موقع المونيتور (حصاد الأسبوع)
لقي ثلاثة جنود أتراك حتفهم في 11 سبتمبر / أيلول إثر هجوم تعرضوا له في إدلب، آخر معقل للمعارضة الإسلامية المدعومة من تركيا في شمال غرب سوريا – وعلى خلفية ذلك ردت تركيا بضرب الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا.
وفي ضوء هذه الحادثة الأخيرة يوضح الكاتب فهيم تاشتكين بأنها ” تسلط الضوء على مأزق أنقرة المتنامي في إدلب، حيث تستهدف القوات الجهادية القوات التركية حتى في الوقت الذي يحميها الوجود العسكري التركي من الجيش السوري”.
و بالنظر إلى ذلك، يبدو أنها حرب داخل حرب : ففي حين أن الصراع الذي دام عقدا من الزمن بدأ كمحاولة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، إنقلب ليصبح حربا تركية لا نهاية لها مع عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم للخروج من هذا المأزق، باستثناء مبادرة قدمتها روسيا لخروجها من سوريا.
المستنقع السوري
لقد علقت تركيا في المستنقع السوري لفترة دامت عشرة أعوام. فالأسد لا يزال في السلطة بدعم من روسيا وإيران. فيما تواصل تركيا والولايات المتحدة دعم القوات المناهضة للأسد، أو على الأقل الصمود في وجه النظام، بيد أن من غير المرجح أن تدخل إدارة “بايدن” في تحرك فعلي لتغيير النظام. وأمام كل هذه التحديات تجد تركيا نفسها على مفترق طرق مع كل من واشنطن وموسكو.
تعقيد الوضع والتحالفات
شكلت تركيا وروسيا وإيران ما يسمى بـ “مجموعة أستانا” (التي سميت نسبة لمكان إنعقاد مؤتمرهم الأول ) وذلك لإيجاد حلى سلمي وبالطرق الدبلوماسيّة لإنهاء الصراع في سوريا. لقد تشكلت هذه المجموعة بأعجوبة في ظل الدعم الروسي والإيراني للحكومة السورية والمعارضة التركية.
ومن المرجح أن تدعم روسيا، في اللحظة التي تراها مناسبة، الجيش السوري للإنقضاض على مدينة إدلب وإستعادتها والقضاء على هيئة تحرير الشام، التي تحظى بدعم تركيا الضمني، إضافة للقضاء على جماعات معارضة جهادية أخرى.
ووفقًا لما أفاد به الناشط خالد الخطيب من حلب لـ”المونيتور”، فقد كثفت قوات النظام بالفعل من هجماتها على إدلب مؤخرا، وتزايدت المخاوف في المنطقة من نزوح جماعي قد ينجم عن أي هجوم.
في غضون ذلك، يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان درء هجوم شامل على مناطق المعارضة التي تدعمها. في الوقت الذي تستضيف تركيا بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري، وهو ما يمثل ضغطًا هائلاً على اقتصادها.
ومن ناحية أخرى، يريد “أردوغان” من الولايات المتحدة والغرب إنهاء دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تشكل العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة. وتعتبر “قوات سوريا الديمقراطية” الشريك السوري على الأرض لعمليات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم ما يعرف “الدولة الإسلامية” في سوريا.
لذلك، بينما تواجه القوات التركية خطرا متزايدا من هجوم سوري محتمل بدعم روسي على إدلب، وكذلك من جهات مارقة مثل تلك المسؤولة عن هجوم 11 سبتمبر/أيلول، تواصل تركيا مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية في تلك المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي والقوات الموالية له.
وفي ضوء هذه الأحداث، كتب متين غوركان الشهر الماضي عن كيفية استخدام تركيا بشكل متزايد للطائرات المسيرة في عملياتها باستهداف القادة الكرد السوريين، كما سلطت الصحفية عمبرين زمان الضوء على الهجمات والتفجيرات التركية المنتظمة على أهداف كردية سورية.
فشل مشروع اعتدال هيئة تحرير الشام
وحسب ما أشار الناشط سلطان الكنج من إدلب بأن تركيا من خلال إطار التزاماتها بمحادثات أستانا، وللحفاظ على ما تبقى من المعارضة المسلحة المناهضة لـ “الأسد”، تحاول دفع “هيئة تحرير الشام” للاعتدال وتشجيعها على إعادة بناء صورتها، بما في ذلك من خلال قطع العلاقات مع عناصر أكثر راديكالية، مع تعزيز العلاقات مع قوات المعارضة المسلحة الموالية لتركيا في ظل جبهة تحرير سوريا الجديدة.
وفي سياق متصل يوضح “تاشتكين ” أن تركيا “افترضت أن قمع “هيئة تحرير الشام” للجهاديين الآخرين سيفي بالتزاماتها تجاه روسيا بالقضاء على الجماعات الإرهابية.
ومع ذلك، عززت “هيئة تحرير الشام” إمارتها الفعلية في إدلب، وحافظت العشرات من الجماعات المتطرفة مثل “أنصار الإسلام” و”أنصار التوحيد” و”أنصار الدين” و”أجناد القوقاز” و”الحركة الإسلامية التركستانية” على وجودها في المحافظة.
وتفككت “حراس الدين” ظاهريا، وهي مظلة للفصائل المستوحاة من القاعدة، لكن الفصائل لم تغادر المنطقة. وبالمثل، فإن تحرك هيئة تحرير الشام لحل جماعة” جند الشام ” التي يقودها الشيشان لا يعني بأن التنظيم تم القضاء عليه.
وظهر زعيم “هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني” خلال الفترة الماضية في خضم حملة علاقات عامة مدعوم من قبل تركيا حيث إستبدل رداءه ببدلة زرقاء وقصة شعر مهندمة في مقابلة مع مراسل أمريكي في فبراير/شباط، حيث ذكر في المقابلة أنه لم يكن هنالك تعذيب بحق المعتقلين من قبل هيئة تحرير الشام عدا “عملاء النظام” ، فيما أكد مرة أخرى أن ارتباط “هيئة تحرير الشام” بـ”القاعدة” قد انتهى. وعلى الرغم من تخليها عن انتمائها لـ”القاعدة”، لا تزال الولايات المتحدة وتركيا ومجلس الأمن يصنفون “هيئة تحرير الشام” على أنها جماعة إرهابية.
وحسب الصحفي محمد حردان فإن الحقائق على الأرض في إدلب أيضا تشير إلى أن “هيئة تحرير الشام” و”الجولاني” يحافظان على علاقات ودية مع كافة فصائل الجهاديين، حيث أشاد “الجولاني” مؤخرا بوجود مقاتلين أجانب في إدلب، قائلا: “هؤلاء المقاتلون هم الآن جزء منا. هم جزء من الشعب. إنهم سعداء بالناس والناس سعداء معهم أيضا”.
هنالك نقطة أخرى في ما يسمى بتحول هيئة تحرير الشام، وهو استبدال قوة أمنية مكروهة لهيئة تحرير الشام بوحدة جديدة تسمى “شرطة الأخلاق”، كما أفاد حردان، إضافة لحظر قناة إخبارية موالية للمعارضة وفقا لما أفاد به الكنج من إدلب.
“بوتين” والطريق إلى دمشق
أدى فشل تركيا في إعادة فتح الطريق السريع “M 4” وتوسيع المحيط الأمني حول المدينة على النحو الذي كان في اتفاقها مع روسيا، إلى زيادة الضغط الروسي على أنقرة التي تدرك أن خياراتها أصبحت متضائلة في سوريا.
وفي الوقت الذي أستضاف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الرئيس السوري في موسكو في 14 سبتمبر/أيلول، قال “بوتين” في الاجتماع الذي كان في سلم أولوياته ” مدينة إدلب” إن العقبة الرئيسية في سوريا اليوم هي وجود القوات الأجنبية دون إذن أو تفويض من الأمم المتحدة، في إشارة إلى تركيا والولايات المتحدة.
وفي غضون ذلك، يشعر أردوغان بالضغط الشديد، وقد يكون على إستعداد لانفتاح مبدئي مع دمشق، وهو أمر كان “بوتين” يدفع باتجاهه منذ أعوام.
وعلق تاشتكين على هذه النقطة بقوله:” يعكس استعداد أنقرة لفتح قناة اتصال مع دمشق دون إنهاء دعمها لجماعات المعارضة رغبتها في تعاون محدود ضد التوجه الكردي للحكم الذاتي، ومن غير المرجح أن تثير مثل هذه السياسة المتناقضة إعجاب دمشق”.
وفي تقرير ورد بـ ” المونيتور” في يناير / كانون الثاني 2020 ، أوضح بأن “بوتين” يتخذ من اللعبة الدبلوماسية في سوريا كما لو كان يقامر بأموال الآخرين. وربما يمكن للمرء أن يتصور سببا لمفاوضات ثلاثية بين روسيا وسوريا وتركيا للتوصل إلى بعض التفاهم بشأن الأكراد. ولا يزال من المتصور حدوث انفراجة دبلوماسية على طول الخطوط العريضة لوقف إطلاق النار على أساس نسخة محدثة من معاهدة 1998 بين سوريا وتركيا، والتي أنهت دمشق بموجبها دعمها لحزب العمال الكردستاني. وقد يشعر “الأسد” أن الكفة تميل لصالحه وأن تركيا محاصرة نتيجة للموجة الدبلوماسية الأمريكية الروسية الأخيرة بشأن سوريا.
واختتم تاشتكين بالقول إن ” الحوار الأمريكي الروسي قد يساعد في تحفيز مفاوضات جادة بين دمشق والكرد، وهو ما قد يقلل من الوجود العسكري التركي شرق نهر الفرات. وقد أبدت إدارة “بايدن” بالفعل استعدادها للتغاضي عن “قانون قيصر”، بعد دخول ناقلات النفط الإيرانية إلى ميناء بانياس السوري والحديث عن إمكانية نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، ولن تترك هذه المؤشرات حول التفاهم الأمريكي الروسي مجالا كبيراً لأنقرة”.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات