هدف أنقرة هو محاربة حزب الشعوب الديمقراطية وليس “داعش”!

جميل باييك

الدولة التركية تمتلك ذهنية عجيبة تخولها لفعل كل شيء دون أن يرف لها أي جفن. عوض أن تدفع ثمن جريمة بيرسوس الأخيرة، تتصرف مثل “اللص الذكي”، وتريد اتهام الآخرين بالمسؤولية عن هذه الجريمة، ومن ثم الإسراع إلى تطويقهم ومحاكمتهم وطي صفحة القضية. لقد رعت حكومة حزب العدالة والتنمية “داعش” وقدمت له كل أسباب القوة والبقاء، حتى بدا بالشكل الحالي، والآن تتهم الآخرين بالمسؤولية عن ظهوره وتمدده، وتحاول التنصل من كل تبعات جرائمها في رعاية هذا التنظيم الارهابي.

الهدف الأكبر من وراء رعاية “داعش” كان النيل من حركة التحرر الكردستانية وجعل هذا التنظيم “عصا غليظة” مهمتها ضرب الكرد وإرهابهم ونشر الخراب في بلادهم. كان الهدف من وراء استخدام “داعش” هو محاربة حركة التحرر الكردستانية وحزب السلام والديمقراطية. الكل يعرف هذه الحقيقة، لكن حزب العدالة والتنمية يريد الآن أن يتهم حزب السلام والديمقراطية بالمسؤولية عن جرائم “داعش” ومذابحه بحق الشعب الكردي!. العدالة والتنمية يريد الانتقام من حزب الشعوب الديمقراطية، لأن هذا الحزب ماض، ومنذ شهرين، في كشف التعاون والتحالف الكبيرين بين الحزب الحاكم وتنظيم “داعش” الاجرامي.

 العدالة والتنمية يريد التنصل من المسؤولية عن جريمة بيرسوس والقاء التهمة على الآخرين، وخصوصا من يجاهد في كشف صلاته ب”داعش” والإشارة الدائمة إليها. حكومة أنقرة تطالب باصدار بيان ضد “الإرهاب” من أجل التهرب من تبعات دعمها المستمر لتنظيم “داعش” وإخفاء ما خفي حتى الآن من هذه العلاقات.يجب أن تدفع تركيا ثمنا كبيرا لجريمة قتل الشباب الثوري في بيرسوس.

 من المؤكد بأن هناك اسباب أخرى للحرب الأهلية في سوريا، لكن السبب الرئيسي الكامن وراء قوة وتوسع التنظيمات الإرهابية الفاشية، عدوة الانسانية والحرية، هو دعم الدولة التركية اللامحدود لها. تركيا هي المسؤولة عن جرائم هذه التنظيمات. تركيا هي التي تدعم “داعش” و”جبهة النصرة” و”احرار الشام”. القوى الخارجية كانت تراقب الدعم التركي لهذه التنظيمات وأطلعت على مدى خطورتها وعرفت أذاها الكبير، لذلك كانت تغض الطرف عن هجمات النظام السوري وحملاته عليها. تركيا هي المسؤول الأول عن دموية الحرب في سوريا، وعن خروجها من تحت السيطرة بهذا الشكل. تركيا أعلنت منذ البداية بأنها ستتحالف مع “المعارضة المسلحة صاحبة الكلمة”، رافضة التعاون مع المعارضة السلمية الأخرى، لأن “ليس لها أي تأثير في مجريات الأحداث”!

الحسابات التركية كانت تقوم على تقديم الأفضلية في التعاون والدعم للمجموعات المسلحة القادرة على خنق ثورة روج آفا والنيل منها، واعتبار هذه المجموعات حليفا لها. وفي وضع أعتبرت فيه أنقرة ثورة روج آفا هي العدو اللدود لها، فإن “داعش”، و”النصرة” و”أحرار الشام” احتلوا صفة الحليف والصديق هنا. وسارعت تركيا لتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لهذه التنظيمات.

 وضعت نصب عينيها أن تجعل منها سيفا مسلطا على رقاب الشعب الكردي، وآلة لتخريب روج آفا، فحدث أن تحولت هذه التنظيمات إلى خطر ماحق على كل المنطقة، بل وعلى كل البشرية. الدولة التركية هي المسؤولة، عبر استخدام هذه التنظيمات، عن مذبحة بيرسوس، وقبلها الهجوم الإرهابي الذي طال تجمعا انتخابيا للكرد في آمد في 5 حزيران الماضي.

هذه السياسة هي التي تقف وراء دعم “داعش” وتكليفه بالهجوم على كوباني وقتل المئات من أهلها المدنيين. المسؤول عن قطع الرؤوس وحرق الأوابد هي الدولة التركية التي تقف وراء الإرهاب الدموي.الدولة التركية تتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية الجرائم ضد الإنسانية التي تقع كل يوم في سوريا. لو رٌفعت كل القضايا إلى المحاكم الدولية وقٌدمت الأدلة والبراهين بشكل شفاف، وتم تتبع القضية حقوقيا، لخرجت الدولة التركية مسؤولة عن كل الجرائم والمذابح والمجازر والانتهاكات التي ارتكبتها المجموعات الإجرامية في سوريا.

لظهر إلى العالم حقيقة واضحة مفادها بأن حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان هما من يقفان وراء الأعمال الإرهابية وجرائم جز الرؤوس والقتل بالجملة. المسؤول عن الكثير من الخراب في سوريا هو حزب العدالة والتنمية. المسؤول عن قتل الكرد هو حزب العدالة والتنمية. وعندما اكتشف العالم العلاقة بين هذا الحزب وبين “داعش” وجرائم القتل بالجملة، جاء الحزب الحاكم لكي يدفع عنه التهمة، ويتهم غيره بالمسؤولية عن جرائم “داعش”، ومن ثم تخوين وتأثيم كل من يشير إلى تحالف العدالة والتنمية مع “داعش” والمطالبة بمحاسبة المسؤولين المشتركين عن هذه الجرائم.حزب العدالة والتنمية يعتبر كل من يشير إلى الجرائم المشتركة بين الاستخبارات التركية و”داعش” هو “خائن ومعادي للدولة”. بحسب الحزب الحاكم لا يجب للمواطنين او القوى السياسية الإشارة إلى جرائم “داعش” والتعاون الحكومي معه، وفي حال فعلهم هذا، فإنهم يتحولون فورا إلى “خونة ومعادين للدولة ولمصالحها العليا”!

 بينما التعاون مع “داعش” هو في عرف الحزب الحاكم “حماية للدولة ولمصالحها الوطنية”. لكن في الحقيقة أن من يضر بالدولة والمجتمع هو حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، والذان دعما “داعش” لكي يقاتل الشعب الكردي، وبالتالي فإن الخيانة حدثت هنا، ومن يجب أن يدفع الثمن عن كل هذه الجرائم هو حزب العدالة والتنمية.

حالة العداء لثورة روج آفا دفعت بالحزب الحاكم إلى تحويل سوريا لبحر من الدماء. المذبحة في بيرسوس هي من صنع الحزب الحاكم. والآن، وعوض أن يعلن حزب العدالة والتنمية الحرب ضد “داعش”، فهو يعلن الحرب ضد حركة التحرر الكردستانية وحزب الشعوب الديمقراطية. إعلان الحزب الحاكم بانه سوف يتحرك ضد “كل صنوف الإرهاب”، معناه ترك “داعش” والتحرك ضد حزب العمال الكردستاني فقط وتصعيد الحرب ضد الشعب الكردي وحقوقه.

بعد مجزرة بيرسوس بدء الحزب الحاكم بإعلان الحرب ضد حزب الشعوب الديمقراطية. الهدف هو استغلال هذه القضية في اضعاف حزب الشعوب الديمقراطية والتأثير فيه وتشويه سمعته.القول بأن الحكومة سوف تهاجم كل “صنوف الإرهاب” يعني التهوين من جرائم “داعش” ومحاولة الالتفاف حولها والتغطية عليها. والمطالبة بالتحرك ضد “الإرهاب” لا يعني مساعدة الدولة التركية ومؤسساتها للنيل من “داعش” وتطويقه، بل مساعدة الدولة التركية في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي. من ارتكب مجزيرة بيرسوس معروف وعلى الدولة التركية إعلان الحرب ضد “داعش” والخطو بخطوات عملية واضحة في هذا المضمار. ولا يجب فك العزلة عن الحزب الحاكم واخراجه من ورطته مع حليفه “داعش” بأي شكل من الأشكال. لا يجب المشاركة معه في إصدار أي بيان ضد “الارهاب” كما يريد هو. الإرهاب هو “داعش”، ومن يتحالف معه هنا ويبرر له جرائمه. الحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية وبدل أن تعمد إلى حل القضية الكردية بشكل سياسي، تحاول الآن تصعيد حملات الحرب والتصفية. الحملة الحالية ضد حزب الشعوب الديمقراطية، هي جزء من حملة الحرب الشاملة. وطالما بقيت القضية الكردية بدول حل، فإن محاولات الحزب الحاكم هذه ستستمر وستتواصل سياسة دعم الارهاب لاستخدامه لضرب الكرد.

مقارنة حزب العمال الكردستاني ب”داعش” وحدها تدل على نوايا هؤلاء في اعلان الحرب الشاملة ضد الشعب الكردي. حركة التحرر الكردستانية سوف تفعل كل ما تراه مناسبا للدفاع عن نفسها وعن الشعب الكردي ودفع الإرهاب والحرب عن نفسها. عندما يقول رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بأنهم سوف “يحاربون الإرهاب” بكل الطرق والوسائل و”لن يرضخوا للتهديدات”، فهو يعني بذلك محاربة حزب العمال الكردستاني فقط وتصعيد الحرب ضده. أما فيما يخص “داعش” فإن الحكومة التركية ما تزال تتعاون معه في كل سوريا وروج آفا وشمال كردستان وتركيا. الحكومة تستعد الآن لإعلان الحرب الشاملة ضد الشعب الكردي وحركته التحررية. موقف حزب العدالة والتنمية وتصريحات مسؤوليه بعيد الهجوم الداعشي الأخير في بيرسوس، يدل على معالم وبدايات هذه الحرب الشاملة.

* الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني – صحيفة (يني اوزغور بولتيكا) الكردية.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد