٩.

*. حرکة التحرر الوطني في کردستان العراق في السنوات ١٩١٨- ١٩٥٨، أطروحة دکتوراە علوم مقدمة الی معهد الدراسات الشرقیة، في ثلاثة مجلدات، ٧٣٥ صفحة، موسکو ١٩٦٩. وطبع ١٥٠ نسخة من ملخص الأطروحة في ٤٦ صفحة ووزعت نسخ منها علی المؤسسات العلمیة ذات العلاقة وأهم المکتبات في جمهوریات الإتحاد السوفیتي.

*. حول کتاب (أمین سامي الغمراوي، قصة الأکراد في شمال العراق، القاهرة، ١٩٦٨) في (مجلة شعوب آسیا وأفریقیا) العدد ٦، موسکو ١٩٦٩.

*. دور الکرد في الحرکة التحرریة العراقیة في عام ١٩٢٠(مجلة شعوب آسیا وأفریقیا)، العدد ٥، موسکو ١٩٧٣.

*. خطوة مهمة، صحیفة (العامل الباکوي)، ١٤ تموز ١٩٦٤، مقال تحدث فیە عن بیان ٢٩ حزیران الذي أصدرته حکومة عبدالرحمن البزّاز بشأن حل القضیة الکردیة في العراق.

* . قرار مهم، جریدة (العامل الباکوي)، ٢٠ آذار ١٩٧٠، مقال تحدث فیە عن إتفاقیة ١١ آذار ١٩٧٠ بين قیادة الحرکة الکردیة والحکومة العراقیة.

*. الصحافة التقدمیة الکردیة عن ثورة أكتوبر العظمی، في کتاب (أكتوبر العظیم والنضال التحرري لشعوب الشرقین الأدنی والأوسط)، باکو ١٩٦٧.

*. عن تاریخ صدور أول جریدة کردیة، “مجلة شعوب آسیا وأفریقیا”، العدد ٤، موسکو ١٩٦٨.

*. حول کتاب (ماتفییف – برمتاي و ي. ي. ماریوحنا، المسألة الآثوریة خلال وبعد الحرب العالمیة الأولی ١٩١٤ – ١٩٣٣)، في (مجلة شعوب آسیا وأفریقیا)، العدد ٦، موسکو ١٩٧٠.

*. جوانب من تکوّن الطبقة العاملة العراقیة، في کتاب ( تكوّن الطبقة العاملة في بلدان آسیا وأفریقیا)، موسکو ١٩٧١.

*. المجمع العلمي الکردي، (مجلة آسیا وأفریقیا الیوم)، العدد ٤، موسکو ١٩٧٢.

*. ثورة أکتوبر والمشرق العربي، في (مجلة الأکادیمیة العلمیة الآذربایجانیة)، باکو ١٩٦٧. 

إضافة الی ذلك نشر الراحل الدکتور کمال مظهر مجموعة مقالات عن الأحداث الساخنة التي شهدتها دول الشرق الأوسط في النصف الثاني من الستینات في جریدتيي (باکینسکي رابوچي = أي العامل الباکوي) و(ڤیشکا = البرج) عن الأحداث في عمان والیمن ومصر وغیرها.

لقد تحقق القراء من إمکانیاتە العلمیة والثقافیة الکبیرة بعد عودتە الی العراق في تموز من عام ١٩٧٠، في ظل ربیع السلام القصیر الذي ساد لفترة عقب إتفاقیة ١١ آذار بین الحکومة العراقیة وقیادة الحرکة الکردیة. وقد عمل الراحل منذ ذلك الوقت أستاذا في جامعة بغداد وحتی تقاعدە عن العمل في ٢٠٠٧. لقد واجە الراحل منذ إلتحاقە بالعمل مضایقات نابعة من المواقف المسبقة إزاء خریجي الإتحاد السوفیتي أولاً ومن غیرة زملاء کسولین في مجال البحث العلمي والذین أثار نشاط کمال مظهر حسدهم وحقدهم. وقد عُیّن کمال مظهر بدرجة مدرس في الوقت الذي کانت شهادتە تؤهلە علی التعيين بدرجة أستاذ مساعد علی أقل تقدیر. ولکن ذلك لم ینل من عزیمتە إذ ترقی الی تلك الدرجة بعد ثلاث سنوات فقط (١ نیسان ١٩٧٣). وعند تقدیم معاملتە للترقیة الی درجة الأستاذیة واجە عراقیل عدیدة من قبل إدارة الکلیة ولجنة الترقیات وعدد من زملاء المهنة وأرسلت معاملتە لأکثر من مرة الی أساتذة مختلفین في داخل وخارج العراق جری إختیارهم علی أساس مواقفهم المناهضة من الأفکار التي کان یتبناها کمال مظهر في کتاباتە، ولکن التقییمات جاءت دوما تؤکد علی أن دراساتە وبحوثە أصیلة، الأمر الذي لم یکن علی هوی حسّادە وأعدائە ورقي في النهایة الی مرتبة الأستاذیة في ٣ شباط ١٩٨١. وکانت ترقیتە الی مرتبة الأستاذیة خلال عشر سنوات من العمل في الجامعة تعتبر فترة قصیرة آنذاك وأثارت هذە أیضا غیظ الحساد من الزملاء ومن بینهم أساتذة من الأرومة الکردیة!

تعود معرفتي بالراحل کمال مظهر الی تاریخ مباشرتە بالعمل في قسم التاریخ خلال العام الدراسي ١٩٧٠ / ١٩٧١، حیث کنت طالبا في المرحلة الثالثة بقسم التاریخ/ کلیة التربیة الملغاة. ودرّسنا الراحل مادة تاریخ الشرق الأدنی الحدیث في ذلك العام. مع محاضراتە الأولی لمس الطلبة أسلوباً جدیداً في عرض الحقائق التاریخیة ولغة جدیدة في التحلیل فضلا عن نمط جدید من التعامل بین الأستاذ والطالب. وخلال فترة قصیرة سادت علاقات الود بین الطلبة والأستاذ الجدید. بطبیعة الحال لعب عامل إنتماء أغلب الطلبة في مرحلتنا الی التیار الیساري العراقي دورا مهما في هذا الأمر، وکان شرح الدکتور کمال مظهر للمصطلحات السیاسیة السائدة في الفکر الیساري والأسئلة الفکریة التي کانت تطرح علیە ویجیب عنها بحریة وأریحیة تخلق أجواء ثقافیة بعیدة عن الروح المحافظة السائدة في القاعة الدراسیة. ولم یکن الخوف من سطوة البعث قد سیطر بعد علی الناس، وکان البعثیون یشکلون أقلیة منبوذة بین طلبة کلیة التربیة الذین کانوا ینتمون في أغلبهم الی الطبقات الفقیرة والمتوسطة من المجتمع العراقي وإلتحقوا بهذە الکلیة لأنها کانت تضمن لهم الحصول علی الوظیفة بعد التخرج مباشرة.         

خلال فترة قصیرة برز إسم الدکتور کمال مظهر أحمد کأحد أنشط الأساتذة لا في الجامعة فحسب، بل علی الساحة الثقافیة العامة وخصوصا بین الکرد. فقد کان الرجل کتلة من النشاط والحیویة وبدأ ینشر البحوث والمقالات في المجلات والجرائد ومنها (التآخي) و (برایتي) و(شمس كردستان) وغیرها. کما کان مشرفا علی الصفحة الثقافیة لجریدة (التآخي) التي کانت تصدر في بغداد وتعتبر آنذاك من أشهر الصحف في العراق. ورغم أن الجریدة کانت تابعة للحزب الدیمقراطي الکردستاني، إلا أن کتابات معظم الکتاب الیساریین واللیبرالیین والدیمقراطیین العراقیین کانت تجد طریقها الی النشر علی صفحات الجریدة.     

وکان تسنمە لمنصب الأمین العام للمجمع العلمي الکردي خلال الفترة (١٩٧١ – ١٩٧٥) نقلة مهمة في مسیرتە العلمیة والثقافیة، فقد أقام علاقات وثیقة مع العدید من المجامع العلمیة العربیة والأوروبیة وحصل من خلالها علی مقاعد دراسیة للدکتوراە في الإختصاصات الکردیة من أکادیمیة العلوم السوفیتیة، وکان کاتب هذە السطور أحد المرشحین لشغل تلك المقاعد. وقد جری إختیار المبعوثین علی أساس درجاتهم، إذ کنا الأوائل علی أقسامنا، وسافرنا ضمن الوجبة الأولی أربعة مبعوثین  لإکمال دراسة الدکتوراە، وهم الآن جمیعا متقاعدون بمرتبة أستاذ، یعیش أحدهم في الولایات المتحدة الأمریکیة وکاتب هذە السطور في هولندا، بینما یقيم الآخران في أربیل والسلیمانیة. وکان للأستاذ الراحل الدکتور کمال مظهر فضل کبیر عليّ شخصیاُ؛ إذ شجعني علی السفر والحصول علی الدکتوراە وبقي متابعا لدراستي ومسیرتي العلمیة. وبعد حصولي علی الدکتوراە وعودتي کنت أحد المقربین الیە وکان لي الشرف أن أعمل معە في السنوات الأخیرة من حیاتە عضواً عاملاً في الأکادیمیة الکردیة (المجمع العلمي الکردي سابقا) وذلك خلال الأعوام ( ٢٠٠٧ – ٢٠١٦) وقد زرتە آخر مرة بعد اشتداد المرض علیە في بون بألمانیا وبقیت علی إتصال وثیق معه وزوجتە الفاضلة حتی فارق الحیاة هناك في ١٦ من آذار ٢٠٢١.

تألمت کثیراً حین شاهدت ذلك الرجل النشط والمتحدث اللبق قد حوّلە المرض الی إنسان صامت حزین غیر قادر علی المشي دون مساعدة رفیقة حیاتە التي تحملت عبئاً کبیراً وبقیت ساهرة علی صحتە وخدمتە سنینا طویلة. ولابد أن أشیر الی وفاء الزمیل والصدیق علي عجیل منهل، الذي درسنا معا التاریخ علی ید الدکتور کمال مظهر، فقد وقف هذا الزمیل الی جانبه وفي خدمتە منذ وصولە الی ألمانیا للعلاج وحتی وفاتە في ١٦ آذار ٢٠٢١. 

من الصعوبة بمکان الإحاطة بالنتاج العلمي والثقافي للأستاذ الدکتور کمال مظهر أحمد خلال مقال أو دراسة وحتی کتاب واحد؛ لأن الرجل کان ذا إهتمام واسع وإمتلك ثقافة موسوعیة وشمل نتاجە العلمي والثقافي جوانب عدیدة من تاریخ الکرد وتاریخ العراق وإیران وأوروبا في عصر النهضة وغیرها. وکان کتابە (التاریخ: دراسة موجزة لعلم التاریخ والکرد والتاریخ – ١٩٨٣) باللغة الکردیة رائدا في مجالە، إذ إستعرض بشکل مکثف تطور علم التاریخ علی مدی أکثر من ألفي عام وألحقە بیبلیوغرافیا غنیة عن النتاج التاریخي الکردي حتی منتصف الثمانینات من القرن الماضي. وقد نشر کاتب هذە السطور في حینە عرضاً مفصلاً للکتاب باللغة العربیة في (مجلة کاروان) التي کانت تصدر في أربیل.

وقبل ذلك کان کتابە (کردستان خلال سنوات الحرب العالمیة الأولی) بالکردیة أولا (١٩٧٥) وبالعربیة فیما بعد (١٩٧٧) مؤلفا فریدا في بابە وقد نال إعجاب الباحثین والقراء. وقد قام الأستاذ الراحل محمد الملا عبدالکریم المدرس بترجمتە الی اللغة العربیة بإشراف المؤلف، والذي أضاف الکثیر الی الطبعة العربیة (وصدرت منها لحد الآن ثلاث طبعات). مثل هذا الکتاب بدایة مرحلة مهمة في دراسة التاریخ الکردي بصورة علمیة منهجیة، لذلك نال إهتماما واسعا وقيّم من قبل العدید من المؤرخین والباحثین. وترجم فیما بعد الی الإنکلیزیة (١٩٩١)، کما ترجم فصل منە  الی اللغة الترکیة (١٩٨٦)، وأتخذ نفس الفصل أساسا لرسالة ماجستیر قدمت الی إحدی الجامعات الفرنسیة. ومن الجدیر بالذکر أن الراحل کان قد أنجز هذە الدراسة باللغة الروسیة أصلاً وقبل عودتە من الإتحاد السوفیتي کما أشرنا الی ذلك أعلاە. 

ویمثل کتابە حول جریدة (تیگەیشتنی راستی – فهم الحقیقة ودورها في الصحافة الکردیة) في عام ١٩٧٨ نتاجا متمیزا في مجالە، فقد أصدر الإحتلال البریطاني هذە الجریدة بعد إحتلالە للعراق مباشرة بهدف التأثیر علی الرأي العام الکردي. وکان الراحل یجلس یومیا في مکتبة المتحف العراقي لساعات لیستنسخ بیدە ماتم نشرە في أعداد الجریدة کلمة کلمة، وکان ذلك عـملا شاقا لا یستطیع القیام بە سوى أناس عشقوا العلم والبحث. آنذاك لم تکن هناك أجهزة إستنساخ وتصویر وما الی ذلك من الوسائل التي یتمتع بها الباحثون الیوم. وتحول هذا الکتاب الی مرجع مهم عن تاریخ الصحافة الکردیة، التي تناولها الراحل في العدید من دراساتە ومقالاتە قبل وبعد نشر هذا المؤلف المهم. وجاء کتابە (المرأة في التاریخ: بحث تاریخي إجتماعي موجز – ١٩٨١) وحیدا في بابە أیضا، إذ أن موضوع المرأة ودورها في التاریخ لم یلقَ الإهتمام اللازم من لدن المؤرخین والباحثین حتی ذلك التاریخ. فقد بقیت الدراسات التاریخیة ترکز علی الأحداث والتطورات السیاسية عموما وقلما أولي الاهتمام للجوانب الإجتماعیة والثقافیة للعملیة التاریخیة. ترجم هذا الکتاب الی اللغة الفارسیة ونشر في السوید عام (١٩٩٤). کما أن کتابە (صفحات من تاریخ الشعب الکردي) بجزئیە الأول والثاني والمنشورین في عامي ١٩٨٥ و ٢٠٠١ یحتوي على کم کبیر من الأخباروالمعلومات والتحلیلات التاریخیة العمیقة. فقد ضم الکتابان عددا کبیرا من بحوثە ودراساتە ومقالاتە المتعلقة بمختلف حلقات التاریخ الکردي الحدیث والمعاصر. ولم يكن الرجل  یجامل في دراساتە أحدا علی حساب الحقائق التاریخیة، بل حاول جهدە أن یبقی موضوعیا ومنصفا في آرائە وتحلیلاتە. 

ونشر في خضم المناقشات الحامیة بصدد قضیة کرکوك ومحاولات تشویە الحقائق التاریخیة والجغرافیة المتعلقة بها کتابە (کرکوك وتوابعها – دراسة وثائقیة عن القضیة الکردیة) الجزء الأول، وذلك في عام ٢٠٠٤. والراحل کمال مظهر هو کرکوکي المولد رغم کون عائلتە من السلیمانیة أصلا وقضی حیاتە فیها، فقد ولد في ناحیة آغجلر التابعة لقضاء چمچمال والذي کان یتبع لواء کرکوك قبل أن یقطع البعث أوصال المحافظة ویلحق چمچمال وکلار بالسلیمانیة وکفري بدیالی وطوزخورماتو بصلاح الدین. فقد کان والدە موظفا في آغجلر أثناء ولادتە ومن هنا ظهرت آراء مغلوطة إعتبرتە کرکوکي الأصل، رغم إعتزازە الکبیر بولادتە في ناحیة کانت تابعة لهذا اللواء. 

وأخیراً إستغل فرصة ذهابە للعلاج الی بریطانیا لدراسة وثائق (الأرشیف الوطني البریطاني) وقضی فترة عام ونصف تقریبا خلال( ٢٠٠٧- ٢٠٠٨) یدرس تلك الوثائق لیخرج من دراساتە هذە في ضوء الوثائق البریطانیة بقناعات جدیدة حول العدید من الأحداث والتطورات السیاسیة المتعلقة بالقضیة الکردیة وتاریخ العراق المعاصر. من المؤسف أن المرض لم یمهلە لکي یدقق ویفصل في قناعاتە الجدیدة وینشرها في مؤلفاتە اللاحقة. مع ذلك خرج من تدقیقە لتلك الوثائق في الأرشیف البریطاني بکتاب مهم في مجلدین ضخمین بلغ عدد صفحاتهما أکثر من ١٥٠٠ صفحة تحت عنوان (الکرد وکردستان في ضوء الوثائق السریة للحکومة البریطانیة) طبع الجزء الأول منهما في بیروت عام ٢٠٠٨  في ٨٢٤ صفحة في حین نشر الجزء الثاني في ٢٠١١ في بیروت أیضا، وهناك طبعة ثانیة للجزء الأول صدرت في بیروت أیضا. وعرض فقید العلم والثقافة في کتابە هذا العدید من الوثائق السریة البریطانیة مع تحلیلات معمقة لمضامینها والمقاصد الحقیقیة لکتابها ومرسلیها.

کما خص الراحل تاریخ العراق بعدد من کتبە القیمة مثل (صفحات من تاریخ العراق المعاصر – ١٩٨٧) و(الطبقة العاملة العراقیة، التکوّن وبدایات التحرك – ١٩٨١) و(ثورة العشرین في الإستشراق السوفیتي -١٩٧٧) و (دور الشعب الکردي في ثورة العشرین العراقیة- ١٩٧٨) کما أعد مذکرات کل من فؤاد عارف) بجزئیها الأول والثاني و (مذکرات أحمد مختار بابان آخر رئیس وزراء عراقي) للطبع وقدّم لهما. وتشعبت إهتماماتە لتشمل تاریخ المنطقة أیضا، إذ  کتب وألف فیە بعضا من أهم ماکتبە مثل (دراسات في تاریخ إیران الحدیث والمعاصر- ١٩٨٥) و(أضواء علی قضایا دولیة في الشرق الأوسط) في عام ١٩٧٨. تحولت مؤلفاتە هذە الی مراجع مهمة للباحثین والمهتمین بشؤوون بلدان الشرق الأوسط. وکأي باحث رصین ودقیق لم یکن الراحل یکرر ماتناولە الآخرون من القضایا والمواضیع، بل کان یبحث عن أرض بکر یحرث فیها، لذلك جاءت دراساتە ومؤلفاتە أصیلة ومبتکرة.

ومن بین أسالیبە المحببة في البحث والدراسة أنە کان یؤلف بعض کتبە بعد أن یقوم بتدریس موضوع ما في الدراسات الأولیة أوالدراسات العلیا لسنوات عدیدة. وقد ساعدە علی ذلك أنە کان یعد محاضراتە بعنایة فائقة من خلال الإطلاع علی مصادر ومراجع مختلفة باللغات التي کان یتقنها، وبعد أن کان یشعر بأنە تعمق في الموضوع  بما فیە الکفایة وإطلع علی جوانبه المختلفة، عند ذلك فقط کان یفکر بالبحث والتألیف فیه، لذلك جاءت دراساتە متمیزة في مختلف المواضیع التي تناولها. وکانت المحاضرة لها قدسیتها عندە وقد أکد أکثر من مرة بأنە لم یدخل القاعة الدراسیة دون أن یحضر موضوع المحاضرة ویحدث معلوماتها من خلال المصادر والمراجع الحدیثة لیقدم حقائق جدیدة أو تحلیلات مبتکرة. أما بخصوص المحاضرات العامة التي کان یلقیها في الجامعات والمراکز الثقافیة المختلفة فقد کان یتهیأ لها ببحث متکامل تقریبا، وقد تحولت بعضها فیما بعد الی نواة لکتب ومؤلفات مهمة. فقد عرض الأفکار الرئیسیة  لکتابە (التاریخ)، مثلا، في محاضرة عامة ألقاها علی أساتذة وطلبة جامعة البصرة.

وکان إهتمام کمال مظهر بأحداث التاریخ الأوروبي کبیرا ویعتبر تجارب الشعوب الأوروبیة عبر حلقات تاریخها في العصور الوسطی والعصور الحدیثة مهمة للغایة وعلی الشعوب الشرقیة الإستفادة منها إذا أرادت أن تنهض من کبوتها وتخلفها. فقد أثارت تجارب عصر النهضة الأوروبیة وحرکات الإصلاح الدیني وأحداث الثورة الفرنسیة إهتمامە وألف عنها بعض مؤلفاتە المهمة. کما تناول في کتبە الأفکار السیاسیة التي سادت أوروپا في العصر الحدیث فقد کتب عن نیکولو مکیاڤیللي والمکیاڤیلیة وعن الفاشیة الإیطالیة والنازیة الألمانیة. وکان یهدف من وراء تناولە لهذە المواضیع دفع القراء الی المقارنة بینها وبین سیاسات وسلوك السلطة الفاشیة القائمة في بغداد آنذاك. لقد أبدع الراحل حقا في هذا الباب من خلال کتبە (النهضة – ١٩٨٤) و (مکیاڤیللي والمکیاڤیلیة-١٩٨٤) وفیما بعد (تاریخ الدول العظمی بین الحربین العالمیتین) وقبلها (موجز تاریخ أوروبا الحدیث – من عصر النهضة حتی الثورة الفرنسیة – لم یطبع هذا الکتاب رغم أنە ذکر في سیرتە الذاتیة بأنە معد للطبع) فضلا عن دراساتە المعمقة حول دور الأدیب والمثقف الکردي في ضوء تجارب عصر النهضة الأوروبیة والتي تشکل ثروة معرفیة  کبیرة قومت في حینها  تقویما إیجابیا من لدن العدید من المفکرین والمبدعین. وقد ترجم الکثیر من کتبە التي کتبها باللغة العربیة الی اللغة الکردیة وقسم منها بالعکس.

الی جانب التألیف قام الراحل بترجمة بعض المؤلفات من الروسیة الی العربیة مثل (حول مسألة الإقطاع بین الأکراد) لعربێ شمو (عرب شامیلوف) و(الکرد أحفاد المیدیین) للبروفیسور ڤلادیمیر مینورسکي، کما ترأس اللجان التي قامت بترجمة خمسة کتب دراسیة تاریخیة من اللغة العربیة الی اللغة الکردیة. وإهتم الراحل إهتماما خاصا بتقدیم قراءات نقدیة للکتب المنشورة ولدیە في هذا الجانب العدید من المقالات باللغات الکردیة، العربیة والروسیة. 

ونشر الدکتور کمال مظهر أحمد مئات البحوث والدراسات والمقالات باللغات الکردیة والعربیة  والروسیة في إحدی وعشرین مجلة وجریدة تناولت مختلف المواضیع التاریخیة والفکریة. کما قيّم عشرة کتب عربیة وروسیة ونشر تقییماتە هذە باللغة الروسیة في مجلتيي (آسیا وأفریقیا الیوم) و(شعوب آسیا وأفریقیا) التي کان معهد الإستشراق یصدرهما بموسکو. کما نشر مقالات صحفیة باللغات الروسیة والکردیة والعربیة في جرائد: (الأهالي)، (ژین)، (هاوکاری)، (التآخي)، (العراق)، (حقوق الإنسان)، (الإعلام)، (باکینسکي رابوچي)، (ڤیشکا) وغیرها. وقدّم لأکثر من خمسة وعشرین کتابا باللغتین العربیة والکردیة. وکانت هذە الکتب في الأصل رسائل ماجستیر أو أطاریح دکتوراە أشرف علیها الراحل بنفسە.

وفي حقل التعلیم ألقی محاضرات علی طلبة البکالوریوس في المراحل الثانیة، الثالثة والرابعة في مواد تاریخ العراق المعاصر، تاریخ الکرد الحدیث، النهضة الأوروبیة، تاریخ أوروبا الحدیث، أوروبا في القرن التاسع عشر، الدول الکبری، الشرق الأدنی الحدیث والمعاصر، تاریخ العلاقات الدولیة الحدیث والمعاصر، تاریخ إیران الحدیث والمعاصر، تاریخ ترکیا الحدیث والمعاصر ومنهج البحث التاریخي.

وفي حقل الدراسات العلیا ألقی محاضرات علی طلبة الدبلوم العالي والماجستیر والدکتوراە في معهد الشرقین الأدنی والأوسط بأکادیمیة علوم آذربایجان وکلیتي الآداب والتربیة ومعهد البحوث والدراسات العربیة التابع لجامعة الدول العربیة والمعهد العالي للدراسات القومیة والإشتراکیة بجامعة المستنصریة ومعهد التاریخ والتراث العلمي العربي وکلیة الدفاع الوطني بجامعة البکر في مواد تاریخ العراق الحدیث والمعاصر، ودراسات في التکوین الإجتماعي والتطور الإقتصادي في العراق في أواخر القرن التاسع عشر – بدایة القرن العشرین وخصائص العلاقات الدولیة المعاصرة والفکر الأوروبي في عصر النهضة ومنهج البحث التاریخي والفکر النازي والفاشي وأصول التحلیل التاریخي وخصائص تاریخ إیران الحدیث والمعاصر وإیران في العهد القاجاري ودراسات في تاریخ ترکیا الحدیث والمعاصر.

کما ألقی محاضرات عامة في شتی الموضوعات التاریخیة والثقافیة في معظم الکلیات الإنسانیة التابعة للجامعات العراقیة وفي العدید من المؤسسات العلمیة والثقافیة مثل (إتحاد المؤرخین العرب) و(إتحاد الأدباء في العراق) و ( جمعیة حقوق الإنسان) و( جمعیة الثقافة الکردیة) و( دار الثقافة والنشر الکردیة) و(نادي الأرمن) و ( الجمعیة الأرمنیة الخیریة) و(مرکز آشور پانیبال الثقافي) و (نادي صلاح الدین) و (مؤسسة عبدالحمید شومان الأردنیة) وغیرها. 

وشارك أستاذنا الراحل في أکثر من عشرین مؤتمراً علمیاً في موسکو، بغداد، باریس، تونس، الدوحة وغیرها، کما منع من المشارکة في العدید من المؤتمرات الدولیة والندوات التي کان قد تلقی منها دعوات من خارج العراق.

أشرف الراحل کمال مظهر في ضوء المعلومات الموثقة لدي حتی نهایة القرن الماضي فقط علی  أکثر من (٢٠ رسالة ماجستیر) في حقل التاریخ المعاصر ومثلها من أطروحات الدکتوراە.  وحسب علمي أشرف بعد هذا التاریخ أیضا علی العدید من رسائل الماجستیر وأطاریح الدکتوراە، ولکنني أتحدث هنا عن الموثق لدي فقط. کما شارك في مناقشة ٢٩ رسالة ماجستیر و٢٧ أطروحة دکتوراە إمّا رئیسا للجنـة المناقشة أو عضوا فیها. وکان یتهیأ للمناقشة کما یتهیأ الطالب للإمتحان، إذ کان یقرأ الرسائل والأطروحات بعنایة کبیرة ویدقق في المعلومات الواردة فیها ویرجع في أحیان کثیرة الی مصادر متنوعة في مکتبتە العامرة لیتأکد من حقیقة تاریخیة أو تحلیل علمي وارد في هذە الرسائل العلمیة. وشارك في مناقشة عدد کبیر من رسائل الدبلوم العالي في کلیة الدفاع الوطني بجامعة البکر ومعهد البحوث والدراسات العربیة التابع لجامعة الدول العربیة. کما أختیر خبیرا علمیا لتقيیم العشرات من بحوث الترقیة العلمیة الی مرتبتي الأستاذیة والأستاذ المساعد ولرسائل الماجستیر وأطروحات الدکتوراە وبحوث التعضید والنشر في المجلات العلمیة في مختلف الکلیات الإنسانیة بالجامعات العراقیة.

قيّمت جرائد ومجلات عراقیة عربیة وکردیة وکتاب وباحثون کرد وأجانب مؤلفاتە مرارا، کما قيمت صحف عربیة عدیدة مؤلفاتە مثل (کل العرب) و (الحیاة) و (الرأي) و ( الدستور) و (الشعب) ونشرت ملخصات لمحاضراتە التي قدّمها. کما قيّمت الأوساط العلمیة السوفیتیة جهدە العلمي مرارا. وکتب الباحث البریطاني هربرت إیڤانس عن کتابە الذي صدر باللغة الروسیة عام ١٩٦٧. في حین کتبت المستشرقة الإیطالیة میریللا گالیتي في مجلة (الشرق الجدید) مقالا عن کتابە (کردستان في سنوات الحرب العالمیة الأولی) وقدّم السید سیامند عثمان فصلاً من کتابە هذا موضوعاً لرسالتە لنیل شهادة الماجستیر في معهد الدراسات العلیا للعلوم الإجتماعیة بباریس. وقيّم العدید من المؤرخین والمستشرقین والکتاب والصحفیین جهدە العلمي مثل: عبدالرزاق الحسني، یوسف إبراهیم یزبك، محمد جمیل الروژبیاني، عبدالمجید لطفي، وحلمي علي شریف، والبروفیسور خالفین، والبروفیسور کوردوییف، وشامیلوف، والبروفیسور لازریف، والبروفیسورة جویس بلو، الدکتور عزیز الحاج، البروفیسور جلیلي جلیل، والبروفیسورة میریللا گالیتي، والدکتور جبار قادر والأستاذ محمد الملا عبدالکریم المدرس، وعشرات غیرهم، کما أنتقدە آخرون من أمثال الدکتور محمد محمد صالح، والدکتور حسین قاسم العزیز، والدکتور بدرخان السندي وعبدالرقیب یوسف. وحصل خلال حیاتە الزاخرة بالنتاجات العلمیة والثقافیة علی العدید من الجوائز والأوسمة والشهادات التقدیریة.

