مُسْتَقْبل تركيا المُظلمْ

ديفيد ل ـ فيليبس

غيوم العاصفة بدأت تتجمع، مستقبل تركيا المظلم بدأ بالظهور. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحمل مسؤولية ما يجري. سياساته جعلت من تركيا دولة أقل أمناً، أقل استقراراً، وهشة. أردوغان يحفرُ حفرة لـ تركيا، بدلاً من أن يخرجها من الخندق، يستمر بالحفر، ويصب ويقذف التهم للآخرين، ويحّملهم مسؤولية مشاكل تركيا. في الرابع والعشرين من شهر حزيران\يونيو العام الجاري، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا عن اتفاق يسمح لواشنطن والتحالف الدولي استخدام قاعدة إنجرليك التركية العسكرية لضرب عناصر تنظيم “داعش”، في كلٍ من سوريا والعراق. في مقابل ذلك الاتفاق انتهز رجب طيب أردوغان الفرصة لقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، في جبال قنديل، كردستان العراق.

بالنسبة للدول الغربية، محاربة الإرهاب يعني قتال تنظيم “داعش”، بالنسبة لتركيا يعني قتل الكرد. لا يستطيع أردوغان أن يكشف عن نواياه الحقيقية فيما يخص تظاهره وعدم صدقه في التعاون مع التحالف الدولي. خلال الاجتماع الأخير لحلف الناتو، أعربت العديد من الدول عن قلقها إزاء استهداف القوات الكردية من قبل تركيا، الأمر الذي من شأنه أن يعزز قوة تنظيم “داعش”. يبرر الرئيس التركي، الضربات الجوية، مستشهداً بمقتل عنصرين من الشرطة على يد مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يدعي بأن كلا الضابطين كانا على علاقة مع تنظيم “داعش”، وضالعان في التفجير الأخير الذي استهدف النشطاء الكرد بمدينة سروج المحاذية لكوباني، في الآونة الأخيرة، وراح ضحيته 32 مدني. تركيا أصبحت شريان الحياة بالنسبة لتنظيم “داعش”، حيثُ أنها طريق الجهاديين للمرور إلى سوريا.

الأتراك يزودن مقاتلي التنظيم بالخدمات اللوجستية، المال، السلاح، بالإضافة إلى أنهم يقدمون الرعاية الطبية لعناصر التنظيم. أردوغان وضع الطُعم بعد عملية سروج، حزب العمال الكردستاني تلقف الطُعم، الآن العنف ينتشر ويخرج عن السيطرة.يقول رجب طيب أردوغان، بأن الحملة العسكرية ضد حزب العمال سوف تستمر، إلى أجل غير مسمى. يقود أردوغان، تركيا بتهور وطيش إلى حرب مستعرة على الدوام. يقول ريتشارد هولبروك عن ميلوسيفيتش “حاول أن يحل المشكلة عبر خلق مشكلة أكبر”، أردوغان يفعل تماماً ما كان ميلوسيفيتش يفعله.التصعيد جاء بالتزامن مع فقدان أردوغان للشرعية. هو يشن الحرب، كرئيس صوري ضعيف.

حيثُ خسر حزب العدالة والتنمية AKP، الذي ينتمي إليه الأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في السابع من شهر حزيران\يونيو العام الجاري.استفزاز حزب العمال الكردستاني هو حيلة وقحة من أردوغان، لاسترضاء الأتراك القوميين والتودد إليهم، بالإضافة إلى تشويه صورة حزب العمال، وتهميش الشعب الكردي في تركيا، والذي يبلغ عدده 20 مليون نسمة. في الثلاثين من شهر تموز، العام الجاري، اعتقلت الحكومة التركية أكثر من 350 ناشط كردي.يبدو أن رجب طيب أردوغان يتصيد الفرصة، لإجراء انتخابات جديدة. هو يحاول تشويه صورة حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) الحزب الكردي في تركيا والذي حصل على 13.1 %، خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في البلاد، وسيجلس في البرلمان للمرة الأولى.

أردوغان غاضب من الأداء القوي لحزب الشعوب الديمقراطية، والذي رفض أن يعطي الدعم الكافي له لتغيير الدستور، بهدف إنشاء نظام رئاسي ذو صلاحيات تنفيذية كبيرة بيد الرئيس. وفي إجراء انتقامي، هدد أردوغان برلمانيي حزب الشعوب برفع الحصانة البرلمانية عنهم. وحتى أنه لمّح بإغلاق الحزب بتهمة دعم حزب العمال الكردستاني.مهاجمة تركيا لمواقع حزب العمال الكردستاني، يقوض عملية السلام على نحو كبير. قبل عامين من الآن، بدأ حزب العمال الكردستاني، وقف إطلاق النار من جنب واحد، لإنهاء الصراع المسلح، بهدف الحصول على حقوق سياسية ثقافية أكبر للشعب الكردي. الانقسامات الاجتماعية في تركيا، أسوء من أي وقتٍ مضى، في الذاكرة الحديثة. خطر تجدد الحرب الأهلية يَلوحُ في الأفق. حتى التلويح بالحرب، يحتاج تكلفة اقتصادية أيضاً.

الاقتصاد التركي الذي استدان كثيراً في الفترات السابقة. الفساد مستشر في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس التركي. ويخشى أردوغان من أن يقوم البرلمان الجديد المُنتخب، بفتح ملفات الفساد وسوء الإدارة، الأمر الذي يستهدف حزب العدالة والتنمية وقيادته.ويناشد أردوغان الأعداء في الداخل والخارج، مستخدما الخوف في المناورة والتلاعب على الناخبين. هو يتهم حركة “غولن” التي تتظاهر بالتقوى، بأنها تخطط لإسقاط حكومته وإنشاء إدارة موازية لإدارته. اعتقل الرئيس التركي المئات من الإداريين، القضاة، والموظفين المكلفين بتطبيق القانون، لهم علاقة بالحركة. يريد أردوغان من الأتراك أن يلوموا الأخريين على مشاكل تركيا.

 ومع ذلك، سيكون هنالك نقطة تحول، عندما سيلومون أردوغان على سوء إدارته للشؤون التركية، وتهديد أمن البلاد، وغض الطرف عن استغلال عائلته وأصدقائه للسلطة. الأتراك يعملون بجد ولديهم كرم الضيافة، هم شعب نبيل، واستغل أردوغان ثقتهم في منحى منحرف، ساعياً وراء السلطة. تركيا ينتظرها مستقبل مُظلم.

* مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد حقوق الإنسان التابع لجامعة كولومبيا، كما أنه عَمِل كـ خبير في الشؤون الخارجية، وعمل كـ كبير المستشارين لوزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارات الرؤساء (بيل كلينتون – جورج دبليو بوش – باراك أوباما)، وله مؤلفات بعنوان “خسارة العراق”، و “من الرصاص إلى الاقتراع”، “الربيع الكردي: الخارطة الجديدة للشرق الأوسط”.

موقع (Huffingtonpost) الإخباري

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد