فريدريك جييردينك
بشكلٍ غامض لا يزال تمثال النسر الموجود في ساحة آزادي (الحرية) قائماً تماماً مثل المئذنة الطويلة والرفيعة للجامع القريب من الساحة. أما الدمار فيبدو واضحاً وجلياً للعيان حول الساحة. يقول عصمت شيخ حسن، وزير الدفاع في مقاطعة كوباني التابعة لإدارة الإقليم الكُردي السوري، أثناء وقوفه بين الركام ” ندعو شباب كوباني اللاجئين في تركيا للعودة إلى الوطن، نحتاج أن ننظف المدينة”.
القوات الكردية أعلنت يوم الاثنين بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني الفائت، عن تحرير مدينة كوباني من مقاتلي تنظيم “داعش”. بحلول المغرب قبل عدة أيام وعند التجوال حول مدينة كوباني، فإنه بإمكانك أن تفكر بعشرات آلاف اللاجئين الذين عبروا الحدود إلى تركيا قبل حوالي أربعة أشهر، وذلك عندما حاصر تنظيم “داعش” المدينة بقوة، مستخدماً الأسلحة الثقيلة التي استولى عليها من الجيش العراقي. العديد من اللاجئين والهاربين أرادوا العودة إلى مدينتهم الأم، لكن من المحتمل بأنهم غير قادرين على تصور الدمار الذي سيستقبلهم.
يقول مصطفى درويش، أحد اللاجئين المتواجدين على الحدود التركية عند بلدة سُروج خلال لقاءه مع موقع(independent)، ” نستطيع العيش في خيمة”.
لكن ليس هنالك مكان لوضع وتثبيت الخيمة. حيث أن كل شارع وكل مربع واحد مليء بالبقايا الخرسانية للجدران والسقوف المبعثرة، بالإضافة إلى الواجهات المعدنية للمحلات كما أن السيارات المحروقة متكومة فوق بعضها البعض. وإن لم يكن ذلك موجوداً فالبديل عن ذلك هو أزقة وطرق تحولت ببساطة إلى حفرٍ ضخمة نتيجةَ الضربات الجوية وقذائف الهاون، ففي إحدى زوايا ساحة آزادي (الحرية) توجد جثة متعفنة لمقاتل من تنظيم “داعش”، ويقول لي زميلي الفرنسي “توجهي إلى ذلك الشارع، واتبعي حاسة الشم ستجدين المزيد من الأجسام المتحللة والمتفسخة”.
ضمن سياق الاتفاق مع حاكم منطقة سُروج التركية، الذي سمح لنا برحلة مدتها أربع ساعات إلى داخل مدينة كوباني عبر الحدود، كان علينا القيام بجولة في المخيم الجديد الذي افتتحته الحكومة التركية بالتزامن مع إعلان القوات الكُردية عن تحرير كامل مدينة كوباني. الحقيقة المؤكدة والتي أظهرتها الأحداث بأن الحكومة التركية لم تُظهر الكثير من الاهتمام بالمخيم. عبور الحدود جاء بعد الجولة التي تم تسهيلها لنا. القدرة الاستيعابية للمخيم تصل إلى أكثر من 40 ألف شخص، كما أنه مزود بالتكييف والثلاجات والأسرّة، بالإضافة متجر تسوق واحد فقط، الخيم بدتْ مرتبةً في صفوف داخل المُخيم، على الرغم من ذلك يقول اللاجئ مصطفى درويش وهو يحمل طفلته بين ذراعيه ” لا أريد خيمة تُركية، بل أريد أن تقوم تركيا بفتح الحدود للعبور إلى كوباني”.
عندما كنا في كوباني، كان مقاتلو وحدات حماية الشعب (YPG) يتنقلون في المدينة ذهاباً وإياباً بواسطة سياراتٍ متأذية من المعارك، بالإضافة إلى شاحنات صغيرة ودراجات نارية أو عبر المشي على الاقدام، كما أنهم كانوا يقفون في زاوية استراتيجية ويُدفئون أنفسهم بإشعال النار والجلوس حولها، كانوا يحرسون القلعة. احْتَفَلوا بالنصر عن طريق التلويح بالأعلام على السيارات، وعبر رفع عبارات النصر بأصابعهم لكنهم لم يتبجحوا ويتفاخروا بذلك. يقول أحد المقاتلين من وحدات حماية الشعب ويُدعى نهاد، 36 ربيعاً ” لا يزال هنالك عملٌ يجب أن يتم إنهاؤه”، ويُضيف ” سأكون سعيداً وبشدة فقط عندما يتم تحرير القرى المحيطة بمدينة كوباني، بالإضافة إلى تحرير كامل تراب سورية وهزيمة التنظيم بشكل نهائي”.غالبية القرى المُحيطة بمدينة كوباني، والتي يُقدر عددها بما يزيد عن الـ 300، لا تزال تحت سيطرة تنظيم “داعش”.
صوت المعركة المُستمرة في القرى يُمكن سماعه بحلول المساء. أصوات الطلقات النارية، المدفعية، الطائرات التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تطير فوق منطقة المعارك، وهي التي ساعدت القوات الكُردية لاستعادة السيطرة على كوباني. تلك الطائرات بشكل واضح تقوم بمهام استطلاع، لأنها لم تقم بإسقاط أي قنبلة. يقول أنور مسلم الرئيس التنفيذي لمقاطعة كوباني وهو واقف في ساحة آزادي (الحرية) ” نحن لا نزال نتشارك المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة الأمريكية” ويُضيف ” المساعدة المُستمرة التي يقدمها التحالف الدولي تبقى هي الأساسية والحيوية”.
الضربات الجوية التي يُنفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة لا تزال مُستمرة، حيث تم الإعلان يوم السبت الفائت، عن تنفيذ 27 ضربة جوية نُفذت في كلٍ من العراق وسورية، وذلك منذ يوم الجمعة، حيث أن ثُلثي الغارات نُفِذَ بالقرب من كوباني. يقول عصمت شيخ حسن، وزير دفاع المقاطعة، بأنه “لا يستطيع أن يُقدم أي تنبأ بالمدة التي ستستغرقها عملية تحرير القرى، لكنه يقول ذلك أسهل من تحرير المدينة “. ويضيف حسان قائلاً ” بالنظر إلى المباني المُدمرة المحيطة بكم، ستعرفون بأنه كنا مضطرين أن نحارب للحصول على كل شارع، كل منزل”.
وفقاً لمصادر كُردية فإنه في الأيام القليلة الماضية استعادت القوات الكردية على الأقل خمس قرى من تنظيم “داعش”.أما بخصوص عملية إعادة اعمار المدينة يقول أنور مسلم بأن ” الدعم من المجتمع الدولي أمرٌ أساسي لإعادة الإعمار” ويضيف ” ندعو تركيا لفتح الحدود أمام المساعدات، كما ندعو المنظمات الغير حكومية والولايات المتحدة لمساعدتنا”. الجميع ينتظر ليرى رغبة الحكومة التركية في فتح البوابة الحدودية والسماح بحرية لكل شخص يريد أن يُساهم في مستقبل كوباني.
في وقت سابق خلال شهر يناير/ كانون الثاني 2015، نقلت وسائل إعلام تركية محلية قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ” لن نسمح لشمال سورية أن تُصبح شمال العراق” وذلك في إشارة إلى إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي.تُعارض تركيا الحكم الذاتي الكردي تخوفاً من أن يقوى هذا الادعاء بالحكم الذاتي وينتقل إلى الشعب الكردي في تركيا ويُضعف وحدة الجمهورية التركية. هذا كان السبب وراء معارضة تركيا وصول الإمدادات والدعم العسكري إلى داخل كوباني عبر الحدود التركية في بادئ الأمر.
حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) هو الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب (YPG) كما أنه يرتبط مع حزب العمال الكردستاني في تركيا (PKK) حيث يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الحكومات التركية المتعاقبة منذ 30 عاما، بهدف الحصول على الحكم الذاتي لـ 15 مليون كردي في تركيا. لكن المعارك توقفت في تركيا نتيجة لعملية وقف إطلاق النار التي حدثت في عام 2013.
السيد أنور مُسلم لم يَرِد التعليق على الاعتراضات التركية المُحتملة ضد مساعدة كوباني لكي تقف على قدمها من جديد، لكنه قال ” نتمنى أن نتعاون مع تركيا”.على الجانب التركي كان يقف بضع مئات من القرويين وأغلبهم رجال، منزعجون على مغادرة كوباني، إلى تركيا طلباً للجوء قبل عدة أشهر، لكنهم الآن يريدون العودة ويصيحون ” تحيا مقاومة وانتفاضة الـ YPG”. بعدها سُمح لهم بالدخول إلى كوباني، حيث بدأ تنظيف المدينة.
* صحيفة (the independent) البريطانية. إعداد وترجمة: قصي شيخو.