وأخیراً ولیس آخراً ظل الأستاذ الراحل متمسّکاً بمنطق العلم وقیمە ولم یحد عنه أبداً. وإتسمت دراساتە بالموضوعیة، لم تنل الضغوط منە لیکتب ما لایرضي ضمیرە العلمي، ویدرك کل من عایش تلك الفترة کم کان هذا الأمر صعبا بالنسبة لرجل مشهور ککمال مظهر في ظل نظام شمولي دموي يرفض أي رأي لا یتفق وهواه. لقد کان الإنحیاز للموضوعیة وقیم العلم الشعار الذي رفعە کمال مظهر في حیاتە الشخصیة ومسیرتە العلمیة. وکان مؤمنا بالحریة الأکادیمیة وضرورة دراسة أکثر المواضیع حساسیة في تاریخ الشعوب. لقد علّم طلابە علی القراءة النقدیة لمصادرهم وعدم نقل الآراء والتحلیلات دون دراستها والتدقیق فیها وضرورة الإطلاع علی وجهات النظر المختلفة. وکان یؤمن بأن الحدث التاریخي نتاج عوامل عدیدة تتفاعل فیما بینها ولا یمکن لعامل واحد مهما کان مهما أن یخلق لوحدە الحدث التاریخي. کما آمن بدور الشعوب لا الفرد الواحد في صیرورة الحدث التاریخي، رغم تشخیصە للدور الإیجابي للقادة الأفذاذ في تاریخ شعوبهم. من هذە المنطلقات التي آمن بها تخلی عن فکرة العمل في صفوف الأحزاب السیاسیة في فترة مبکرة من حیاتە العلمیة وبقي ملتزما بموقفە هذا حتی یوم وفاتە، رغم علاقاتە الحمیمة مع مختلف التیارات السیاسیة الوطنیة العراقیة والکردیة. فقد کان مؤمنا بأن الباحث والأکادیمي وبخاصة المؤرخ یجب أن یکون منفتحاً علی الآراء والأفکار المختلفة ومتحرراً من القوالب الحزبیة الجامدة والمواقف المسبقة؛ لکي یتمکن من دراسة الأمور بصورة موضوعیة بعیداً عن الإنحیاز والمواقف المسبقة.

لقد کان کمال مظهر کردیّاً أصیلاً عاشقا لکوردستان وتاریخە وأحبّ في نفس الوقت الجمیع ولم یفرّق بین طلابە والناس عموما علی  أساس الإنتماء القومي الدیني وکان صدیقا لأبناء الأقلیات الدینیة وقدم محاضرات في نوادیهم وإختارە بعضها عضواً فخریاً فیه.

وأخیراً لا بدّ أن نشیر الی أن النتاج العلمي والثقافي للراحل کمال مظهر أحمد خاضع شأنە في ذلك شأن أي منجز علمي وثقافي آخر للتقيیم والنقد وحتی الرد وعدم القبول بە. فقد بحث في التاریخ وألف کتبە فیە في مرحلة زمنیة سادتها أفکار سیاسیة إجتماعیة وثقافیة معینة تجاوز الزمن بعضها وأحل محلها توجهات ومتبنیات جدیدة غیرت مفاهیم الناس ومقارباتهم. وکان الراحل یؤمن بالمقولة التي تؤکد أن لکل جیل قراءتە للتاریخ والتي تتشکل نتیجة للتطورات السیاسیة والإجتماعیة والثقافیة التي یعیش الإنسان في ظلها ولابد أن یؤثر ذلك علیە ویغیر نظرتە الی الأمور وتحلیلە للأحداث من منطلقات قد تکون غائبة علیە.      

رحم اللە أستاذنا الراحل الدکتور کمال مظهر أحمد والعرفان لکل من قيّم جهودە بصورة موضوعیة وإحترم تفانیە في سبیل رفع رایة العلم والمعرفة. وبدورنا نأمل أن تسود الأفکار الإنسانیة والقیم العلمیة والتربویة السامیة التي نادی بها الراحل في حیاتە. و نتمنی أن تسود الموضوعیة الدراسات الإنسانیة وخصوصاً التاریخیة منها ونجعل منها مناراً يضئ الدرب لبناء مجتمع آمن یحترم التنوع الثقافي وروح التسامح والتعایش بین مختلف المكوّنات الأثنیة والدینیة والمذهبیة. 

(*) قدمت الأفکار الرئیسیة لهذە الکلمة في مؤتمرین علمیین عقدا بمناسبة الذکری السنویة الأولی لوفاة عمید المؤرخین الکرد الأستاذ الدکتور کمال مظهر أحمد بمبادرة من قسمي التاریخ في جامعتي کرکوك (١٤ آذار ٢٠٢٢) وسوران (٢٨ آذار ٢٠٢٢) باللغتین العربیة والکردیة علی التوالي. 

 المؤلف في سطور

الدكتور جبار قادر: حصل على الدكتوراه في التاريخ الحديث عام 1977 . ونشر عدداً من الكتب المؤلفة والمترجمة في التاريخ الحديث لأوروبا وتركيا والكرد. كما نشر أكثر من 100 بحث ودراسة ومقال باللغات الكردية، العربية ، الروسية، التركية والهولندية في حقول التأريخ السياسي والثقافي الكردي الحديث والشؤون السياسية الكردية والتركية. وشارك في العديد من المؤتمرات والحلقات العلمية والثقافية والسياسية والندوات التلفزيونية الخاصة بالقضايا الكردية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد