مايكل روبين
لطالما تفادى الرؤوساء الأمريكيون الحديث عن تجاوزات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصوت عال. بدأ تراجع أردوغان الديمقراطي أثناء إدارة جورج دبليو بوش، لكن، مع ذلك، بقي بوش يتغنّى بالثناء على ديمقراطية أردوغان.
قال بوش أثناء زيارته لمقر إقامة أردوغان في أنقرة “أقدر بشدة المثال الذي رسمته دولتك لكيفية أن تكون دولة ما مسلمة وفي نفس الوقت بلداً يعتنق مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون والحرية”.
اشتهر الرئيس باراك أوباما بوصف أردوغان كأحد كبار أصدقائه الأجانب. حتى أنه مازح قائلاً أنه طلب نصيحة أردوغان حول كيفية تربية البنات. في الوقت الذي ارتفع فيه معدل قتل النساء والفتيات داخل تركيا بنسبة 1400٪ خلال فترة حكم أردوغان.
اتخذ الرئيس دونالد ترامب موقفاً صارماً من تركيا لإجبارها على إطلاق سراح القس أندرو برونسون، لكنه غض الطرف عن اللعبة الجهادية التي ترعاها تركيا. كما خان ترامب حلفاء أمريكا الكرد عندما أعطى الضوء الأخضر لتغزو تركيا مناطق من شمال سوريا، ثم أشاد بأردوغان بشكل مبالغ بالتزامن مع استياء الكونغرس وغضبه من شراء الرئيس التركي لنظام الصواريخ S-400 من روسيا.
عندما تولّى جو بايدن منصبه، أدرك حقيقة أردوغان وبدا عازماً على حرمانه من امتيازات التغاضي عن تصرفاته السابقة. على سبيل المثال استغرق إجراء المكالمة الهاتفية الأولى معه ثلاثة وتسعين يوماً، وهو أمر لم يغفله الجمهور التركي. لكن، لسوء الحظ، بينما امتنع بايدن وفريقه عن مدح أردوغان كأسلافهم، إلا أنهم وقعوا في فخ عروض التعاون الدبلوماسي التركي الشكلية.
على عكس نقاط الحوار التي طرحتها جماعات الضغط التركية الرسمية وغير الرسمية في الولايات المتحدة، فإن عروض تركيا للتعاون ليست مثيرة ولا مفيدة لأهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية.
بإعلان بايدن نيته مغادرة أفغانستان، اقترح أردوغان تولّي تركيا مسؤولية أمن وتشغيل مطار كابول. كانت هذه الخطوة في مصلحة تركيا. لأكثر من عقد من الزمان قبل رئاسته للوزراء، أقام أردوغان علاقات وثيقة مع الإسلاميين الأكثر تشدداً في أفغانستان. حتى مع احتدام تمرّد طالبان، صرّح أردوغان بعدم وجود تعارض أيديولوجي مع الجماعة. وسواء غادرت القوات الأمريكية وحلفائه من أعضاء الناتو أم لا، أكدت تركيا على استمرار وجودها، حتى مع إعادة قواتها إلى البلاد. ببساطة، كان لتركيا مصلحة مالية في إبقاء مطار كابول مفتوحاً. لكن أردوغان رأى في ذلك فرصة أيضاً لإيقاع بايدن في صفقة دبلوماسية.
قال أردوغان: “نريد أن تلبي أمريكا بعض الشروط. أولاً، ستقف الولايات المتحدة إلى جانبنا في العلاقات الدبلوماسية. ثانياً، ستقوم بتعبئة امكاناتها اللوجستية لصالحنا … والآخر هو تقديم الدعم اللازم لتركيا في وجه المشاكل المالية والإدارية الخطيرة”.
على ذلك النحو أيضاً ، أراد أردوغان دعم بايدن في عمليات الاستيلاء المتواصلة على الأراضي في سوريا وفي حملات التطهير العرقي ضد الكرد. كما حث فريق بايدن على التوسط لدى القضاء الأميركي لعرقلة قضايا انتهاك العقوبات المرفوعة ضد تركيا ووكلائها في المحاكم الأميركية. أراد أردوغان جمع التنازلات الأمريكية من أجل السياسة التي ستنتهجها تركيا. تدخلت قطر في النهاية للمساعدة في تشغيل المطار، لكن استعداد بايدن للنظر في عرض تركيا، وإحجام وزارة الخارجية عن محاسبة تركيا أثناء المفاوضات، أكد نجاعة استراتيجية أردوغان.
قام مراد ميركان، الموالي لأردوغان، والذي عينه سفيراً لتركيا لدى الولايات المتحدة، بنشر مقال رأي يعترف فيه إلى حد كبير بهذه الاستراتيجية.
وأوضح ميركان أن “تركيا هي مركز شبكة معقدة من خطوط الصدع في جميع أنحاء أوراسيا الكبرى. تقف تركيا كحليف يمكن للأصدقاء المحتاجين للمساعدة الاعتماد عليها في أوقات الأزمات، يجب على تركيا والولايات المتحدة العمل معاً”.
وقال إن تركيا يمكنها “حشد الدعم الشعبي لجهود الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار والأمن، مثل تلك التي قامت بها في ليبيا وسوريا”. في المقابل، كل ما تحتاجه تركيا هو تقدير وتفهم الولايات المتحدة.
لنفكر في معنى هذه الجملة. في سوريا، قدمت تركيا الدعم اللوجستي والأسلحة والملاذ الآمن ليس فقط للجماعات المرتبطة بالقاعدة ولكن أيضاً لداعش. في حين يبرر المسؤولون الأتراك أفعالهم بمكافحة الخطر الكردي المزعوم، تشير الأدلة إلى أن الإرهاب يتواجد في الاتجاه الآخر: يهاجم الوكلاء المدعومون من تركيا الكرد بانتظام ويخطفون النساء ويغتصبونهن، بينما نادراً ما تفرق الطائرات التركية بدون طيار بين المسلحين المزعومين وتلاميذ المدارس. دعم تركيا لداعش هو الذي أجبر الولايات المتحدة على علاقتها مع كرد سوريا في المقام الأول، مما أدى في النهاية إلى انتصار كردي في حصار كوباني. إن تقديم الولايات المتحدة تسوية مع تركيا في سوريا من شأنه أن يمكّن التشدد ويقوض الاستقرار والأمن في جميع أنحاء المنطقة. بعبارة أخرى، فإن الوثوق بتركيا في سوريا يشبه الوثوق بالصين في تايوان. بالإضافة إلى ذلك ليس على واشنطن الاختيار بين أردوغان والديكتاتور السوري بشار الأسد في سوريا. يقدم الكرد خياراً ثالثاً.
في ليبيا حالة من الفوضى، حيث المشكلة الأكبر في الوقت الحالي هي وجود مقاتلين أجانب – القوات شبه العسكرية الروسية ومجموعة فاغنر من جهة، والمرتزقة الأتراك والوكلاء المدعومين من تركيا من جهة أخرى. هناك إجماع واسع في المجتمع الدولي على أن أفضل طريق للمضي قدماً هو انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا. في حين كانت أوروبا تصر على ذلك، سعت وزارة الخارجية الأمريكية مراراً وتكراراً إلى تخفيف الانتقادات الموجهة لتدخل تركيا. يحاول نظام أردوغان الآن إقناع المسؤولين في برلين وواشنطن بأن إحياء دور الناتو يمكن أن يوفر غطاء لتركيا للبقاء في ليبيا مقابل إجبار روسيا على الانسحاب. سيكون القبول بهذا الحل قصر نظر، نظراً لجهود تركيا لإلغاء القانون البحري كسابقة منذ أكثر من قرن ورغبتها في دعم المسلحين بدلاً من الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
أصبح أردوغان مثالاً على العزلة الدبلوماسية. سجل تركيا يكذّب أردوغان. بدلاً من التعامل على أساس القبول بصدق مبادرات أردوغان، حان الوقت لأن تعترف إدارة بايدن بدبلوماسية تركيا على حقيقتها: محاولة تخدم مصالحها الذاتية لتجنّب المساءلة عن السياسات التي يستمرّ أردوغان بالالتزام بها أيديولوجياً ومواصلتها.
*المقال منشور في موقع Ntionalinterest