يبدو أنّ تنظيم “داعش” أنتج صواريخ حربية كيميائية، وهاجم بها مواقع القوات الكردية في كلٍ من سوريا والعراق، لثلاث مرات خلال الأسابيع الفائتة، وذلك وفقاً لمحققين ميدانيين، المسؤولين الكرد، وخبراء غربيين فنيين مختصين بالتخلص من المعدات الحربية، الذين بدورهم قاموا بفحص أماكن الحوادث وقاموا بانتشال أحد الصواريخ. وقال المحققون بأن هذا التطور يتضمن مواد صناعية وزراعية كيميائية سامة، واستخدمها التنظيم كأسلحة، أشارَ إلى إمكانية تصعيد محتمل في قدرات تنظيم “داعش”، على الرغم من أنهُ لم يكن تماماً بدون سوابق مثل هذه.
في بداية العقد الماضي، استخدمت الميليشيات السنيّة بين الفينة والأخرى، غاز الكلور، وصواريخ كيميائية قديمة في حربها ضد القوات الأمريكية، والقوات الحكومية العراقية. وحسب مزاعم القوات الكردية، فإن عناصر مرتبطين بتنظيم “داعش”، استخدموا غاز الكلور، في هجوم انتحاري واحد على الأقل هذا العام في العراق. إطلاق قذائف الهاون الكيميائية، عبر المسافات، ومع ذلك، بدلاً من تشتيت المواد الكيميائية السامة عبر الشاحنات المفخخة أو الأجهزة الثابتة، سيكون تكتيكاً جديداً للمجموعة، وسيتطلب بشكل ملحوظ من صنّاع الذخائر، التغلب على التحديات التقنية الصعبة.نددّ المجتمع الدولي وحظرَ استخدام الأسلحة الكيميائية في معظم دول العالم، وهي في الغالب أقل فتكاً من الأسلحة التقليدية، بما في ذلك عند استخدامها بطريقة بدائية.
ولكنها غير مميزة بسبب طبيعتها وصعوبة الوقاية منها دون وجود معدات خاصة للتعامل معها، ويمكن أن تقود إلى تأثيرات نفسية وتؤدي إلى تأثير سياسي أيضاً. وقال الباحثون المختصون، معلقين على أوضح حادثة حصلت مؤخراً، حين قصف التنظيم، إحدى مواقع القوات الكردية قرب الموصل بين يومي 20 و 21، الشهر الفائت، وكانت القذيفة الكيميائية من قياس 120 ملم، بأن هذه القذيفة سببت أمراضاً لعدد من المقاتلين الذين كانوا قريبين من مكان سقوطها.القذيفة لم تنفجر، وانتشلت من مكانها سليمة تقريباً في التاسع والعشرين من الشهر الفائت، من قبل غريغوري روبن، وهو خبير عسكري فرنسي سابق مختص في أمور التخلص من هكذا أسلحة، ويعمل حالياً في مؤسسة (ساهان) للأبحاث، وهو مركز أبحاث عَمِلَ شراكة مع مركز الصراعات والتسلح، وهي منظمة خاصة تقوم بتوثيق وتعقب استخدام الأسلحة في الصراع. كلا المجموعتين موجودتان في بريطانيا بالإضافة إلى الوثائق.و وفقاً لما قاله السيد روبن، عبر الهاتف، يوم الجمعة الفائت، فإن ذيل القذيفة كان مكسوراً، وتسرب منهُ سائل له رائحة قوية وهو الكلور، الذي سبب تهيجاً في العينين والطرق الهوائية.
وحسب ما قاله روبن، بالإضافة إلى جيمس بيفن، مدير مركز بحوث الصراعات، فإنها المرة الأولى التي يتم العثور فيها على مثل هكذا قذيفة. في تقرير داخلي للحكومة الكردية في كردستان العراق، لاحظ فريق البحث، بأنّ القذيفة بدت أنها مصنوعة في ورشات تنظيم “داعش”، عبر صبْ الحديد على شكل قالب. وتحتوي قذيفة الهاون على رأس مليء بمادة كيماوية، على الأرجح هي الكلور. كلا المركزين يعملان في الغالب مع مجلس أمن إقليم كردستان، يقول كل من السيدان روبن، وبيفن، بأن مجلس أمن الإقليم تعاقدَ مع مختبر لتحليل عينات مخلفات الأسلحة والقذائف. ويضيف السيد روبن قائلاً “قريباً يجب أن على يقين حول نوع المادة المستخدمة في هذا المقذوف، ولكن أنا متأكد بأنها الكلور”.
وأضاف قائلاً “ما لا أعرفه هو ما هدف ذلك الهجوم”، في إشارة إلى القذيفة التي تم كسرها وفتحها ورؤية محتوياتها، وسوائلها. القذيفة لم تنفجر، ولسبب غير مفهوم، حيثُ أنها لم تكن تحوي صمامات انفجار”. أي نتيجة يتم توثيقها وتأكيدها من قبل السلطات الكردية ستكون غير مؤكدة بالنسبة للمجتمع الدولي، لأن القوات الكردية طرف في الصراع.
بعد أسبوع من تجميع السيد روبن، للقذيفة في السادس من حزيران\يونيو، وجد باحثْ أخر أدلة أشارت إليها مجموعة البحث، وذلك في هُجَومين منفصلين بمقذوفات كيميائية على المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا.وحسب ما قاله المحققون، فإن الهجومين الذين حصلا في الحسكة وتل براك، أواخر شهر حزيران الفائت، تضمنت المواد المستخدمة فيهما، مواد كيميائية صناعية، تستعمل في بعض الأحيان لمكافحة الآفات. في أحداث سوريا، و وفقاً لما قاله السيد بيفن، فإن قذائف متعددة سقطت على الحقول الزراعية بالقرب من ثلاث مباني كانت تستخدم من قبل القوات الكردية السورية (YPG) في تل براك، وقذائف أخرى سقطت على مناطق سكنية في الحسكة واجدة على الأقل أصابت منزلاً لأحد السكان المدنيين. وقد أصدت وحدات حماية الشعب (YPG) بياناً في وقتٍ متأخر يوم الجمعة، شجبت فيه ما أسمته “الأعمال الإجرامية”، وقالت بأنه خلال الأسابيع الأربعة الفائتة، استولت القوات الكردية على أقنعة خاصة بالمواد الكيميائية والغازات من مواقع مقاتلي تنظيم “داعش”.
الهجمات التي حَصَلت في تل براك أصابت 12 مقاتلاً بأمراض وأعراض مختلفة، تضمنت صداعا في الرأس، صعوبة في التنفس، الغثيان، التقيؤ، تهيج العينين، الارتباك، الشلل المؤقت، وفي بعض الحالات، فقدان الوعي، وذلك وفقاً لما صرح به محقق غربي مختص في مركز الصراعات، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية. وأضاف المحقق بأنه فحص حفر في تل براك، بالإضافة إلى الثقوب في الجدران الخرسانية لمكان سقوط أحد القذائف بمدينة الحسكة. الرائحة، حسب قوله، كانت قوية، غير مألوفة، وقريباً ما تتحول إلى مصدر إزعاج مؤلم. وأكمل المحقق قوله “رائحتها تشبه رائحة البصل الحار”، “كانت رائحة قوية،كانت شيئاً دفعني لوضع أصابعي على أنفي بشكل مباشر”.وأضاف قائلاً “وقفنا ربما لمدة 30 ثانية حيثُ بدأ الأنف يحترق، وأكثر من 90 ثانية، حيثُ بدأ الحلق يحترق”.
و وفقاً لما أظهرته النتائج المخبرية، التي قام بها أطباء ومسؤولون طبيون بمدينة قامشلو، حيثُ تمت معالجة المقاتلين والتعامل مع حالاتهم، قالت مجموعة البحث، اختتمت النتائج مبدئياً بالقول، أنّ القذائف تحتوي على مادة الفوسفين، وهي مادة كيميائية تستخدم أحياناً لتبخير المواد المخزنة. كما وتمت ترجمة وثيقة السلطات الطبية، من قبل نيويورك تايمز، والمتعلقة بالنتائج المخبرية والفحوصات الطبية للمقاتلين، حيثُ لم تصف منهجية الفحص، أو تظهر نتائج محددة. وأشار السيد بيفن، إلى أنّ النتائج لم تكن قطعية ونهائية.وأوضح السيد بيفن، بأنه لم يتم أخذ عينات مباشرة للشظايا وجمعها بشكل مستقل، وأحد الأسباب، هو أن المحققين على الأرض يفتقدون المعدات الخاصة بجمع العينات وحمايتهم عند العمل، حيثُ أنه شَهِدَ في إحدى الحالات أعراض تلك المواد في الوقت الذي كان يعمل بالقرب من الحفر والشظايا، وأضطر إلى مغادرة المنطقة.
ميزات وخصائص إحدى تلك الصواريخ من الحوادث في سوريا، وفقاً لصور فتاتها، لم تبدو متناسقة مع الأسلحة الكيميائية، حيث بدت جدران القذيفة وكأنها سميكة، والأسلحة الكيميائية في الغالب ما تكون ذات جدار رقيق، وأصغر من القذائف الأخرى ذات الشظايا. ولكن كليهما السيد روبن والباحث الميداني، قالا بأنهُ من الممكن أن يكون الهجوم اختباراً وسلاحاً جديداً مؤقتاً لدى تنظيم “داعش” تم صنعه في معامل التنظيم.لاحظَ الباحث الميداني في تل براك، بأن القوات الكردية انسحبت من خط الجبهة في المواقع التي وقع عليها الهجوم الكيماوي، وتم تقليل عدد العناصر المتواجدين بالقرب من موقع الهجوم السابق لوظيفة المراقبة فقط.
ويضيف الباحث قائلاً ” أنا أخمن بأن الهجوم سيتكرر مرة أخرى، لأنهُ كان فعالاً”. في تقرير داخلي أرسلته المجموعتين البحثيتين للسلطات الكردية في سوريا، حيثُ أوصتهم بتطوير وتحسين استعدادات قواتهم لحوادث وهجمات كيماوية مماثلة. وأشار التقرير إلى “أن القوات الكردية السورية تتطلب وعلى الفور تدريبات ومعدات لتحديد ومواجهة تهديدات العبوات والقذائف الكيماوية”. وتابع التقرير “هذه القدرة سوف تكون أساسية في الحفاظ على سلامة وثقة المدنيين، نظراً للتأثير النفسي عند استخدام الأسلحة الكيماوية”.
* صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) الأميركية.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات